سقوط الیمین عن المنکر مع اقامة البینة (۲۶ ربیع الاول ۱۴۴۴)

بحثنا في فرض وجود بيّنة في يد أحدهما مع كون أحدهما ذا يد. لكن لو كان لذي اليد بيّنة فهل لبيّنته تأثير في سقوط اليمين عنه؟ صرّح العلّامة في التّحرير بعدم الحاجة إلى اليمين وذهب إلى ذلك بعض آخر، فيما ذهب آخرون إلى لزوم الحلف كصاحب الرّياض وهذا هو ما اختاره السّيّد الخوئيّ في المقام.

واستدلّ السّيّد الخوئيّ بما ذكرنا من أنّ إطلاقات أدلّة البيّنة مقيّدة بإطلاقات دليل اليمين على المدّعى عليه.

ولا يصحّ الاستدلال على عدم لزوم الحلف برواية حمّاد بن عثمان بأنّ الإمام عليه السّلام كان ذا يد ولم يحلف وبالتّالي فلا يجب الحلف على ذي اليد إذا كانت له بيّنة، لأنّ الرّواية ليست في مقام القضاء بل كان ما ذكر في مقام تكذيب ذاك المدّعي. ونصّها: عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن البرقيّ عن محمّد بن يحيى عن حمّاد بن عثمان، قال:"بينما موسى بن عيسى في داره الّتي في المسعى يشرف على المسعى، إذ رأى أبا الحسن موسى عليه السّلام مقبلًا من المروة على بغلة فأمر ابن هياج _رجل من همدان منقطعًا إليه_ أن يتعلّق بلجامه ويدّعي البغلة، فأتاه فتعلّق باللّجام وادّعى البغلة، فثنى أبو الحسن عليه السّلام رجله ونزل عنها وقال لغلمانه: خذوا سرجها وادفعوها إليه، فقال: والسّرج أيضًا لي، فقال: كذبت عندنا البيّنة بأنّه سرج محمّد بن عليّ، وأمّا البغلة فإنّا اشتريناها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت".[1]

وعليه، مع كون السّيّد الخوئيّ ملتزمًا بحجّيّة بيّنة المدّعى عليه إلّا أنّه لا يراها مسقطة للزوم يمينه.

وتنقيح المقال يقع في مقامين:

أمّا المقام الأوّل: مقتضى القاعدة. الثّاني: الوقوف على نصّ خاصّ في القضيّة.

أمّا الأوّل؛ الصّحيح أنّه لا حاجة لحلف ذي اليد صاحب البيّنة لأنّه لا يستفاد رواية "البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر" أنّه يجب حتمًا على المنكر الحلف بل كما فسّرها السّيّد الخوئيّ معناها بأنّ المدّعي ليس ملزمًا بالبيّنة. وفرق بين القول إنّه ليس ملزمًا بالبيّنة وبين القول إنّ بيّنته ليست بحجّة؛ لأنّ المراد من عدم الإلزام بالبيّنة التّخفيف عنه والاكتفاء بيمينه، فيما لا يُكتفى من المدّعي باليمين بل لا بدّ أن يأتي ببيّنة على مدّعاه لزومًا كما لا يُكتفى بيمين المنكر في باب الدّماء بل لا يتخلّص إلّا بالبيّنة. والعجب أنّ السّيّد الخوئيّ الّذي فسّر النّصّ بما مرّ يقول هنا بأنّه يجب عليه هنا اليمين لا غير، وهل هذا إلّا تهافت بين الكلامين؟ وهل هذا إلّا رفع لليد عن حجّيّة بيّنة المدّعى عليه بعدما أثبتها؟ إذ لا أثر لحجّيّة البيّنة عند عدم التّعارض إلّا إسقاط اليمين، فإن قيل بلزوم يمينه لكان ذلك مساوقًا للقول بعدم حجّيّة البيّنة هنا.

ويؤيّده ما جاء في رواية العلل المعتبرة عندنا وإن كان فيها كلام عند القوم من جهة محمّد بن سنان. والمستفاد منها أنّه حيث كان للمدّعى عليه بيّنة أُخذ بها وإن كان قد خُفّف عنه لأنّه يصعب إقامة البيّنة على العدم والجحود، إذ يلزم من النّفي أن يلازم الشّاهد المشهود له ليل نهار لينفي طبيعة الشّيء فيما الأمر في الإثبات أيسر وأسهل.

ونصّها:وفي العلل وفي عيون الأخبار بأسانيده عن محمّد بن سنان عن الرّضا عليه السّلام فيما كتب إليه من جواب مسائله في العلل: والعلّة في أنّ البيّنة في جميع الحقوق على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ما خلا الدّمّ، لأنّ المدّعى عليه جاحد ولا يمكنه إقامة البيّنة على الجحود لأنّه مجهول وصارت البيّنة في الدّمّ على المدّعى عليه واليمين على المدّعي لأنّه حوط يحتاط به المسلمون لئلّا يبطل دم امرئ مسلم وليكون ذلك زاجرًا وناهيًا للقاتل، لشدّة إقامة البيّنة على الجحود عليه، لأنّ من يشهد على أنّه لم يفعل قليل، وأمّا علّة القسامة أن جعلت خمسين فلما في ذلك من التّغليظ والتّشديد والاحتياط لئلّا يهدر دم امرئ مسلم".[2]

وأمّا المقام الثّاني؛ فهنا روايتان خاصّتان تفيد أنّ الإلزام باليمين للمنكر هو حيث لا بيّنة له.

الأولى: الصّحيحة: عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن النّضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:"في كتاب عليّ عليه السّلام إنّ نبيًّا من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم أر ولم أشهد قال: فأوحى الله إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلّفهم به وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة".[3]

الثّانية: الصّحيحة: عن محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النّضر بن سويد عن عاصم عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرّجل يقيم البيّنة على حقّه هل عليه أن يستحلف؟ قال: لا". ومثلها عن أبي العبّاس عن أبي عبد الله عليه السّلام ومثلها عن الكلينيّ بسند ثالث.[4]

هاتان روايتان أوردها الفقهاء في مورد المدّعي فقط ولم يعمّموها إلى مورد كون ذي اليد صاحب البيّنة مع أنّ الإطلاق فيهما واضح جليّ.

 

[1]  الوسائل،ج27،باب أنّه يستحبّ للمدّعى عليه تصديق المدّعي،ح1،ص291.

[2]  الوسائل،ج27،الباب الثالث من أبواب كيفيّة الحكم،ج6،ص235.

[3]  الوسائل،ج27،الباب الأوّل من أبواب كيفيّة الحكم،ج1،ص229.

[4]  الوسائل،ج27،الباب الثّامن من أبواب كيفيّة الحكم،ح1،ص243.

برچسب ها: دعوی الاملاک

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است