دعوی الاملاک (۳ ربیع الثاني ۱۴۴۴)

انتهى بنا البحث إلى الحالة الثّانية من الصّورة الثّانية.

ما لو ادّعى المتنازعان الملك وكان لكلّ منهما يد وكان لأحدهما بيّنة، حكم السّيّد الخوئيّ بأنّ قول ذي البيّنة مسموع مع يمينه؛ لكنّ الكلام مشكل مبنى وبناءً:

أمّا مبنائيًّا:

صحيح أنّنا قلنا سابقًا بأنّ البيّنة حجّة سواء كانت من المدّعي أم من المدّعى عليه، لكنّ الذّهاب إلى لزوم اليمين على من له بيّنة مبتنٍ على مختاره في الصّورة السّابقة الّتي كان فيها لأحدهما يد على المال وكان صاحب بيّنة أيضًا، حيث حكم هناك بوجوب اليمين على ذي اليد. وقلنا هناك إنّه لا لزوم لليمين على من قدّم بيّنة. فنقول هنا بالتّبع: لا لزوم لليمين على صاحب البيّنة ولو كان صاحب يد كما في الفرض. ولم يقم السّيّد الخوئيّ دليلًا خاصًّا على لزوم اليمين هنا؛ ورواية إسحاق كانت مرتبطة بما لو كان لكلا المتنازعين بيّنة ولا تشمل هذا الفرض حيث البيّنة بيد أحدهما.

والحال هذا، فكأنّه أراد تخريجها على القاعدة بحيث يكون صاحب اليد مدّعى عليه، ويجب على المدّعى عليه اليمين، ولا يُكتفى ببيّنته؛ لأنّ ذلك خلاف مفاد الرّوايات الّتي تثبت أنّ فصل الدّعاوى في المنكرين إنّما يكون بالاعتماد على أيمانهم. لكنّ الصّحيح ما كان تقدّم من أنّ تلك الرّوايات لا تثبت مثل هذا الوجوب المطلق.

وأمّا بنائيًّا:

فإنّنا نقول حتّى على مسلك السّيّد الخوئيّ لا يلزم اليمين هنا؛ لأنّ كلًّا من المتنازعين صاحب يد ويد كلّ منهما أمارة على الملك، لكن على الاشتراك أي يد كلّ منهما حجّة على النّصف، وبالتّالي كلّ منهما بالنّسبة إلى النّصف الّذي تحت يده منكر وبالنّسبة إلى النّصف الّذي تحت يد منازعه مدّعٍ، وبيّنة المدّعي لا تحتاج إلى يمين معها. والحال هذا، فالصّحيح أنّ ذا البيّنة يأخذ حقّه أي النّصف المشاع بدون يمين، فيما يبقى النّصف الآخر، فإن حلف أخذه وإلا كان للآخر.

وأمّا الحالة الثّالثة وهي ما لو كانا ذوَي يد ولم يكن لأيّ منها  بيّنة؛ فقد حكم السّيّد الخوئيّ فيها بحكم الحالة الأولى بحيث: إن حلفا أو نكلا ينصّف المال بينهما، وإن حلف أحدهما يحكم له.

ولا نصّ خاصّ هنا، فيعتمد في حكمه على القاعدة. وليس الفرض مشمولًا برواية إسحاق؛ لأنّ الفرض فيها ما لو كانا ذوَي بيّنة، فحكم الإمام بأن يُستحلفا، فإن حلف أحدهما فالمال له، وإن حلفا فالحكم هو التّنصيف؛ وسرّينا هذا الحكم إلى حالة ما لو كانا ذوَي يد مع بيّنتهما وحلفا فحكمنا بالتّنصيف أيضًا كما تقدّم.

وهنا دعوى للسيّد الخوئيّ مفادها: أنّه قد دلّت النّصوص على أنّه في كلّ مقام يُحكم فيه بالبيّنة، ففي صورة فقد البيّنة يُحكم فيه باليمين، بحيث تقوم اليمين مقام البيّنة حيث لو كانت لقضي لصاحبها. لكنّنا لم نجد رواية بهذا المعنى، وهكذا مضمون لا يُستفاد من رواية إسحاق؛ لأنّ فرضها ما لو كانا ذوَي بيّنة. لكن قد يكون قصد استفادة هذه النّتيجة من ضمّ الرّوايات المستفاد منها حجّيّة بيّنة المدّعى عليه إلى الرّوايات المستفاد منها كون اليمين وظيفة المنكر. لكنّ هذه الاستفادة بعيدة جدًّا.

والصّحيح على القاعدة، في حال كانا صاحبي يد وكانت يدهما حجّة على الاشتراك وكان كلّ منهما مدّعيًا لملكيّة كلّ المال ولم يكن لأيّ منهما بيّنة؛ فيلزم ليدفع كلّ منهما دعوى الآخر أن يحلف على ملكيّة النّصف الّذي تحت يده أي الّذي له حجّة على ملكيّته، وإلّا إذا نكلا خرج النّصف الّذي تحت يد كلّ منهما عن ملكيّته ودخل النّصف الّذي تحت يد الآخر في ملكه. وإذا حلف أحدهما ونكل الآخر، فإنّها تثبت ملكيّة من حلف على النّصف الّذي تحت يده وكذا تثبت ملكيّته على النّصف الّذي تحت يد الآخر بنكوله بناءً على كون النّكول مثبتًا للملك. وإن كان السّيّد الخوئيّ لا يراه كذلك وعليه يلزم على مبنى السّيّد الخوئيّ أن يحلف يمينًا ثانيًا لتثبت ملكيّته على النّصف الآخر.

ذكر صاحب الجواهر كلامًا دقيقًا هنا؛ مفاده أنّ المحقّق قد حكم في الشّرائع بالتّنصيف على الإطلاق. وذكر الشّهيد الثّاني ثلاثة وجوه لهذا الادّعاء:

الأوّل: تتعارض البيّنتان؛ فتتساقطان وكلّ منهما له يد على نصف المال فينصّف المال بينهما.

الثّاني: تتعارض البيّنتان؛ فترجّح كلّ بيّنة بما في يد صاحبها ويحكم بالتّنصيف.

الثّالث: جاء هذا الوجه في كلام المحقّق بأنّ هذا الحكم على القاعدة لأنّ كلًّا منهما له يد على النّصف فكلّ منهما هو بالنّسبة إلى نصفٍ داخل وبالنّسبة إلى نصف آخر خارج، وبيّنة الدّاخل لا حجّيّة لها والمعتبرة فقط هي بيّنة الخارج، ولا لزوم لليمين فبيّنة كلّ منهما لا اعتبار لها بالنّسبة إلى النّصف الّذي تحت يده ولها اعتبار بالنّسبة إلى النّصف الّذي تحت يد الآخر.

بعد أن نقل صاحب الجواهر هذه الوجوه الثلاثة للشّهيد الثّاني علّق مبيّنًا الثّمرة العمليّة؛ وذلك أنّه بناء على الوجه الأوّل يكون الحكم بالتّنصيف محتاجًا إلى اليمين فيما بناءً على الوجهين الآخرين فلا حاجة لليمين. فبعد تساقط البيّنتين يصبح المتنازعان كما لو لم يكن لهما بيّنة رأسًا وبما أنّ لهما يدًا على المال يحلفان من حيث إنّ كلّ واحد منها مدّعى عليه. ولا حاجة لليمين على الوجهين الآخرين لكن مع ذلك حكم العلّامة هنا بلزوم اليمين والحال أنّه قائل باعتبار بيّنة الخارج وكونها مقدّمة.

وقد ذكر صاحب الجواهر بيانًا لتوجيه كلام العلّامة، يأتي إن شاء الله تعالى.

 

 

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است