دعوی الاملاک (۱۸ ربیع الثاني ۱۴۴۴)

ما زال الكلام في فرض اختلاف شخصين في الملكية مع عدم كونهما ذوَي يد ولا بيّنة. قد ذهب السّيّد الخوئيّ إلى التّفصيل بين ما لو حلف أحدهما فيُحكم بالمال له وبين ما لو حلفا أو نكلا. والكلام فعلًا في استدلاله على الحكم إذا حلف أحدهما، أي في الصّورة الأولى من هذه الثّلاثة.

وقد استُدلّ كما ذكرنا آنفًا على ذلك بوجوه أربعة:

الأوّل: هو مفاد "إِنَّمَا أَقْضِی‏ بَیْنَکُمْ‏ بِالْبَیِّنَاتِ وَ الْأَیْمَانِ"؛

؛"اَلْبَيِّنَةُ عَلَى اَلْمُدَّعِي اَلْيَمِينُ عَلَى اَلْمُدَّعَى عَلَيْه"الثّاني: هو مفاد   

الثّالث: رواية سليمان بن خالد "ردهم إلي وأضفهم إلى اسمي يحلفون به"؛

والوجه الرابع وهو الّذي أضفناه ودعمنا به استدلال السّيّد الخوئيّ وهو التّمسّك بمفاد صحيحة ابن أبي يعفور:"من حلف لكم بالله على حقّ فصدّقوه".

وقد وقعت هذه الوجوه الأربعة محلًّا للإشكال.

أمّا إشكال الدّليل الأوّل فهي بصدد بيان كون القضاء في شريعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله لا يقوم على الغيبيّات وليست بصدد القول في كلّ مقام إن لم تكن بيّنة وصلت النّوبة إلى اليمين.

وأمّا إشكال الدّليل الثّاني فهو أنّ هذه الرّواية ومثيلاتها بصدد تقسيم الحجج كما ورد مكرّرًا وتعيين كون وظيفة المدّعي ليثبت حقّه هو الاتيان بالبيّنة فيما يُكتفى من المدّعى عليه باليمين فيخلّص حقّه بها.

أمّا الإشكال على الرّابع والثّالث، فهو أنّه وإن كانت دلالة الرّوايتين على المطلوب تامّة، ولكنّها محكومة من روايات عيّنت كون اليمين مسموعة من المدّعى عليه وليست مسموعة من المدّعي أي أسقطت الاعتبار عن يمين المدّعي، نعم فيما عدا الدّمّ.

بعد أن نقل المحقّق الآخوند عن المحقّق الرّشتيّ قوله في موارد تعارض البيّنتين بأنّهما تتساقطان بحيث تصل النّوبة إلى اليمين، لأنّه جاء في الدّليل "إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان". فبعد تعارض البيّنتين تتساقطان ويصير المقام كلا بيّنة وحينئذٍ لا سبيل إلى حلّ الخلاف والفصل في الخصومة إلّا باليمين بعد أن فقدت البيّنة. يردّ الشّيخ الآخوند على ذلك بأنّه لا يصحّ القضاء باليمين، إذ ليس على اعتبار اليمين دليل فليس، إذ ليس فليس. وليست الرّواية بصدد جعل الاعتبار لليمين، بل معناها حيث قضيتُ فأقضي بأحدهما بشرطه وشروطه، وإلّا إن لم تتمشّى الاستفادة من هذين لانعدام شرطه لم أقض.

حكم المحقّق الخراسانيّ بكون التّنافي الواقع بين البيّنتين هو من باب التّزاحم لا التّعارض _ويقول شيخنا الأستاذ:لم أر له ثانيًا_؛ ولذا حكم بالتّخيير مع وجود البيّنتين، أي نفس التّخيير الذي في باب الضّدّين يجري في المقام، فيكون للقاضي أن يقضي بهذه البيّنة أو تلك أو بنصف لهذه ونصف لتلك. وذلك لأنّه يرى كون البيّنة بلحاظ الواقع طريقيّة ولكنها من جهة الفصل في الخصومات فلها موضوعيّة. وبناءً على هذا يكون للقاضي أن يحكم على أساس البيّنة حتّى مع العلم بكذب البيّنة، لولا الإجماع فرفع يده عن مقتضى القاعدة.

قال المحقّق الخراسانيّ في تقريرات بحثه:"ثمّ إنّه بناء على ما زعمه البعض (يقصد المحقّق الرّشتيّ) من التّساقط فهل يقضى باليمين كما زعمه من جهة أنّه لا مانع من القضاء بها إلّا القضاء بالبيّنة لانحصار ميزان القضاء فيهما، فإذا تعذّر القضاء بالبيّنة بسبب التّساقط تعيّن القضاء باليمين، هل يقضى باليمين أم لا؟ الأقوى الثّاني، وذلك لأنّ القضاء باليمين يحتاج إلى دليل وليس فليس".

وكنا قد ذكرنا أنّ كلًّا من المتنازعين مدّعٍ ومدّعى عليه، وهنا يذكر المحقّق الخراسانيّ دعوى هي أنّ المدّعى عليه لا يتلبّس بهذا العنوان إلا بالتّشبّث بالمال كما لو كان له يد أو أصل موافق لقوله. ولكن كيف ذلك؟ المدّعى عليه ليس لها معنى شرعيّ بل على معناها اللّغويّ.

الوجه الخامس: هي رواية إسحاق بن عمار مع إلغاء الخصوصيّة. ونصّها:"فقيل له فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة قال أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف فإن حلفا جميعًا جعلتها بينهما نصفين". ومفروضها ما لو كان للمتنازعين بيّنة ولم يكن لهما يد، حلّفهما فإن حلف أحدهما قضي بالمال له وإن حلفا حكم بالتّنصيف.

ومع تعارض البيّنتين تتساقطان وتصل النوبة الى اليمين، فالبيّنتان المتعارضتان كلا بيّنة ويرجع المقام إلى فرض الرّواية فيُستدلّ بها على الحكم.

وأشكل شيخنا الأستاذ: بأنّه لا معنى لإلغاء الخصوصيّة هنا إذ لم يحكم الإمام بسقوط البيّنتين المتعارضتين، بل لعلّ اليمين ترجّح بيّنة صاحبها، بحيث يكون من موازين القضاء البيّنة المنضمّة إلى اليمين، فيقضى لمن له بيّنة ويمين.

نعم لا يمكن إعمال حجّيّة البيّنة على أساس إطلاقات حجّيّة البيّنة لكن لا ندري الحكم هو على البيّنة المنضمة إلى اليمين أم على اليمين والبيّنة بحكم المعدومة.

وبالتالي لا يمكن تسرية الحكم إلى ما نحن فيه حيث المقام لا بيّنة ولا يد والحكم هنا بما حكم في مورد تعارض البيّنتين مع عدم اليد إذ أول الكلام كون البيّنتين المتعارضتين بمنزلة عدم البيّنة ولو بضميمة اليمين.

وعلى هذا لا يتمّ أيّ من الوجوه المقدّمة للاستدلال ونرجع إلى مقتضى القاعدة: لا يحكم بشي لأيّ منهما، لأنّه لا يوجد ما يثبت المال لأحدهما، ويصير المال مالًا مجهول المالك، ولكن له مدّعٍ، ويصير المورد من قبيل اللّقطة الّتي يدّعيها اثنان، ولا يوجد فقيه قال هنا بأنّه يقضى باليمين.

وهنا نذكر نكتة: إذا حلفا: تارةً يكون الحلف على نفي دعوى الآخر وأخرى يكون الحلف على إثبات كونه مالكًا. فإذا نفى كلّ منهما كون المال للآخر بيمينه،فلا تعارض بين اليمينين، وبالتّالي لم يكن المال لأحدهما وصار لبيت المال. نعم، إذا حلف كلّ منها على كونه مالكًا فيحصل التّعارض ولكن إذا حصل التّعارض تساقطت البيّنتان ولا فاصل يفصل في الخصومة فيرجع المال مجهول المالك أيضًا. والأثر الوحيد الّذي يترتّب على كون اليمين على النّفي أو على الإثبات في المقام، هو أنّه إذا حلفا على النّفي فقد خرجا عن دائرة أطراف العلم الإجماليّ بالمشتبه الملكيّة وأمّا إذا حلفا على الإثبات فبقيا من ضمن الأطراف المشتبهة الملكيّة، وإن كان لا أثر من جهة رجوع المال إلى المجهوليّة من جهة المالك.

 

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است