عدم إستحقاق الثواب و العقاب علی موافقة و مخالفة الأمر الغيري (الدرس ۶۷)

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الدرس ۶۷
تعرّض الشّيخ الآخوند ضمن بحثه في الواجب النّفسيّ والغيريّ لبحث مهمّ وإن كان كلاميًّا إلّا أنّه يقع تمهيدًا لبحث أصوليّ مهمّ جدًّا هو إمكان تصحيح عباديّة مقدّمات الواجبات، فهل يمكن جعل المقدّمة وتشريعها على نحو عباديّ أو لا؟ ثمّ يطبّق ذلك في مورد الطّهارات الثلاث.

لا شكّ في أنّ امتثال الواجب النّفسيّ موجب لاستحقاق الثّواب وأنّ مخالفته موجبة لاستحقاق العقاب. والاقتصار على ذكر الواجبات دون المحرّمات هو إنّما لكون بحثنا تمهيدًا لتصحيح عباديّة المقدّمات وإلّا لا شك في أنّ استحقاق العقاب والثّواب لا اختصاص له بالواجبات، فمخالفة المحرّمات توجب استحقاق العقاب حتمًا كما أنّ اجتنابها موجب لاستحقاق الثّواب.

وإنّما الكلام هو في موافقة ومخالفة الأمر الغيريّ فهل تكونان على ديدن الأمر النّفسيّ، بحيث يكون هنا أيضًا استحقاق للثّواب واستحقاق للعقاب.قال الشّيخ الآخوند فيه إشكال بحيث يعمّ الإشكال استحقاق الثّواب في فرض الموافقة وكذا استحقاق العقاب في فرض المخالفة.[1]

وليس استحقاق الثّواب بمعنى استيجابه ذلك من المولى الحقيقيّ كما مرّ في الدّرس السّابق، وإنّما يُفرض ذلك في مثل المولى العرفيّ، لذلك لا بدّ من توجيهه فيما نحن فيه على نحو ينسجم مع طلب المولى الحقيقيّ. أمّا في استحقاق العقاب فلا فرق بين المولى الحقيقيّ والعرفيّ ففي مورديهما يثبت ذلك وهذا بحسب حكم العقل.

وأمّا في استحقاق الثّواب:

فإن كان المراد من الثّواب الأجر، فإنّ العقل لا يحكم باستحقاق العبد له من المولى الحقيقيّ عند الموافقة لأنّه لا معنى للكلام عن استحقاق للأجر في مورد المملوك الّذي شأنه العبوديّة والإطاعة والانصياع لمالكه المتسلّط على كلّ وجوده.

نعم، إن كان المراد من الثّواب المدح، فلا إشكال في استحقاق العبد له عند الموافقة عقلًا فوإن لم يكن مستحقًّا للأجر من المولى الحقيقيّ إلّا أنّه يمدح عند العقلاء، وهذا لا فرق فيه أيضًا بين المولى الحقيقيّ وغيره.

أمّا استحقاق الثّواب والعقاب على الأمر الغيريّ:

التّحقيق بحسب الشّيخ الآخوند هو عدم استحقاق العبد للثّواب عند الموافقة ولا للعقاب عند المخالفة[2]، فحيث أدّى المكلّف ذا المقدّمة لا يستحقّ ثوابًا إضافيًّا على اتيانه المقدّمات أيضًا، كما أنّه إذا ترك ذا المقدّمة فلا عقوبة مستقلّة على تركه للمقدّمات. هذا كلّه بما هو موافقة ومخالفة للأمر الغيريّ لكن من جهة أخرى وبلحاظ آخر يمكن أن تكون موافقته موجبة لاستحقاق الثّواب ومخالفته موجبة لاستحقاق العقاب كما سيبيّن.

والدّليل على ذلك: هو حكم العقل[3]. فالعقل يحكم بأنّ من أدّى واجبًا بمقدّماته لا يستحقّ أكثر من ثواب واحد، فلو كان مستحقًّا للثّواب على امتثال المقدّمات أيضًا لوجب تعدّد الثّواب وأن يكون أكثر من واحد على الأقلّ كما في فرض وجود مقدّمة واحدة، في حين أنّ العقل حاكم بوحدة الثّواب وهذا هو مقتضى الوجدان العقلائيّ.

كما أنّه لو خالف العبد الواجب النّفسيّ ولو بترك مقدّماته فإنّه لا يستحقّ أكثر من عقوبة واحدة، ولو كانت مخالفة الأمر الغيريّ موجبة لاستحقاق العقوبة للزم استحقاق العبد لعقوبات متعدّدة، عقوبة على ترك ذي المقدّمة وعقوبة على ترك المقدّمات أو بعضها بل على مبنى وجوب المقدّمة الموصلة يلزم تعدّد العقوبة ولو جاء بكلّ المقدّمات إن لم يأت بذيها، لأنّ المقدّمة الواجبة هي الموصلة لا مطلق مقدّمة على مسلك صاحب الفصول، ففاعل المقدّمة غير الموصلة ليس فاعلًا للمقدّمة. هذا ووجدان العقل حاكم بعدم استحقاق أكثر من عقوبة بترك ذي المقدّمة ولو من جهة ترك مقدّماتها سواء كانت قليلة أم كثيرة وعلى أيّ مبنى كان.

هذا دليل الشّيخ الآخوند على عدم استحقاق العقاب على مخالفة أوامر المقدّمات لكنّه لم يكتف بهذا المقدار فلم ينقطع السّؤال لماذا لا يستحقّ العقاب على ترك المقدّمات؟ لذا تعرّض لتحليل حكم العقل هذا، ببيان أنّ الثّواب والعقاب هما من تبعات قرب وبعد العبد من المولى[4] وهذان يفترضان في الأوامر والتّكاليف النّفسيّة دون الأوامر الغيريّة الّتي لا توجب موافقتها قربًا ولا بعدًا من المولى. إذ القرب والبعد يترتّبان على فعل مراد المولى ومخالفة مراده، وليس مراد المولى إلّا ذاك المحبوب والمطلوب النّفسيّ، وليست الغيريّات إلّا ما يقع في امتداد ذاك المراد والمحبوب المولويّ والحال هكذا فامتثال الأمر الغيريّ لا يوجب قربًا من المولى وهكذا الأمر في المخالفة، فمن خالف المقدّمة لم  يخالف مطلوب المولى ومحبوبه.

نعم بترك المكلّف للمقدّمات يكون قد أهمل مراد المولى النّفسيّ لكن نفس ترك تلك المقدّمات ليس إهمالًا لمطلوب المولى ومراده. فالنّكتة في كون الأوامر الغيريّة غير موجبة لاستحقاق الثّواب هو حكم العقل بعدم استحقاق أكثر من ثواب وبرهان عدم استحقاق الثّواب هو أنّ استحقاق الثّواب يكون بلحاظ تحصيل القرب من المولى والأمر الغيريّ لا يوجب قربًا من المولى لأنّها ليست مرادات للمولى بل مراداته هي الأوامر النّفسيّة.

ويضيف الشّيخ الآخوند أنّ موافقة ومخالفة الأمر الغيريّ لا توجب استحقاق ثواب ولا عقاب لكن بما هي موافقة ومخالفة للأمر الغيريّ لكن يمكن أن توجب ذلك بملاك آخر.

ذكر موردين ومناطين على أساسهما يُحكم باستحقاق الثّواب والعقاب في مورد الأوامر الغيريّة:

الأوّل: إذا كان ترك المقدّمة مستلزمًا بنفسه لمخالفة ذي المقدّمة فإنّنا نحكم عندها باستحقاقه للعقاب بمجرّد ترك المقدّمة.[5] وهذا فيما لو ترك المقدّمة بحيث لا يمكن بعدها الاتيان بها فيفوت ذو المقدّمة كما لو كان وقت الواجب قصيرًا لا يمكن بعد ترك المقدّمة الاتيان بها مجدّدًا كما لو أهمل المكلّف الوضوء إلى آخر الغروب بحيث لم يبق حصّة من الوقت يمكن فيها الاتيان بالصّلاة عن وضوء, فالمكلّف قد عصى بمجرّد ترك المقدّمة واستحقّ عقوبة ترك الصّلاة مع الوضوء من حينها، فهذا استحقاق للعقاب من حين ترك المقدّمة لا على ترك المقدّمة بل على ترك ذيها وعلى تعجيز النّفس عن فعل ذي المقدّمة.

فهنا مورد يحكم باستحقاق العقاب على ترك الأمر الغيريّ لكن لا بما هو هو بل بما هو مستتبع لترك الأمر النّفسيّ.

وإن شئت فقل:

لا يكون الأمر الغيريّ مستتبعًا للعقاب على نفس الأمر الغيريّ في أيّ مورد من الموارد بل مخالفة الأمر الغيريّ يستحق العقوبة على ترك الأمر النّفسيّ.

وعليه فاستحقاق العقاب على مخالفة الأمر الغيريّ لا مورد واحد له حتّى، لأنّ ما ذكره من مورد يثبت فيه استحقاق العقوبة لكن هذه العقوبة على مخالفة الأمر النّفسيّ لا الغيريّ، فهذا الاستحقاق للعقوبة هو في ظرف مخالفة الأمر الغيريّ لا على مخالفة الأمر الغيريّ وفرق كبير بينهما.

فما ذكره الشّيخ الآخوند من أنّ مخالفة الأمر الغيريّ لا عقوبة عليها بقي بلا تخصيص، فهنا استحقاق العقوبة ليس على مخالفة الأمر الغيريّ بل على مخالفة الأمر النّفسيّ عند مخالفة الأمر الغيريّ.

الثّاني: إنّه لا يستحقّ الثّواب على موافقة الأمر الغيريّ بما هي موافقة للأمر الغيريّ، لكن يُستحقّ الثّواب من حيث إنّه يوجب عنوانًا في ذي المقدّمة فيثاب العبد على ذي المقدّمة بثواب مغاير لما يثاب به حيث لا تكون هذه المقدّمة.[6] إذا تعنون ذو المقدّمة بواسطة المقدّمة بعنوان الأحمزيّة والأشقّيّة فإنّ ثواب المطلوب النّفسيّ يكون أكثر من ثوابه حيث لا تكون هذه المقدّمة. فثواب الصّلاة بالوضوء المتوقّف على حفر بئر احتاج لساعات من التّعب والجهد أعظم وأكبر من ثواب الصّلاة بوضوء بماء صنبور حارّ في الشّتاء وبارد في الصّيف وكذا الفرق بين صلاة الخائف وصلاة الآمن وهكذا.

وليس الأمر هنا أنّ في المقام ثوابًا على الصّلاة وآخر على المقدّمة بل ثواب واحد هو على الواجب الّذي تعنون بعنوان الأحمز والأشقّ فيكون أكبر ثوابًا.

ثمّ في ذيل كلامه بدّل الشّيخ الآخوند عبارته إلى:"بما هو شروع في إطاعة الأمر النّفسيّ"[7]، وكأنّ مراده من هذه العبارة هو ما مرّ من أنّ المقدّمة الشّاقّة توجب عروض الأحمزيّة على الواجب النفسيّ نفسه وليس مطلبًا جديدًا، فلا نعيد.

لكن كيف يمكن في مثل الطّهارات الثّلاث اشتراط القربة؟ هل يعقل أن تكون صحّة العمل غير الموجب للقرب مشروطة بقصد القربة؟

 

[1]  أنظر الكفاية،ج1،ص156:"وأمّا استحقاقهما على امتثال الغيريّ ومخالفته ففيه إشكال".

[2]  المصدر نفسه:"وإن كان  التّحقيق عدم الاستحقاق على موافقه ومخالفته بما هو موافقة ومخالفة".

[3]  المصدر نفسه:"ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلّا لعقاب واحد أو لثواب كذلك".

[4]  المصدر نفسه:"وذلك لبداهة أنّ موافقة الأمر الغيريّ...لا توجب قربًا ولا مخالفته بما هو كذلك بعدًا والمثوبة والعقوبة إنّما تكونان من تبعات القرب والبعد".

[5]  المصدر نفسه:"نعم لا بأس باستحقاق القوبة على المخالفة عند ترك المقدّمة".

[6]  المصدر نفسه:"وبزيادة المثوبة على الموافقة فيما لو أتى بالمقدّمات بما هي مقدّمات له من باب أنّه يصير حينئذٍ من أفضل الأعمال حيث صار أشقّها وعليه ينزّل ما ورد في الأخبار من الثّواب على المقدّمات أو على التّفضّل فتأمّل جيّدًا".

[7]  المصدر نفسه:"وذلك لبداهة أنّ موافقة الأمر الغيريّ بما هو أمر لا بما هو شروع في إطاعة الأمر النّفسيّ لا توجب قربًا".

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است