المقدمة الموصلة (الدرس ۷۹)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ذكر الشّيخ الآخوند كما أسلفنا ثلاثة وجوه في إبطال كلام صاحب الفصول:

الإشكال الأوّل: قصور المقتضي بحيث لا موجب لأخذ قيد الموصلة في المقدّمة، فالغرض من وجوب المقدّمة هو التّمكّن من ذيها ولا موضوعيّة للتّرتّب في حصوله. وقد مرّ الإشكال على هذا الكلام  لكن لا بما ذكره بعض الأعلام كالمحقّق الأصفهانيّ والسّيّد الخوئيّ من عدم دخالة المقدّمة في التّمكّن لا الذّاتيّ ولا الوقوعيّ لذيها. بل نردّ عليه بأنّه لا محذور ولا مانع في أن يعيّن المولى الواجب من المقدّمة في حصّة خاصّة من التّمكّن المنتهي إلى ذي المقدّمة،. وهذا لا بنحو تكون الموصليّة قيدًا بل من حيث تكون الحصّة الخاصّة الوافية بغرض التّمكّن المتوئم لذي المقدّمة هي الواجبة. ومن هنا تنقدح الفروق وتنجلي رجاء أن لا يقع الخلط، ففي البين فعل مقدّميّ يقع في طريق التّوصّل إلى ذي المقدّمة وهو محصّل لغرض التّمكّن العامّ أي لا بحصّته الخاصّة، وآخر مقدّميّ يزيد على الأوّل في كونه محصّلًا لحصّة خاصّة من التّمكّن الملاصق لحصول ذي المقدّمة وترتّبه. وبحسب ما قدّمنا هذا الثّاني هو الواجب خاصّة، فيما صاحبه محصّل للغرض المقدّميّ غير الموصليّ ليس إلّا. وثمرته أنّه لو كان متّصفًا بالحرمة لما رفع المولى اليد عن حرمته وبقي عليها، فيما الفعل المقدّميّ المحصّل لغرض الحصّة الخاصّة يتّصف فعلًا بالوجوب ويرتفع حكمه اللّولائيّ أي الثّابت له قبل عروض عنوان المقدّميّة عليه. نعم، غاية الأمر أنّ رفع اليد عن الحرمة ليس مطلقًا بل مشروط وعلى نحو التّرتّب لقولنا بجواز ذلك.

الإشكال الثّاني والثّالث: يجتمعان في ادّعاء المانع عن اتّصاف المقدّمة الموصلة بالوجوب، بمعنى أنّه لا يمكن تقييد الواجب بالتّوصّل بالفعل. وذلك لأمرين أحدهما نقضيّ والآخر حلّيّ. أمّا أوّلهما فهو استلزام التّقييد بالموصلة لاختصاص الوجوب بالتّوليديّات والتّسبيبيّات حيث يترتّب ذو المقدّمة قهرًا على المقدّمة، فتخرج المقدّمات الشّرعيّة الاختياريّة عن حريم البحث رأسًا، ليكون القول بالموصليّة مساوقًا فعلًا للقول بإنكار وجوب المقدّمة تقريبًا. وأمّا ثانيهما فهو استلزام ذلك لعدم سقوط الأمر المقدّميّ مع أنّه ساقط عند الكلّ بلا إشكال. [1]

وأمّا مناقشة إشكاله الثّاني فهي بالإيراد على جعله ترتّب ذي المقدّمة على نسق واحد وهو خصوص القهريّ، فيما الحقّ أن يُفصّل بين ترتّب قهريّ وآخر إراديّ، ويصدق في كليهما أنّ ذا المقدّمة ترتّب على مقدّمته. ومن هنا ترى من ذهب إلى القول بوجوب المقدّمة الموصلة قال بها في الشّرعيّات بحيث بعد أن يؤتى بها لا بدّ من الاتيان بذيها لكن عن إرادة مستقلّة وعلى نحو اختياريّ لا قهريّ، ولم يخصّصوا الوجوب التّوليديّات. وبعبارة أخرى، إنّ الواجب هي المقدّمة المشروطة بشرط متأخّر هو إرادة ذيها وتحصيله بالفعل، على نحو لو لم يرد المكلّف ولم يعزم وبالتّالي لم يفعل ذاها لفقدت المقدّمة شرطها المتأخّر ولانكشف عدم وقوعها مصداقًا للواجب. والظّاهر بالقرائن أنّ لفظ التّرتّب هو الّذي سبّب اشتباهًا عند الشّيخ الآخوند فحمله على خصوص القهريّ التّوليديّ. إذا تبيّن هذا: تحصّل عدم نفع ما ذُكر في إبطال كلام صاحب الفصول وأنّ منشأ الإشكال لفظيّ. ولنا أن نعبّر بالتّحقّق بدل التّرتّب لرفع التّشوّش في المعنى، وتكون المقدّمة الواجبة هي الّتي يتحقّق بعدها ذوها ولو بإرادة مستقلّة، فالمقام أعمّ من التّوليديّات وغيرها، والوجوب لا يختصّ بقسم دون آخر بل يترشّح -إن قيل به- على الكّل.[2]

وأمّا مناقشة إشكاله الثّالث: ومفاد إشكاله ما تقدّم من قوله باستلزام التّقييد بالموصلة لمحذور عدم سقوط الأمر المقدّميّ عند الاتيان بذات المقدّمة ليُرتّب على ذلك وجوب استئناف الاتيان بالمقدّمة كأنّ شيئًا لم يكن، مع أنّ صاحب الفصول قائل بسقوطه. وإذا قلنا بالسّقوط فليس ذلك إلّا بسبب الموافقة والإطاعة، إذ لا صغرى للسّببين الآخرين من أسباب سقوط الأمر أي العصيان وارتفاع الموضوع. وليس معنى كون الأمر قد سقط بالامتثال إلّا أنّ المأتيّ به مصداق للواجب.                                                                                                                                         ثمّ ردّ هنا صاحب الكفاية إشكالًا مفاده أنّ السّقوط قد حصل بالغرض لا بالموافقة وهذا سبب رابع من أسباب سقوط الأمر لأنّ المأتيّ به محصّل للغرض وإن لم يكن مصداقًا للواجب. ومفاد ردّ الشّيخ الآخوند أنّه إن كان الفعل محصّلًا للغرض ولم يكن مانع يمنع عن اتّصافه بالوجوب فهل يبقى معنى محصّل لعدم اندراجه تحت المأمور به؟ نعم، مثلًا لو كان للتّوصّل إلى إنقاذ النّفس طريقان أحدهما حكمه اللّولائيّ الإباحة والآخر حكمه الحرمة، ومع عدم انحصار المقدّمة في المحرّمة يبقى الطّريق المحرّم محرّمًا بحيث يمنع عدم انحصاره عن اتّصافه بالوجوب، وإن كان الطّريق محقّقًا للغرض لذا لا يُخاطب بالإعادة والاستئناف. لكن ما معنى عدم اتّصاف الفعل المقدّميّ المحقّق للغرض بالوجوب ولا مانع يمنع؟ ومردّ الكلام تأصيلًا إلى القول بأنّ الوجوب تابع للغرض، وحيث إنّ الغرض فيه ففيه مقتضى الاتّصاف بالوجوب ولا يوجد مانع يمنع، فلا يبقى معنى للقول بعدم الاتّصاف.[3]

والجواب على ذلك[4] بحسب شيخنا الأستاذ على فرعين أوّلهما نقضيّ والثّاني حلّي:

أمّا الأوّل: النّقض على الشّيخ الآخوند بأجزاء الواجبات المركّبة[5] [6].                                                                                     وصورة ذلك أن نقول: لو صلّى الملكّف من صلاة الظّهر ثلاث ركعات وبقي له ركعة، فالأمر هنا بالرّكعات الثّلاث إمّا سقط وإمّا لا؛                 فإن قلنا بسقوطه فهذا خلف كون الواجب المركّب الارتباطيّ ذا أمر واحد بحيث لا يسقط إلّا بتمام العمل؛                                                 وإن قلنا بعدم سقوطه، فسيجيبنا صاحب الكفاية بأنّه كيف يستقيم بقاء الأمر مع كونه من المسلّم عند الجميع أنّه لا يدعو إلى الاتيان بالرّكعات الثّلاث مجدّدًا بحيث يجب على المكلّف أن يقطع الصّلاة ليستأنف ثانيًا وثالثًا وهكذا.                                                                                    إذا دقّقت في هذا وجدت أنّ في البين مغالطة تقول بأنّ الأمر ما لم يسقط فهو يدعو إلى الاستئناف مجدّدًا ومكرّرًا، أي إنّ عدم سقوط الأمر مساوق لدعوة استئناف العمل. ونقول له نقضًا: إن سلّم بها في مقدّمات الواجب كان لزامًا التّسليم بها في الواجبات المركّبة أيضًا بلا فرق، فلا يتمّ عمل أبدًا.   إذ لا حدّ تقف عليه داعويّة الأمر غير السّاقط بعد لعدم اكتمال اتيان أجزائه.                                                                                  فما نقض به الشّيخ الآخوند على صاحب الفصول يُنقض به عليه في الواجبات المركّبة بلا فرق.[7]

الثّاني: إذا أتى المكلّف بذات المقدّمة فقد سقط الأمر، لكنّه ليس سقوطًا بالموافقة والامتثال بل بحصول الغرض. تمامًا كما يكون الفعل الحرام محقّقًا للغرض مع عدم لزوم أن يكون المأتيّ به مصداقًا للمأمور به. فالمولى يحرّم مقدّمة ما غير منحصرة لمفسدة ما فيها ويطلب تحقيق حصّة من المقدّمة خالية عن المفسدة وهي المباحة لولا المقدّميّة، لكن متى فعل المكلّف المقدّمة المحرّمة حصل الغرض وإن لم يكن قد أتى بالمأمور به. فظهر أن لا ملازمة بين حصول الغرض وكون المحصِّل له مأمورًا به. هذا من جهة أفراد المقدّمة، والكلام يأتي بعينه في الحالات كما أسلفنا، فيمكن للمولى أن يقيّد مطلوبه بحالات وإن تحقّق الغرض في غير المتلبّسة بالحالة المطلوبة، فيطلب المقدّمة حال ترتّب وتحقّق ذيها وتكون هي مصداق المأمور به ولا يطلب ذات المقدّمة أي الّتي لا تنتهي إلى ذي المقدّمة ولا تكون مصداقًا للمأمور به مع كونها محصِّلة لغرضه.

وعلاوة على ذلك، لو فرضنا عدم سقوط الأمر فإنّ ذلك لا يستلزم دعوة مجدّدة إلى الاستئناف أيضًا لا في مورد المركّبات ولا في المقدّمات بل لا يجوز قطع العمل وإبطاله في بعض المركّبات العباديّة. والسّرّ في ذلك هو أنّ عدم سقوط الأمر في مثل المركّب هو بسبب عدم حصول شرطه لا بسبب عدم حصول ذات المشروط. إذ الرّكعات الثّلاث مشروطة بانضمام رابعة إليها، فما لم يؤت بالرّابعة لم يحصل شرط الثّلاث وكذا لم يحصل جزء الصّلاة. وبيانه: أنّ لأجزاء المركّبات الارتباطيّة حيثيّتين حيثيّة الشّرط وحيثيّة الجزء، شرطيّتها هي بالقياس إلى سواها من الأجزاء؛ وجزئيّتها من حيث هي. فلو لاحظنا شرطيّتها، قلنا ما لم يؤت بالرّابعة لم يحصل شرط الأجزاء المتقدّمة عليها، وبالتّالي لم يسقط الأمر بتلك الأجزاء لعدم حصول شرطها لا لأنّه لم يؤت بها من حيث هي. وفرق بين الحالين يفترق على أساسه الأثر العمليّ، ففي ما نحن فيه يكون الأمر غير السّاقط ثابتًا لكنّه ساكت عن الدّعوة إلى الاستئناف، بل هو يدعو إلى الإدامة والاتيان بشرط الثّلاث لتتميم الامتثال.                                                             وتطبيقًا على مسألتنا، بعد الاتيان بذات المقدّمة لم يسقط أمرها لأنّ شرطها وهو ترتّب ذي المقدّمة عليها لم يتحقّق بعد. ولكن مع ذلك أمرها ساكت عن الدّعوة إلى الاستئناف ناطق بالدّعوة إلى الإدامة والاتيان بشرط المقدّمة لكي تكون مصداقًا للواجب. وشرطها هو الاتيان بذيها بعدها وعدم تخلّفه عنها، فصار الأمر المقدّميّ بعد حصول ذات المقدّمة داعيًا لكن لا إلى الاستئناف بل إلى الاتيان بقيد المقدّمة المتأخّر عن الذّات.[8] [9] [10]                     فتدبّر جيّدًا فإنّه حريّ بذلك.

 

 

[1]  راجع الكفاية،ج1،ص163-165.

[2]  ولو تنزّلنا وقلنا باختصاص التّرتّب بالقهريّ فإنّ إشكاله رحمه الله يتّجه عند التّسليم بخروج الإرادة عن المقدّمات لكونها غير اختياريّة، أمّا لو قلنا بمقالة المحقّق النّائينيّ قدّس سرّه من كون الإرادة راجعة إلى ما وراءها وهو تصدّي النّفس نحو المطلوب وحملتها إليه بحيث يكون هذا التّصدّي النّفسيّ هو مناط الاختيار[الفوائد،ج1،ص133] أو قلنا بمقالة المحقّق الأصفهانيّ قدّس سره من كون الإرادة تنشأ من الإرادة بالتّفكير في فوائد الشّيء [نهاية الدّراية،ج1،ص193-197] أو قلنا بمقالة صاحب الفصول الّذي أُشكل عليه من أنّ الإرادة تتّخذ اختياريّتها من صدورها عن علم وقدرة [نهاية الدّراية،ج1،ص204] فقد خرجت الإرادة عن عدم إراديّتها وعدم اختياريّتها وعادت لتصلح متعلّقًا للوجوب فتكون جزءًا من المقدّمات بلا حزازة.    إذا تبيّن هذا: كان معنى التّرتّب القهريّ المقصود لصاحب الفصول هو ترتّب المعلول على علّته التّامّة والّتي جزؤها الإرادة. (المقرّر).

[3]  والصّحيح أنّ هناك معنى للقول بعدم الاتّصاف بالوجوب؛ بيانه: إنّ المقتضي موجود والمانع مفقود، ولكن للشّارع أن يقول لي شرط لوصف الفعل بالوجوب بحيث ما لم يكن لا يؤثّر المقتضي الخالي عن المانع عندي أثر مصداقيّته للمأمور به. قد يكون هذا الشّرط هو الموصليّة وقد يكون أيّ شيء آخر بحيث يمتنع على المستدلّ أن يحتجّ بمثل ما ذكر صاحب الكفاية قاصرًا النّظر عن حاكميّة المولى وكونه مبسوط اليد في الوضع والرّفع للشّروط، مضمومًا إلى ذلك أنّ عدم معلوميّة الاشتراط لا تساوي عدم الاشتراط، ومع عدم العلم بشرطيّة شيء ما يكون المورد من باب الشّكّ في الشّرطيّة بحيث ينبغي تعيين وظيفته سواء أكان مجتهدًا أم لا، فهل تختصّ الشّرطيّة بالعالم من المجتهدوغيره حتّى نرفع اليد عن شرطيّة ما لم يثبت أم نفصّل بين المجتهد في مقام الاستنباط والعامّيّ في مقام الامتثال أم هي أعمّ منه ومن الجاهل حتّى لا نخرج عن الاشتغال اليقينيّ إلّا بالفراغ اليقينيّ؟ فالمسألة ترجع إلى ذاك الباب من هذه الجهة.(المقرّر).

[4]  أنظر الدّراسات،ج1،ص335:"والجواب على ذلك، أوّلًا بالنّقض بما إذا شرع المكلّف في الواجب التّدريجيّ وأتي ببعض أجزائه، فإنّه تجري فيه الشّقوق المتقدّمة. ثانيًا: الحلّ في الجميع هو أنّ الإطاعة والسّقوط فيها يكون مراعى على الاتيان ببقيّة الأجزاء بنحو الشّرط المتأخّر، فإن أتى بها المكلّف يستكشف سقوط التّكليف من الأوّل بالإطاعة وإلّا يستكشف عدم كون ما أتى به مصداقًا للمأمور به من أوّل الأمر وهذا واضح".

[5]  أنظر نهاية الأفكار،ج1،ص343:"إذ نقول: مضافًا بالنّقض بأجزاء المركّبات الارتباطيّة والمشروطات بالشّرط المتأخّر المعلوم فيها أيضًا عدم وجوب الاتيان ثانيًا بالجزء المأتيّ به من المركّب ما دام على صلاحيّته للانضمام  ببقيّة الأجزاء مع معلوميّة عدم سقوط الأمر عنه إلّا بعد لحوق الجزء الاخير من المركّب بلحاظ توأميّة الأوامر الضّمنيّة المتعلّقة بالأجزاء ثبوتًا وسقوطًا".

[6]  المباحث،ج2من القسم الأوّل،ص502:"والجواب:أنّا نختار عدم سقوط الأمر الغيريّ بالاتيان بالمقدّمة ومحذور تحصيل الحاصل عليه نقض وحلّ: أمّا النّقض، فهناك نقض خاصّ على صاحب الكفاية بلحاظ مبانيه، ونقض عامّ بلحاظ المباني المشتركة بين صاحب الكفاية وغيره: أمّا النّقض الأوّل: فيمكن إيراده بلحاظ ما أفاده صاحب الكفاية في عدّة موارد: منها في بحث الإجزاء [الكفاية،ج1،ص121] ومنها في بحث التّعبّديّ والتّوصّليّ [الكفاية،ج1،ص105]. ففي الأوّل ذكر في بحث تبديل الامتثال أنّه يمكن بقاء الأمر حتّى بعد الامتثال إذا كان الواجب مقدّمة إعداديّة لغرض أقصى لم يستوف، فيبقى الأمر ببقاء الغرض الأقصى، ومن هنا يجوز تبديل الامتثال، فلو أمره المولى مثلًا بالاتيان بماء، جاز له قبل أن يشربه المولى ويرتفع العطش أن يبدّله بماء آخر وكان هذا تبديلًا في الامتثال، بينما هذا يرد عليه نفس إشكال المقام فيقال كيف يأمر باتيان الماء وهو تحصيل الحاصل؟".

[والصّحيح أنّ هذا النّقض لا يرد على صاحب الكفاية، والفرق أنّه في مثال الماء تحقّق الغرض التّامّ من المأمور به النّفسيّ سواء بالماء الأوّل أم بالماء الثّاني، نعم غاية الأمر أنّ الثّاني أكمل مثلًا، فاحتفظت الأكمليّة بداعويّة من جهة الأمر فلا تحصيل للحاصل بل ولا شبهة تحصيل للحاصل. أمّا ما نحن فيه فما يُحصّل بالاستئناف هو عين ما حُصّل في المرّة الأولى، وإنّما يتّجه الكلام مع صاحب الكفاية بأن يُقال له كما احتفظت بداعويّة للأكمل هناك احتفظ بداعويّة للأكمل هنا، فإذا كان الماء البارد أكمل هناك فالمقدّمة الموصلة أكمل هنا. وهذا يختلف عمّا يُستفاد من كلامه رحمه الله من توجيه الإشكال على قوله بتحصيل الحاصل وبانتفاء المحرّكيّة والدّاعويّة إلى ما امتُثل على ما امتُثل بلا جهة أكمليّة، فتدبّر فإنّه لا يخلو من دقّة.(المقرّر)].

تتمّة عبارة المباحث:"وفي بحث التّعبّديّ والتّوصّليّ ذكر: أنّ الأمر تعلّق في التّعبّديّ بذات الفعل ومع ذلك لو أتى بذات الفعل بلا قصد القربة لم يسقط الأمر مع انّه يرد أيضًا نفس محذور تحصيل الحاصل، بل في هذين الموردين لا نملك جوابًا على هذا المحذور وفي موردنا نملك جوابًا عليه".

[والصّحيح أنّ الاتيان بالفعل بقصد القربة بعد أن كان قد جاء به بلا قصدها ليس من تحصيل الحاصل كما لا يخفى، فلا يُنقض بهذا على نحرير الأصول.(المقرّر)].

تتمّة:"وأمّا النّقض الثّاني وهو النّقض العامّ، فهو النّقض بالأمر الضمنيّ، فالأمر الضّمنيّ بتكبيرة الإحرام مثلًا إن فرض عدم سقوطه بعد التّكبير فهو تحصيل للحاصل وإن فرض السّقوط فله أحد مناشئ أربعة لا سبيل إلى الثّلاثة الأخيرة منها فيتعيّن الامتثال، مع أنّه لا إشكال في أنّ الواجب الضمنيّ لا يمتثل إلّا في ضمن امتثال الواجب النّفسيّ وبالاتيان بالواجب النّفسيّ".

[هذا قياس مع الفارق على ما في الحاشية اللّاحقة (المقرّر)].

[7]  روح هذا النّقض وارد على صاحب الكفاية لكن لا في مثل الواجبات المركّبة، لأنّ صاحب الكفاية لا يرى الأمر الضّمنيّ إلّا تحليلًا عقليًّا لا معنى للحديث في مورده عن السّقوط وعدمه وإنّما يتأتّى الكلام عن سقوط الأمر في مورد ثبت فيه أمر لما أُتي به، وهذا ما ينقدح من مراجعة عبائره المتناثرة، فهو يقول في ج1 ص105-106:"كلّا، ذات المقيّد  لا تكون مأمورًا بها، فإنّ الجزء التّحليليّ العقليّ لا يتّصف بالوجوب أصلًا، فإنّه ليس إلّا وجود واحد واجب بالوجوب النّفسيّ كما ربّما سيأتي في باب المقدّمة"، ولو راجعنا كلامه في باب المقدّمة لوجدناه يقول صراحة في ج1،ص131:"ثمّ لا يخفى أنّه ينبغي خروج الأجزاء عن محلّ النّزاع كما صرّح به بعض، وذلك لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتًا، وإنما كانت المغايرة بينهما اعتبارًا فتكون واجبة بعين وجوبه ومبعوثًا إليها بنفس الأمر الباعث إليه، فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر".

بل يُنقض عليه في مثل التّوصّليّات الّتي سقط أمرها لكن بتحقّق الغرض لا بتحقّق الواجب، ومثاله: ما لو أدّى أحدٌ الدّين عن المكلّف فقد حصل غرض أداء الدّين دون أن يكون قد جاء المكلّف بالواجب عليه، ولكن لا معنى لمخاطبته بالاستئناف إذ سقط الأمر بتحصيل الغرض.

ومثاله أيضًا: ما لو اشترطنا قصد التّوصّل في امتثال الواجبات التّوصّليّة بحيث ما جيء به بلا قصد توصّل لا يكون مصداقًا للواجب، كما لو أدّى الدّين بلا قصد عنوانه، فقد حصل الغرض ولا يُطالب بالاستئناف وإن كان غير آتٍ بالواجب.

إذا تمّ هذا: فالصّحيح عدم ورود النّقض بالمركّبات الّذي ذكره الأعلام على صاحب الكفاية لأنّه قياس مع الفارق على ما قدّمنا. (المقرّر).

[8]  راجع مقالات الأصول،ج1،ص331-332:"وبعدما اتّضح ذلك نجيب عن البرهان الأخير –مضافًا إلى النّقض بأجزاء الواجب أو الواجب المشروط بأمر متأخّر[وبالتّالي يكون هذا شاهدًا على الجواب النّقضيّ (المقرّر)]- أنّ في أمثال المقام يسقط الوجوب عن الفاعليّة ولو في فرض فعليّته في الواقع. وعمدة النّكتة فيه أنّ مؤثّريّة الوجوب في الإيجاد إنّما هو في ظرف عدم وجوده، وأمّا بعدما وجد فلا مجال لتأثيره. لا يقال: إنّه مع وجود الموضوع لا يبقى وجوب أصلًا. لأنّه يقال: إنّ ذلك كذلك في الواجبات المستقلّة وأمّا في الضّمنيّات فقهرًا يكون سقوطه توأمًا مع سقوط غيره [أي إنّ الأمر الضّمنيّ (لو سلّمنا بصحّة عروض السّقوط وعدمه عليه مع كونه تحليليًّا ليس إلّا) لا يسقط إلّا بسقوط ما تعلّق به من أوامر ضمنيّة أخرى] غاية الأمر حيث وجد موضوعه يسقط الوجوب عن التّأثير. وهذا معنى ما ذكرنا من التّفكيك بين الفعليّة والفاعليّة في أمثال هذه الأوامر فتدبّر".

[9]  نهاية الأفكار،ج1،ص343:"إنّ عدم وجوب الاتيان بالجزء المأتيّ به هناك وبالمقدّمة في المقام إنّما هو من جهة سقوط الأمر حينئذٍ عن المحرّكيّة والفاعليّة لا من جهة سقوطه بالمرّة، فحيث إنّه لم يكن قصور في طرف المأتيّ به [وهذا معنى اشتماله على غرضه من حيث هو(المقرّر)] أوجب اتيانه سقوط أمره عن الفاعليّة والمحرّكيّة نحو الاتيان ثانيًا وثالثًا ولكن الأمر والتّكليف لقصور فيه [من حيث إنّه ضمنيّ أو غيريّ (المقرّر)] قد بقي على فعليّته إلى حين لحوق بقيّة الأجزاء في المركّبات وتحقّق بقيّة المقدّمات في المقام. ومن ذلك لو فرض خروج المأتي به عن القابليّة بالمرّة [كما لو بطل الفعل لناقض ما (المقرّر)] يجب الاتيان به ثانيًا بنفس التّكليف الأوّل وليس ذلك إلّا من جهة بقاء التّكليف به بعد ذلك على فعليّته وكون السّاقط مع الاتيان هو مرتبة محرّكيّته لا مرتبة فعليّته، ولا تنافي أيضًا بين فعليّة الأمر والتّكليف وعدم فاعليّته حيث أمكن التّفكيك بينهما. ومن ذلك أيضًا فكّكنا نحن بين فعليّة التّكليف وفاعليّته فيما تصوّرناه من الواجب المشروط، وعليه فلا مجال للكشف عن وجوب المقدّمة على الإطلاق بمحض سقوط الأمر بها عن المحرّكيّة والفاعليّة باتيان ذات المقدّمة".

[10]  راجع المباحث،ج2 من القسم الأوّل،ص503:"وأمّا الحلّ فيكون بالجواب على إشكال تحصيل الحاصل، وقد يجاب عليه بصيغة بدويّة وهي: أنّ الأمر لم يتعلّق بالتّكبيرة ذاتها بل التّكبيرة المقيّدة بانضمام باقي الأجزاء [وهذا غير صحيح بل تعلّق بالمركّب وتحليله أنّه أجزاء منضمّة (المقرّر)]، فمتعلّق الأمر لم يحصل وما حصل إنّما هو ذات التّكبير، وهو ليس متعلّقًا للأمر. وكذلك في المقدّمة إنّما تعلّق الأمر بالوضوء المقيّد بترتّب ذي المقدّمة عليه أو بمجموع المقدّمات مثلًا، فذات الوضوء ليس متعلّقًا للأمر وما هو متعلّق الأمر لم يحصل بعد.

وهذا الجواب قد يُرى صحيحًا في بادئ الأمر إلّا أنّه لا يثبت أمام التّحليل، فإنّ الأمر الضّمنيّ بالتّكبير المقيّد بانضمام غيره ينحلّ إلى أمرين ضمنيّين: أمر ضمنيّ بذات التّكبير وأمر ضمنيّ بتقيّده بانضمام غيره، فينقل الكلام إلى ذات التّكبير وهو ليس متعلّقًا بالمقيّد وإلّا جاء التّحليل أيضًا ولزم التّسلسل  فلا بدّ من الانتهاء إلى أمر بذات التّكبير."

[ولنا هنا ثلاث مناقشات فضلًا عن المناقشة الّتي تقدّمت في أصل الضّمنيّات:

الأولى هي في انحلال الأمر الضّمنيّ إلى أمرين: أقول هذا إطلاق لدعوى على سبيل المسلّمة مع أنّنا لا نسلّم ذلك، فقد يكون الأمر الضّمنيّ قد تعلّق بالتّكبيرة المنضمّة إلى الأجزاء انضمامًا اندماجيًّا بحيث يُطلب التّقيّد والمقيَّد على نحو الواحد الاندماجيّ الّذي له جهة إباء عن تحليل مطلوبيّته إلى ثنتين ولو كانتا ضمنيّتين عقليّتين، وهذا ممكن إن لم يكن هو الأصل فلا معيّن لما ذهبت إليه.

الثّانية:إنّ الضّمنيّات تحليلات عقليّة إن فتح لها الباب لم يقف عند الحدّ الّذي ذكره رحمه الله، أي كما فكّكنا المقيّد عن التّقيّد في المطلوبيّة نفكّك أجزاء الجزء نفسه، فيثبت أمر لألف التّكبير وآخر لكافها وهكذا بل لهمزة الألف بل لكلّ جزء من أجزاء هذا التّصوّت الخارج امتثالًا، وهذا سيقود إلى التّسلسل لكنّه بالقوّة لا بالفعل واعتباريّ تحليليّ لا علّيّ واقعيّ فهو ليس بمحال خلافًا لما أراد من إشارته إلى لزوم التّسلسل. والصّحيح أنّه يبقى إشكال ملاحقة تلك الأجزاء العقليّة التّحليليّة سقوطًا وامتثالًا وهو مخالف لما عليه القوم.

الثّالثة: إذا عرفت الثّانية انخرمت اللّابديّة الّتي ذكرها رحمه الله من الانتهاء إلى أمر بذات التّكبير.(المقرّر)].

تتمّة عبارة المباحث:"وروح المطلب وحقّ المطلب أن يقال: إنّه لا يلزم تحصيل الحاصل؛ لأنّ الأمر إذا كان ضمنيًّا فتحصيله أيضًا ضمنيّ، أي كما أنّ الأمر الضّمنيّ يكون في ضمن الأمر النّفسيّ الاستقلاليّ كذلك محصّليّته ومحرّكيّته في ضمن محصّليّة ومحرّكيّة الأمر الاستقلاليّ، فهناك أمر واحد له محصّليّة واحدة بالتّحليل ينحلّ إلى أوامر عديدة وتحصيلات عديدة، فبعد فرض: أنّ هذه المحصّليّة ضمنيّة أي أنّ هذا جزء التّحصيل، وأمّا التّحصيل الحقيقيّ فهو تحصيل المركّب يصبح من الواضح: أنّ هذا ليس تحصيلًا للحاصل لأنّ المركّب لم يحصل، فتحصيل الحاصل إنّما يطبّق على التّحصيل المستقلّ، أمّا الأمر الضّمنيّ فلو طبّق عليه الإشكال مع فرزه عن باقي الأوامر الضّمنيّة كان خلف كونه ضمنيًّا...وهذا البيان يجري في الأوامر الغيريّة أيضًا بناء على المقدّمة الموصلة وأنّ الأمر بالمقدّمة أمر بها مع انضمام سائر المقدّمات أو القيود إليها".

[والصّحيح أنّه يجري في الضمنيّات دون الغيريّات لاستقلال الغيريّ في غرض نفسه دون الضّمنيّ التّحليليّ.(المقرّر)].

برچسب ها: المقدمة الموصلة

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است