المقدمة الموصلة (الدرس ۸۷)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

انتهى بحثنا إلى إشكال السّيّد الخوئي[1] الرّاجع إلى القول بعدم جريان التّرتّب في المقدّمة المحرّمة بناء على القول بالمقدّمة الموصلة، في مقابل المحقّق النّائينيّ الّذي التزم بجريانه ناقلًا التزام صاحب هداية المسترشدين بذلك أيضًا. وتقريبه: أنّ حرمة الدّخول في أرض الغير الواقع مقدّمة للإنجاء مشروطة بعدم إنجاء النّفس، أي إنّ حرمة المهمّ فعليّة على تقدير عصيان الأهمّ. أمّا لو لم يعصِ وأتى بذي المقدّمة وهو الإنجاء، كان الدّخول إلى أرض الغير واجبًا لا محرّمًا. فالدّخول الموصل إلى الإنجاء هو دخول واجب، فيما الدّخول المنقطع عن ذيه غير المنتهي إليه حرام. فهذه حرمة مترتّبة على عصيان وجوب ذي المقدّمة وهذا معنى التّرتّب في المقام.

ينقل السّيّد الخوئيّ عن الميرزا النّائينيّ عن صاحب الحاشية (هداية المسترشدين) قوله بأنّه وإن كان يجري التّرتّب هنا إلّا أنّ خصوصيّة المورد هي ترتّب حكمين على موضوع واحد. فالمقبول والمعروف من التّرتّب ما يكون في تكليفين على موضوعين وما يكون التّركّب فيه انضماميًّا لا اتّحاديًّا، وذلك بخلاف اجتماع الأمر والنّهي حيث يكون التّركّب اتّحاديًّا كما في مثال الصّلاة والغصب. إنّ ضابطة التّرتّب المطروحة بين المحقّقين هو وجود موضوعين متلازمين يكون حكم الأوّل المهمّ مترتّبًا على تقدير عصيان الثّاني الأهمّ كما في مثال إنجاء المؤمن العالم والمؤمن الجاهل. ومثاله أيضًا حرمة التّصرّف في أرض الغير ووجوب الوضوء في فرض لا يمكن للمكلّف الوضوء إلّا في تلك الأرض، على نحو يكون الأهمّ هو الحرمة والمهمّ هو الوجوب، فالواجب على عهدة المكلّف هو التّيمّم. لكن لو عصى الأهمّ وتوضّأ ومن ملازمات وتبعات وضوئه سقوط الماء على الأرض المغصوبة متصرّفًا، يقع هنا بشفاعة التّرتّب وضوؤه صحيحًا لأنّه اتيان بالمهمّ على تقدير عصيان الأهمّ.

أمّا لماذا هذا المورد من موارد التّرتّب في الموضوع الواحد عند صاحب الحاشية، فلأنّ الفرض كون الحكم اللّولائيّ للفعل المقدّميّ هو الحرمة، لكنّه  محكوم بالوجوب بناءً على كونه مقدّمة لكن بشرط أن يكون موصلًا إلى ذي المقدّمة. فالدّخول إلى أرض الغير المنتهي بالوصول إلى ذي المقدّمة يقع واجبًا وهو بنفسه على تقدير عصيان ذي المقدّمة وعدم ترتّبها وبالتّالي خلوّه من شرط الإيصال يقع حرامًا؛ فهذه حرمة على نحو التّرتّب لكنّها في موضوع واحد، الدّخول هو بعينه تارةً حرام وأخرى واجب.

وقد غلّطه المحقّق النّائينيّ في ذلك، فهنا ترتّب لحكمين على موضوعين لا على موضوع واحد. وبيانه: إنّ الحرمة حكم وموضوعه التّصرّف، وإنّ الوجوب حكم وموضوعه الإنجاء، فهذان حكمان وموضوعان. والأهمّ هو الإنجاء وعلى تقدير عصيانه تترتّب الحرمة على التّصرّلإ، وليس الأهمّ هو وجوب المقدّمة الموصلة وعلى تقدير عدم إيصالها تترتّب الحرمة.

ثمّ أشكل السّيّد الخوئيّ على المحقّق النّائينيّ _الّذي لا يقبل وجوب مطلق المقدّمة ولا بالمقدّمة الموصلة على نحو التّقيّد بالإيصال بل يطرح الحصّة التّوأم مع تحفّظه على هذا اللّفظ فقال ولذلك قال بحرمة المقدّمة ما لم توصل إن كان حكمها الأصليّ الحرمة_ بأنّ المقام لا يصحّ فيه التّرتّب في موضوعين ولا في موضوع واحد. بيانه: إنّ حرمة الدّخول لا يمكن أن تكون مشروطة بعدم الإنجاء، لأنّها لو شُرطت الحرمة بعصيان ذي المقدّمة لكان معنى ذلك أنّ وجوب المقدّمة مشروط بالاتيان بذي المقدّمة لاستحالة كون شيء واحد في زمان واحد واجبًا وحرامًا وهو زمان عصيان ذي المقدّمة، فإنّ المقدّمة لو بقيت على وجوبها لصارت واجبة ومحرّمة. وكون وجوب المقدّمة مشروطًا يستلزم كون وجوب ذي المقدّمة مشروطًا بالاتيان بذي المقدّمة، إذ وجوبا المقدّمة وذيها متّفقان إطلاقًا واشتراطًا على نحو يكون شرط أحدهما شرطًا للآخر. وعلى هذا يرجع وجوب ذي المقدّمة إلى الأمر بتحصيل الحاصل. فعلى الرّغم من قبول السّيّد الخوئيّ بكبرى التّرتّب بل هو من أهمّ من نظّر لها إلّا أنّه قائل بكون المورد خارجًا عنها صغرى لخصوصيّة استلزام القول بالتّرتّب هنا لمحذور تحصيل الحاصل.

وهذا غير تامّ، فليس وجوب المقدّمة مشروطًا بالاتيان بذي المقدّمة بل المقدّمة مشروطة بالاتيان بذيها على القول بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة. انطلق السّيّد الخوئيّ من أنّ حرمة الدّخول في أرض الغير مشروطة بعدم الإنجاء وهذا صحيح، ثم رتّب لازمًا على ذلك وهو كون وجوب الدّخول المقدّميّ مشروطًا بالإنجاء أي بالاتيان بالواجب النّفسيّ لكنّ هذا الاشتراط في الوجوب ليس لازمًا للقول باشتراط الحرمة. وترتيبه هذه الملازمة هو من باب القول بامتناع اجتماع حكمين متنافيين على موضوع واحد، فإذا شُرطت الحرمة بعدم الإنجاء شُرط الوجوب بالإنجاء، والحال أنّه لا ملازمة. والمدّعى أنّ الدّخول الّذي لا يوصل إلى الإنجاء ليس مصداقًا للواجب وما لم يكن كذلك بقي على حرمته اللّولا المقدّميّة، لكن هذا لا يعني أنّه لم يكن يجب عليه الدّخول المنتهي بالاتيان بذي المقدّمة. فما وقع من المكلّف ليس الواجب وما وجب لم يقع مع كون وجوبه على عهدته غير مشروط بالاتيان بذي المقدّمة بل واجبه مشروط أي مصداقيّة فعله للواجب مشروطة بالاتيان بذي المقدّمة. فمكمن الخطأ هو قوله بأنّه كما أنّ الحرمة مشروطة بعدم الإنجاء فكذا الوجوب مشروط بالإنجاء، والحال أنّ الوجوب مطلق وهو وجوب مقدّميّ، وعلى سننه يكون الوجوب النّفسيّ مطلقًا بلا شرط من هذه الجهة. وكيف كان فإنّ هذا الإشكال قابل للتّطبيق في سائر موارد التّرتّب.

والعجب العجاب أنّ الإشكال عينه الّذي كان وجّهه قبل صفحات قليلة إلى الشّيخ الآخوند يتوجّه إليه، من أنّ هذا خلط بين شرط الواجب والوجوب[2]، حيث قال صاحب الكفاية في ردّ الوجه الرّابع[3] أنّه لا يجوز المنع لأنّه يستلزم الأمر بتحصيل الحاصل لانتهائها إلى اشتراط وجوب المقدّمة بالاتيان بذي المقدّمة.

 

[1]  أنظر المحاضرات،ج2،ص263-265:"ومن ناحية ثالثة ان شيخنا الأستاذ (قده) قد خالف المحقق صاحب الحاشية (قده) في نقطة و هي ان المقدمة إذا كانت محرمة كسلوك الأرض المغصوبة لإنقاذ الغريق مثلا فقد ادعى صاحب الحاشية (قده) ان المقدمة المزبورة انما تتصف بالوجوب من ناحية إيصالها إلى الغريق، و تتصف بالحرمة على تقدير عدم الإيصال إليه و عصيان الأمر الوارد عليها و هو وجوب السلوك من حيث الإنقاذ فالنتيجة هي تعلق خطابين بموضوع واحد على نحو الترتب. ولكن أورد عليه شيخنا الأستاذ (قده) بان اتصاف المقدمة المذكورة بالحرمة من ناحية عصيان الأمر بالواجب النفسيّ لا الأمر المتوجه إليها، فان المزاحمة انما هي بين حرمتها و وجوب ذيها فلا يعقل الترتب بين خطابين متعلقين بموضوع واحد، و من هنا اعتبر (قده) الترتب بين خطابين متعلقين كل منهما بموضوع، و تمام الكلام في محله. ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قده) من عدة جهات:[...] الثالثة: أنّ الترتب كما ذكرناه في محله وإن كان امراً معقولا بل و لا مناص من الالتزام به الا انه في المقام غير معقول، و السبب في ذلك هو ان حرمة المقدمة إذا كانت مشروطة بعصيان الأمر بذي المقدمة فبطبيعة الحال يكون وجوبها مشروطاً بعدم عصيانه و إطاعته، لاستحالة كون شي‏ء واحد في زمان واحد واجباً و حراماً معاً. و ان شئت قلت انه لا يعقل ان يكون وجوبها مطلقاً و ثابتاً على كل تقدير مع كونها محرمة على تقدير عصيان الأمر بذي المقدمة، كيف فانه من اجتماع الوجوب و الحرمة الفعليين في شي‏ء في زمن واحد، فإذا كان وجوب المقدمة مشروطاً بعدم عصيان وجوب الواجب النفسيّ فعندئذ لا بد من النّظر إلى ان وجوب الواجب النفسيّ أيضاً مشروط بعدم عصيانه و إطاعته أم لا، فعلى الأول يلزم طلب الحاصل، لأن مرد ذلك إلى ان وجوب الواجب النفسيّ مشروط بإتيانه و إطاعته و هو مستحيل، و على الثاني يلزم التفكيك بين وجوب المقدمة و وجوب ذيها من حيث الإطلاق و الاشتراط و هو غير ممكن على القول بالملازمة بينهما كما هو المفروض. فالنتيجة في نهاية المطاف هي ان ما أفاده لا يمكن المساعدة عليه بوجه فالصحيح على القول بوجوب المقدمة هو ما ذهب إليه صاحب الفصول (قده) ولا يرد عليه شي‏ء مما أورد كما عرفت".

 

[2]  الكفاية،ج1،ص170:"وبالجملة يلزم أن يكون الإيجاب مختصًّا بصورة الاتيان، لاختصاص جواز المقدّمة بها، وهو محال، فإنّه يكون من طلب الحاصل المحال، فتدبّر جيّدًا".

[3]  أنظر المحاضرات،ج2،ص261:"وغير خفيّ أنّ ما أفاده قده مبنيّ على الخلط بين كون الإيصال قيدًا لجواز المقدّمة ووجوب ذيها وبين كونه قيدًا للواجب، فلو كان من قبيل الأوّل لتمّ ما أفاده قده إلّا أنّ الأمر ليس كذلك فإنّه قيد للواجب".

برچسب ها: المقدمة الموصلة

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است