ثمرة وجوب المقدمة (الدرس ۹۰)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

آخر ثمرات وجوب المقدّمة الّتي ذكرها صاحب الكفاية هي ثمرة منسوبة إلى الوحيد البهبهانيّ.[1] ومحصّلها أنّ وجوب المقدّمة وعدمه يرتبط بصغرى اجتماع الأمر والنّهي، فإن قلنا بوجوب المقدّمة تنقّحت صغرى لبحث الاجتماع على تقدير كون الحكم اللّولائيّ للمقدّمة هو الحرمة. فإنّ الفعل المقدّمي سيصير مجمعًا لحكم الوجوب الجائي من جهة مقدّميّته ولحكم الحرمة الجائي من عنوانه الأوّليّ. ومثاله المتكرّر توقّف إنقاذ النّفس على التّصرّف في ملك الغير حيث يجتمع في العبور عنوانان نسبة أحدهما إلى الآخر هي العموم والخصوص من وجه.[2]

ومع تسليم الشّيخ الآخوند بأصوليّة هذه الثّمرة، إلّا أنّ ناقشها من جهة عدم تماميّتها؛ وله عليها إشكالان:

الإشكال الأوّل:[3] إنّ هذه الثّمرة تبتني على كون الواجب الغيريّ هو عنوان المقدّمة، ليتأتّى من هذا البناء الكلام عن نسبة العموم والخصوص من وجه بين عنوان المقدّمة وعنوانها الحرام الأوّليّ. فالمقدّمة تارةً تشترك مع عنوان الحرام وأخرى تفترق، وكذا عنوان الحرام يشترك مع عنوان المقدّمة ويفترق، قاصدًا من ثبوت هذه النّسبة أن يصير المورد صغرى من صغريات مسائل اجتماع الأمر والنّهي. والصّحيح أنّ الواجب هو واقع المقدّمة الّتي يحصل بها التّمكّن والتّوصّل إلى ذيها، أي إنّ موضوع حكم الوجوب الغيريّ ليس عنوان المقدّمة بل المقدّمة بالحمل الشّائع وهي ما عليه التّوقّف. وهذا يرجع إلى ما قرّرناه من ملاك الحكم هنا وأنّه التّمكّن، فلا عنوان من جهة المقدّمة ليقابل عنوان الحرام فيشتركان ويفترقان. والعنوان لا دخالة له في الحكم بل الكلام كلّه على المعنون أي على واقع المقدّمة، على أنّ المقصود من دخالة العنوان كونه ذا موضوعيّة. وبعبارة أخرى: عنوان المقدّميّة هو حيثيّة تعليليّة لوجوب واقع المقدّمة فيما الحيثيّة التّقييديّة هي واقع المقدّمة. وهذا على خلاف مثل الصّلاة والغصب، فإنّ الحكم في موردهما قد انصبّ على عنوان الصّلاة وكذا على عنوان الغصب بحيث كلّ من هذين هو مركب للحكم ومصبّه. وليس المقصود هنا العنوان بما هو عنوان مع قطع النّظر عن المعنون بل بما هو حاكٍ ومرآة عن ذلك الواقع، لكن قد أُخذ العنوان موضوعًا للحكم. وبالتّالي، لا يكون واقع العنوان أي معنونه الخارجيّ موضوعًا للحكم، ولذلك يعبّر العلماء بأنّ الوجود الخارجيّ لتلك العناوين مسقط للحكم لا مَثبت ومركب له، وذلك لأنّ متعلّق الحكم هو العنوان ومصحّح تعلّقه به هو صيرورته موجودًا ومتحقّقًا أي أنّه سيصير عينيًّا. ومن هذا، ظهر أنّه يتمشّى الكلام عن اجتماع الأمر والنّهي بناءً على تعلّق الأحكام بالعناوين، وإلّا فكيف يمكن توهّم كون المعنون الواحد الخارجيّ مجمعًا لحكمين وإرادتين مختلفتين؟

وببيان آخر: إنّ القضيّة في المقدّمة مختلفة تمامًا، فالحكم تعلّق بواقع المقدّمة لأنّ العقل في بابها حاكم بالوجوب لما يتوقّف عليه ذو المقدّمة بالحمل الشّائع وما لا بدّ منه للتّوصّل إليه، وهو ليس شيئًا إلّا واقع المقدّمة. أي إنّ نصب السّلّم هو بالحمل الشّائع مقدّمة لا هو بعنوان المقدّمة.

ومن هنا نقول: إنّ المسألة ستكون من قبيل النّهي عن حصّة من المعاملة بمعناه العامّ أو العبادة، لا من اجتماع الأمر والنّهي حيث تكون النّسبة هي العموم والخصوص من وجه. أي إنّ نصب السّلم الغصبيّ منهيّ عنه والحال أنّه حصّة من حصص المقدّمة، وليس النّهي منصبًّا على الجامع بين الحرام والمباح من المقدّمة أي نصب السّلّم لتكون نسبة العنوان المقدّميّ الجامع إلى عنوان الحرام نسبة العموم والخصوص من وجه.

وعلّق شيخنا الأستاذ على هذا: أوّلًا: كان مرّ أنّ الحيثيّات التعليليّة ترجع إلى حيثيّات تقييديّة في الأحكام العقليّة، أي إنّ عنوان المقدّميّة الّذي يعترف صاحب الكفاية بكونه علّة الحكم بوجوب واقع المقدّمة هو موضوع الحكم على التّحقيق، وهذا ما كنّا بيّناه تبعًا للمحقّق الأصفهانيّ، فراجع. ثانيًا: لو سلّمنا بتعلّق الوجوب بواقع المقدّمة لا بعنوانها إلّا أنّه مع ذلك، النّسبة بين واقع المقدّمة وعنوان الحرام هي أيضًا العموم والخصوص من وجه. فنصب السّلّم قد يكون أحيانًا حرامًا وأخرى لا، وقد يكون أحيانًا مقدّمة وأخرى لا. إذ لا يخلو واقع المقدّمة عن عنوان أوّليّ كعنوان نصب السّلّم وهو غير منحصر في الغصب. وهذا ما لا بدّ من الالتفات إليه من أنّ الفرض هو فيما لو كان للمكلّف مندوحة وأمكنه الاتيان بالواجب في المباح فأقدم على الاتيان به متلبّسًا بعنوان الحرام. وبذلك تدخل القضيّة في مسألة اجتماع الأمر والنّهي وإلّا مع الانحصار وعدم المندوحة خرجت المسألة عن الباب المدّعى ودخلت في باب التّزاحم.

الإشكال الثّانيّ:[4] (على ثمرة الوحيد البهبهانيّ)

لو سلّمنا باندراج المورد تحت مسألة اجتماع الأمر والنّهي بحيث يكون المجمع مصداقًا للواجب والحرام إلّا أنّ ذلك لا أثر عمليّ له. فما هو الأثر المنتظر من جواز الاجتماع  في المقام؟ وهل هو إلّا تصحيح العبادة؟ ففي موارد الاجتماع يُنتظر القول بصحّة مجمع الحكمين كالصّلاة مثلًا على الجواز. أمّا هنا فالإجزاء متحقّق في محلّه حتّى لو لم نقل بالاجتماع هنا، والصّحّة ليست دائرة مدار الأمر أي القول بوجوب غيريّ شرعيّ للمقدّمة. وذلك لأنّه: إن كانت المقدّمة توصّليّة، فصحّتها غير مشروطة بقصد القربة فلا محذور في الامتثال من جهة مانعيّة الحرمة، أي إنّ الحرمة لا تكون مانعًا عن صحّة الامتثال، وهذا معنى أنّها صحيحة قيل بكون المورد من الاجتماع أم لم يقل؛ وإن كانت المقدّمة عباديّة فهنا شقّان: إن قلنا بالامتناع فالصّلاة باطلة سواء كان لها أمر أم لم يكن أي إنّ الأمر الشّرعيّ لم ينفع في تصحيحها؛ وإن قلنا بالجواز فالحكم هو الصّحّة، لكنّنا لا نحتاج إلى الأمر لترتيب الصّحّة، إذ الشّيخ الآخوند يقول بتصحيح العمل بالملاك ولو لم يكن أمر. فظهر لك أنّ القول بالاجتماع بلا أثر في التّوصليّات، وأنّه على الامتناع وتقديم جانب الحرمة لم يؤثّر صحّة بل بقيت على فسادها، وعلى الجواز الأمر لم يزد شيئًا وكأنّه لم يكن عمليًّا، فالملاك مصحّح للعمل وهو ثابت.على هذا سواء دخلت المسألة في مسألة اجتماع الأمر والنّهي أم لم تدخل، فإنّ الأثر العمليّ لا يدور مدار ذلك، ولن تُبنى عليها لا صحّة للعبادة ولا بطلان.

وتُطرح ثمرة أخرى أيضًا وهي غير تامّة. مفادها تصحيح عباديّة الطّهارات الثّلاث[5]، بحيث إن قلنا بالوجوب الشّرعيّ الغيريّ صحّحنا به عباديّتها ومقرّبيّتها وإلّا احتجنا إلى دليل من خارج على العباديّة كما استعان الشّيخ الآخوند باستحباب نفسيّ لها ليصحّح عباديّتها. وعدم تماميّتها تُعلم ممّا تقدّم من مباحث، إذ إنّه ولو قلنا بالوجوب الشّرعيّ الغيريّ إلّا أنّه غير صالح للمقرّبيّة ولا تركه موجب المبعّديّة بحسب ما ذهب إليه الشّيخ الآخوند ولا يُركن إليه لتصحيح العباديّة، هذا.

فيما رأى شيخنا الأستاذ كما تقدّم في محلّه، أن لا فرق في المقرّبيّة بين الوجوب الغيريّ والنّفسيّ، فكلاهما صالح لتصحيح العباديّة. بل ذهب إلى أبعد من ذلك وهو القول بعدم الحاجة إلى وجوب للمقرّبيّة، فإنّ قصد القربة يتمشّى من نفس اللّابدّيّة العقليّة للمقدّمة ووقوعها في طريق أداء المأمور به النّفسيّ المولويّ، ويكفي ذلك بلا حاجة إلى أمر لا غيريّ ولا نفسيّ. فعاد لاغيًا بلا حاجة إليه.

وهناك ثمرة أخرى ولعلّها الأهمّ بين الثّمرات المذكورة وهي تامّة ومهمّة وأصوليّة، وهي الّتي ذكرها السّيّد الرّوحانيّ[6] وكذا ذكر السّيّد الصّدر[7] شيئًا يرجع إليها روحًا وإن كان شقّقها على فروض، ولعلّ الثّاني ذكرها تبعًا للأوّل. ومحصّلها: إنّنا إن قلنا بوجوب المقدّمة دخل مورد المقدّمة المحرّمة المنحصرة في باب التّعارض فيما إن قلنا بعدم الوجوب دخل المورد في باب التّزاحم. أمّا التّعارض فيقع مثلًا بين وجوب الدّخول في أرض الغير الغيريّ المترشّح عن الوجوب النّفسيّ[8] لإنقاذ النّفس المحترمة من جهة وبين حرمة الدّخول في أرض الغير من حيث إنّه منهيّ عنه بدليل عدم جواز الغصب والتّصرّف في ملك الغير من جهة أخرى، وبالتّالي يقع التّعارض بين الأمر بالإنقاذ وبين حرمة الغصب للتّنافي بين وجوب مقدّمة الإنقاذ _والّذي يقع لازمًا لوجوب ذي المقدّمة_ وبين حرمة الغصب. وأمّا التّزاحم، فإنّه مع عدم القول بوجوب المقدّمة الشّرعيّ يقع التّزاحم بين وجوب الإنقاذ وبين حرمة التّصرّف في ملك الغير. فليس المورد من تنافي الخطابين ليسري إلى الجعلين، فليس صغرى للتّعارض. ولكن اتّفاقًا لا قدرة للمكلّف على الجمع بين التّكليفين في مقام الامتثال لانحصار المقدّمة في الحرام، وهذه هي ضابطة التّزاحم. فوجوب الإنقاذ مطلق وحرمة التّصرّف في أرض الغير مطلقة كذلك، وكلا الخطابين يشمل بإطلاقه هذا المورد فتقصر قدرة المكلّف في مقام الامتثال عن الجمع بين التّكليفين مع كون الجعلين غير متنافيين.

وقد ذكر السّيّد الصّدر في حلقاته ثمرة أخرى[9]، وبنظر شيخنا الأستاذ هي مستقاة من ثمرة السّيّد الرّوحانيّ، وهي أنّنا إن قلنا بوجوب المقدّمة، فإنّه إذا كان فعل الواجب كإنقاذ النّفس علّة تامّة للحرام كإتلاف مال الغير، فهو من حيث إنّه مقدّمة للحرام حرام، وهو من حيث عنوانه الأوّليّ واجب، فيقع التّعارض. أمّا إن لم نقل بوجوبها صار المورد من موارد التّزاحم لا التّعارض بحيث يقدّم الأهمّ بينهما. وهي ثمرة تامّة.

 

[1]  أنظر الكفاية،ج1،ص175:"وربّما يجعل من الثّمرة اجتماع الوجوب والحرمة إذا قيل بالملازمة في ما كانت المقدّمة محرّمة، فيبتني على جواز اجتماع الامر والنّهي وعدمه بخلاف ما لو قيل بعدمها".

[2]  أنظر الكفاية،ج1،ص175:"وربّما يُجعل من الثّمرة اجتماع الوجوب والحرمة إذا قيل بالملازمة في ما كانت المقدّمة محرّمة، فيبتني على جواز اجتماع الأمر والنّهي وعدمه بخلاف ما لو قيل بعدمها".

[3]  المصدر نفسه:"وفيه أوّلًا: أنّه لا يكون من باب الاجتماع كي تكون مبتنية عليه؛ لما أشرنا إليه غير مرّة أنّ الواجب ما هو بالحمل الشّائع مقدّمة لا بعنوان المقدّمة، فيكون على الملازمة من باب النّهي في العبادة والمعاملة".

[4]  المصدر نفسه:"وثانيًا:أنّ الاجتماع وعدمه لا دخل له في التّوصّل بالمقدّمة المحرّمة وعدمه أصلًا؛ فإنّه يمكن التّوصّل بها إن كانت توصّليّة ولو لم نقل بجواز الاجتماع، وعدم جواز التّوصّل بها إن كانت تعبّديّة على القول بالامتناع، قيل بوجوب المقدّمة أو بعدمه، وجواز التّوصّل بها على القول بالجواز كذلك أي قيل بالوجوب أو بعدمه. وبالجملة: لا يتفاوت الحال في جواز التّوصّل بها وعدم جوازه أصلًا بين أن يقال بالوجوب أو يقال بعدمه كما لا يخفى".

[5]  أنظر أجود التّقريرات،ج1،ص355:"ومنها: توقّف وقوع المقدّمة عبادة على وجوبها؛ فإنّها لو لم تكن مطلوبة للمولى لما أمكن التّقرّب بها إليه. وفيه:أنّ وقوعها عبادة إنّما يدور مدار قصد الامر النّفسيّ المتعلّق بما يتوقّف عليه، سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل به، وقد سبق الكلام في ذلك مفصّلًا فلا نعيد".

[6]  أنظر منتقى الأصول،ج2،ص327:"فقد ذكرنا سابقًا أنّ الثّمرة هي صيرورة المورد من موارد التّعارض بناءً على الوجوب لو كانت المقدّمة محرّمة، بمعنى أنّه يقع التّعارض بين دليل حرمة المقدّمة ودليل وجوب ذي المقدّمة، لأنّ وجوب ذي المقدّمة لمّا كان لازمًا ذاتًا لوجوب المقدّمة المنافي لحرمتها، بحيث لا يمكن التّفكيك بين وجوبيهما، كان دليل الحرمة منافيًا لدليل وجوب ذي المقدّمة لعدم إمكان الالتزام بهما معًا لتنافي مدلوليهما، إذ منافاة الحرمة لوجوب المقدّمة ملازمة لمنافاتها لوجوب ذي المقدّمة بعد فرض عدم إمكان التّفكيك بينهما، فيكون دليل الحرمة معارضًا لدليل الوجوب.

وأمّا بناءً على عدم الوجوب، فيكون المورد من موارد التّزاحم، بمعنى أنّه يقع التّزاحم بين وجوب ذي المقدّمة وحرمة المقدّمة، لعدم إمكان امتثال كلام الحكمين من دون منافاة بينهما في أنفسهما، فلاحظ وتدبّر.

فأثر المبحث، هو: تنقيح صغرى من صغريات باب التّزاحم أو باب التّعارض الّذي يترتّب على كلّ منهما آثار عمليّة فقهيّة مهمّة".

[7]  أنظر المباحث،ج2 من القسم الأوّل،ص540-541:"وأمّا في القسم الثّاني: من قبيل ما لو توقّف إنقاذ الغريق على اجتياز الأرض المغصوبة، فإن قلنا بعدم وجوب المقدّمة فلا تعارض بين دليل وجوب ذي المقدّمة ودليل حرمة المقدّمة، وإنّما هما حكمان متزاحمان، كلّ منهما مقيّد كسائر الأحكام بالقدرة، وعدم الانشغال بما هو مساوٍ أو أهمّ، فيطبّق عليهما حكم باب التّزاحم [...]

أمّا إن قلنا باستحالة تقييد وجوب المقدّمة بالموصلة؛ للزوم الدّور والتّسلسل فهنا يستحكم التّعارض بين دليل وجوب ذي المقدّمة ودليل حرمة المقدّمة".

[8]  [سيأتي من شيخنا الأستاذ لاحقًا أنّ تصوير التّعارض بما أنّه يقع بين خطابين فهو يبتني على القول بكون الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها بيّنة بالمعنى الأخصّ، أي إنّه من الدّلالة الالتزاميّة ثابتة الحجيّة كالدّلالة المطابقيّة لكونها معها من الظّاهر الحجّة. فخطاب ذي المقدّمة يُعارض بمدلوله الالتزاميّ خطاب حرمة الغصب بمدلوله المطابقيّ على القول بوجوب المقدّمة.(المقرّر)].

[9]  أنظر الحلقة الثّالثة،ج1،ص243:"أوّلًا:إنّه إذا اتّفق أن أصبح واجب علّة تامّة لحرام وكان الواجب أهمّ ملاكًا من الحرام فتارةً ننكر الملازمة وأخرى نقبلها. فعلى الأوّل يكون الفرض من حالات التّزاحم بين ترك الحرام وفعل الواجب، فنرجع إلى قانون باب التّزاحم، وهو تقديم الأهمّ ملاكًا ولا يسوغ تطبيق قواعد باب التّعارض، كما عرفنا سابقًا. وعلى الثّاني يكون دليل الحرمة ودليل الوجوب متعارضين، لأنّ الحرمة تقتضي تعلّق الحرمة الغيريّة بنفس الواجب ويستحيل ثبوت الوجوب والحرمة على فعل واحد، وهذا يعني أنّ التّنافي بين الجعلين، وكلّما كان التّنافي بين الجعلين دخل الدّليلان في باب التّعارض وطُبّقت عليه قواعده بدلًا عن قانون باب التّزاحم.

ثانيًا:إنّه إذا اتّفق عكس ما تقدّم في الثّمرة السّابقة فأصبح الواجب صدفة متوقّفًا على مقدّمة محرّمة كإنقاذ الغريق إذا توقّف على اجتياز الأرض المغصوبة، فلا شكّ في أنّ المكلّف إذا اجتاز الأرض المغصوبة وأنقذ الغريق لم يرتكب حرامًا لأنّ الحرمة تسقط في هذه الحالة رعاية للواجب الأهمّ. وأمّا إذا اجتاز الأرض المغصوبة ولم ينقذ الغريق فقد ارتكب حرامًا إذا أنكرنا الملازمة، كذلك إذا قلنا بأنّ الوجوب الغيريّ يختص بالحصّة الموصلة من المقدّمة .ولم يرتكب حرامًا إذا قلنا بالملازمة وأنّ الوجوب الغيريّ لا يختصّ بالحصّة الموصلة. أمّا أنّه ارتكب حرامًا على الأوّلين فلأنّ اجتياز الأرض المغصوبة حرام في نفسه ولا يوجد ما يحول دون اتّصافه _في حالة عدم التّوصّل به إلى الإنقاذ_ بالحرمة، وأمّا أنّه لم يرتكب حرامًا على الأخير فلأنّ الوجوب الغيريّ يحول دون اتّصافه بالحرمة".

برچسب ها: ثمرة وجوب المقدمة

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است