اقتضاء الامر بالشیء للنهی عن ضده (الدرس ۱۰۰)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ما زال الكلام في الأمر الثّاني الّذي تعرّض فيه الشّيخ الآخوند لبيان وردّ عمدة دليل قول الذّاهبين إلى القول بالاقتضاء في بحث الضّد، وهو نكتة المقدّميّة لأجل المانعيّة. ببيان أنّ وجود الضّدّ مانع عن وجود ضدّه، فعدمه عدم المانع بالنّسبة لوجود ضدّه، وعدم المانع جزء من العلّة، فيقع عدم الضّدّ عدم مانع لوجود ضدّه أي جزء علّة وجود ضدّه. وعليه، فإنّ عدم الضّدّ الملازم لوجود ضدّه يقع مقدّمة لوجود الأخير. فهذا قول بالمقدّميّة بملاك المانعيّة أي التّمانع بين العينين.

وقد رفض الشّيخ الآخوند هذا البيان مبطلًا المانعيّة وتاليها من المقدّميّة، وذلك بثلاثة وجوه قدّمنا أوّله نعيده ببيان آخر مع شيء من الزّيادة.

الوجه الأوّل:[1] إنّ غاية ما يثبته الاستدلال المذكور هو عدم وجود الصّلاة حال وجود الإزالة، أي إنّ الإزالة والصّلاة وجودان متنافران متعاندان لا يجتمعان في الوجود، لكنّ التّنافر والتّضادّ أعمّ من التّمانع على نحو يكون أحدهما مانعًا عن وجود الآخر. إذ يكفي لتحقّق التّنافر أن ينفر وجود أحدهما عن وجود الآخر فيما يتلاءم وجوده مع عدم الآخر، فيكون وجود أحدهما مقارنًا لعدم الآخر ولو مقارنة دائميّة تسمّى ملازمة. وذلك كما في وجود الإزالة وعدم الصّلاة حيث ذكر الشّيخ الآخوند أنّ بينهما كمال الملاءمة. لكنّ هذا لا يساوي القول بالعلّيّة بين المتلازمين، أي إنّ ثبوت الملازمة بين شيئين لا يساوي ثبوت العلّيّة بينهما وهذا واضح جدًّا، لأنّ الملازمة أعمّ من ملازمة ما بينهما علّيّة وما ليس بينهما علّيّة بل هما معلولا علّة واحدة.

ولو دقّقنا فيما ذُكر لوجدنا أنّ منشأ التّلازم بين الإزالة وعدم الصّلاة هو نكتة امتناع ارتفاع النّقيضين، إذ إنّ وجود الإزالة يضادّ وجود الصّلاة، وإن ارتفع وجود الصّلاة ثبت عدم الصّلاة لا محالة. والفرض أنّ وجود الصّلاة مرتفع حال وجود الإزالة، فوجود الإزالة ملازم دائمًا لعدم الصّلاة، لا لأنّ عدم الصّلاة علّة وجود الإزالة، بل لأنّ عدم الصّلاة نقيض وجود الصّلاة بحيث متى ارتفعت الصّلاة _والفرض أنّها مرتفعة هنا_ ثبت نقيضها أي عدم الصّلاة. وعلى هذا، لا ينفكّ وجود الإزالة عن عدم الصّلاة، إذ بينهما تقارن لنكتة امتناع ارتفاع النقيضين، فلا يرتفع عدم الصّلاة مع ارتفاع وجود الصّلاة. لكنّ هذا التّقارن دائميّ حتميّ وليس اتّفاقيًّا وهو معنى التّلازم. وبهذا عرفت أنّ تحقّق الملازمة الدّائميّة الحتميّة لا يعني تحقّق العلّيّة على نحو يكون عدم الصّلاة هو عدم المانع الجائي في علّة وجود الإزالة، فيقع عدم الضّدّ مقدّمة وجود ضدّه؛ لا، هذا باطل.

وهذا البيان يكفي لردّ كلامهم واستدلالهم، إلّا أنّ الشّيخ الآخوند أكمل بعبارة يُفهم منها على نحو ظاهر الإشارة إلى قانون مساوي المساوي مساوٍ[2] وهو قانون باطل في محلّه، وقد نبّه المحقّق الأصفهانيّ على ذلك.[3] توضيحه: إنّ محصّل كلام الشّيخ الآخوند هو أنّ الإزالة الصّلاة في رتبة واحدة لأجل التّضادّ، وأنّ عدم الصّلاة والصّلاة في رتبة واحدة لأجل التّناقض، فيثبت من ذلك أنّ الإزالة وعدم الصّلاة في رتبة واحدة، إذ مساوي المساوي مساوٍ، فإذا كان الأوّل في رتبة واحدة مع الثّاني، والثّاني في رتبة واحدة مع الثّالث، فالأوّل في رتبة واحدة مع الثّالث. وكون الإزالة في رتبة واحدة مع عدم الصّلاة هو نفي للتّقدّم الرّتبيّ لعدم الصّلاة الّذي يفترضه المستدلّ من حيث إنّه ادّعى المقدّميّة والعلّيّة، أي إنّ تساوي الرّتب بين شيئين نقض للعلّيّة بينهما. ومعنى المساواة هنا هو عدم وجود رابطة علّيّة بين الشّيئين، أي كلّ ما ليس بينهما علّيّة فهما متساويان.

أمّا بيان بطلان قانون المساواة فهو أنّه من الممكن أن يكون عدم الصّلاة علّة لوجود الإزالة مع كون الصّلاة ليست علّة للإزالة، وبالتّالي وإن تساوى عدم الصّلاة مع الصّلاة رتبة وتساوى وجود الصّلاة مع وجود الإزالة رتبة، إلّا أنّنا يمكن أن نفترض أنّ عدم الصّلاة لا تساوي الإزالة رتبة بل تتقدّم عليها تقدّم العلّة على معلولها من دون محذور فاسد.[4]

الوجه الثّاني:[5] وهو تنظير أو استدلال يصلح منبّهًا على فساد ما ذهبوا إليه. ومفاده أنّ عدم الصّلاة علّة لفعل الإزالة بحسب بيانهم، لأنّ بين الصّلاة والإزالة تنافرًا وتضادًّا. ولننقل الكلام إلى النّقيضين، فإنّ بينهما تنافرًا وتقابلًا كما في مثال الصّلاة وعدم الصّلاة، فهل نثبت بالمنافرة والمقابلة كون عدم الصّلاة مقدّمة وعلّة لوجود الصّلاة؟ مجرّد أن يكون هذا العدم ملازمًا لوجود الصّلاة يثبت العلّيّة والمقدّميّة بينهما؟

خذٌ مثالًا زيدًا وعدمه، إنّ بينهما تنافرًا، وبين زيد وعدم عدم زيد كمال الملاءمة، فهل يكون عدم عدم زيد مقدّمة وعلّة لوجود زيد؟ وهل عدم عدم زيد إلّا زيد مصداقًا وخارجًا؟

فهذا تنبيه أنّه إن قيل بأنّ عدم الضّدّ الأوّل مقدّمة لوجود الضّدّ الآخر للزم أن يقال إنّ عدم النّقيض الأوّل  مقدّمة لوجود نقيضه، وهذا باطل فاسد بلا كلام.

 

[1]  أنظر الكفاية،ج1،ص182-183:"وهو توهّم فاسد؛ وذلك لأنّ المعاندة والمنافرة بين الشّيئين لا تقتضي إلّا عدم اجتماعهما في التّحقّق وحيث لا منافاة أصلًا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله _بل بينهما كمال الملاءمة_ كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما ه بديله في مرتبة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدّم أحدهما على الآخر كما لا يخفى".

[2]  المصدر نفسه:"وحيث لا منافاة أصلًا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله".

[3]  أنظر نهاية الدّراية،ج1،في الحاشية،ص425:"لا يخفى أنّ غرضه قده ليس نفي المقدّميّة بمجرّد ملاءمة وجود الضّدّ مع عدم الآخر فإنّ كلّ علّة ومعلول أيضًا متلائمان بل غرضه إثبات الاتّحاد في المرتبة كما في آخر عبارته هنا ونفي التّقدّم بالطّبع الّذي هو لازم المقدّميّة كما أواخر عباراته الآتية. والمراد من الاتّحاد في المرتبة:

إمّا مجرّد عدم التّقدّم الطّبعيّ فإنّه منافٍ لمقدّمة بالتّقدّم الطّبعيّ فحينئذٍ لا حاجة إلّا إلى إثبات تقدّم أحد الضّدّين على الآخر وكون العدم البديل لكلّ منهما كذلك فينتج عدم التّقدّم لعدم الضّدّ على وجود ضدّه أيضًا.

وإمّا المعيّة في المرتبة زيادة على عدم التّقدّم والتّأخّر بالطّبع.

فعلى الأوّل [أي مجرّد عدم التّقدّم الطّبعيّ] لا يرد عليه إلّا إبطال المقدّمة الثّانية وهو أنّ العدم البديل لا يقتضي أن يكون في رتبة الوجود. إذ المسلّم من الوحدات المعتبرة في التّناقض هي الوحداث الثّمانية وهذه ليس منها، ووحدة الحمل الّتي أضافها إليها بعض أكابر الفنّ أجنبيّة عمّا نحن فيه. [فلتكن وحدة عاشرة من وحدات التّناقض (المقرّر)].

وعلى الثّاني، يرد عليه زيادة على ما سبق من: أن يجتمع عدم التّقدّم والتّأخّر لا تقتضي المعيّة في المرتبة إلّا إذا كما أنّ التّقدّم والتّأخّر لا يكون إلّا بملاك يقتضيه كذلك المعيّة لا تكون إلّا يقتضيها. وتقدّم وجود الشّرط على وجود مشروطه دون عدم البديل على وجود المشروط ممّا يشهد للأوّل، ومعيّة وجود أحد المعلولين الصّادرين عن علّة واحدة مع الآخر دون عدمه مع وجود الآخر ممّا يشهد للثّاني".

[4]  [هذا ليس إبطالًا لقانون المساواة بل هذا بيان لعدم صحّة تطبيقه هنا، وعدم صحّة تطبيقه أعمّ من فساده. فقد يكون القانون جاريًا في المقادير دون جريانه في أمثال الرّتب الّتي تنقّح معنى تساويها بأنّها ليست علّة للآخر. أي معنى أنّ الشّيء يساوي الآخر رتبة أنّه ليس علّة ولا معلولًا له. ومن الواضح أنّ ما ليس بعلّة لشيء قد يكون علّة لشيء آخر لا علّيّة بينه وبين ذاك الآخر. أي قد نفترض (أ) مساويًا ل (ب) أي لا علّيّة بينهما، فيما (ج) غير مساوٍ ل(أ) أي بينهما علّيّة مع كونه مساويًا ل(ب) أي ليس بينهما علّيّة، وبالتّالي (أ) يساوي (ب) و(ب) يساوي (ج) لكنّ (ج) لا يساوي (أ). لكنّ هذا ليس انخرامًا للقانون بل هذا بيان لعدم انطباقه هنا لأنّ المساواة الّتي أُخذت فيه غيرها الّتي اصطلح عليها هنا.(المقرّر)].

[5]  أنظر الكفاية،ج1،ص183:" فكما أنّ المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدّم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر كذلك في المتضادّين".

برچسب ها: الضد العام

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است