اقتضاء الامر بالشیء للنهی عن ضده (الدرس ۱۱۱)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كان الكلام في ردّ الشّيخ الآخوند على إنكار الشّيخ البهائيّ للثّمرة، وفي تتميمه للثّمرة بحيث يقع الضّدّ العباديّ صحيحًا في حال عدم النّهي عنه ولو كان بلا أمر.

وهنا بيان مجدّد للمطلب الّذي مرّ رجاء ارتفاع بعض الأمور الغامضة خصوصًا في ردّ ردّ الشّيخ الآخوند.

أمّا كلام الشّيخ البهائيّ فمفاده أنّه وإن لم يكن الضّدّ العباديّ منهيًا عنه إلّا أنّه لا يقع صحيحًا، لأنّ الصّحّة مشروطة بوجود أمر وعدم وجوده كافٍ للحكم بالبطلان، إذ البطلان لا يختصّ بحال وجود نهي فقط.

وأمّا ردّ الشّيخ الآخوند فهو أنّنا نحكم بالصّحّة ولو مع عدم وجود أمر بالفعل (ولا أمر ترتّبيّ لقوله باستحالة التّرتّب)، لأنّه يكفي في الصّحّة وجود الملاك. يبقى أن نثبت وجود الملاك في المورد. والواسطة في إثباته هو أنّ أقصى ما يقتضيه التّزاحم هو أن لا يكون الأمران فعليّين ولا يقتضي أن يكون الضّدّ الآخر بلا ملاك. فالتّزاحم يلغي الفعليّة لا يرفع المقتضي، والمقام مقام تزاحم بحث الضّدّ وهو قائم على مفروغيّة وجود الملاك، ولذلك ينسحب البحث إلى إثبات أمر ترتّبيّ عند من لا يقول باستحالة التّرتّب.

وأمّا ردّ الرّد من قِبل شيخنا الأستاذ فمفاده أنّ بيان الشّيخ الآخوند مشوب بخلط في اصطلاح التّزاحم في الموارد المختلفة، فالتّزاحم يكون على ثلاثة معانٍ:

الأوّل: هو التّزاحم حيث لا قدرة على الجمع بين الضّدّين امتثالًا، وحكمه أن نرفع اليد عن الأمر بالمهمّ بمقدار امتثال الأهمّ على معنى التّرتّب، فلا يمكن التّمسّك في المورد بإطلاق الأهمّ وكذا بإطلاق المهمّ. وعملًا بقانون التّزاحم يقدّم إطلاق الأهمّ على إطلاق المهمّ فيقيّد الثّاني بعدم امتثال الأوّل. وبالتّالي، هذا التّزاحم يشكّل موضوع التّرتّب على القول بإمكانه. ومن الواضح أنّ الشّيخ الآخوند لا يريد هذا المعنى للتّزاحم لأنّ الصّحّة هنا مترتّبة على الأمر لا على الملاك.

الثّاني: هو التّزاحم بين شيئين مع فرض وجود ملاك لولا المزاحمة، على نحو أنّه إذا كان المكلّف قادرًا لكان في المقام ملاك نعرفه من الأمر به، أمّا حيث لا قدرة فلا ندري أفي المقام ملاك أم لا، نعم هنا ملاك لولائيّ لكن الملاك الفعليّ مشكوك.

الثّالث: هو التّزاحم بين شيئين مع كون العمل لو كان مقدورًا للمكلّف في فرض عجزه لكان ذا ملاك. أي إنّ الضّدّ مغلوب الفعليّة ذو ملاك على كلّ حال سواء كانت المزاحمة أم لم تكن. وهذا الّذي يريده الشّيخ الآخوند، فهو يريد أن يقول باشتمال العمل العباديّ المزاحَم على الملاك وكون المزاحمة لا تمسّ به بل تعطّل الفعليّة فقط. فلا بدّ أن يأتي بما يثبت الملاك في هذه الحالة. ولكنّ الأمر هو الكاشف عنه وحسب، إذ متى حصلت القدرة ثبت الأمر فكشف، ومتى لم تحصل القدرة لم يثبت الأمر فلا كشف. وذلك لأنّ فعليّة الخطاب قد تكون رافعة لموضوع خطاب آخر على ما قدّمنا في الدّرس السّابق على نحو تنفي جعله وملاكه، فلا يبقى ملاك في حال فعليّة الآخر. ومثاله أداء الدّين ووجوب الحجّ، بحيث متى كان أداء الدّين فعليًّا رفع موضوع الحجّ، أي إنّ فعليّة وجوب أداء الدّين ترفع موضوع وجوب الحجّ. وليكون الكلام منطبقًا على المقام نفترض أنّ فعليّة الوجوب الأوّل رفعت الموضوع بمعنى رفع جعله وكذا رفع ملاكه، فحيث يكون وجوب أداء الدّين فعليًّا يكون الحجّ بلا ملاك. ومن هنا نقول قد تكون القدرة قيدًا من قيود الملاك، أي إذا كان الضّدّ الأوّل فعليًّا ومقدورًا عليه وهو الأهمّ، خرج الآخر المهمّ عن القدرة الّتي قد تكون قيدًا في ملاكه، أي حيث لا تكون قدرة لا يكون ملاك، وهذه صورة من صور الورود على ما ذكر السّيّد الصّدر. وأحيانًا يكون الامتثال رافعًا لموضوع الآخر لا الفعليّة، كما في موارد المتزاحمين المتساويين كوجوبي إنقاذ الغريق الأوّل والثّاني. وفي أحيان أخرى لا تكون الفعليّة ولا الامتثال رافعًا للوجوب، كوجوب المهمّ بالنّسبة إلى وجوب الأهمّ، فالمهمّ لا يرفع الأهمّ لا بامتثاله ولا بفعليّته.

والحال هذا:

ألا نحتمل أن يكون الأمر بالأهمّ كالإزالة هنا رافعًا لملاك المهمّ كالصّلاة؟ فيكون الخطاب بالمهمّ متقوّمًا بعدم امتثال الأهمّ على مستوى ملاكه. هذا معقول وممكن وبالتّالي وجود الملاك ليس حتميًّا.

تبقى نكتة هنا في المقام:

ذهب المحقّق النّائينيّ إلى كفاية الملاك لصحّة العمل العباديّ، ولكنّه حاول أن يدافع عن كلام الشّيخ البهائيّ من خلال تقريب بيانه على مسلك صاحب الجواهر الّذي زعم أنّه يقول باعتبار قصد امتثال الأمر لتصحيح العبادة، فالملاك ليس مصحّحًا للعمل العباديّ.

والصّحيح أنّ ما نسبه المحقّق النّائينيّ إلى صاحب الجواهر غير صحيح، فهو لا يقول بتوقّف صحّة العبادة على قصد الامتثال وقصد القربة. بل قد ذهب إلى عدم اعتبار قصد القربة بحسب اصطلاح المتأخّرين في العبادات رأسًا، وأنّ المعتبر هو قصد التّعيين الّذي يتحقّق بالقصد وبقصد امتثال الأمر سواء العباديّ أو المعامليّ بلا فرق. أي إنّ صاحب الجواهر قائل باعتبار هذا القصد في جميع الأوامر العباديّة والتّوصّليّة إلّا ما ثبت بدليل خاصّ عدم اعتبار هذا القصد فيه كحفر القبر لو وقع بسبب زلزلة.

 

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است