الترتب (۵ ربیع الاول ۱۴۴۴)

الكلام في بعض الفروع الفقهيّة الّتي استدلّ بوقوعها المحقّق النّائينيّ على التّرتّب.[1] وقد ذكر السّيّد الخوئيّ[2] بعض ما ذكره المحقّق النّائينيّ من أمثلة فيما التبس كلام المحقّق النّائينيّ على السّيّد الصّدر فتوجّه بالإشكال على كلامه وسيأتي بيان ذلك.

الفرع الأوّل هو وجوب السّفر. ومقصودهم هو السّفر من محلّ الإقامة لا السّفر من الوطن، وقد صرّح بذلك المحقّق النّائينيّ[3] وطابقه على ذلك السّيّد الخوئيّ[4]؛ كما لو أقام المكلّف عشرة أيّام في مكان، ونذر السّفر في اليوم الحادي عشر، فهنا حكمان أحدهما مطلق وهو وجوب الإفطار والقصر عند السّفر والثّاني مشروط بما لو عصى وبقي إلى الزّوال في محلّ إقامته وهو وجوب إتمام الصّوم في شهر الصّيام والصّلاة. فإذا سافر أفطر وقصّر وإذا عصى ولم يسافر سفره الواجب هذا وبقي إلى الزّوال فهو مأمور بالصّوم بنحو مشروط بعدم السّفر إلى الظّهر. وهذا أمر ترتّبيّ؛ إذ يتقوّم بوجود تكليف مطلق وآخر مقيّد طابق زمان امتثال الثّاني زمان عصيان الأوّل.

وفي المحصّلة: إذا سافر فقد رفع موضوع الصّوم ولكن إذا تحقّق موضوع الصّوم ولو بالعصيان فلا نقاش فقهيًّا بوجوب الصّوم؛ إذ لا فرق بين الإقامة المباحة والإقامة المحرّمة وكلاهما تحقّقان موضوع وجوب الصّوم.

على أنّه لا مجال لتوهّم قصدهم السّفر من الوطن، كيف وقد ناقش المحقّق النّائينيّ كون الإقامة قاطعًا حقيقيًّا للسّفر فهي كالمرور بالوطن أم أنّها قاطع حكميّ ليس إلّا، فتنبّه.[5]

وقد تعرّض السّيّد الخوئيّ في المورد نفسه لمثال الصّلاة، بحيث من وجب عليه السّفر لكنّه لم يسافر، وجب عليه أن يتمّ صلاته، والأمر بالصّلاة التّامّة هو أمر ترتّبيّ ترتّب على عصيان أمر السّفر. وقد وقع هذا محلًّا لإشكال السّيّد الصّدر.

الفرع الثّاني: هو وجوب الإقامة؛[6] عكس الأوّل. كمن نذر الإقامة في مكان عشرة أيّام، ثمّ لم ينو الإقامة قبل أن يصلّي رباعيّة، فإنّ صلاته صلاة المسافر غير المقيم وهي القصر وحكمه الفطر في شهر الصّيام. كان تكليفه الفعليّ وجوب الإقامة لكنّه لعصيانه صار مأمورًا بالقصر والإفطار فقهيًّا.

الفرع الثّالث: وجوب أداء الخمس[7] المترتّب على عصيان أداء دين السّنوات السّابقة على سنة الرّبح. إذا وجب على المكلّف أداء الدّين فهذا وجوب مطلق، والدّين إمّا دين سنة الرّبح وإمّا دين السّنة السّابقة. ومحلّ الكلام هو الثّاني لأنّ دين سنة الرّبح يُحسب من مؤونة السّنة بحيث يعمل على كسر الأرباح بالمصاريف والدّيون ولو لم يؤدَّ الدّين، فيما لا يحتسب منها الثّاني حال عدم أدائه؛ نعم إذا أُدّي كان من مؤونة السّنة المستثناة ممّا يجب خمسه والمؤونة متقوّمة بالصّرف أي ما لم تُصرف لا يُستثنى مقدارها عن وجوب الخمس. فهنا خطاب ترتّبيّ مفاده: إذا لم تؤدّ دينك للسّنة السّابقة فيجب عليك أداء الخمس أي إذا عصيت وجوب أداء الدّين ترتّب عليك وجوب أداء الخمس.

وقد نبدّل وجوب أداء الدّين بوجوب النّفقة على الأقارب كالأولاد (لا كالزّوجة إذ نفقتها دين)، فنقول تجب النّفقة على الولد لكن إذا عصى ولم ينفق وجب إخراج خمس ذلك المال كسائر أرباح سنته، إذ وإن كان لو صُرف لكان مؤونة لكن ما لم يُصرف لا يُستثنى مقداره لعدم صدق عنوان المؤونة عليه. هذا ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ وجوب أداء الخمس مشروط بعدم صرف المال في النّفقة لكن بنحو الشّرط المتأخّر، فكلّ مال صدق كونه ربحًا وجب أداء خمسه إن لم يصرف خلال السّنة، فالوجوب فعليّ قبل شرطه المتأخّر عنه زمانًا وهو عدم الصّرف في النّفقة ودخوله في المؤونة. ولا فرق بين المؤونة الجائزة المباحة كنفقة الشّخص على نفسه وبين النّفقة الواجبة كنفقته على أولاده من حيث إنّه متى صرف دخل المال المصروف في المؤونة ومتى لم يصرف دخل المال فيما يجب إخراج خمسه، وهذا ترتّب ليس إلّا. أما ترى أنّ وجوب أداء الخمس يترتّب على عصيان وجوب الإنفاق على الأولاد؟ فمن عصى ولم يصرف في النّفقة الواجبة وجب عليه أداء الخمس، وزمان عصيان الأهمّ وهو وجوب النّفقة هو زمان امتثال المهمّ وهو وجوب أداء الخمس، فلا يُتوهّمنّ كون زمان وجوب أداء الخمس متأخّرًا عن زمان العصيان إذ هو فعليّ من أوّل ظهور الرّبح الّذي لم يُصرف في المؤونة وإن شُرط بشرط متأخّر هو بقاء عدم الصّرف في المؤن والنّفقات.

وهنا إشكالات للسّيّد الصّدر على هذه الأمثلة تأتي إن شاء الله تعالى.

 

 

 

[1]  الفوائد،ج1،ص357.

[2]  الدّراسات،ج1،ص47.

[3]  الفوائد،ج1،ص357.

[4]  الدّراسات،ج1،ص43.

[5]  أنظر الفوائد،ج1،ص358:"إن قلنا بأنّ الإقامة قاطعة لحكم السّفر لا لموضوعه فإنّه يكون خطاب الصّوم حينئذٍ مترتّبًا على عصيان خطاب الإقامة بلا توسيط شيء، كترتّب خطاب المهمّ على عصيان خطاب الأهمّ حذو النّعل بالنّعل.

نعم لو قلنا بأنّ الإقامة قاطعة لموضوع السّفر كالمرور على الوطن كان خطاب الصّوم مترتّبًا على موضوع الحاضر وغير المسافر لا على عصيان حرمة الإقامة".

[6]  أنظر المصدر نفسه:"ما لو فرض وجوب الإقامة على المسافر من أوّل الزّوال، فيكون وجوب القصر مترتّبًا على عصيان وجوب الإقامة، حيث إنّه لو عصى ولم يقصد الإقامة توجّه عليه خطاب القصر. وكذا لو فرض حرمة الإقامة فإنّ وجوب التّمام يكون مترتّبًا على عصيان حرمة الإقامة".

[7]  أنظر المصدر نفسه:"وجوب الخمس المترتّب على عصيان خطاب أداء الدّين إذا لم يكن الدّين من عام الرّبح. وأمّا إذا كان من عام الرّبح فيكون خطاب أداء الدّين بنفس وجوده رافعًا لخطاب الخمس لا بامتثاله على ما تقدّم".

برچسب ها: الترتب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است