الترتب (۶ ربیع الاول ۱۴۴۴)

كان الكلام في الاستدلال على التّرتّب بالوقوع بناءً على ما مرّ في كلام المحقّق النّائينيّ وتبعًا له السّيّد الخوئيّ.

ومن جملتها: وجوب السّفر من محلّ الإقامة بحيث يكون وجوب التّمام وجوبًا ترتّبيًّا كمثل وجوب الصّلاة المترتّب على عصيان الإزالة، فيما جاء في كلام السّيّد الصّدر وجوب السّفر من الوطن لا من محلّ الإقامة.

أشكل السّيّد الصّدر على كلام المحقّق النّائينيّ بثلاثة إشكالات دقيقة:

الإشكال الأوّل:[1] هذه الموارد أجنبيّة عن التّرتّب؛ فالصّلاة التّمام ليست ضدًّا للسّفر بل ضدّ السّفر هو الحضر. وملاك  تعلّق الأمر التّرتّبيّ هو أن يكون متعلّق الأمر هو بنفسه مضادًّا للواجب، كالصّلاة المضادّة للإزالة. نعم، جزء موضوع الصّلاة التّامة هو الحضر وهو مضادّ للسّفر لكنّ ذلك ليس مشمولًا بملاك حدوث الأمر التّرتّبيّ. والتّرتّب لو كان في المقام لكان على نحو:"إن لم تسافر فاحضر في بلدك". فالصّلاة التّامّة يتوجّه الخطاب بها على تقدير الحضر لكن ليس هناك أمر بالحضر، فالأمر لا يدعو إلى موضوعه. ثمّ إنّ الإشكال الّذي يحلّه التّرتّب هو الجمع بين المتضادّين، لكن هنا لا تضادّ بين السّفر والصّلاة التّامّة. الحضر شرط الوجوب لا شرط الواجب على المشهور ولا دعوة إلى الحضر إذ الأمر لا يدعو إلى موضوعه.

وقد أشكل شيخنا الأستاذ على هذا الإشكال للسّيّد الصّدر بإشكالات ثلاث:

أوّلًا: لو تمّ هذا الإشكال في مثال الصّلاة فإنّه لا يتمّ في مثال وجوب الخمس. فالمال الواحد لا يمكن أن يكون مصروفًا في الخمس وكذا في الدّين، فأداء الخمس نفسه مضادّ لأداء الدّين. فهنا ضدّان ويترتّبان فكيف يصحّ إطلاق أنّ الموارد جميعها خارجة عن التّرتّب؟

ثانيًا: قلت إنّه لا بدّ من أن يكون متعلّق الأمر بالمهمّ مضادًّا لمتعلّق الأمر بالأهمّ. لكنّنا لا نسلّم بذلك، بل يكفي أن يكون ملازم المتعلّق مضادًّا. فلا فرق على مستوى الاستحالة بين أن يكون داعيًا إلى الجمع بين الضّدّين أو ملازمًا للجمع بين الضّدّين. فالأمر الأوّل يدعو إلى السّفر والثّاني يدعو إلى الصّلاة التّامّة الملازمة للحضر وهو في الحقيقة أمر بملازم الضّدّ. لا يقال إنّه لا يجب تحقيق الموضوع أي الحضر؛ إذ يقال وكذا الأمر في التّرتّب الاصطلاحيّ حيث لا يجب عصيان الأهمّ ولا دعوة إلى ذلك بل العكس.[2]

ثالثًا: الصّلاة التّامّة الحضريّة الاختياريّة هي بنفسها مضادّة للسّفر، إذ لا يمكن الجمع بين الصّلاة حال الاطمئنان والسّكينة وبين السّفر الّذي هو ضرب في الأرض. فالسفر حركة والصّلاة مشروطة بالسّكون ومعنى ذلك أن يرجع الأمر بالسّفر إلى الأمر بالحركة والأمر بالصّلاة إلى الأمر بالسّكون وهذان أمران متضادّان بالذّات.[3]

عودة إلى إشكالات السّيّد الصّدر على المحقّق النّائينيّ:

الإشكال الثّاني:[4] لدينا حلّ آخر لتصحيح صلاة الحاضر الّذي عصى وجوب السّفر من غير القول بالتّرتّب، وذلك بطريقين:

الأوّل: وجود أمرين عرضيّين لا طوليّين كما في التّرتّب، بحيث يكون الأوّل أمرًا بالسّفر والثّاني أمرًا بالجامع بين السّفر والصّلاة التّامّة في الحضر. فإذا سافر امتثل الأمرين.

الثّاني: وجود أمر بالسّفر وحرمة للجمع بين التّركين أي ترك السّفر وترك الصّلاة الرّباعيّة. فإذا سافر امتثل التّكليفين، لكن إذا لم يسافر فقد عصى الأوّل وإذا سافر فقد امتثل الاثنين.

لكن قد يقال إنّه بالوجدان لا يوجد تكليفان يجب بمفادهما السّفر والجامع بينه وبين الصّلاة التّامّة.

ويأتي الإشكال الثّالث في شرطيّة الحضر للوجوب.

 

[1]  البحوث،ج2،ص336:"التّعليق الأوّل: أنّ الفروع الفقهيّة هذه كلّها أجنبيّة عن التّرتّب، لأنّ هناك علاقتين بين الخطابين في موارد التّرتّب: الأولى: أنّ الأمر بالأهمّ يستدعي بامتثاله رفع موضوع الأمر بالمهمّ باعتبار ترتّبه على عدم الاتيان بالأهمّ. الثّانية: أنّ كلًّا من الأمرين الأهمّ والمهمّ يقتضي من المكلّف عند فعليّة شرط المهمّ تحرّكًا يعاكش ما يقتضيه الآخر باعتبار التّضادّ بين المتعلّقين فيكون كلّ منهما مطاردًا للآخر. والعلاقة الأولى من العلاقتين هي المنشأ للقول بإمكان التّرتّب عند القائلين به حيث إنّه استوجب توهّم عدم التّنافر والتّعاند بين الخطابين والعلاقة الثّانية هي المنشأ لتوهّم الاستحالة عند القائلين بها ومن البديهيّ أنّ الأمثلة المذكورة كلّها لا تحتوي إلّا على العلاقة الأولى من هاتين العلاقتين...".

[2]  الإشكال في التّزاحم هو في الدّاعويّتين المتضادّتين بحيث كلّ منهما يدعو إلى ضدّ صاحبه؛ فإن سُلّم بذلك لم يصحّ الكلام عن تضادّ بين متعلّق الأمر وما لم يدع إليه الأمر الآخر بل هو قائم على تقد\يره، وإن لم يُسلّم فالإشكال من أوّل الأمر في تقرير إشكال التّزاحم الّذي عنه يتأتّى الكلام عن التّرتّب.[المقرّر].

[3]  السّفر محلّ الكلام هو الّذي وقع متعلّقًا للأمر، وما أُمر به هو الضّرب في الأرض في الجملة لا بالجملة، فهو ضرب وحركة لكن لا على نحو العموم الاستغراقيّ لكلّ الآنات بحيث لا تبقى حصّة فيها سكون يمكن أن تُجمع مع الصّلاة المستقرّة. ولذلك إذا أمر المولى بالسّفر برأت الذّمّة بقطع المسافة سواء كانت الحركة متّصلة بلا انقطاع أو كانت متقطّعة، بل متى انطبق عليها العنوان الشّرعيّ للسّفر برأ المكلّف وإن كان قد خرج عن العنوان الدّقّيّ للسّفر.[المقرّر].

[4]  البحوث،ج2،ص337:"التّعليق الثّاني: أنّ الضّرورة الفقهيّة إنّما تقوم على النّتيجة وهي عصيان المكلّف بترك الصّلاة الرّباعيّة في الفرع الأوّل والثّنائيّة في الفرع الثّاني وترك الصّوم في الفرع الثّالث، ولكنّها لا تعيّن كيفيّة تخريجها وصياغتها ثبوتًا وأنّها على أساس الأمر التّرتّبيّ، وعليه فيكون برهان استحالة التّرتّب منضمًا إلى هذه الضّرورة الفقهيّة معينة لصياغة ثبوتيّة أخرى وهي يمكن تصويرها بأحد وجهين:

الأوّل: أن يكون هناك أمران عرضيّان أحدهما بالسّفر والآخر بالجامع بين السّفر والصّلاة الرّباعيّة في الحضر _أو الثّنائيّة في السّفر أو الصّوم في الحضر_ فإنّنا قد تعقلنا في الأبحاث السّابقة إمكان وجود أمرين أحدهما بالجامع تخييريًّا والآخر بالفرد تعيينًا فيكون تارك السّفر والصّلاة معًا معاقبًا بعقابين لا محالة لتركه مطلوبين كانا مقدورين في حقّه...

الثّاني: أن يقال بتحريم الجمع بين التّركين ترك السّفر وترك الصّلاة الرّباعيّة، ويكفي في تصحيح قربيّة العمل قصد التّخلّص من الحرام إذا كان متوقّفًا عليه كالوضوء من أجل مسّ المصحف مثلًا فيكون فعل الصّلاة قربيًّا بهذا الاعتبار ويكون تارك السّفر والصّلاة معًا معاقبًا بعقابين لتركه واجبًا وفعله حرامًا". 

برچسب ها: الترتب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است