الترتب (۷ ربیع الاول ۱۴۴۴)

ما زال الكلام في إشكالات السّيّد الصّدر.

الإشكال الثّاني[1] مفاده أنّ الطّريق إلى حلّ الموارد المتقدّمة ليس منحصرًا في التّرتّب. وأجاب عن ذلك شيخنا الأستاذ بأنّه نعم هو غير منحصر لكنّ الفقهاء التزموا بما يناسب التّرتّب لا بما يناسب ما ذكره السّيّد الصّدر من توجيهات وإن كانت معقولة. فلو لم يسافر المكلّف إلى الجهاد لوجب عليه إتمام صلاته لا لأنّ الفقهاء ملتزمون بوجود أمر بالسّفر وأمر آخر بالجامع بين السّفر والصّلاة التّامّة، بل هذا غير معهود عندهم. والحال أنّ المحقّق النّائينيّ كان بصدد بيان ارتكاز الفقهاء الرّاجع إلى الخطابات التّرتّبيّة في مثل هذه الموارد فلا يتمّ إشكال السّيّد الصّدر وإن كان ما فرضه معقولًا لكنّه ليس واقعًا بينهم. ولو نظرنا في صياغاتهم لفتاواهم في هذه الموارد لوجدنا مناسبتها للتّرتّب: إن عصى المكلّف وجوب السّفر فعليه إتمام الصّلاة. وبالتّالي إذا أراد أن يوجّه فليوجّه بما يناسب ارتكازهم، إذ هو بصدد التّفسير لا التّأسيس، فينبغي أن ينظر في دوالّهم وأن يفسّر بناء عليها.

الإشكال الثّالث:[2] إذا سلّمنا بانحصار تفسير هذه الموارد بناءً على التّرتّب ولكن كلّ ما تقدّم مبنيّ أيضًا على كون الحضر شرط الوجوب فيما الصّحيح كونه شرطًا للواجب. فالمكلّف مأمور بالسّفر وبالجامع بين الصّلاة التّامّة وصلاة القصر أي إنّه ليس مأمورًا بالتّمام حال الحضر بل بالجامع والتّمام هو مصداق الجامع المأمور به، وهذا شبيه بحصص الصّلاة في الوقت، فالمأمور به هي الصّلاة في أيّ حصّة من الزّمان كانت بين الحدّين. ولذا، الحضر قيد المتعلّق لا قيد الموضوع. على أنّ هذا يحدث انقلابًا في هذه المطالب جميعًا وله أثر كبير على المستوى الفقهيّ ولا شكّ في معقوليّته. ولا شكّ على كلّ حال أن يأتي المكلّف بالقصر في الحضر ولا بالتّمام في السّفر، إذ هناك قيود إضافيّة مأخوذة في أطراف الجامعة. ومن الوادي نفسه الصّلاة بالطّهارة التّرابيّة والصّلاة في الطّهارة المائيّة بحيث يكون هناك أمر بالجامع بينهما فلا وجدان الماء موضوع لوجوب الوضوء ولا فقدانه موضوع لوجوب التّيمّم. وهكذا في صلاة القادر والعاجز هناك أمر واحد بالجامع بين الصّلاة الاختياريّة والصّلاة الاضطراريّة. إذا عرفت هذا: فإنّه لا ترتّب بين وجوب السّفر والجامع بين الصّلاة التّامّة والقصر، بل هما تكليفان في عرض واحد. ولذلك قال السّيّد الخوئيّ لا نحتاج إلى التّرتّب بين الواجب المضيّق والواجب الموسّع[3] كالإزالة والصّلاة، إذ المطلوب في الصّلاة هو الجامع بين الحصص المختلفة لا الحصّة المزاحمة بالخصوص كما كان ذكر ذلك المحقّق الثّاني وهو تامّ عندنا. نعم سيكون السّفر مزاحمًا ومنافيًا للصّلاة التّامّة في حصّة لكنّها ليست هي المأمور به.

وأجاب شيخنا الأستاذ عن ذلك:

إنّ المشهور بين الفقهاء هو كون الحضر والسّفر موضوعين للحكم والكلام في المقام هو تحليل وتفسير لبناءات وارتكازات الفقهاء ومبناهم. ومع ذلك لو قلنا بأنّ الأمر قد تعلّق بالجامع فلا بدّ إن بقي له وقت للاتيان بركعتين لا أكثر أن يبادر إلى تأمين شرط صحّتهما وهو السّفر إذ سوف لن تقع منه الصّلاة إلا قصرًا وشرط هذا الواجب هو السّفر ولا بدّ من تحصيله. أمّا على مبنى المشهور، فيصلّي صلاة رباعيّة ومن أدرك ركعة فقد أدرك الصّلاة. لنفترض أنّ عنده وقتًا للاتيان بثلاث ركعات، فالواجب على مبنى السّيّد الصّدر أن يخرج في وقت سريع إلى حدّ التّرخّص وأن يصلّي هناك ركعتين حائزتين على شرط الصّحّة.

ونظير المورد ما لو وصل إلى مكان يريد الإقامة فيه لكن لم يبق له وقت للاتيان بصلاة رباعيّة مع شروط صحّتها، فإنّه على هذا المبنى يحرم عليه الإقامة فيأتي بالصّلاة القصريّة إذ لا وقت للصّلاة التّامّة. إذا تأمّلت عرفت عدم كون هذا الإشكال واردًا أيضًا.

وللسّيّد الرّوحانيّ إشكالات على كلام المحقّق النّائينيّ أحدها[4] يرجع إلى الإشكال الأوّل للسّيّد الصّدر ومفاده أنّ هذه الموارد أجنبيّة عن التّرتّب، لأنّ التّرتّب يكون حيث هناك تضادّ ذاتيّ بين المتعلّقين، ووجوب السّفر يضادّ بالعرض الصّلاة القصريّة. ولكن لا محلّ لهذا الإشكال عند من تصفّح ولو تصفّحًا الفوائد. إذا التّرتّب عند المحقّق النّائينيّ ليس مشروطًا بكون التّضادّ بين المتعلّقين بالذّات ويكفي بالعرض والواسطة. فالمطلوب في التّرتّب هو حلّ إشكال الجمع بين تكليفين سواء كان هذا الجمع محالًا بالذّات أو بالعرض، المهمّ أنّه لا يمكن الجمع بينهما في الامتثال ولذا لا يمكن الجمع بينهما في الأمر.

هذا، وأشكل الإمام الخمينيّ[5] بأربعة إشكالات غير سديدة، وهي في حقيقتها تبتني على الإلفات إلى أنّ التّرتّب يكون حيث ينطبق زمان امتثال الأمر التّرتّبيّ على زمان عصيان الأمر الأهمّ،[6] بحيث إنّ المكلّف قد أُمر بأداء الدّين فإذا عصى توجّه إليه بعد العصيان خطاب أداء الخمس. وهل غفل المحقّق النّائينيّ أبو التّرتّب من أوّله إلى آخره عن ضرورة انطباق زمان امتثال المهمّ على زمان عصيان الأهمّ بحيث يتّحدان؟! بل إنّ ما رامه هو جعل هذا المورد صغرى للتّرتّب الّذي يُدرك جيّدًا ضوابطه وأنّ زمان امتثال المهمّ لا بدّ أن ينطبق انطباقًا لا بعديّة فيه على زمان عصيان الأهمّ.

 

[1]  البحوث،ج2،ص337.

[2]  البحوث،ج2،ص338:"التّعليق الثّالث: أنّ النّقضين الأوّلين من هذه النّقوض مبنيّان على القول بكون السّفر والحضر من شرائط وجوب التّمام والقصر، وأمّا لو قلنا بأنّهما قيدان في الواجب، والوجوب مطلق متعلّق بالجامع بين الرّباعيّة الحضريّة والثّنائيّة السّفريّة فلا ترتّب أصلًا، بل هناك أمران من أوّل الأمر بالسّفر وبالجامع المذكور ولا ترتّب بينهما ولا تضادّ بين متعلّقيهما إذ السّفر يمكن أن يجتمع مع الجامع المذكور كما هو واضح".

[3]  

[4]  منتقى الأصول،ج2،ص390:"وأمّا المثال الشّرعيّ المذكور والّذي فرع عليه فروعًا متعدّدة جعلها شاهدًا على التّرتّب فهو أجنبيّ عمّا نحن فيه وبعيد عنه، فإنّ ما نحن فيه ما يكون بين متعلّق الأمرين تضادّ في أنفسهما بحيث لا يمكن اجتماعهما معًا كإنقاذ غريقين وليس قصد الإقامة والإفطار من هذا القبيل، فإنّه لا تضادّ بينهما في أنفسهما إذ يمكن الجمع بينهما، وإنّما لم يمكن الجمع بينهما خارجًا لأجل النّهي عنه الصّوم بدون قصد الإقامة، فالتّضادّ بينهما عارضيّ ناشئ من نحو جعل حكميهما وعدم جعل حكم أحدهما في مورد الآخر، فالمثال المزبور لا يرتبط بما نحن فيه فلا يصلح شاهدًا على وقوع التّرتّب".

[5]  مناهج الوصول،ج2،ص54:"قلت فيه أوّلًا: أنّ الخطابات الّتي فرض ترتّبها على عصيان خطابات أخر تكون فعليّتها بعد تحقّق العصيان، وبتحقّق العصيان خارجًا تسقط تلك الخطابات فلا يمكن اجتماع الخطابين الفعليّين في حال من الأحوال...".

[6]  ليس الأمر كذلك؛ فالإمام الخمينيّ غير قائل بالتّرتّب رأسًا ليقول بشيء من ضوابطه، وإنّما نفيه هنا لمطلق إمكان جمع المتضادّين من الأوامر على التّرتّب.[المقرّر]. راجع مناهج الوصول،ج2،ص52:"وبذلك يتّضح أنّ التّقدّم الرّتبيّ ليس مناطًا لدفع التّضادّ، والعصيان إذا جُعل شرطًا مع عدم تأخّره عن أمر الأهمّ _كما مرّ_ يُدفع به التّضادّ؛ لا للتّقدّم بل لعدم جمع الأمرين الفعليّين؛ لما عرفت من أنّ ثبوت أمر المهمّ مساوق لسقوط أمر الأهمّ، وهذا هو تمام المناط لرفع التّضادّ وطلب الجمع، وهو هدم أساس التّرتّب وكذا يتّضح حال سائر العناوين المساوقة لهذا الأمر الانتزاعيّ. فتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ ما يدفع به التّضادّ وطلب الجمع خارج عن أساس التّرتّب رأسًا".

برچسب ها: الترتب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است