الترتب (۱۸ ربیع الاول ۱۴۴۴)

كان كلامنا في تقرير رأي المحقّق النّائينيّ في قضيّة التّمام محلّ القصر والجهر محلّ الإخفات. وخلاصة كلامه أنّه لا يمكن توجيهها على التّرتّب.

ذكر (ره) نكتة في اللّيلة الأولى وذكر ثلاث نكات في اللّيلة الثّانية ورجع في اللّيلة الثّالثة عن بعض ما ذكره في سابقتيها.

وكيف كان، ممّا ذكره ولم يتراجع عنه هو أنّ التكليف لا بدّ أن يكون بنحو إذا التفت المكلّف إلى موضوعه أمكنه الامتثال، ولذلك عدّ من غير الممكن التّكليف الّذي ينتفي بالتفات المكلّف إلى موضوعه. ونظّر لذلك بالتّكليف حال النّسيان، إذ إنّه في هذا المورد غير معقول لأنّ المكلّف لا يمكن أن يمتثل إن لم يلتفت إلى موضوع تكليفه لكنّه إذا التفت خرج عن كونه ناسيًا فهو لن يلتفت وهو ناسٍ مطلقًا.[1]

والمقام هنا من هذا القبيل،[2] فإنّ التفات المكلّف حين إلى أنّه عاصٍ للقصر هو مساوق لارتفاع جهله بالحكم وبالتّالي لا يبقى حكم بصحّة التّمام. فالموضوع هو الجهل حسب المشهور، وحكموا بالصّحّة على صلاة من صلّى التّمام موضع القصر جهلًا قصوريًّا أو تقصيريًّا، مع أنّه لو التفت إلى عصيانه للحكم لارتفع جهله.

ثمّ ذكر لاحقًا ثلاثة شروط لصحّة التّرتّب[3] بتماميّتها تنتفي أيضًا صحّة توجيه هذه النّصوص على التّرتّب:

الشّرط الأوّل:[4] لا بدّ أن يكون التّكليف المترتَّب عليه منجّزًا ومحرّكًا، لأنّ الفرض هو تزاحم تكليفين محرّكين متنافرين لا يجتمعان فجاء الكلام عن التّرتّب لحلّ إشكال الأمر بهما مع تنافرهما. وهذا يعني أنّه لا ينفع الحكم المشكوك بشكّ بدويّ بعد الفحص إذ هو ليس بمنجّز.

الشّرط الثّاني:[5] لا بدّ أن يكون موضوعه قابلًا للتّحقّق وموضوعه هو العصيان. ولأنّه لا عصيان في الشّبهات البدويّة بعد الفحص فلا ترتّب.

الشّرط الثّالث:[6] لا بدّ أن يكون التّكليف المترتَّب عليه قابلًا للإحراز، ليكون موضوع التّرتّب _وهو العصيان_ بتبعه قابلًا للإحراز أيضًا. فإنّه ما لا يمكن إحرازه لا يمكن إحراز عصيانه وبالتّالي لا يمكن إحراز موضوع التّرتّب. وعلى هذا، فلا يتأتّى الكلام عن التّرتّب في الشّبهات البدويّة.

ثمّ قال ومن هنا يتبيّن أنّه لا ترتّب في : موارد الشّبهات البدويّة قبل الفحص وكذا في موارد الشّبهات المعلوم وجوب الاحتياط فيها كموارد الدّماء والأعراض وكذا في موارد العلم الإجماليّ.

أمّا الأوليان فلنكتتين: الأولى:[7] أنّ في المقام تكليفًا بوجوب الفحص والتّعلّم، والعصيان المتحقّق هو عصيان هذا التّكليف ولا عصيان على مخالفة التّكليف الواقعيّ. وعليه، فلا موضوع للتّرتّب لأنّه لا عصيان لما هو المترتَّب عليه افتراضًا. الثّانية:[8] إنّ إحراز العصيان غير ممكن بتبع عدم العصيان للتّكليف الواقعيّ.

وأمّا الأخيرة (أي في موارد العلم الإجماليّ) فلنكتة واحدة هي: عدم إمكان إحراز العصيان مع كون التّكليف منجّزًا بالعلم الإجماليّ كما بالعلم التّفصيليّ ومع كون العصيان ممكنًا أيضًا.[9]

واستثنى في اللّيلة الأخيرة موردًا هو مورد الغفلة والجهل المركّب.[10] هذا تفصيل كلامه بنحو منقّح.

ولشيخنا الأستاذ على كلام المحقّق النّائينيّ ثلاثة مآخذ؛ فضلًا عمّا ذكره السّيّد الخوئيّ من الاعتراض عليه بأنّ العصيان يكون على الواقع في مورد الشّبهات البدويّة قبل الفحص وليس عصيانًا لخطاب وجوب التّعلّم:

المأخذ الأوّل: ذكر المحقّق النّائينيّ في اللّيلة الأولى بحسب مقرّره في الفوائد أنّ شرط صحّة التّكليف هو أن يتمكّن المكلّف من امتثال التّكليف إذا التفت إلى موضوع تكليفه ونقل كلامًا عن الشّيخ صحّح فيه تكليف النّاسي.

والصّحيح أنّ ملاك صحّة التّكليف وعدمه هو ارتفاع اللّغويّة وعدمه، فالتّكليف الصّحيح هو التّكليف غير اللّغويّ. ولذلك قالوا تكليف إذا التفت إلى موضوعه أمكن للمكلّف امتثاله؛ مع أنّه يكفي في ارتفاع اللّغويّة أن يلتفت إلى موضوعه حينًا ما ولو بعد الامتثال، ليترتّب على ذلك ثمرة أنّه لا يعيد. فمن صلّى تمامًا ثمّ التفت بعد العمل ترتّب على ذلك أثر كافٍ في رفع لغويّة التّكليف حال عدم الالتفات. من عصى الصّلاة قصرًا وصلّى تمامًا فهو متخيّل لتكليف في حقّه جهلًا تقصيريًّا بحيث لم يعلم بأنّ موضوع القصر هو المسافر وأنّ موضوع التّمام هو الحاضر؛ ومع ذلك يصحّ أن يقول المولى بأنّ غير الملتفت إلى موضوع التّمام وصلّى التّمام وهو مسافر جهلًا تقصيريًّا صحّ ما أتى به ولا إعادة في الوقت ولا قضاء.

المأخذ الثّاني: قيّد إمكان العلم بالتّكليف بحال العمل بحيث ما لم يمكن العلم بالتّكليف أثناء العمل فلا تنجّز مزاحم يحتاج إلى ترتّب، نعم قد يكون في البين تنجّز لكنّه ليس مزاحمًا. وإنّما المزاحم هو التّكليف المعلوم. لكنّنا نقول إنّ التّكليف المحتمل أيضًا له صلاحية المزاحمة لذا فإنّ التّكليف في الشّبهات البدويّة قبل الفحص وإن كان غير منجّز بالعلم لكنّه منجّز بالاحتمال. وكما عملنا على الفرار من لازم فاسد هو الجمع بين الضّدّين في الأمر فإنّه لا بدّ من التّفصّي عن احتمال الجمع بين الضّدّين في الأمر وهذا يحتاج كذاك إلى التّرتّب.

 

 

[1]  أنظر الفوائد،ج1،ص368:"...وتزاحم التّكاليف إنّما يكون بعد تنجّزها ووصولها إلى المكلّف وكونها محرزة لديه بأنفسها، إمّا بالإحراز الوجدانيّ العلميّ وإمّا بالطّرق المحرزة للتّكاليف من الطّرق والأمارات والأصول المحرزة، فلا يتحقّق التّزاحم فيما إذا لم تكن التّكاليف واصلة إلى المكلّف وكانت مجهولة لديه وإن كان بالجهل التّقصيريّ بحيث كان الواجب عليه الاحتياط أو التّعلّم، فإنّ مجرّد ذلك لا يكفي في التّزاحم لعدم خروج التّكليف بذلك عن كونه مجهولًا".

[2]  المصدر نفسه،ص369:"ومعلوم أنّ الجاهل بالتّكليف وإن كان عن تقصير لا يرى نفسه عاصيًا ولا يلتفت إلى ذلك، إذ الالتفات إلى كونه عاصيًا يتوقّف على العلم بالتّكليف، فيخرج عن كونه جاهلًا، فلا يعقل أن يقال: أيّها العاصي للتّكليف المجهور يجب عليك كذا، فإنّه بمجرّد التفاته إلى كونه عاصيًا ينقلب جهله بالتّكليف إلى كونه عالمًا به".

[3]  في الواقع، ذكر المحقّق النّائينيّ أسباب عدم صحّة جريان التّرتّب في موارد الشّبهات البدويّة بعد الفحص الّتي تكون مجرى للبراءة.[المقرّر].

[4]  المصدر نفسه،ص370:"الأولى أنّ التّكليف الواقعيّ المجهول غير قابل لأن يكون محرّكًا وباعثًا مولويًّا نحو متعلّقه فلا يكون مزاحمًا للتّكليف الآخر، وبعبارة أخرى: التّكليف الواقعيّ المجهول لا يكون شاغلًا لنفسه [الصّحيح: بنفسه] فبأن لا يكون شاغلًا عن غيره أولى".

[5]  المصدر نفسه:"أنّه لا يتحقّق عصيانه الّذي هو شرط للخطاب المترتّب لأنّ المفروض أنّ الشّبهة مورد البراءة فلا عصيان له".

[6]  المصدر نفسه:"أنّه لا يمكن تحقّق العلم بالخطاب المترتّب، لمكان عدم العلم بما هو موضوعه: من كونه عاصيًا للخطاب المترتّب عليه، لأنّ العلم بالعصيان فرع العلم بالتّكليف والمفروض أنّه جاهل به."

[7]  المصدر نفسه،ص371:"الأولى: أنّه لا يتحقّق عصيان التّكليف المجهول حيث لا عقاب على نفس التّكليف المجهول بل العقاب على ترك التّعلّم والاحتياط عند المصادفة".

[8]  المصدر نفسه:"الثّانية أنّه لا يتحقّق العلم بالخطاب المترتّب لعدم تحقّق ما هو موضوعه من عصيان الخطاب المترتّب عليه".

[9]  المصدر نفسه:"وأمّا في الشّبهات المقرونة بالعلم الإجماليّ فمن جهة واحدة لا يجري فيها الخطاب التّرتّبيّ وهي الجهة الأخيرة أعني من عدم إمكان حصول العلم بالخطاب التّرتّبيّ لعدم العلم بعصيان الخطاب المترتّب عليه وإن كان منجّزًا بالعلم الإجماليّ وتحقّق عصيانه في صورة المصادفة".

[10]  المصدر نفسه، في الحاشية،ص371:"والّذي يقوى في النّظر: جريان الخطاب التّرتّبيّ حتّى في ذلك أيضًا، إلّا إذا كان الجاهل مركّبًا قاطعًا بعدم الحكم فإنّ مثل هذا لا مجال فيه لجريان الخطاب التّرتّبيّ وإن فرض كون الجاهل مقصّرًا معاقبًا فتأمّل جيّدًا".

برچسب ها: الترتب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است