الترتب (۲۱ ربیع الاول ۱۴۴۴)

كلامنا في تقرير كلام المحقّق العراقيّ الّذي برأينا هو أدقّ من تقرير التّرتّب، ولذلك لم يفهمه كثيرون حتّى أنّ المحقّق الأصفهانيّ أشكل عليه مع أنّه عند متابعة إشكاله وسائر الإشكالات يظهر عدم تماميّتها البتّة. وسنشير إلى بعض هذه الإشكالات ومنها للشّيخ وحيد الخراسانيّ.

كان ذكر المحقّق العراقيّ أنّ القوم جاؤوا ليحلّوا إشكال الأمر بالضّدّين في موارد التّزاحم إلى التّرتّب الرّاجع إلى وجوبين طوليّين وهو تقرير نفيس لكن إذا تمّ الكلام في الوجوب النّاقص والتّام لا تصل النّوبة إليه.

يبدأ من المتزاحمين المتساويين كما لو غرق مؤمنان، فهنا قطعًا يجب الامتثال لكن لا يمكن الجمع فيتخيّر بينهما، لكن ما معنى أنّه مخيّر على مستوى الصّناعة؟ هل هو مكلّف بالجامع؟ أم بأحدهما؟ أو بما هو في علم الله تعالى؟ وهل هو مكلّف بنحو وجوبين مشروطين بترك الآخر؟ هل الواجب مشروط أصلًا؟ يقول المحقّق العراقيّ لا شيء من هذا؛ بل وإن كان يصحّ تقرير التّخيير هذا على شرط الوجوب وكذا على شرط الواجب ولكن يصحّ بلا شرطهما أيضًا عن طريق الوجوب النّاقص والتّامّ.

ما هي حقيقة الوجوب؟ يقول حقيقة الوجوب هو طلب الوجود وتحقّق الوجود يتوقّف على سدّ أبواب عدم المطلوب، فحقيقة الوجوب ترجع إلى سدّ أبواب عدم الواجب. وحيث لم يقيّد الشّارع فلا قيد لا للوجوب ولا للواجب؛ أي إن لم يقل المولى إنّ وجوب الصّلاة مشروط بالطّهارة مثلًا فالطّهارة ليس قيد الوجوب وإن لم يقل إنّ صحّة الصّلاة متوقّفة على الطّهارة فالطّهارة ليس شرط صحّة الواجب، وبالتّالي يبقى الوجوب مطلقًا وكذا الواجب. لكن هنا شقّق المحقّق العراقيّ وفصّل في المطلق غير المشروط وجعله قسمين: قسم هو الوجوب المطلق النّاقص وقسم هو الوجوب المطلق التّامّ. كلاهما مطلق وغير مشروط؛ والوجوب النّاقص للمهمّ هو أمر بالمهمّ لكن على نحو لم يطلب المولى بمفاده سدّ باب عدم الصّلاة من جهة الإزالة، فهو أمر مطلق من حيث إنّ المولى لم يلحظ قيدًا للوجوب ولا لواجبه مع أنّ هذا الوجوب المطلق ناقص أي إنّه لم يلحظ في فرض الاتيان بالضّدّ الآخر لكن هذا لا يساوي مشروطيّة الوجوب لأنّ المشروطيّة تعني انتفاء المشروط عند انتفاء الشّرط مع أنّ هذا الوجوب ثابت مطلقًا وإن بناقصيّته.

فرق بين الاشتراط النّاشئ من أخذ القيد في الخطاب مثل حجّ إن استطعت وبين الاشتراط النّاشئ من قصور الأمر عن الدّعوة إلى سدّ جميع أبواب العدم في مثل المتزاحمين. في الأمر المشروط هناك دعوة إلى المشروط وأمر بإعدام فاقد الشّرط لكن لا بمعنى النّهي عن الفاقد إذ الأمر بالشّيء لا يقتضي النّهي عن ضدّه الخاصّ بل بمعنى أنّه لا يريده. كمثال الصّلاة؛ الصّلاة المطلوبة هي الصّلاة مع الطّهارة ودون طهارة ليست هي المطلوبة. لكن في الوجوب النّاقص الأمر مغاير فلا دعوة إلى إفناء الضّدّ الآخر. نعم، في الأمر بالأهمّ هناك دعوة إلى إفناء كلّ مزاحم يوجب فوات وجود الأهمّ ومنه الواجب المهمّ أي فيه دعوة لإفناء وإعدام المهمّ. فالأمر بالإزالة يدعو إلى إيجاد الإزالة وإعدام الصّلاة أي هذا أمر بفعل الإزالة ولو بقيمة ترك الصّلاة؛ نعم هذا ليس بمعنى أنّ الصّلاة مبغوضة بل بمعنى أنّ الإزالة محبوبة ومطلوبة بمقدار تدعو إلى إفناء المهمّ.

وأمّا حيث لا يريد المكلّف أن يمتثل الأهمّ وقد ترك الأهمّ لا من حيث المهمّ، أي ترك الإزالة لا لأجل الصّلاة بل للعصيان المحض بشهوته، فهل يدعو الأمر بالأهمّ إلى إفناء المهمّ أيضًا؟

إنّ دعا فلا دعوة إلى المهمّ كما في فرض امتثال الأهمّ وبالتّالي حتّى في فرض العصيان لا أمر بالصّلاة. وإن لم يدعُ إلى إفناء المهمّ حال عصيان الأهمّ كانت الصّلاة ذات أمر وصحّت. والصّحيح أنّ الأمر بالأهمّ يدعو  إلى إفناء المهمّ بمقدار إيجاد الأهمّ؛ إذ لم يقل المولى صلّ إلّا حال وجود النّجاسة في المسجد فإن عصيت وأبقيت النّجاسة فلا صلاة، لا بل أزل وإن عصيت الإزالة فأنت مأمور بالصّلاة حال عدم الإزالة لوجوبها النّاقص، وهذا بخلاف الأمر المقيّد بالطّهارة حيث يقول لا أريد الصّلاة بلا طهارة، لا أنّه إن تركت الطّهارة فإتِ بالصّلاة ولو بلا طهارة.

وبالخلاصة المولى يأمر بسدّ باب عدم المهمّ من كلّ جهات الأعدام والأضداد إلّا من حيث الأهمّ فيما الأمر بالأهمّ يدعو إلى سدّ جميع أبواب عدم الأهمّ ولو على حساب ترك المهمّ. وهذا البيان أدقّ من بيان التّرتّب.

وبملاحظة تقريرات الخطاب القانونيّ سيتبيّن أنّه يطابق هذا البيان طبق النّعل بالنّعل وأنّ من نظّر لذاك قد ارتوى من هذه الفكرة وبدّل الاصطلاح والتّعبير، وسيأتي شيء من البيانات ومنها عبارة مطابقة للوجوب النّاقص نقلها الشّيخ السّبحانيّ مقرّر بحث الإمام الخمينيّ في مجلّة يصف فيها الخطاب القانونيّ.

 

برچسب ها: الترتب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است