امتناع الامر مع العلم بانتفاء شرطه (۲۸ ربیع الاول ۱۴۴۴)

الكلام في جواز وامتناع أمر الآمر بانتفاء شرطه، حيث قال الشّيخ الآخوند بالامتناع خلافًا لما نسب لأكثر مخالفينا. وقد بدأ بحثه ببيان امتناع ذلك ثمّ ذكر مسألتين خرج بهما عن فرضه الأصليّ الأوليّ ترتبط بما لو كان المقصود من الإمكان الإمكان الذّاتيّ والثّانية ترتبط بما لو كان الأمر به بمرتبة وانتفاء الشّرط بمرتبة أخرى من مراتب الحكم.

لكن لم يُتلقّ كلام الشّيخ الآخوند كما ينبغي، لذلك وقع كلامه محلًّا للبيان والتّوجيهات المختلفة وكذا وقع محلًّا للإشكال، وعدم التّلقّي هذا ابتدأ من المحقّق النّائينيّ وصولًا إلى السّيّد الصّدر.

وقد فسّر السّيّد الصّدر مراد الشّيخ الآخوند بأنّه بحث في أمر الآمر بمرتبة من الأمر مع علمه بانتفاء شرط مرتبة أخرى وأنّه قد ذهب إلى الامتناع لأجل اللّغويّة، وذلك أنّ إنشاء الأمر مع العلم بانتفاء فعليّة الحكم لانتفاء شرطها في الخارج غير جائز. ثمّ ناقش ذلك، بأنّه أحيانًا لا يكون هذا الإنشاء لغوًا كما إذا أمر المولى بالقصاص على القتل أو برجم الزّانية ذات البعل فكان أمره سببًا لانتفاء شرط القصاص أي القتل والزّنا. وهذا ليس إلّا عين الحكمة والصّلاح بحيث رفع مستوى الإدانة ليعدم حصول هذا الفعل القبيح في المجتمع.[1] [2]

وفي السّياق نفسه كان رأي المحقّق النّائينيّ[3]، الّذي رأى عدم معقوليّة هذا النّزاع؛ إذ لا يتأتّى الكلام فيه لا في القضايا الحقيقيّة ولا في القضايا الخارجيّة. أمّا في الحقيقيّة؛ فلأنّ علم الآمر بتحقّق الشّرط أو عدم تحقّقه غير دخيل رأسًا في جعل الحكم، إذ لا شأن للمولى بمتابعة إثبات موضوعاته في الخارج وإلّا لانقلبت القضيّة من حقيقيّة إلى خارجيّة قرّر المولى فيها موضوعه. وأمّا في الخارجيّة فلأنّ تمام الموضوع لا جزءه هو علم الآمر، وأمره من ألفه إلى يائه منوط بعلمه بتحقّق الشّرط، إذ إحراز الموضوع فيها على عهدة الآمر هنا. فإذا علم بتحقّق الشّرط أمر وإلّا فلا موضوع للحكم ولا جعل له رأسًا. وكما ترى، هنا الكلام على الاعتقاد، أي علم المولى الّذي هو ملاك صحّة أمره غير مشروط فيه المطابقة للواقع بل متى علم الآمر بوجود الشّرط سواء طابق علمه الواقع أم لا، جاز أن يأمر؛ ومتى علم بعدم وجود الشّرط سواء طابق ذلك الواقع أم لا، لم يجز له أن يأمر. وهذا يعني أنّ الشّرط الواقعيّ لا هو جزء العلّة ولا هو تمام العلّة، وأنّ دليل الشّيخ الآخوند النّاظر إلى كون الشّرط جزءًا يُفسّر على أنّ الآمر إذا أحرز وجود الشّرط أي علم به، فقد تحقّق شرط موضوع حكمه ولو كان غير مطابق للواقع؛ وبالتّالي الشّرط بوجوده العلميّ الاعتقاديّ الحاكي عن الواقع شرط ولو بان كون حكايته كاذبة.

وفي السّياق نفسه مشى السّيّد الخوئيّ وأشكل بأنّه كثيرًا ما يكون الأمر بنفسه نافيًا للشّرط كما في مورد الأمر بالقصاص.[4]

ثم عرض شيخنا الأستاذ بيانًا لكلام الشّيخ الآخوند: إنّ المقصود من أمر الآمر في عنوان بحثه هو إنشاء وجعل الأمر الفعليّ، ومعنى الفعليّ أي الّذي هو بداعي البعث والتّحريك. مرجع ضمير شرطه هو الأمر بنفس المرتبة أي بمرتبة فعليّته المساوية لكون بداعي البعث والتّحريك. وقوله بعدم الجواز يتحرّر على نحو: أنّ إنشاء الأمر بداعي البعث والتّحريك غير جائز إذا كان الآمر يعلم بعدم تحقّق شرط الانبعاث عند المأمور أبدًا. نعم، إذا علم بتحقّقه لاحقًا لا إشكال في الأمر.

ولو لاحظنا الأمر بالقصاص الّذي أُشكل به على مطلب الشّيخ الآخوند، فإنّ الصّحيح أنّ الأمر بالقصاص عندما لا يتحقّق شرطه في الخارج بسبب صدور هذا الأمر من الشّارع، يكشف ذلك عن أنّ الأمر لم يكن بداعي البعث والتّحريك بل كان بداعي المنع عن وقوع الشّرط. نعم، قد يقال إنّ الأمر حينها سوف لن يكون أمرًا حقيقة والشّيخ الآخوند لم ير حزازة في التّسليم بذلك، فيسمّى أمرًا بالمجاز إذا كان بلا بعث ولا تحريك. وماذا لو أمكن وقوع الشّرط بحيث لم يعلم الآمر بعدم وقوعه؟ نقول مع عدم العلم بعدم الوقوع لا إشكال في الأمر ولو لم يتحقّق الشّرط.

وعدم الجواز مع العلم بانتفاء الشّرط يرجع إلى العلم بانتفاء جزء موضوع الحكم المساوق لانتفاء موضوع الحكم وليس الموضوع بالنّسبة إلى الحكم إلّا بمثابة العلّة بالنّسبة إلى المعلول. فعلمه هذا هو علم بانتفاء الموضوع والعلّة.

ثمّ استدرك باستدراكين:

الأوّل: لو أريد بالإمكان الذّاتيّ فهو ممكن. والامتناع المقصود هو الامتناع الوقوعيّ أي نفي الإمكان الوقوعيّ لاستلزام هذا الأمر للازم فاسد هو اللّغويّة أو التّكليف بما لا يطاق وما شاكل.

الثّاني: جواز الأمر عند اختلاف مرتبة الحكم، أي حيث يكون الجعل هو لمرتبة وانتفاء الشّرط هو في مرتبة أخرى. كما لو انتفى شرط الفعليّة لكن مع ذلك جاز للمولى جعل الحكم في مرتبة الإنشاء.

 

[1]  البحوث،ج2،ص379:"ولا بدّ وأن يكون المقصود من الأمر الّذي يبحث عن جوازه مرتبة من الأمر غير المرتبة المرادة من الأمر الّذي علم بانتفاء شرطه وأمّا لو أريد بهما مرتبة واحدة من الامر فعدم جوازه واستحالته ناشئ من انتفاء شرطه سواء علم به أم لا فإنّ المعلول ينتفي بانتفاء علّته واقعًا لا علمًا كما هو واضح.

إذن فالمقصود في المقام أنّه هل يجوز جعل الأمر وتشريعه من الآمر مع علمه بانتفاء شرط مجعوله الّذي جعله على ذلك التّقدير أم لا؟".

[2]  خلاصة رأي السّيّد الشّهيد:

  • يمتنع أمر الآمر عند علمه بانتفاء شرط الأمر حيث أريد بهما مرتبة واحدة، وهذا موافق لنتيجة الشّيخ الآخوند لكنّ دليله مختلف، حيث يقول إنّ دليل الامتناع هنا هو انتفاء العلّة واقعًا لا لزوم اللّغويّة.
  • البحث في جواز الأمر يرتبط بما لو كان الأمر بمرتبة وانتفاء الشّرط يرجع إلى مرتبة أخرى.
  • وفي محلّ النّزاع فصّل السّيّد بين أنحاء الانتفاء:
  1. فإن كان الانتفاء ضروريًّا قهريًّا فالجعل مستهجن عقلائيًّا.
  2. وإن كان الانتفاء اختياريًّا بسبب الجعل كما إذا كان جعل كفّارة الجمع للإفطار العمديّ بالحرام مسلتزمًا لانتفائه خارجًا، فالأمر في مورده جائز.
  3. وإن كان الانتفاء اختياريًّا بدافع طبعيّ ثابت بقطع النّظر عن الجعل كجعل الكفّارة على تقدير تناول العذرة، فالأمر ممكن وجائز لكن لا بدّ أن يكون لغرض غير البعث والتّحريك وإلّا فهو منبعث نحو المأمور به بحسب الطّبع، ومثاله ترتيب الثّواب. [المقرّر].

[3]  أجود التّقريرات،ج1،ص303-304:"قد عرفت في مبحث الواجب المشروط أنّ فعليّة الحكم في القضايا الحقيقيّة مشروطة بوجود موضوعه خارجًا، ويستحيل تخلّفها عنه، وعلم الآمر بوجوده أو عدمه أجنبيّ عن ذلك، فلا معنى للبحث عن جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه. كما قد عرفت أنّ الحكم في القضايا الخارجيّة يدور مدار علم الحاكم بوجود شروط الحكم، وأمّا نفس وجودها في الخارج أو عدمها فيه فهو أجنبيّ عن الحكم فلا معنى للبحث عن الجواز المزبور فيها أيضًا. فالتّحقيق أنّ هذه المسألة باطلة من أصلها وليس فيها معنى معقول يبحث عنه".

[4]  الدّراسات،ج2،ص64:"وبالجملة فالصّحيح في المقام هو التّفصيل بأن يقال أمّا شرائط الجعل فبانتفائها ينتفي الجعل، سواء كان الجاعل عالمًا به أو لم يكن، وأمّا شرائط المجعول فيصحّ الجعل مع علم الآمر بانتفائها فيما إذا كان نفس الجعل سببًا للانتفاء، وأمّا إذا لم يكن الانتفاء مستندًا إليه فجعله لغو غير جائز إلّا إذا كان الجعل صوريًّا بداعي الامتحان ونحوه".

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است