هل يبقی الجواز بعد نسخ الوجوب (۲۱ ربیع الثانی ۱۴۴۴)

أحد المباحث المهمّة في الأصول هو بحث:هل يبقى الجواز (بالمعنى الأعمّ أو بالمعنى الأخصّ) بعد نسخ الوجوب؟

ومن حيث التزامنا ببيان الثّمرة العمليّة للمباحث الأصوليّة، فإنّه بدوًا لا ثمرة عمليّة لهذه المسألة بما هي هي. أي لا يوجد مورد في الشّريعة قد نُسخ فيه الوجوب ليتأتّى شكّ في الجواز، لكنّ هذا البحث مشتمل على نكتة هي نتيجة مرتبطة ببحث تخصيص العامّ في بعض الموارد.

عنوان البحث هنا هو ما لو كان وجوب ثمّ نسخ هذا الوجوب، فهل يُحكم بالجواز بمعنى الإباحة أو بالجواز بالمعنى الأعمّ كالاستحباب؟ من دون أن تصل النّوبة إلى البراءة أو إلى الاستصحاب بحيث يكون النّسخ نفسه دليلًا على الحكم بلا حاجة إلى شيء آخر.

هذا عنوان البحث ولكن النّكتة هنا ترتبط ببحث التّخصيص وقد أشار إليها البعض مثل المحقّق العراقيّ وفي بعض الكلمات هناك تصريح بها.

هناك أمر صريح بغسل الجنابة ثمّ جاء دليل يرفع حكم الوجوب عن الصّبيّ، فهل يكون غسل الجنابة مشروعًا منه؟ ونتيجة ذلك هو أنّه إذا حصل للصبيّ جنابة من غير احتلام فاغتسل؛ فهل يجب عليه الغسل بعد البلوغ؟ إطلاقات الأوامر بالصّلاة والوضوء والغسل وغير ذلك شاملة للصّبيان ودليل عدم التّكليف وإن كان ناسخًا للوجوب، لكن هل يرتفع مع الوجوب مشروعيّة الغسل أيضًا أم لا؟ وبالتّالي؛ سوف لن يبقى أمر استحبابيّ بالغسل من الصّبيّ أم أنّ دليل الرّفع نفى الوجوب الّذي هو مفاد الأمر فقط ولا موجب لارتفاع المطلوبيّة والاستحباب؟

النّسخ هنا بمعنى النّفي ولا ينحصر بموارد النّسخ الاصطلاحيّ فقط أي يشمل حالات التّخصيص وكذا حالات الحكومة، فهل بعد نفي ذاك الوجوب وهو حكم بسيط غير مركّب ارتفع التّشريع رأسًا ولا يفيد النّسخ بقاء شيء مما يكون بمثابة جزئه؟

ومن هذا القبيل الرّفع عند الحرج والعسر، فدليل الحرج هل يرفع الوجوب على نحو العزيمة أو على نحو الرّخصة؟ أي هل رفع الحرج الوجوب وهو الحكم البسيط ولا يبقى شيء من الجواز في المقام فيرتفع معه الأمر والمشروعيّة؟ على هذا يتفرّع حكمهم ببطلان الغسل الحرجيّ، لأنّه ليس مأمورًا به، فإذا اغتسل المأمور بالتيمّم فغسله باطل.

نكتة هذا البحث تأتي في هذه الموارد، فهل هناك مطلوبيّة واستحباب بعد رفع الوجوب والإلزام؟

ومن هذا القبيل ما لو فرضنا دليلين عامَّا وخاصَّا، فأحيانًا يكون الجمع الحكميّ متعيّنًا ولا مجال لغيره، مثل "أكرم كلّ عالم" ثمّ جاء دليل "لا يجب إكرام أيّ عالم"،هنا لا جمع موضوعيّ، فنجمع جمعًا حكميًّا بحيث يحكم بالاستحباب.

وأحيانًا يكون "أكرم كلّ عالم" و"يحرم إكرام العالم الفاسق"، فيتعيّن الجمع الموضوعيّ، لأنّ الجمع الحكميّ غير ممكن، فلا جمع حكميّ بين الوجوب والحرمة. والجمع موضوعًا يكون بحمل العالم على غير الفاسق.

أساس بحث التّخصيص يرتبط بهذا البحث.

وأحيانًا يكون الجمع الحكميّ وكذا الموضوعيّ ممكنين، مثل "أكرم كلّ عالم" و"لا يجب إكرام العالم الفاسق"؛ لكن هنا نكتة قال بها العلماء وهي أنّه كلّما كان الجمع الموضوعيّ ممكنًا لم تصل النّوبة إلى الجمع الحكميّ ولو كان ممكنًا. وهذا معنى حكمهم في الدّوران بين الجمع الموضوعيّ والجمع الحكميّ بتقدّم الجمع الموضوعيّ على الجمع الحكميّ.

هذا البحث الحالّ ينفي الدّوران الّذي يصل إلى الأصل العمليّ، بحيث يأتي الدّليل النّاسخ لينفي استمرار الحكم المنسوخ وكذا الدّليل المخصّص ينفي الاستمرار وهو معنى نفي الحكم من رأس.

لكن إذا التزمنا بكون الدّليل النّاسخ نصًّا في إلغاء استمرار الوجوب ليُقدّم على الدّليل المنسوخ الظّاهر، مع كون الدّليل النّاسخ يدلّ فقط على نفي الوجوب ولا يدلّ على نفي الأمر؛ فلا دلالة له على نفي استمرار الأمر، فهذا لا ينسجم مع تقديم الجمع الموضوعيّ على الجمع الحكميّ، لأنّ الجمع بين الدّليل النّاسخ والدّليل المنسوخ حيث يكون النّاسخ دالًّا على نفي استمرار الإلزام فقط؛ يكون حكميًّا، مع العلم أنّه يمكن تصوير جمع موضوعيّ بين النّاسخ والمنسوخ بحيث يكون الحكم المنسوخ ثابتًا إلى زمان النّسخ وبعده ينعدم رأسًا.

 

صرّح الشّيخ الآخوند[1] بأنّه لا دلالة للدّليل النّاسخ ولا للدّليل المنسوخ على الجواز لا بالمعنى الأخصّ ولا بالمعنى الأعمّ بأيّ دلالة من الدّلالات.

فالدّليل المنسوخ لا يدلّ على بقاء الجواز، لأنّ الوجوب مفهوم بسيط قد انتفى بواسطة الدّليل النّاسخ. مفاد الدّليل المنسوخ هو الطّلب الوجوبيّ ومفاد الدّليل النّاسخ هو نفي الوجوب. ولا يدلّ الدّليل المنسوخ على الطّلب مضافًا إلى المنع عن التّرك على نحو التّركيب بينهما حتّى يكون النّسخ دالًّا على انتفاء المنع عن التّرك وتبقى دلالته على الطّلب؛ بل إنّ الدّليل المنسوخ يدلّ على حصّة من الطّلب هو الطّلب الإلزاميّ وليس التّعبير بالطّلب الإلزاميّ على نحو التّركيب الانحلاليّ بل بمعنى التّركيب التّحليليّ. فالوجوب مركّب تحليليّ أي هو طلب ومنع عن التّرك تحليلًا لا تجزئة وانحلالًا وهذا معنى كون حقيقته حقيقة بسيطة.

وعليه؛ لا دلالة للنّاسخ على بقاء الجواز بل هو يدلّ على نفي الحكم البسيط ذي الحقيقة البسيط الواحدة ونفيه كما ينسجم مع الحكم بالجواز بعد ارتفاعه كذا ينسجم مع الحكم بالحرمة.

 

 

[1] الكفاية،ج1،ص195:"إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل النّاسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعمّ ولا بالمعنى الأخصّ كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الأحكام؛ ضرورة أنّ ثبوت كلّ واحد من الأحكام الأربعة الباقية _بعد ارتفاع الوجوب واقعًا_ ممكن، ولا دلالة لواحد من دليلي النّاسخ والمنسوخ بإحدى الدّلالات على تعيين واحد منها، كما هو أوضح من أن يخفى فلا بدّ للتّعيين من دليل آخر".

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است