هل يبقی الجواز بعد نسخ الوجوب (۲۵ ربیع الثانی ۱۴۴۴)

الكلام في الوجه الثّالث من وجوه القول ببقاء الجواز بعد نسخ الوجوب:

وهو مقالة المحقّق النّائينيّ ومن تبعه، وهي القول بكون الوجوب مستفادًا من حكم العقل. الوجوب الشرعي يعني أنّ الشارع يطلب ثبوتًا وواقعًا ولا يرخّص في التّرك وهو عقلي أي ليس بدلالة اللّفظ مع أنّه شرعيّ أي منشأ انتزاعه شرعيّ. الوجوب يجعله الشارع لكن العقل هو الذي يستفيده، حيث يقول الشّارع أريد كذا ولم يرخّص في التّرك فيثبت الوجوب الثّبوتي.

والوجوب تارة يكون مستفادًا من اللّفظ كما لو قال المولى "أوجبت وفرضت" وهذا المورد لا ينكره المحقّق النّائينيّ. وأخرى يكون بغير ذلك كما لو استعمل المولى مادّة الأمر للجعل، فهنا ذهب المحقّق النّائينيّ إلى أنّها ليست بمعنى الوجوب، لأنّها تدلّ على الطّلب الأعمّ من الوجوب والاستحباب بحيث ما لم يأتِ بترخيص ثبت الوجوب.

وبملاحظة عالم الثّبوت؛ الوجوب الثّبوتي هو ثبوت الطّلب والإرادة المولويّة من دون ترخيص في صقع واقع نفس المولى وعالم الثّبوت لا من حيث عالم الإثبات والإبراز؛ فهناك طلب ومنع. وهذا غير مقام الإثبات حيث نسأل عن وصول التّرخيص وعدمه بحيث نتحدّث عن حجّيّة عدم وصول التّرخيص. ليتحصّل أنّ منشأ انتزاع الوجوب من قبل العقل مركّب من الطّلب وعدم التّرخيص.

فلا بدّ أن يذهب المحقّق النّائينيّ إلى أنّه بعد النسخ يبقى الجواز بالمعنى الأعمّ على هذه الصّورة، لأنّ الدّليل النّاسخ يرفع الإلزام ولا يرفع التّشريع والأمر رأسًا. فتقول حيث ثبت النّسخ يبقى في البين أمر ولكن لا يوجد وجوب وإلزام. وبالتّالي، جاء دليل المنسوخ ليحكم ببقاء التّشريع بقاءً ويثبت الجواز بالمعنى الأعمّ. فالأمر وجوب حدوثًا ويكون جوازًا بقاءً. بعد القول بأنّ النسخ متعلّقه الإلزام وهو الّذي ارتفع.

وهذا الكلام تامّ على مبناه بحيث لا موجب لرفع اليد عن الأمر وعدم القول بالاستحباب؛ وإن لم يلتزم النائيني بالنتيجة وكانت هذه النتيجة من لوازم قوله ومبناه وهذا ما صرّح به السّيّد الصّدر.

لكنّ محلّ النّزاع هو ما إذا نسخ الوجوب أي لو جاء الوجوب بلسان أوجبت وفرضت، وجاء الدّليل النّاسخ لينفي الوجوب الّذي أوجب. وعليه فلا يكون هناك أمر وإلزام وارتفع الإلزام. "إنّ الله فرض عليكم كذا" ثمّ جاء الدّليل النّاسخ ورفع الفرض فلا يبقى شيء.

الوجه الرّابع من وجوه الاستدلال على بقاء الجواز: هو الدّلالة الإطلاقيّة أو الوضعيّة اللّغويّة. يستفاد من الأمر وصيغته الوجوب. وهنا الوجوب يُنشأ باللّفظ فليس كما ذهب إليه المحقّق النّائينيّ من أنّ الوجوب ينشأ من انتزاع العقل من الأمر وعدم التّرخيص بل ينشأ من نفس اللّفظ.

وعلى هذا، يبقى الجواز، لأنّ مفاد الأمر هو الوجوب ويبقى حجّة في ذلك حتّى تأتي قرينة رافعة لهذا المعنى ودالّة على التّرخيص في التّرك فبحسب الحدوث والبقاء قد أمر بلا قرينة على التّرخيص. ثمّ جاء بحسب الفرض دليل ناسخ وهدم الدّلالة على الوجوب؛ أي من الآن وصاعدًا لا وجوب، لا أنّه من الآن وصاعدًا لا أمر ولا تشريع. ما نحن فيه من قبيل ما مرّ سابقًا من الشّيخ الآخوند في دوران الأمر بين الهيئة والمادّة حيث حكة عن الشّيخ الأعظم إرجاع القيد إلى المادّة، وذلك لأنّ القيد لو رجع إلى الهيئة لاستتبع تقييد المادّة دون العكس.

فهنا الأمر بغسل الجنابة شامل للبالغ وغيره، ثمّ جاء دليل رفع القلم عن الغلام حتّى يحتلم. وهنا السّؤال الصّبيّ ليس مشمولًا للأمر أصلًا أم أنّ الأمر شامل للجميع وبدليل النّسخ لا تنتفي شموليّته؟ فإن قيل إنّ الصّبيّ ليس مأمورًا أصلًا انتفى الحكم وانتفى كونه مشمولًا للموضوع. فالصّبيّ لن يكون من المأمورين بالغسل أصلًا فخرج عن الموضوع وهذا يستتبع الخروج عن الحكم. وقد يقال الصّبيّ خارج عن الحكم لكنّه ليس خارجًا عن المأمورين بغسل الجنابة بحيث يبقى داخلًا في ذاك العموم. وبالتّالي، من خرج عن الموضوع خرج عن الحكم بالضّرورة ومن خرج عن الحكم ليس خارجًا عن الموضوع بالضّرورة.

وبالتّالي، هنا ظهوران، هل ينتفي الاثنان على تقدير الإجمال أم ينتفي أحدهما؟ الأوفق القول بانتفاء أحدهما التزامًا بمقدار الضّرورة. هذا إذا وصلت النّوبة إلى الشّكّ ويحلّ القضية ما ذكرنا بلا حاجة إلى الرجوع إلى الأصل العمليّ.

بعد أن أشكل الآخوند على القوم:

قرّر بأنّه هل يُعقل بقاء الجنس بعد انتفاء الفصل؟ أي شخص الجنس هل يبقى إذا انتفى فصل الشّخص؟ أي زيد النّاطق لو ارتفع فصله يبقى جنسه؟ قيل بأنّ هذا لا يتمّ في الفلسفة.

وأشكل على هذا بوجوه: أحدها هو أنّ بحثنا بحث إثباتيّ، أمّا بحث هل يبقى الجنس هو بحث ثبوتيّ، فلماذا الخلط بين الأمرين؟ بحيث إذا قيل ببقاء الجنس يبقى الوجوب وإلّا فلا.

وهو إشكال السّيّد الخوئي أشكل بأنّ البحث هنا إثباتيّ، فحتّى لو قلنا ببقاء الجنس بارتفاع الفصل، فليس بالضّرورة أن يبقى، بل قد يبقى وقد لا يبقى. وهنا، قد يبقى الجواز وقد لا يبقى من حيث إنّه راجع إلى الوجوب.

 

 

 

 

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است