الواجب التخییری (۲ جمادي الاولی ۱۴۴۴)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كلامنا في تقرير البيان المنسوب إلى الشّيخ الآخوند بحسب السّيّد الصّدر حيث يُرجع الواجب التّخييريّ إلى وجوبات مشروطة، ونغضّ النّظر الآن عن أنّ ذلك لا يستفاد من كلام الشّيخ الآخوند، والصّحيح أنّ المفهوم من كلامه هو الوجوب النّاقص وهو غير سديد أيضًا. وذلك أنّ معالجة عبارة الشّيخ الآخوند _الفصيح الّذي يعيي الألفاظ ولا تعييه_ لا يستفاد منها الوجوب المشروط والتّعبير قاصر عن ذلك، وهذا يعني عدم إرادته لما نسب إليه.

وقد ذكرت إشكالات على الشّيخ الآخوند بناءً على نسبة الوجوب المشروط إليه:

الأوّل:[1] [2]يلزم القول بتعدّد العقاب عند عدم امتثال الكلّ، فمن ترك الكلّ كان شرط فعليّة الوجوبات متحقّقًا وقد عصى. فمن ترك الإطعام وكذا العتق عصى معصيتين. والحال أنّه من المسلّم فقهيًّا في الواجب التّخييريّ ترتّب عقاب واحد لو ترك الكلّ، وهذا ما صرّح به الشّيخ الآخوند، ووحدة العقاب فرع وحدة التّكليف وتعدّد التّكليف يستدعي تعدّد العقاب. وبالتّالي؛ لا يصحّ القول بكون الواجب التّخييريّ عبارة عن وجوب مشروط للّازم الفاسد.

والصّحيح أن يقال إنّ ذلك كاشف عن عدم صحّة نسبة هذه المقالة إلى الشّيخ الآخوند. كيف وهو قبل صفحات قليلة تحدّث عن التّرتّب الرّاجع إلى وجوبين مشروطين ورتّب عليه تعدّد العقاب، ثمّ لمّا وصل إلى هنا غفل عمّا قال؟ ولم يلتفت إلى كون الوجوبات المشروطة لازمها تعدّد العقاب؟ هذا بعيد.

وقد تصدّى السّيد الصّدر للجواب عن هذا الإشكال:[3] بأنّه ليس دائمًا يكون ترك الواجب المشروط مستلزمًا للعقاب، فتارة يكون الشّرط شرطًا للاتّصاف بالملاك وأخرى شرطًا لاستيفاء الملاك وتحقيقه في الخارج. فعدم العتق تارة يكون شرطًا لاتّصاف الإطعام بالملاك وأخرى يكون عدم العتق _أي الشّرط_ شرطًا لاستيفاء الملاك بالإطعام، بحيث يكون ملاك الإطعام فعليًّا لكن استيفاؤه ممنوع ومعطّل ما لم يُعدم العتق. وهذا ما ذكره في بحث التّرتّب، وفوات أحد الملاكين حيث لا يمكن استيفاؤهما يكون قهريًّا فلا يكون عليه عقاب فلا يتعدّد.

ويتأتّى تعدّد العقاب حيث يكون ترك المكلّف دخيلًا في توليد الملاك، بحيث ما لم يترك العتق لا يوجد ملاك للإطعام، وحينها لو ترك الاثنين كان قد أحدث ملاكين بإرادته وكان يمكنه تفادي ذلك، ليتفادى العصيان، فيلزم على هذا تعدّد العقاب.

ثمّ يقول وما أراده الشّيخ الآخوند هو كون عدم الآخر شرطًا لاستيفاء الآخر لا لإيجاد ملاكه، فقد أُخذ ملاك كليهما فعليَّا مفروضًا. واستنتج بأنّه على هذا سوف لن يكون الواجب التّخييريّ دائمًا من قبيل الواجب المشروط، ولكن يكون من قبيل الواجب المشروط حيث يكون الشّرط شرطًا للاستيفاء لا للاتّصاف.

وبالتّالي يتأتّى تعدّد العقاب حيث يكون المكلّف مولّدًا للملاك بتركه للعدل، فبالمخالفة يولّد الملاك ثمّ يتركه ويعصي؛ ولا يتأتّى حيث يكون الملاك ثابتًا بغضّ النّظر عن فعل المكلّف وعدمه، ويتزاحمان في الاستيفاء فيكون فوات أحدهما قهريًّا فلا عقاب على أحدهما الفائت قهرًا.

وبالتّالي؛ بناءً على كلام السّيّد الصّدر لقد كان الشّيخ الآخوند بصدد بيان الواجب التّخييريّ في بعض الموارد، وهي موارد كون الشّرط شرطًا للاستيفاء، فالإشكال المتّجه على الشّيخ الآخوند هو القول بأنّه لم يبيّن ولم ينظّر للواجب التّخييريّ في مختلف الشّروط بل نظّر له في خصوص شروط الاستيفاء؛ أي وجّه الواجب التّخييريّ في الجملة.[4]

ويتساءل شيخنا الأستاذ: هل فعلًا كان بصدد توجيه الواجب التّخييريّ في الجملة؟؟

الشّيخ الآخوند قال إمّا الملاك واحد فالتّخيير عقليّ؛ وإمّا الملاك متعدّد فهو واجب تخييريّ شرعيّ بلا تفصيل بين الشّروط.

فأوّلًا: هذا خلاف ظاهر كلام الشّيخ الآخوند.

ثانيًا: التّفصيل بين الشّروط هي مقالة السّيّد الصّدر لا مقالة الشّيخ الآخوند.[5]

ثالثا: نفس المبنى غير صحيح، فحتّى في الموارد الّتي يكون فيها الشّرط من قبيل شروط الاستيفاء يكون في البين تعدّد للعقاب؛ لأنّ المكلّف هو بنفسه لو ترك الكلّ ترك استيفاء الملاكين وفوّت الاثنين.[6] فالملاك في العصيان هو التّمكّن من ترك العصيان. وهذا الكلام يتأتّى في التّرتّب حيث التّزاحم فمن ترك الأهمّ وكذا المهمّ ترك واجبين وعصى المهمّ حيث أمكنه فعله. فلا فرق بين كون الشّرط محدثًا للملاك في الواجب أو محقّقًا لشرط الاستيفاء، وهذا يجري في الأهمّ والمهمّ أيضًا.

ثمّ أشكل السّيّد الخوئيّ بأنّ المطروح هو على خلاف ظاهر الأدلّة،[7] فظاهرها وحدة التّكليف من دون تعدّدها مع الشّرط، وليس ظاهرها أنّ في البين تكليفين تعيينيّين مشروطين.

وأجاب عنه السيد الصدر،[8] بأنّه لا يريد أن يقول الواجب التّخييريّ هو واجب مشروط دائمًا بل يريد أن يقول هو في الجملة مشروط. ثمّ يأتي بمثال فقهيّ مثل الظهر والجمعة ثمّ يطرح مثالًا آخر على ما لا يظهر منه.

 

 

[1] المباحث،ج3،من القسم الأوّل،ص285:"الإيراد الثّالث: أنّ لازم إرجاع الوجوب التّخييريّ إلى وجوبين كلّ واحد منهما مشروط بترك الآخر: أنّه لو تركهما معًا كان عليه عقابان؛ لحصول شرط الوجوب لكلّ واحد منهما.

ولا يقال: كيف يعاقب عقابين مع أنّه غير قادر على تحصيل كلا الفرضين؟

فإنّه يقال: إنّ هذا من قبيل التزامكم بتعدّد العقاب في باب التّرتّب، مع أنّه غير قادر على الجمع بين الفعلين. والحاصل: أنّ لازم إرجاع الوجوب التّخييريّ إلى وجوبين مشروطين من هذا القبيل هو تعدّد العقاب بتركهما معًا، بينما لا يُلتزم بذلك في الواجبات التّخييريّة".

[2] الدّراسات،ج2،ص74:"والثّاني أنّ لازم ذلك تعدّد العقاب فيما لو عصى المكلّف ولم يأت بشي من الأطراف".

[3] المباحث،ج3،من القسم الأوّل،ص285:"أقول:إنّ الواجبين المشروط كلّ واحد منهما بترك الآخر لو كان ترك كلّ واحد منهما شرطًا لاتّصاف الآخر بالملاك لزم تعدّد العقاب؛ إذ بتركهما يخسر المولى كلا الملاكين، بينما كان بإمكان العبد أن يعمل عملًا يوجب انتفاء كلتا الخسارتين وذلك بأن يأتي بأحد الواجبين، فقد حصل أحد الملاكين ورفع موضوع الآخر.

أمّا إذا كان كلّ منهما ذا ملاك فعليّ إلّا أنّ تحصيل الملاكين معًا غير ممكن _وهو الّذي فرضه صاحب هذه النّظريّة_ فهنا لو غضضنا النّظر عن عالم الإنشاء والجعل فمن الواضح أنّه لا يتعدّد العقاب بتركهما معًا؛ لأنّ الملاك وإن كان متعدّدًا لكن فوات أحدهما على المولى ممّا لا بدّ منه، فالعبد لم يورد على المولى إلّا خسارة واحدة. أمّا إذا لاحظنا عالم الإنشاء فنقول: إنّ الإنشاء والجعل وإن كان متعدّدًا ولكن الإنشاء والجعل لا يضيف عقابًا على عقاب أو ملاكًا على ملاك، إنّما يوجب العقاب لأجل كشف عن الملاك ولذا لا فرق في مقدار استحقاق العقاب بين إبراز الملاك والرّغبة اللّزوميّة بالإنشاء وإبرازه بالإخبار. إذن فشبهة تعدّد العقاب غير واردة في المقام".

[4]  المصدر نفسه:"فقد تحصّل أنّ هذه النّظريّة لا بأس بها. نعم هي لا تصدق في جميع موارد الوجوب التّخييريّ خصوصًا إذا افترضنا التّخيير في الواجبين الضّمنيّين كالحمد والتّسبيحات، فإنّه حينئذٍ لا معنى لإرجاع ذلك إلى وجوبين مشروط كلّ منها بترك الآخر؛ لأنّ الوجوبات الضّمنيّة جميعًا مجعولة بجعل واحد لا بجعول متعدّدة، وصاحب هذه النّظريّة أعني صاحب الكفاية ره لم يدّع كون هذا تفسيرًا للوجوب التّخييريّ في جميع الموارد".

[5]  ظاهر كلام الشّيخ الآخوند هو الحديث عن تزاحم ملاكين فعليّين حيث ذكر كونهما يتعاندان في الاستيفاء بحيث لا يحصل غرض الآخر مع الاتيان بعدله؛ راجع عبارته: الكفاية،ج1،ص197:"وإن كان بملاك أنّه يكون في كلّ واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر باتيانه". فالمفروض أنّ في كلّ واحد منهما ملاكًا لكنّه لا يحصل أي لا يستوفى ولا يتحقّق في الخارج في خارج فعل عدله؛ وهذا ظاهر بل صريح في رجوعه إلى ما أسماه السّيّد الصّدر بشروط الاستيفاء أو فسّره على ذلك، لأنّه لم يسمّه هنا هكذا صريحًا وإن سمّاه في مواضع أخرى.

ولنا أن نسأل هل الشّيخ الآخوند بصدد حصر الشّروط وبيان جميع تشقيقاتها بحيث ينعقد في إطلاق مقاميّ لكلامه؟

نقول: وجود احتمال الشّقّ الثّاني أي شروط الاتّصاف مع عدم نفي ولا إثبات وجودها عنده يكفي لخرم كونه في مقام بيان الكلّ فلا يصلح التّمسّك بالإطلاق لنفي الشّقّ الثّاني، بل هو ساكت عنه لا نافٍ ولا مثبت. والحكم الّذي حكم به يُحمل على ما ذكره ممّا يظهر من عبارته وهو شق شروط الاستيفاء. [المقرّر].

[6] لكنّ فوات أحدهما قهريّ وهو فائت على المولى بالضّرورة ولا علاقة لفعل المكلّف أو تركه في أصل فواته، وهو في الحقيقة غير قادر على تفويت الخسارة عن المولى وحفظ ذاك الملاك وما كان كذلك كيف يكون محلًّا للعقاب؟ [المقرّر].

[7] المحاضرات،ج3،ص210:"أوّلًا:أنّه مخالف لظاهر الدّليل، حيث إنّ ظاهر العطف فيه بكلمة "أو" هو وجوب أحدهما أو أحدها لا وجوب الجميع".

[8]  المباحث،ج3،من القسم الأوّل،ص283:"ويرد عليه:أنّه ليس دائمًا الوجوب التّخييريّ مستفادًا من دليل واحد يكون من قبيل قوله:"صم أو أطعم" حتّى يدّعى ظهوره في وجوب واحد بل قد يصل الفقيه إلى الوجوب التّخييريّ من الجمع بين دليلين، كأن يدلّ كلّ واحد منهما على الوجوب التّعيينيّ لأحد الأمرين مع افتراض عدم تماميّة الإطلاق في كلّ واحد منهما لصورة الاتيان بالآخر، كما لو كانا دليلين لبّيّين لا إطلاق لهما، أو كانا دليلين لفظيّين مع عدم تماميّة مقدّمات الحكمة فيهما لوجود خلل في ذلك، أو مع افتراض تماميّة الإطلاق فيهما ولن يفرض أنّنا علمنا من الخارج بعدم وجوب الجمع بينهما فيتعارضان بلحاظ الإطلاق، وقلنا في مثل ذلك بما قاله السّيّد الأستاذ في بحث التّعادل والتّراجيح: من تقييد كلّ من الإطلاقين بالدّليل الآخر أو قلنا بتساقط الإطلاقين فما يثبت من الدّليلين ليس إلّا بمقدار وجوبين مشروط كلّ منهما بترك الآخر. ففي موارد من هذا القبيل ليس إرجاع الوجوب التّخييريّ إلى وجوبين تعيينيّين كلّ واحد منهما مشروط بعدم الآخر خلاف ظاهر الدّليل".

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است