الواجب التخییری (۳ جمادي الاولی ۱۴۴۴)

كلامنا في الإشكال على تصوير الواجب التّخييريّ بناء على الواجب المشروط، وقد نسب هذا القول إلى الشّيخ الآخوند كما في كلام السّيّد الصّدر والسّيّد الخوئيّ. وبغضّ النّظر عن القائل: هل يمكن تفسير الواجب التّخييريّ على أساس الواجب المشروط بحيث يكيّف بهذه الكيفيّة؟

قلنا هنا إشكالات ووصل الكلام إلى الإشكال الثّاني: وهو أنّ كون الواجب التّخييري عبارة عن وجوبات مشروطة هو على خلاف الظّاهر الّذي يستفاد منه كون الوجوب واحدًا. فظاهر:"إن أفطرت في شهر رمضان عمدًا فكفّر بالإطعام أو العتق" هو التّكليف الواحد لكن خصوصيّته أنّه ذو عدلين.

وقد أجاب السّيّد الصّدر عن ذلك بأنّ الشيخ الآخوند ليس بصدد القول بأنّ الوجوب التّخييريّ منحصر بالواجب المشروط بل هو بصدد بيان وجه من وجوه الواجب التّخييريّ، لا أنّ الواجب التّخييريّ منحصر فيه لا غير. وبالتّالي؛ يكفي لتصحيح كلام الشّيخ الآخوند أن نجد موضعًا لا يكون فيه الدّليل ظاهرًا في التّكليف الواحد فلا مخالفة ولا إشكال ونحمل هذا التّفسير على المواضع الّتي يستفاد من دليلها وجوبات مشروطة ويكون هذا الواجب التّخييريّ من هذا القسم من الواجب التّخييريّ وحيث لا يناسب لا يكون من هذا القسم.

وذكر أمثلة:

منها: ما إذا كان الدّليل اللّفظيّ متعدّدًا مثل: من أفطر في شهر رمضان فليعتق ودليل آخر فليطعم، ففي حين أنّ كليهما يدل على وجوب متعلّقه حال الإفطار العمديّ وإطلاق الدّليل ينفي "أو"، فإن قيل بأنّه لا إطلاق لكلٍّ من الدّليلين ثبت الوجوب التّخييريّ؛ إذ لو تمّ الإطلاق لثبت بواسطته التّعيين وبانتفائه فالتّخيير هو الثّابت. فيقال كلّ منهما واجب بوجوب تخييريّ لا تعيينيّ أي يجب كلّ منهما على تقدير عدم فعل الآخر، وهذا هو معنى الوجوب المشروط. فقد فُرض وجوب تخييريّ والظّهور موافق لكونه واجبًا مشروطًا.

ومنها: ما إذا كان دليل الوجوب التّخييريّ دليلًا لبّيًّا فلا اقتضاء فيه لكون الوجوب متعلّقًا بواحد أو هو وجوبات متعدّدة، فلا ينافيه حمل الوجوب التّخييريّ على الوجوب المشروط؛ وهذا من قبيل الإجماع.

ومنها: ما إذا كان الدّليل لفظيًّا وكان لكلّ منهما إطلاق مقاميّ ينفي الآخر أي ينفي "أو"، لكن عُلم من الخارج عدم وجوب الجمع كما في مثل الجمعة والظّهر. وهنا لا كلام على التّنافي بل الدّليل مساعد على تعدّد الوجوب لوجود خطابين منفصلين.

وقد أجاب شيخنا الأستاذ على السّيّد الصّدر:

هذا تفسير بما لا يرضى به صاحبه، فهو لم يكن بصدد بيان بعض الواجب التّخييريّ بل كان بصدد تحليل الواجب التّخييريّ بشكل كامل، ولم يكن بصدد التّفصيل فليس الكلام في الجملة، وهو ينافي ظاهر كلام الشّيخ الآخوند حيث يظهر أنّه بصدد بيان الواجب التّخييريّ مطلقًا. ولا يمكن بهذا الكلام الرّدّ على السّيّد الخوئيّ الّذي فهم من عبارة الآخوند أنّه بصدد بيان حقيقة الواجب التّخييريّ. نعم الإشكال هو في صحّة نسبة هذه المقالة إلى الشّيخ الآخوند، إذ في كلامه قرائن متعدّدة يُفهم منها أنّه لا يريد الوجوب المشروط. وما يرد على السّيّد الخوئيّ هو أنّ كلام الشّيخ الآخوند ثبوتيّ فيما الإشكال إثباتي فهذا إشكال غير منهجيّ (بحسب تعبيرات السّيّد الصّدر)، فهو بصدد القول بأنّه لا يوجد توجيه معقول للواجب التّخييريّ إلّا هذا، فحتّى إذا كان مخالفًا لظاهر الأدلّة كان حاكمًا عليها. وهذا من قبيل ما ذكره الشّيخ الآخوند من أنّ الثبوت يكون حاكمًا على الإثبات، فهو لم يقل بالتّرتّب مثلًا ومع ذلك يأتي إشكال وقوعه في العرف والشرع؛ وأجاب عن ذلك بأنّه بعد ان امتنع عقلًا التّرتّب، فلا مناص عن حمل العرف والشّرع على خلاف الظّاهر. فلا يتأتّى الإشكال بكون كلامه خلاف الظّاهر.

ثمّ استدرك شيخنا الأستاذ على ذلك بأنّ حاكميّة الثّبوت على الإثبات تتمّ لو كان حلّ الوجوب التّخييريّ منحصرًا في ما ذكر، ولكن متى أمكن الذّهاب إلى تعلّق الوجوب بالجامع الانتزاعيّ لم يكن بدّ عن رفع اليد عن الظّاهر.[1]

الإشكال الثّالث: لا يمكن التّحفظ على خصائص الوجوب التّخييريّ بناءً على القول بالوجوب المشروط، فلا يمكن التّحفظ على كون الملاكات في الأطراف متعدّدة وكون الثواب واحدًا والعقاب واحدًا وكون الواجب جائز الترك إلى بدله.

توضيحه:

إذا كان التّزاحم في الاستيفاء واقعًا بين الملاكات في حال التّعاقب لقلنا بأنّه يجب عليه الاتيان بهما في عرض واحد إذ لا تعاقب حينها وبالتّالي لا تزاحم. وهذا خلاف خاصّيّة الواجب التّخييريّ بحيث يجب هنا على المكلّف الجمع لا أنّه يجوز له ذلك، فيجب عليه أن يعدم التّناوب والتّعاقب فيطعم ويعتق معًا في عرض واحد وآن واحد.

وإذا كان التّنافي بين الملاكات واقعًا حتّى لو كانت في عرض واحد فلو جمع المكلّف بينهما عطّلهما معًا وسقطا عن الاعتبار والامتثال، فكانّه لم يعتق ولم يطعم، ففعل كلّ منها مشروط بعدم الاقتران بالآخر وعدم السبق وهذا مثل صلاة التمام والقصر حيث متى وقع التمام لن يتأتّى منه القصر. فلو فعلهما في آن واحد لا يقع شيء منهما امتثالًا، وهذا خلاف ضرورة الفقه. وعليه لا يتمّ تفسير الواجب التّخييريّ بالواجب المشروط.

وهنا دافع السّيّد الصّدر عن مقالة الشّيخ الآخوند أيضًا.

 

 

[1]  وبالتّالي هذا الإشكال ليس إشكالًا غير منهجيّ؛ فيتمشّى على تقادير الإشكال على الثّبوت بكونه مخالفًا للإثبات. والحقّ أنّ القوم جميعهم انطلقوا من الإثبات لإيجاد صيغة توافق الموارد الإثباتيّة للوجوب التّخييريّ. [المقرّر].

برچسب ها: الواجب التخييري

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است