الواجب التخییری (۸ جمادي الاولی ۱۴۴۴)

انتهى البحث إلى التّوجيه الثّاني من توجيهات الوجوب التّخييريّ بعد بيانه على أساس الوجوب المشروط الّذي نسب إلى الشّيخ الآخوند.

وهو ما جاء في كلام المحقّق العراقيّ وهو الوجوب النّاقص وفي كلام الشيخ الآخوند جذر هذا الوجوب لولا كون لازمه وحدة العقاب فيما لازم هذا الوجوب الناقص هو تعدد العقاب ولو في الجملة.

وقد حلّ المحقق العراقيّ بالوجوب النّاقص إشكالات في مختلف الموارد، سبق الكلام عليه في التّرتّب وذكره في تعلق الأمر بالطّبائع والأفراد وسيأتي في الواجب الكفائيّ كما هنا في الواجب التّخييريّ. وبناء على هذا قال بأنّ التّخيير بين أفراد الطّبيعة شرعيّ لا عقليّ خلافًا للمعروف. وهو يقبل لوازم كلامه كتعدّد العقاب وقد صرّح بهذا وقد قبل بتعدّد العقاب في بحث التّرتّب.

لكن لا يقال إنّه حيث جرى الوجوب النّاقص تعدّد العقاب، لا بل قال بأنّه في الجملة؛ فهو يقبله في التّرتّب بالجملة، ويقبله في الجملة في الوجوب التّخييريّ والكفائيّ، ولا يقبله بالجملة في تعلّق الأمر.

ومعنى الوجوب النّاقص واحد في مختلف الموارد وهو أنّه ليس للمولى أمر على بعض التّقادير أي ليس مأمورًا بسدّ باب العدم من جهة ما.

المكلّف مأمور بالصّلاة بوجوب ناقص في مورد التّزاحم مع الإزالة أي هو مأمور بسدّ باب عدم الصّلاة إلّا على تقدير فعل الإزالة أي من جهتها. بخلاف الإزالة الّتي لها وجوب تامّ لا ناقص بحيث يأمر بالإزالة لو من حيث الصّلاة والمطلوب إيجاد الإزالة ولو بإعدام الصّلاة.

وما فهمه البعض من وجوب مطلق كما السّيّد الصّدر غير تامّ، فالمحقق يصرّح بأنّه لا أمر على فعل الإزالة بالصّلاة، ثمّ يقول شيخنا الأستاذ بأنّه لم ير من سبقه إلى تفسير كلام المحقّق العراقيّ بهذا البيان والتّوضيح.

قلنا الوجوب النّاقص هو مشروط؛ والمشروطيّة على قسمين: ما يكون ناشئًا عن التّقييد والثّاني ما يكون ناشئًا عن نقص الوجوب. في التّزاحم مثلًا لم يقيّد وجوب الصّلاة بعدم الإزالة بل زاحم وجود الإزالة وجود الصّلاة فتقيّد وجوبها بالقصور عن الدّعوة على الإطلاق كما يحصل في الوجوب التّامّ. فلا شرط تقييديّ بل هنا شرط قصوريّ ونقص في الوجوب من دون تقييد ومشروطيّة يفرضها القصور.

ولم يفهم السّيّد الصّدر مراد المحقّق العراقيّ ولذلك تجاوزه ولم يعلّق عليه وكان حريّ به الوقوف عليه والقبول أو الرّدّ إن أمكن.

تطبيق الوجوب الناقص هنا هو بالقول إنّ المكلّف ليس مأمورًا بسدّ باب عدم العتق على تقدير الإطعام، كما أنّه ليس مأمورًا بسدّ باب الصّلاة على تقدير الإزالة.

والفرق بين الشّرط التّقييديّ والشّرط القصوريّ كان قد مرّ من جهة الاختلاف على مستوى الثّمرة بحيث صحّح على هذا الأساس الاتيان بفعل الصّلاة مع عدم الإزالة _كما على التّرتّب لكن هناك للشّرط_، والفرق يظهر في أنّه بناء على التّرتّب إذا جمع بين المتزاحمين _على فرض المحال_ لم يكن ممتثلًا في الاثنين وأنّه على الوجوب النّاقص إذا جمع صحّا منه.

فهنا وجوب ناقص لكلّ خصلة من الخصال أي لا أمر بالواحدة على تقدير الاتيان بأختها، بلا فرق بين أن يكون في المقام غرض واحد أو أن يكون الغرض متعدّدًا.

وعلى تقدير تعدّد الغرض لا فرق بين أن يكون عدم إمكان الجمع بين الغرضين من باب تضادّ المتعلّقين أو بين تضادّ الغرضين مع عدم تضادّ بين المتعلّقين أو أن يكون التّضادّ من جهة الاتّصاف.

فهنا أربعة أقسام:

الأوّل: حيث يكون الغرض واحدًا ويكون كلّ من الخصال مستوفيًا للغرض.

الثّاني: التّضادّ بين المتعلّقين كالتضّادّ بين الإزالة والصّلاة وهنا يتعدّد الغرض، هنا فعل الإزالة يضادّ فعل الصّلاة ويمحو صورتها.

الثّالث: التّضادّ بين الغرضين كالتّضادّ بين القصر والتّمام وهنا تعدّد في الغرض، هنا لا تنافر بين فعل القصر وفعل التّمام لكن الغرضان متنافران بحيث إذا جاء بالتّمام فوّت الاتيان بالقصر وتحصيل الملاك الّذي فيه. لذلك قالوا من صلّى تمامًا موضع القصر جهلًا تقصيريًّا لم يعد بإمكانه الاتيان بالقصر لفوات محلّها وعدم إمكان استيفاء غرضها.

والرّابع: يضادّ وجود أحدهما ملاك الآخر بحيث متى أتى بأحدهما لم يتّصف الآخر بالملاك رأسًا. يكون مع وجود الآخر لا يكون مزاحمه متّصفًا بالملاك. كالتّضادّ بين الماء البارد والماء الفاتر حيث لا ملاك للآخر متى استُوفي الملاك من الأوّل، فلو شرب المولى الماء الفاتر صار الماء البارد بالنّسبة إليه كلا ماء وليس فيه أيّ ملاك من جهة رفع عطشه فقد ارتفع وتحصّل بالماء الفاتر.

يختلف الحكم بالعقاب على هذه الصّور: فحيث يكون الغرض واحدًا هناك عقاب واحد وكذا في الصّورة الأخيرة هناك عقاب واحد.

وأمّا في الصّورتين الثّانية والثّالثة يتعدّد عقابه بترك الكلّ، فيعاقب بعدد الخصال.

فإن قلت: لماذا يتعدّد العقاب مع عدم المناص عن تفويت بعض الأغراض؟ فلا قدرة على الجمع بين الأغراض المتنافية. ويكون معاقبًا على ما فوّته بالاختيار لا على ما فوّته بالاضطرار.

قلت: ليس ملاك استحقاق العقوبة هو إمكان الامتثال والاستيفاء، بل الملاك هو القدرة على دفع العصيان. إذا أتى بإحدى الخصلتين فلا أمر له بالأخرى ولا عقاب على الثّاني، لكن إذا ترك الثّنتين فله عقابان لتفويته المصلحتين بالاختيار.

فإن قلت: لماذا لم تقل في الرّابعة بالعقاب المتعدّد؟

قلت: لأنّ أصل الاتّصاف بالملاك مشروط بعدم الاتيان بالآخر، فلا ينتهي ترك الكلّ إلى تفويت الأغراض المتعدّدة ولا إلى العقوبة المتعدّدة.[1]

 

ضمائم:

إذا تعلق الأمر بأحد الشيئين أو الأشياء على وجه التخيير، فالمرجع فيه كما عرفت إلى وجوب كل واحد منها لكن بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضي إلّا المنع عن بعض أنحاء تروكه و هو الترك في حال ترك البقية، من غير فرق في ذلك بين ان يكون هناك غرض‏ واحد يقوم به كل واحد منهما و لو بملاحظة ما هو القدر الجامع بينهما أو أغراض متعدّدة بحيث كان كل واحد منهما تحت غرض مستقل و تكليف مستقل و كان التخيير بينهما من جهة عدم إمكان الجمع بين الغرضين اما من جهة التضاد بين متعلقيهما كما في المتزاحمين، أو من جهة التضاد بين نفس الغرضين في عالم الوجود بحيث مع استيفاء أحد الغرضين في الخارج لا يبقى مجال لاستيفاء الآخر، أو في مرحلة أصل الاتصاف بحيث مع تحقق أحد الوجودات و اتصافه بالمصلحة لا تتصف البقية بالغرض و المصلحة، حيث أنّ مرجع الجميع إلى تعلّق وجوب ناقص بكل واحد من الوجودات بنحو لا يقتضي إلّا المنع عن بعض أنحاء تروكه و هو الترك في حال ترك البقيّة، لا تعلق الوجوب التام بكل واحد منها مشروطا بعدم الآخر، و لا وجوب أحد الوجودات لا بعينه، أو أحدها المعين عند اللّه. نعم غاية ما هناك من الفرق بين الصور المزبورة انما هو من جهة وحدة العقوبة و تعدّدها عند ترك الجميع، حيث انه في بعضها كالصورة الأولى و الأخيرة لا يترتب على ترك الجميع الا عقوبة واحدة، و في بعضها الآخر كالصّورة الثانية و الثالثة تترتب عقوبات متعدّدة حسب وحدة الغرض و تعدّده.

لا يقال بأنّه مع المضادّة المزبورة لا يكاد يستند إلى المكلّف عند تركه للجميع الا فوت أحد الأغراض، من جهة فوات البقية عليه على كل تقدير، و معه كيف يمكن استحقاقه للعقوبات المتعددة، و بعبارة أخرى ان استحقاق العقوبة لا بد و ان يكون على ما هو تحت قدرة المكلف و اختياره فإذا لم يكن للمكلف حينئذ- بمقتضى المضادة المزبورة بين المتعلقين أو الغرضين في عالم الوجود- الا القدرة على تحصيل أحد الغرضين لا جرم لا يترتب على تركه للجميع أيضا الا عقوبة واحدة.

فانّه يقال نعم و ان كان لا قدرة للمكلّف على الجمع بين الغرضين و لكن مجرّد ذلك لا يمنع عن استحقاقه للعقوبات المتعددة عند ترك الجميع، من جهة تمكّنه حينئذ من الإتيان بأحد الوجودين و إخراج البقية عن حيّز الوجوب الفعلي، فتأمّل.

لا يقال على ذلك في الصورة الأخيرة أيضا لا بدّ من الالتزام بتعدد العقوبة فما وجه التفرقة بينها و بين غيرها؟.

إذ يقال بان عدم الالتزام فيها بتعدد العقوبة انما هو من جهة عدم صدق ترك المتّصف بالمصلحة الا على أحد التروك نظرا إلى ما كان بينها من المضادّة في أصل‏ الاتصاف بالمصلحة، و بالجملة ان ترتب العقوبة انما هو على ترك الشي‏ء في ظرف الفراغ عن اتصافه بكونه تركا لما فيه الغرض و المصلحة، و مثل هذا المعنى انما يصدق في الصورة الثانية و الثالثة، و اما في الصورة الأخيرة فلا يكاد صدق ترك المتّصف الأعلى أحد التروك فمن ذلك لا يكاد يترتب على تركه للجميع الا عقوبة واحدة، فتأمل.[2]

 

 

[1]  وهذا كما ترى محض تصرّف وتحكّم؛ فتارة يجعل عدم إمكان استيفاء الكلّ غير مبرّر لوحدة العقوبة عند ترك الكلّ ويقول بأنّ مناط العقوبة هو تفويت الغرض الّذي كان بالإمكان الإمساك عنه وأخرى يجعل عدم امتثال شيء وإن كان سببًا لاتّصاف الكلّ بالملاك موردًا للعقوبة الواحدة معلّلًا بأنّه على كلّ حال أحد هذه الأفعال سيتّصف بالملاك، مع أنّها حال التّرك تتّصف كلّها بالملاك لوجود شرط اتّصافها. [المقرّر].

[2] نهاية الأفكار،ج1،ص391.

برچسب ها: الواجب التخييري

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است