تبعيّة القضاء للأداء (۲ رجب ۱۴۴۴)

كان الكلام في الواجب الموقّت وهل أنّه بحسب دليل الواجب يثبت وجوب القضاء بقطع النّظر عن الدّليل الخاصّ أم أنّه لا يثبت بإطلاق دليل الواجب بعد انقضاء الوقت؟

ذكر الشّيخ الآخوند أنّ دليل الواجب قاصر عن إثبات الوجوب بعد الوقت إن لم يقل بعدم الأمر، وذلك بلا فرق بين كون دليل التّوقيت متّصلًا أو منفصلًا إلّا في حالة.[1]

وقد أثار هذا الاستثناء نقاشًا في مراده وقد ذكر السّيّد الصّدر أقسامًا لكيفيّة التّقييد جعل القسمين الثّاني والثّالث محلًّا لنقاش كلام الشّيخ الآخوند. وخرجت الصّورة الأولى وكذا الرّابعة عن النّقاش. أمّا الرّابعة، فالقيد فيه إطلاق يعمّ الوجوب على إطلاقه بحيث لا وجوب رأسًا خارج دائرة القيد؛ وأمّا الصّورة الأولى، فهناك تكليفان تكليف أداء الدّين مثلًا وتكليف الفوريّة، ودليل التّوقيت لا يدلّ على تقييد الواجب الأوّل لأنّه غير ناظر إليه _كما ذكرنا_. نعم الثّاني حصّة من الأوّل لكن لا على نحو التّقييد وهذا خارج عن محلّ الكلام.

ويبقى الكلام في القسمين الثّاني والثّالث من حيث إنّه هل يمكن أن تفي الأدلّة بهذين القسمين. وفي الحقيقة هما يرجعان إلى استثناء الشّيخ الآخوند، ويبدو أنّ السّيّد الصّدر فسّر استثناء الشّيخ الآخوند على الثّاني، ونسب التّفسير الثّالث لكلام الشّيخ الآخوند إلى السّيّد الخوئيّ، ونحن نرى أنّ مراد السّيّد الخوئي هو قسم خامس.

وهنا تذكير بالقسم الثّاني: هو حيث يأتي دليل دلّ على وجوب بمراتب مختلفة عليا ودنيا، ويكون دليل التّوقيت ناظرًا إلى الدّليل الأوّل ومقيّدًا لمراتبه العليا أو مرتبته العليا. وهنا فرق عن الصّورة الأولى حيث كان الدّليل الثّاني غير مقيّد أصلًا وإن وقع مفاده حصّة من الواجب الأوّل.

ونتيجة هذا القسم هو أنّه إن لم يأت بالواجب في الوقت، فالدّليل بنفسه يغطّي سائر مساحات الزّمان الخارجة عن الوقت المعيّن، وبالتّالي يجب عليه الاتيان بالواجب خارج الوقت أيضًا بلا حاجة إلى دليل خاصّ.

ثم يقول بحسب الإثبات الأدلّة لا تفي بهذا القسم وذلك إشكالًا على الشّيخ الآخوند. وهذا مبنيّ على أنّ دليل الواجب يدلّ على وجوب المراتب ليدلّ دليل التّوقيت على تعيين مرتبة ولكنّ الظّاهر من الدّليل الأول هو إفادته وجوبًا واحدًا لا وجوبًا بمراتب.[2]

الدّليل الأوّل لم يدلّ على المراتب حتّى يقال بأنّ الدّليل الثّاني جاء ليعيّن المرتبة العالية بل هو بصدد بيان حكم واحد بمرتبة واحدة، فالدّليل الدّالّ على التّوقيت يحكي عن تقييد ذاك الأوّل لا عن تقييد مرتبة من مراتبه.[3]

القسم الثّالث: هو وجود دليل على التّوقيت يقيّد الوجوب حال التّمكّن خاصّة دون حال العجز، فهذا قيد خاصّ بحالة وساقط في حالة أخرى أي غير مطلوب مولويًّا. لكن إذا كان هذا التقييد شاملًا للحالين فبعد الوقت لا يمكن الاتيان بما انقضى بمفاد هذا الدّليل.

الدّليل الدّالّ على التّوقيت يقيّد إطلاق دليل الواجب، ومفاد دليل الواجب يفيد الوجوب في الوقت وبعد الوقت، ويجيء دليل التّوقيت ليقيّد الأوّل لكن على نحو القيد حال التّمكّن. وعلى كلّ حال لا يمكن الاتيان بالواجب في الوقت بغير الوقت وهذا ما نبّه عليه المحقّق النّائينيّ. وبعد الوقت يكون الوجوب ثابتًا بواسطة إطلاق الدّليل الأوّل. نعم لا بدّ من الالتفات إلى أنّ الوقت ليس ظرفًا للواجب فقط بل هو قيد فيه. ولأنّ المقيّد مجمل والدّليل الأوّل مطلق لا يمكن المصير إلى هذا النّحو من التّقييد أي إنّه لا يتعيّن مقابل الأقسام الأخرى.

وأشكل على ذلك السّيّد الصّدر[4] هو أنّ مفاد دليل الوجوب هو وجوب واحد متعلّقه الجامع بين الصّلاة في الوقت وبعد الوقت.[5]

والحقّ مع السّيّد الصّدر.

لكن هناك قسم خامس هو المراد للسّيّد الخوئيّ وهو وجود دليل وجوب مطلق من حيث المتمكّن من الوقت وغير المتمكّن، فالوجوب ثابت في حقّ الجميع وأعمّ منهم وهذا غير مقيّد بالوقت. وهناك دليل ثانٍ يدلّ على التّوقيت وليس مفاده أنّ القيد يقيّد الجميع لأنّه سيصير القسم الرّابع، وهذا يعني أنّه بعد الوقت لا يمكن الاتيان به.

من لم يتمكّن من الوقت كما لو كان نائمًا لم يخاطب أصلًا بخطاب الوقت بل خوطب بالدّليل الأوّل غير المقيّد بشيء من الوقت. دليل الوقت قال المستيقظ يصلّي في الوقت قبل غروب الشّمس، أمّا النّائم فلم يرد تقييد بالوقت في حقّه فيبقى الدّليل على إطلاقه. وهذا كسائر القيود مثل الطّمأنينة لو كان دليله مثل لا صلاة إلّا بطهور لقلنا المرتعش لا تجب عليه الصّلاة، لكن يقول الدّليل الطّمأنينة شرط عند المتمكّن وأمّا غير المتمكّن فلا قيد في حقّه وتجب عليه الصّلاة في تلك الحالة.[6]

هذا تمام الكلام في هذا البحث ويبقى الكلام في التّتمّة من أنّه هل يجب على المكلّف الاتيان بالصّلاة بواسطة الاستصحاب؟ هنا قال لا بل المرجع بعد الوقت استصحاب البراءة لكن ندم على ذلك في الاستصحاب.

 

[1] الكفاية،ج1،ص201:"ثمّ إنّه لا دلالة للأمر بالموقّت بوجه على الأمر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به. نعم لو كان التّوقيت بدليل منفصل لم يكن له إطلاق على التّقييد بالوقت وكان لدليل الواجب إطلاق لكان قضيّة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت وكون التّقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله".

[2] البحوث،ج2،ص433-434:"وأخرى يفترض أنّ دليل التّوقيت ناظر إلى مفاد دليل الواجب ويقيّده كما هو المفروض وفي هذه الحالة لا يصحّ أن يتمسّك بدليل الوجوب لإثبات أصل الوجوب في خارج الوقت لو بمرتبة أخرى بناء على تصوير المراتب في الوجوب بلحاظ المعتبر وإن لم يكن معقولًا بلحاظ الاعتبار، وذلك لأنّ مفاد الخطاب ليس إلّا جعل وجوب واحد ولا يتكفّل إطلاقًا لإثبات تمام مراتب الوجوب على الواجب كي يبقى الإطلاق بلحاظ بعضها، ولهذا لا يستظهر من دليل إيجاب شيء أنّه واجب بالمرتبة العالية الشّديدة والمفروض تقييد دليل التّوقيت لهذا المدلول الواحد فلا إطلاق كي يتمسّك به في خارج الوقت".

[3] لا تتوقّف دلالة الدّليل الثّاني على تقييد مرتبة من مراتب الوجوب على كون الدّليل الأوّل قد كان بصدد بيان وجوب ذي مراتب، بل قد يكون الدّليل الثّاني بنفسه مبيّنًا للمراتب ومقيّدًا للمرتبة العليا، إلّا أن يقال إنّ الدّليل المقيّد مجمل لا يمكنه الوفاء بمثل هذا التّفصيل والبيان. فحينها نفصّل أيضًا ونقول تارة لا يكون هناك معيّن من خارج لوقوع هذا الثّاني وأخرى يكون هناك معيّن خارجيّ. وحال عدم وجود معيّن حمل التّقييد على ما يتعيّن كما ذكر السّيّد الصّدر، وأمّا حال وجود معيّن خارجيّ كما لو انحصر التّقييد بهذا القسم الثّاني، بحيث علمت عدم كونه من الأوّل ولا من الثّالث ولا من الرّابع فلا يبقى إلّا أن يكون من الثّاني والّذي مفاده تقييد المرتبة العليا، فاستفدت من هذا التّعيين كون القيد راجعًا إلى خصوص مرتبة وكون الوجوب ذا مراتب وليس واحدًا بمرتبة واحدة. والحقّ أنّ السّيّد الصّدر قد أشار إلى عدم وجود معيّن هذا من هذا القبيل في آخر بحثه حيث قال:"وهكذا يتبرهن أنّ الاحتمالات الثّلاثة الأولى لا يمكن إثباتها بحسب ظاهر دليل الواجب مع دليل التّوقيت إذا لم تكن قرينة على تعدّد الجعل فيتعيّن لا محالة الاحتمال الرّابع".البحوث،ج2،ص435.[المقرّر].

[4] البحوث،ج2،ص434:"والصّحيح عدم تماميّته أيضًا كسابقه والوجه فيه هو ما أشرنا إليه من أنّ الأمر لا يتضمّن الإطلاق بلحاظ الوجوب الّذي يجعله وإنّما يتضمّن إثبات وجوب واحد بلحاظ المتعلّق يتعلّق بصرف وجود الطّبيعة ولا يثبت وجوبًا للطّبيعة في حال القدرة على القيد ووجوبًا آخر للطّبيعة في حال العجز عنه".

[5] نعوّل هنا أيضًا على المعيّن الخارجيّ كما في السّابق.[المقرّر].

[6] إذا كان السّيّد الصّدر بصدد حصر كيفيّات التّقييد كما يظهر فلا مناص عن الأخذ بهذا القسم الخامس، ولكن كما أورد على تعيين كون التّقييد من باب أحد الأقسام الأخر غير الرّابع كذا يتأتّى الإشكال هنا. فالفرض أنّ المقيّد مجمل لا تفصيل فيه فكيف يحمل على هذا القسم خاصّة؟ نعم إن قيل بورود شيء من التّفصيل فيه أمكن المصير إليه لكن كذا أمكن المصير إلى غيره وكان خروجًا عن الفرض. هذا لو سلّمنا أنّ الفرض هو فرض إجمال المقيّد لكنّ الّذي يتأتّى من كلام السّيّد الصّدر كونه مجملًا من جهة عدم تعيّن الرّابع.[المقرّر].

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است