تبعيّة القضاء للأداء (۶ رجب ۱۴۴۴)

نوشته شده توسط السيد حمزة عيسی الموسوي. ارسال شده در تقریر عربی اصول

الكلام في المرحلة الثّانية وهي البحث في مقتضى الأصل العمليّ على فرض كان الدّليل الاجتهاديّ ساكتًا نفيًا وإثباتًا.

حكم الشّيخ الآخوند بالبراءة وعدم جريان الاستصحاب بضرس قاطع،[1] أجرى البراءة العقليّة وكذا الشّرعيّة بحيث تقتضيان عدم ثبوت الوجوب ولا يجري الاستصحاب للقول بثبوت الوجوب استصحابًا.

وحيث لم يجر الاستصحاب فالحكم هو عدم الثّبوت وهذا لا شكّ فيه أي لا يتوهّم رأسًا جريان الاشتغال في مثل المقام. لكن الكلام في جريان الاستصحاب وعدمه.

لكنّ الشّيخ الآخوند في تنبيهات الاستصحاب قال بجريان الاستصحاب إلّا في حالة أي على عكس ما ذهب إليه هنا حيث قال بعدم الجريان بلا تفصيل. وتوضيح كلامه في تنبيهات الاستصحاب:[2] الزّمان بالنّسبة للفعل تارة يكون قيدًا ويكون من قبيل المقوّم وأخرى يكون الزّمان ظرفًا بحيث يكون الفعل في الزّمانين فعلًا واحدًا بحيث يحكم العرف بصدق الاستمرار في مثل هذه الحالة. وحيث كان الزّمان قيدًا تارة يكون الشّكّ في أنّ الوجوب الواحد الثّابت للفعل المقيّد بالوقت هل يثبت في الزّمان الثّاني الخالي عن قيد الوقت فيجري استصحاب العدم وأخرى يكون الشّكّ في الوجوب لكن على نحو التّعدّد المطلوبيّ بحيث نقطع بعدم ثبوت الوجوب بالمرتبة المعيّنة المقيّدة بالوقت بعد انقضائه لكن نشكّ في ثبوت الوجوب بمرتبة أخرى من مراتبه، فهنا قال بجريان الاستصحاب أيضًا لأنّه ينطبق عليه مناط الاستصحاب ويكون الشّكّ في ثبوت مرتبة من الوجوب في الزّمان الثّاني شكًّا في البقاء. ومناط جريان الاستصحاب هي وحدة الموضوع بحسب النّظر العرفيّ المسامحيّ بحيث يصدق على الثّابت في الزّمان الثّاني لو جرى الاستصحاب كونه استمرارًا.

ويطرح بعدها إشكالًا ويردّه؛[3] مفاده: أنّه قد يقال بعدم جريان الاستصحاب حتّى مع القول بكون الزّمان ظرفًا ضرورة دخل الزّمان في ما هو المناط لثبوته فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه. لكن ذلك مردود بأنّ المناط هو النّظر العرفيّ الّذي يرى الفعل موضوعًا واحدًا في الزّمانين وأنّ المشكوك في الزّمان الثّاني ليس إلّا استمرار ما كان ثابتًا في الزّمان الأوّل.

ثم يستدرك بأنّه قد يجري استصحاب بقاء الحكم وذلك فيما كان الزّمان مأخوذًا على نحو القيديّة لكن في بعض مراتب الحكم، فهنا الزّمان قيد لكن لتماميّة المطلوبيّة لا لأصل المطلوبيّة فهو قيد للمرتبة العالية.[4]

وشتّان ما بين كلامه هنا وهناك.

وعمومًا يكون الزّمان ظرفًا للواجبات لا قيدًا ولم أجد موردًا يكون فيه الزّمان قيدًا لا ظرفًا. وهنا لا بدّ من التّدقيق في القيديّة والظّرفيّة حيث تارة ننظر إليها من حيث جعل الشّارع وأخرى من جهة العرف، والمعوّل عليه في الباب هو النّظر العرفيّ حتّى وإن كان المولى بحسب الدّقّة قد أخذه قيدًا لكن إن رأى العرف ذلك ظرفًا بمعنى أنّ ما لو ثبت في الزّمان الثّاني كان استمرارًا للثّابت في الزّمان الأوّل لجرى الاستصحاب بلا حزازة.

ولا بدّ من الالتفات إلى الفرق بين الاستصحاب وإلغاء الخصوصيّة، والّذي بسبب الغفلة عنه ذهب البعض إلى عدم وجود الاستصحاب في الشّريعة. فالاستصحاب من حيث بقاء الموضوع هو بمعنى أنّه لو كان الحكم ثابتًا بعد انقضاء الخصوصيّة وكان معها الحكم ثابتًا هو استمرار لثبوت الحكم أوّلًا؛ فيما إلغاء الخصوصيّة هو تنقيح للموضوع حقيقة على نحو يكون غير مقيّد رأسًا بتلك الخصوصيّة وشاملًا لحال وجودها وانعدامها.

وقد علّق المحقّق الأصفهانيّ في المقام وله كلام طويل في المتن والحاشية  حصل فیه اضطراب وعدول عن رأيه. قال أوّلًا إنّه لا يعقل جريان الاستصحاب لا في الشّخص ولا في الكلّيّ. أمّا استصحاب الشّخص،[5] فإنّ شخص الحكم المتعلّق بالزّمان كالصّلاة حين الآية لا يعقل ثبوته بنفسه بعد الوقت لأنّ الفرض أنّ الموضوع هو الفعل المقيّد بالوقت، وثبوته في الزّمان الثّاني يعني أنّ الموضوع هو طبيعيّ الفعل غير المقيّد بالزّمان. كما أنّه لا يعقل لأنّه يلزم وحدة الكثيرة وكثرة الواحد، فالحكم المعلّق بالزّمان هو بنفسه متعلّق بذات الفعل غير المقيّد، فإن قيل هذا شيء واحد لصار الواحد متعدّدًا، وإن كان متعدّدًا للزم وحدتهما من حيث إنّهما متعلّقان للتّكليف فيلزم وحدة الكثير وكلا هذين محال.[6]

وأمّا استصحاب الكلّيّ، فلا يجري أيضًا لأنّه من استصحاب الكلّيّ القسم الثّالث وله ثلاثة أقسام: الأوّل احتمال وجود فرد من الكلّيّ مقارن لوجود الفرد السّابق الّذي نعلم بأنّه وجد وارتفع لاحقًا والثّاني احتمال وجود فرد من الكلّيّ مقارن لارتفاع الفرد السّابق والثّالث احتمال تبدّل ذلك الفرد إلى فرد آخر كتبدّل السّواد من سواد شديد إلى ضعيف مثلًا.

والاستصحاب يجري في القسم الثّالث من هذه الأقسام أي حال التّبدّل من مرتبة إلى مرتبة وليس المقام منه فلا يجري الاستصحاب، لأنّ ثبوت الوجوب لموضوع مقيّد بالزّمان ثمّ ثبوته لموضوع غير مقيّد بالزّمان ليس من التّبدّل الرّتبيّ.[7]

ثمّ يعود ويقول يمكن تصوير الاستصحاب،[8] لأنّه بنظر العرف الموضوع يبقى واحدًا وهو مناط جريان الاستصحاب، فلا يكون الزّمان هنا إلّا ظرفًا بنظر العرف فيجري استصحاب الشّخص وكذا الكلّيّ.

ثمّ يترقّى ويقول بل يمكن أن يجري استصحاب الشّخص حتّى لو كان الزّمان بنحو القيد لكن لا القيديّة للدّخل في الغرض بل على نحو مقدّميّة حصول الغرض أي الزّمان لا مقوّميّة له بل له مقدّميّة لحصول الغرض.

وأمّا استصحاب الكلّيّ فسيكون من القسم الثّاني من الثّالث أي القسم الّذي يكون وجود الفرد الثّاني مقارنًا لارتفاع الأوّل. لكن الشّيخ جعل الاستصحاب هذا على قسمين القسمان الأوّل والثّاني قسم واحد والثّالث عند المحقّق الأصفهانيّ هو الثّاني عنده.

يقول ما نحن فيه من قبيل الثّاني من الثّالث أي إنّه مقارنًا بارتفاع المرتبة الأكيدة تثبت المرتبة الدّانية.

إذا تعلق الحكم بالفعل المقيّد بالزّمان فقد تعلّق الحكم بذات الفعل بحسب العرف وهذا شخص الحكم وبتبعه فطبيعيّ الحكم تعلّق بما تعلّق به شخص الحكم ذاتًا وتبعًا فيتعلّق طبيعيّ الحكم بذات الفعل بواسطتين.

 

 

[1] الكفاية،ج1،ص202:"ومع عدم الدّلالة فقضيّة أصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت. ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقّت بعد انقضاء الوقت فتدبّر جيّدًا".

[2] المصدر نفسه،ج2،ص236:"وأمّا الفعل المقيّد بالزّمان: فتارة يكون الشّكّ في حكمه من جهة الشّكّ في بقاء قيده. وطورًا مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة أخرى كما إذا احتمل أن يكون التّقييد به إنّما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله.

فإن كان من جهة الشّكّ في بقاء القيد فلا بأس باستصحاب قيده من الزّمان، كالنّهار الّذي قُيّد به الصّوم مثلًا فيترتّب عليه وجوب الإمساك وعدم جوز الإفطار ما لم يقطع بزواله...

وإن كان من الجهة الأخرى فلا مجال إلّا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزّمان فيه إلّا ظرفًا لثبوته لا قيدًا مقوّمًا لموضوعه وإلّا فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه في ما بعد ذاك الزّمان، فإنّه غير ما علم ثبوته له فيكون الشّكّ في ثبوته له أيضًا شكًّا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه لا في بقائه".

[3] المصدر نفسه،ص237:"لا يقال: إنّ الزّمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفًا لثبوت الحكم في دليله؛ ضرورة دخل مثل الزّمان في ما هو المناط لثبوته، فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه.

فإنّه يقال: نعم لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدّقّة ونظر العقل/ وأمّا إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أنّ الفعل بهذا النّظر موضوع واحد في الزّمانين، قطع بثبوت الحكم له في الزّمان الأوّل، وشكّ في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزّمان الثّاني، فلا يكون مجال إلّا لاستصحاب ثبوته".

[4] المصدر نفسه،ص238:"نعم لا يبعد أن يكون بحسبه أيضًا متّحدًا في ما إذا كان الشّكّ في بقاء حكمه من جهة الشّكّ في أنّه بنحو التّعدّد المطلوبيّ، وأنّ حكمه بتلك المرتبة الّتي كان مع ذاك الوقت وإن لم يكن باقيًا بعده قطعًا، إلّا أنّه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب فتأمّل جيّدًا".

[5] نهاية الدّراية،ج1،ص503:"لا يخفى عليك أنّ شخص الإرادة المتعلّقة بالموقّت بما هو وشخص الأمر المتعلّق به متقوّم به لا يعقل بقاؤها بعد مضيّ الوقت. فمعنى كون القضاء بالأمر الأوّل كونه بملاكه لا بنفسه وحيث لا شكّ في بقائه بنفسه فلا معنى للتّعبّد ببقائه، كما لا يعقل بقاؤها لا يعقل تعلّقه بذات الفعل وبه بما هو مؤقّت لاستحالة تقوّم الواحد باثنين وكذا لا يعقل تعلّق إرادة أخرى أو أمر آخر بذات الفعل في عرض تعلّقهما به بما هو موقّت لاستحالة مورديّة الفعل لها مرّتين".

[6] المحذور الثّاني الّذي ذكره المحقّق الأصفهانيّ هو: أنّه يستحيل أنّ يتعلّق الحكم الشّخصيّ الواحد بذات الفعل وكذا بالفعل المقيّد بالوقت لأنّه يلزم من ذلك أن يتقوّم الحكم الواحد باثنين هما الذّات والذّات المقيّدة.

والمحذور الثّالث هو أنّه يستحيل أن تتعلّق إرادتان أو أمران بشيء واحد هو الفعل حال تعلّقها بالفعل الموقّت والجائز هو تعلّقها بذات الفعل بعد انقضاء الوقت أي بعد أن تعلّقت في زمان خاصّ بالفعل الموقّت.[المقرّر].

[7] حاشية نهاية الدّراية،ج1،ص503:"وإن كان المستصحب كلّيّ الحكم من باب استصحاب القسم الثّالث من استصحاب الكلّيّ فمجمل القول فيه أنّ القسم الثّالث له أقسام ثلاثة لأنّ المحتمل إمّا حدوث فرد آخر مقارن للفرد المقطوع أو فرد مقارن لارتفاع الفرد المقطوع أو تبدّل الحكم من مرتبة أخرى، والكلّ هنا محال...".

[8] المصدر نفسه،ص504:"ويمكن أن يقال أمّا استصحاب شخص الحكم مع فرض تعلّقه بالموقّت فيصحّ لأنّ الموضوع وإن كان بحسب الدّليل بل بحكم العقل هو الموقّت بما هو موقّت إلّا أنّ العبرة في الموضوع إنّما هو بنظر العرف والعرف يرى أنّ الموضوع هو الفعل وأنّ الوقت من حالاته لا من مقوّماته ولا قطع بخطأ ونظر العرف إلّا بلحاظ حال الاختيار دون العذر...مضافًا إلى ما مرّ مرارًا من أّنّ الخصوصيّة المأخوذة في الواجب تارة تكون مقوّمة للمقتضي بحيث يكون الخاصّ واجبًا وأخرى يكون دخيلة في فعليّة الغرض ومثلها يكون شرطًا للواجب. فعلى الأوّل يكون المقيّد بما هو واجبًا نفسيًّا وعلى الثّاني يكون الواجب النّفسيّ مقيّدًا، فمعروض الوجوب النّفسيّ حينئذٍ ذات الفعل وإنّما قيد الواجب بتلك الخصوصيّة لدخلها في الغرض فتكون تحصيلها واجبًا بوجوب مقدّميّ وعليه نقول أنّ خصوصيّة الوقت ظاهر كخصوصيّة الطّهارة والتّستّر والاستقبال شرط للواجب لا أنّ المتخصّص بها واجبًا وحينئذٍ فمعروض الوجوب على فرض بقائه نفس الفعل فيستصحب للشّكّ في دخالة الخصوصيّة مطلقًا.

وأمّا استصحاب كلّيّ الحكم فنقول يمكن تصحيحه على القسم الثّاني من المقسم الثّالث بتقريب أنّ شخص الحكم له تعلّق بالذّات بالموقّت وبالعرض بالفعل فقطع الحكم له تعلّق بالعرض بكلّ ما يتعلّق به شخص الحكم ذاتًا وعرضًا ولازمه تعلّق الحكم الكلّيّ بالفعل الكلّيّ بالعرض بواسطتين كما لا يخفى".

چاپ