الشك في اتيان المأمور به (۷ رجب ۱۴۴۴)

بقيت المرحلة الثّالثة من البحث وهي ما لو ثبت القضاء وشكّ المكلّف في أنّه قد أتى بالمأمور أم لا، فما هو الحكم هل تجب القضاء؟ على أنّ هذا البحث قد جاء مفصّلًا في كلمات الأعلام كالسّيّد الخوئيّ[1] [2]خلافًا لبحث المرحلة الأولى.

إذا كان جازمًا بعدم الاتيان بالواجب فيجب عليه القضاء بلا كلام بناء على ثبوت القضاء، أمّا إذا كان شاكًّا في ذلك، فهذا يرتبط بأنّه هل يجب عليه القضاء بدليل خاصّ أم بنفس دليل الواجب؟ أي هل القضاء تابع للأداء أم لا قد ثبت بدليل مستقلّ؟

أمّا الاستصحاب فلا يجري إذا كان القضاء ثابتًا بدليل مستقلّ ويجري إذا كان تابعًا للأداء.

هذا الشّكّ يتصوّر في مقامين تارة أثناء الوقت وأخرى خارج الوقت.

أمّا الشّكّ في الأثناء بحيث وجبت عليه صلاة الظّهر مثلًا وشكّ في أنّه قد أتى بها أم لا. وهذا الشّكّ المتصوّر تارة يكون مصحوبًا بجريان قاعدة الفراغ والتّجاوز فتجريان ولا موضوع للاحتياط وأخرى يكون مع عدم جريان القاعدتين كما لو فرغ عن الصّلاة الّتي صلّاها إلى جهة معيّنة لكنّه يشكّ في الامتثال من جهة شكّه في كون الجهة هذه إلى القبلة أم لا والحال أنّ صورة الصّلاة محفوظة فلا تجري قاعدة الفراغ، فهنا حكموا بجريان قاعدة الاشتغال. وكما ترى هذا المورد يختلف عمّا لو أتى بالصّلاة وشكّ في أنّه ركع أم لا، ففي ذاك المورد لا يكون للصّلاة صورة محفوظة ويتحقّق موضوع الفراغ فتجري القاعدة ويحكم بالصّحّة.

وأمّا الشّكّ في خارج الوقت: فتارة يكون القضاء ثابتًا بأمر جديد فهنا لا يجب عليه القضاء لكون الشّكّ واقعًا هو في حدوث تكليف جديد بالقضاء وليس شكًّا في سقوط التّكليف ولا يجري استصحاب عدم الاتيان ليثبت عدم الامتثال أو الفوت لأنّه يكون استصحابًا مثبتًا ومثبتات الأصول ليست بحجّة.

وتارة يكون القضاء ثابتًا تبعًا للأداء أي بنفس دليل الأداء الّذي له إطلاق يشمل الوقت وخارجه على نحو تعدّد المطلوب لا وحدته بحيث إنّ للواجب وقتين الأوّل هو الوقت المعيّن والثّاني هو ما خرج عنه. فهنا يثبت وجوب الاتيان لعدم إحراز الامتثال تمامًا كما لو كان ما زال في داخل الوقت تطبيقًا لقاعدة الاشتغال حيث قد انشغلت الذّمّة بتكليف دخل في العهدة ولم يحرز الخروج عنه، مع العلم أنّ موضوع القاعدة هو عدم إحراز الاتيان لا عدم الاتيان واقعًا.

وكما ترى لا بدّ من التّفصيل في الفعل بعد الوقت من جهة دليل القضاء بين كونه ثابتًا بدليل خاصّ وكونه ثابتًا بنفس دليل الواجب.

هذا وهناك حالة أخرى، اما لو شككنا في أنّ موضوع وجوب القضاء هل هو الفوت أم هو عدم الاتيان بالفعل في الوقت؟ أي هل القضاء يثبت بدليل خاصّ موضوعه ما فات أم أنّه يتبع الأداء ويثبت بنفس دليله؟ فهنا أيضًا مقتضى أصل البراءة عدم ثبوت وجوب القضاء وذلك لأنّ ثبوت التّكليف مشكوك من جهة التّردّد في موضوعه. ولا يجري الاستصحاب لأنّه استصحاب لما يقبل التّنجيز وما لا يقبل التّنجيز، ثمّ إنّه حتّى لو جرى فإنّه يكون استصحابًا في الشّبهة الحكميّة لأنّه يشكّ في الحكم هل إنّ موضوعه عدم الفوت أو عدم الاتيان، فلا يجري بناء على القول بعدم جريان الاستصحاب في الشّبهات الحكميّة.

وهنا بحث آخر:[3] إذا شكّ في أثناء الوقت أنّه أتى بالعمل أم لا، وعادته الاتيان به أوّل الوقت مع كون العادة ليست بحجّة، فمقتضى الاشتغال هو الاتيان بلا خلاف، لكنّه ثمّ غفل مرّة أخرى أو لم يعتن بمقتضى الاشتغال حتّى انقضى الوقت بحيث يعلم بأنّه لم يأت بالفعل بمفاد قاعدة الاشتغال فالمعروف بين الفقهاء هو وجوب القضاء عليه وذلك لأنّه متى التفت في الوقت جرت قاعدة الاشتغال فهو موظّف بالاتيان ولكنّه لم يأت بالفعل والآن يعلم بأنّه لم يأت به. وفرق بين ما لو لم يكن له التفات رأسًا في الوقت وبين ما لو التفت، فلو لم يلتفت لا نعلم فوات شيء عليه لا بمقتضى وجوب لم يمتثله ولا بمتقضى مفاد الاشتغال الّذي لم يمتثله، ولا يجري استصحاب عدم الاتيان لأنّه مثبت.

لكن لو التفت في الأثناء ولم يأت بالفعل، فلا بدّ أن يصلّي بعد الوقت. وظاهر كلام السّيّد الخوئيّ هو أنّه في داخل الوقت يكون المكلّف موظّفًا بصلاة الظّهر مثلًا لإحرازه عدم الاتيان إمّا بأمارة كخبر ثقة وإمّا ببيّنة وإمّا بإجراء الاستصحاب، والفرض أنّه لم يأت بها فيجب عليه الاتيان بها كما هو واضح.

ولو لم يحرز عدم الاتيان لكنّه لم يحرز الاتيان بالفعل الواجب فيجب عليه الاتيان مجدّدًا في الوقت وكذا خارجه. ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ قاعدة الاشتغال لا تثبت عدم الاتيان بل تثبت وجوب الاحتياط لما أحرز ثبوته على العهدة ولم يحرز الخروج عن عهدته وبالتّالي فرق بين أن يقال لم تصلّ فيثبت الفوت وبين الاحتياط حيث يثبت وجوب الاحتياط مع عدم ثبوت الاتيان ولا عدمه.

والفرض أنّ المكلّف لم يحتط في الوقت، فيتأتّى سؤال بعد الوقت هل يجب عليه الاحتياط؟ فإن احتاط كان ذلك عن التّكليف أداءً؟ قلنا لا يصحّ منه الاحتياط عن الأداء لأنّه يُعلم بسقوط التّكليف الأدائيّ. فهل احتياطه عن التّكليف قضاءً؟ قلنا يصحّ ذلك لكن الإشكال هو في عدم ثبوت الفوت. نعم هو قد فاته الاحتياط لكن لم يثبت موضوع القضاء أي فوت وظيفة الوقت الواقعيّة ولكن ما فاته هو الاحتياط لا وظيفة الوقت، وبالتالي بعد الوقت لا يبقى موضوع للاحتياط. ولو ثبت القضاء بعدها فيثبت بتكليف آخر.

وهنا شيء آخر لم يذكره السّيّد الخوئيّ ويمكن أن نضمّه إلى كلامه لينتج ما أراد، وهو إطلاق القضاء بحيث يكون قضاء ما فات شاملًا للوظيفة الواقعيّة والظّاهريّة، فيثبت وجوب القضاء بعد الوقت في المورد المذكور. فهنا لا شكّ في فوات الوظيفة الظّاهريّة وإن كان شكّ في فوات الوظيفة الواقعيّة. وهذا يختلف عن كلام السيد الخوئي لأنّ ما كان يقوله هو أنّ المكلّف موظّف بصلاة الظهر بعد الوقت[4] وكان إشكالنا أنّه فعلا لم يكن مكلفا بصلاة الظهر بل كان مكلفا بالاحتياط، ولذلك يجب عليه الاتيان بالصّلاة رجاء المطلوبيّة ولا يمكنه الاتيان بها وجوبًا حتميًّا لأنّها قد تكون لغوًا. ولا يمكن الامتثال بعد الوقت رجاء لامتثال الأمرالأدائي فقد سقط حتمًا . واذا تأتّى احتياط، فيكون للتكليف القضائي الاحتماليّ لكنّه مشكوك الحدوث.

 

 

 

[1] الدّراسات،ح2،ص86:"وأمّا لو شككنا في وجوب القضاء لشبهة موضوعيّة بعد العلم به من حيث الشّبهة الحكميّة بأن لم نعلم أنّنا أتينا بالواجب في الوقت أم لم نأت به فهل يمكن إثبات وجوب القضاء باستصحاب عدم الاتيان في الوقت مع قطع النّظر عن قاعدة الحيلولة أم لا يمكن؟

الظّاهر هو الثّاني، وذلك لأنّ وجوب القضاء إنّما هو مترتّب على عنوان الفوت، وهو أمر وجوديّ ملازم للتّرك وعدم الاتيان بالعمل في الوقت لا نفسه، ويعبّر عنه في الفارسيّ (بازكية رفتن) فيقال تركت السّرعة ففاتني البحث مثلًا، فيترتّب الفوت على التّرك، وعلى تقدير كونه عدميًّا فهو من قبيل عدم الملكة بخلاف التّرك فتأمّل.

ويشهد لتغايرهما أنّ التّرك حاصل من أوّل الوقت ولا يصدق عنوان الفوت، وهكذا في أثناء الوقت إلى أن يبقى من الوقت مقدار لا يسع الاتيان بالعمل خارجًا، وعلى هذا فاستصحاب عدم الاتيان بالواجب في الوقت لا يثبت عنوان الفوت فإنّه مثبت. ولو شككنا في ذلك ولم نعلم أنّ الفوت عين التّرك وعدم الفعل في الوقت أو أنّه لازمه لا يجري الاستصحاب أيضًا، وذلك لاختصاص دليل حجيّة الاستصحاب كقوله عليه السّلام "لا ينقض اليقين بالشّكّ" بما إذا كان المتيقّن ذا أثر شرعيّ، وإلّا فالاستصحاب غير جار، فلا بدّ من إحراز ذلك في أجزائه، وإلّا فالتّمسّك به يكون من قبيل التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة.

وفي المقام لم نحرز ذلك، إذ نحتمل أن لا يكون موضوع الحكم أعني الفوت متّحدًا مع المستصحب بل يكون في فرض اتّصال القرينة والمخصّص لا انفصاله كما هو واضح.

فتحصّل عدم إمكان إثبات وجوب الاتيان بالموقّت في خارج الوقت بالاستصحاب لا في الشّبهة الحكميّة ولا الموضوعيّة هذا كلّه في الموسّع".

[2] المحاضرات،ج2،ص254:"ثمّ إنّ فيما ثبت فيه القضاء لو ترك المكلّف الواجب في الوقت، فإن أحرزنا ذلك وجدانًا أو تعبّدًا بأصل أو أمارة فلا إشكال في وجوب قضائه والاتيان به في خارج الوقت، بلا فرق في ذلك بين القول بكون القضاء تابعًا للأداء والقول بكونه بأمر جديد، وهذا واضح ولا كلام فيه، والكلام إنّما هو فيما إذا لم يحرز ذلك لا وجدانًا ولا تعبّدًا، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى: أنّه لا بدّ من فرض الكلام فيما نحن فيه إمّا مع قطع النّظر عن جريانهما أو فيما إذا لم تجريا، كما إذا فرض أنّ شخصًا توضّأ بمائع معيّن فصلّى، ثمّ بعد مضيّ الوقت حصل له الشّكّ في أنّ هذا المائع الّذي توضّأ به هل كان ماءً ليكون وضوؤه صحيحًا أو لم يكن ماءً ليكون وضوؤه فاسدًا أو فرض أنّه صلّى إلى جهة ثمّ بعد خروج الوقت شكّ في أنّ القبلة هي الجهة الّتي صلّى إليها أو جهة أخرى وهكذا، ففي أمثال ذلك لا يجري شيء منهما.

أمّا قاعدة الحيلولة فلأنّ موردها في أصل وجود العمل في الخارج وتحقّقه لا فيما إذا كان الشّكّ في صحّته وفساده بعد الفراغ عن أصل وجوده، فإذن لا يكون مثل هذين المثالين من موارد تلك القاعدة.

وأمّا قاعدة الفراغ فلما حقّقناه في محلّه من أنّ قاعدة الفراغ إنّما تجري فيما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة كما إذا شكّ في صحّة الصّلاة مثلًا بعد الفراغ عنها من ناحية الشّكّ في ترك جزء أو شرط منها، ففي مثل ذلك تجري القاعدة، لأنّ صورة العمل غير محفوظة، بمعنى أنّ المكلّف لا يعلم أنّه أتى بالصّلاة مع القراءة مثلًا أو بدونها أو مع الطّمأنينة أو بدونها وهكذا، وهذا مرادنا من أنّ صورة العمل غير محفوظة...فعندئذٍ يقع الكلام في هذين المثالين وما شاكلهما، وأنّه هل يجب قضاء تلك الصّلوات خارج الوقت أم لا، فإذن تظهر الثّمرة بين القولين.

وذلك لأنّه لو قلنا بكون القضاء تابعًا للأداء ومطابقًا للقاعدة فيجب قضاء تلك الصّلوات والوجه في ذلك واضح، وهو أنّ التّكليف المتعلّق بها معلوم ولا يشكّ في ذلك أصلًا، والشّكّ إنّما في سقوطه وفراغ ذمّة المكلّف عنه، ومعه لا مناص من الالتزام بقاعدة الاشتغال، لحكم العقل بأنّ الشّغل اليقينيّ يقتضي الفراغ اليقينيّ. نعم المعلوم سقوطه إنّما هو التّكليف عن المقيّد لاستحالة بقائه بعد خروج الوقت من ناحية استلزامه التّكليف بالمحال، وأمّا سقوط التّكليف عن المطلق فغير معلوم، لفرض أنّ ما أتى به المكلّف لا نعلم بصحّته ليكون مسقطًا له، فإذن يدخل المقام في كبرى موارد الشّكّ في فراغ الذّمّة بعد العلم باشتغالها بالتّكليف، ومن المعلوم أنّ المرجع في تلك الكبرى هو قاعدة الاشتغال.

وأمّا إذا قلنا بأنّ القضاء بأمر جديد كما هو الصّحيح لما ذكرناه من أنّ القرينة على التّقييد سواء أكانت متّصلة أم كانت منفصلة توجب تقييد الواجب من الأوّل، فلا يمكن عندئذٍ التّمسّك بإطلاقه إلّا في صورة واحدة، كما تقدّمت بشكل واضح وعلى هذا فلا يجب الاتيان بها في خارج الوقت وذلك لأنّ المكلّف شاكّ عندئذٍ في أصل حدوث التّكليف بعد خروج الوقت، لفرض أنّ التّكليف بالموقّت قد سقط يقينًا، إمّا من ناحية امتثاله في وقته وحصول غرضه وإمّا من ناحية عدم القدرة عليه فعلًا، فإذن لا مانع من الرّجوع إلى أصالة البراءة عنه".

[3] المحاضرات،ج3،ص258-259:"بقي هنا شيء: وهو أنّ المكلّف لو شكّ في أثناء الوقت أنّه صلّى في أوّل الوقت أو لا، فمقتضى الاشتغال هو لزوم الاتيان بالصّلاة، لأنّ الاشتغال يقتضي الفراغ اليقينيّ، ولكنّ المكلّف إذا لم يأت بها إلى أن خرج الوقت ففي هذا الفرض اتّفق الفقهاء على وجوب قضائها مع أنّ مقتضى ما ذكرناه من أنّ استصحاب عدم الاتيان بها في الوقت لا يثبت عنوان الفوت، عدم وجوب القضاء لفرض أنّ عنوان الفوت في نفسه غير محرز هنا، واستصحاب عدم الاتيان بها في الوقت لا يجدي.

والجواب عن هذا ظاهر، وهو أنّ الشّكّ في المقام بما أنّه كان قبل خروج الوقت، فلا محالة يكون مقتضى قاعدة الاشتغال والاستصحاب وجوب الاتيان بها، وعلى ذلك فلا محالة إذا لم يأت المكلّف به في الوقت فقد فوّت الواجب ومعه لا محالة يجب قضاؤه لتحقّق موضوعه وهو عنوان الفوت، وهذا بخلاف ما إذا كان شكّ المكلّف في خارج الوقت أنّه أتى بالواجب في وقته أم لا، ففي مثل ذلك لم يحرز أنّه ترك الواجب فيه ليصدق عليه عنوان الفوت، والمفروض أنّ استصحاب عدم الاتيان به غير مجدٍ، وهذا هو نقطة الفرق بين ما إذا شكّ المكلّف في اتيان الواجب في الوقت وما إذا شكّ في اتيانه في خارج الوقت".

[4] فصّل السّيّد الخوئيّ ما لو كان القضاء بأمر جديد أو تابعًا للقضاء، فإن كان تابعًا للقضاء وجب عليه الاتيان لقاعدة الاشتغال لكن إن كان بأمر جديد فقال بجريان البراءة لا الاشتغال كما هو صريح عبارته. [المقرّر].

برچسب ها: الواجب الموقت, تبعية الاداء للقضاء

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است