الأمر بالأمر (۹ رجب ۱۴۴۴)

في ثمرة بحث الأمر بالأمر طرحت صحّة عبادات الصّبيّ مقابل تمرينيّتها. فإذا كان الأمر بالأمر أمرًا فهي مشروعة وصحيحة وإلا فهي تمرين.

لكن هل هي مرتبطة بهذا البحث فقط؟ قلنا لا لوجهين وذلك لأنّه في بعض النصوص ورد الأمر للصّبيّ من دون واسطة، وثانيًا إطلاقات أدلّة العبادات تشمل الجميع سواء المكلّف وغير المكلّف وما في حقّ الصّبيّ من رفع هو رفع للمؤاخذة لا للمطلوبيّة. وليس وجود فعله كعدمه حتّى يستدلّ بأنّه مسلوب العبارة والحقّ خلاف ذلك وتفصيله في محلّه. فحتّى لو لم نقل بالأمر بالأمر يمكن القول بمشروعيّة عباداته.

وبغض النّظر عن كلّ هذا، أشكل المحقّق العراقيّ بإشكال آخر مفاده ما هي نتيجة إثبات المشروعيّة؟ كون عباداته مشروعة بنفسها لا فائدة منه ما لم يرجع إلى الإلزاميّات. فالمهمّ هو إذا صلّى الصّبيّ قبل البلوغ ثمّ بلغ في الوقت بعد اتيان الصّلاة، هل تجزي صلاته فلا يعيد؟ فالمهمّ هو هل أنّها تجزي عن صلاته الواجبة أو لا، مع أنّه ليس البلوغ قبل الوقت من شروط وجوب الصّلاة، بل ولو بلغ في الوقت وجبت بمفاد دليلها. يقول المحقق العراقيّ إنّ إثبات المشروعيّة لا يستفاد منه الإجزاء بل يستفاد منه الاستحباب كالصّلاة المعادة جماعة، فهي أعمّ من الإجزاء، إذ الصلاة المستحبة ليست بالضرورة مجزية عن الصلاة الواجبة ولا يمكن القول بالملازمة.

ومن صغرياتها ما لو توضّأ الصّبي قبل البلوغ ثمّ بلغ فهل يجزي وضوؤه؟ نفس إثبات المشروعيّة لا يثبت الإجزاء عند المحقّق العراقيّ، لأنّ مفاد المشروعيّة هو أنّ فعله ليس تمرينيًّا أمّا أنّه واجد لملاك الواجب فذاك بحث آخر.

لكن قد نسلك طريقا آخر لإثبات الإجزاء وذلك من خلال إطلاقات الأدلّة، فتثبت المشروعيّة والإجزاء، لأنّ المأمور به هو صرف الوجود من المكلّف ومن غيره. نعم الكلام الآن هو على استفادة الإجزاء من الأمر بالأمر.

والكلام هو هل أنّ ملاك الأمر بالامر يفي بملاك الأمر الأصليّ بالفعل كالصلاة مثلًا؟

ثمّ يقول إنّ إطلاقات الأمر بالصّلاة شاملة للصّبيّ ولكن هناك قرينة متّصلة هي رفع الصّلاة عن الصّبيّ وعدم خطابه، وبالتالي، لا خطاب للصّبيّ.

نقول: هنا قرينة متّصلة قائمة على رفع الوجوب والإلزام لا على رفع الأمر.

عدم تكليف الصّبيان لم يكن جديدًا في شريعة الإسلام، فهنا مفروغيّة عن عدم شمول الخطاب الإلزاميّ للصّبيّ لكن لا مطلق الخطاب.

لكن هل يمكن استفادة الإجزاء من المشروعيّة؟

نعم يمكن استفادة ذلك وقد ذكر وجهًا السّيّد الحائريّ، مفاده:

إذا قيل إنّ الأمر بالأمر مفيد للمشروعيّة وإنّ العمل منه يكون على نحو الاستحباب، فإذا بلغ الصّبيّ أثناء الوقت لا يجب عليه الاتيان مجدّدًا، وذلك لأنّ ظاهر الأمر هو أنّ المكلّف بالأمر هو من لم يتحقّق منه المتعلّق في رتبة سابقة، وذلك لأنّ متعلّق الأمر صرف الوجود، فيسقط الأمر وتسقط فاعليّته كما يعترف بذلك المحقّق العراقيّ. ولم يرد أنّ المتعلّق لا بدّ أن يرد في حال الوجوب. ولذا بعد أن جاء بالصّلاة على نحو شرعيّ فمتى بلغ أجزأ فعله، لأنّه لا يخاطب بالاتيان بالمتعلّق، إذ لا وجوب ولا أمر في حقّه أو هناك أمر بلا محرّكيّة. وبالتالي نشكّ في وجود إطلاق للأمر بالصّلاة لمن أتى بالصّلاة حال عدم البلوغ، ولذا تتمّ الثّمرة في المورد الّذي قال المحقّق العراقيّ بعدم وجود الثّمرة.

لكن قلنا أصل الإطلاقات للعبادات تكفي لإثبات المشروعيّة والإجزاء.

وأمّا إثبات إجزاء إمامة الصّبيّ، اتّصال الصّبيّ، نيابة الصّبيّ،...فهذه مباحث لا علاقة لها ببحث الأصول بل يتحوّل إلى الفقه. هناك في الفقه، لا بدّ النّظر هل أدلّة الإمامة مثلًا مطلقة تشمل الصّبيّ أم لا؟ فإن كان إطلاق ثبتت إمامته "صل خلف من تثق بدينه" أي بمذهبه. (الصّلاة خلف المخالف مشروعة ومجزية لكنّها ليست جماعة "إن هم إلّا كالجدر" كما في الصّحيحة). هكذا في سائر الأبحاث.

برچسب ها: الأمر بالأمر, عبادات الصبي

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است