الأمر بالأمر (۱۴ رجب ۱۴۴۴)

طرحنا أربع حيثيّات للبحث: أولاها ترتبط بالسّؤال عن وظيفة الواسطة أهي الأمر خاصّة أم يكفي عنه الوعظ وما شابهه؟ ثانيتها ترتبط بالقول بكون المأمور النّهائيّ مأمورًا بالتّبع من قبل المولى تعالى على نحو يكون للآمر آمريّة عليه ولا يكون مجرّد مبلّغ وناقل للكلام. ورتّبنا على ذلك استحقاقه لعقابين إن خالف الأمرين. وثالثتها ترتبط بكون المأمور النّهائيّ مأمورًا مباشرة من قبل المولى لا بالتّبع ولا موضوعيّة للواسطة بحيث لا تكون إلّا مجرّد مبلّغ وناقل على نحو لو اطّلع المأمور الأخير على أمر المولى لتنجّز في حقّه. ورابعتها هي ما أبدعه صاحب الفصول في باب أوامر الصّبيان من أنّ الأمر بالأمر في موردها يكون جعلًا للآمريّة والمولويّة للآمر من دون أن يكون هناك وظيفة إلهيّة على المأمور الأخير من قبل المولى تعالى، فلا هو مأمور بالتّبع ولا مباشرة منه تعالى. فقوله عليه السّلام "مروا صبيانكم" لا يثبت شيئًا على الصّبيّ منه تعالى وهو غير مكلّف. نعم غاية الأمر أنّه يستحقّ الصّبيّ عقوبة الآمر الثّاني أي وليّه عقلًا وشرعًا. فالشّريعة بصدد رفع القلم عن الصّبيّ بحسب الرّوايات كما عن المجنون وعن النّائم وكذا ارتكازًا عند المسلمين قاطبة بأنّ الصّبيّ لا يصير مكلّفًا بأمر وليّه من قبله تعالى. نعم قد جعل الله له في هذا السّنّ وليًّا يمنعه عن الفواحش وقتل النّفوس والخطير من الأمور ويحفظه ويؤدّبه، وهذه وظائف الوليّ وتكاليفه، فيصدر بداعيها أوامر ونواهي للصّبيّ لكن لا تكون تكاليفًا إلهيّة يُخاطب بها الولد، لذلك لو لم يأمر الأولياء أبناءهم بالصّلاة عوقبوا ولا يعاقب الأبناء سواء أمروا أم لم يؤمروا. نعم لو لم يكن للوليّ أن يعاقب الصّبيّ حال تخلّفه عن الطّاعة لوقع أمره لغوًا إذ لا يوجد جهة تلزمه. وقلنا ليس ببعيد أن تكون أوامر المولى العرفيّ من هذا القبيل، فالعبد المملوك ليس بمكلّف إلهيًّا بتكاليف مولاه ولا يعاقب على مخالفتها إلّا أنّ لمالكه أن يعاقبه.

وقد فصّل صاحب الفصول كلامه تارة بحسب اللّغة وأخرى بحسب العرف.

أمّا بحسب اللّغة، فلا دلالة للأمر بالأمر على الأمر الشّرعيّ إذا كان الآمر واجب الاتّباع والإطاعة عرفًا أو شرعًا، أي حيث يكون للآمر مولويّة سابقة على أمره بالأمر، فهنا يتأتّى منه الأمر اللّغويّ الّذي قد شرط بالعلوّ ولا يتوقّف صدق الأمر على أمره على جعل المولويّة له. وبالتّالي لا يكون المأمور الأخير مأمورًا من قبل الآمر الأوّل بالضّرورة بل قد لا يكون الآمر الأوّل موافقًا على مولويّته ولا قابلًا لآمريّته.

وتارة لا يكون للآمر مقام الآمريّة والمولويّة، فهنا حالتان: الأولى أن يكون المأمور الأوّل واسطة في نقل بيانات المولى وذلك كما لو أمره المولى بغير مادّة الأمر فقال له "قل لأزواجك" مثلًا؛ الثّانية أن يكون المأمور الأوّل آمرًا بالجعل الشّرعيّ من دون آمريّة في رتبة سابقة ويكون الأمر بالأمر حينئذٍ أمرًا.

كلّ ما مرّ كان بحسب اللّغة وعنى بذلك مقام الثّبوت؛ أمّا في مقام الإثبات وما عبّر عنه بحسب العرف فالأمر بالأمر بالشّيء أمر بذلك الشّيء ويكون الآمر الثّاني واسطة في الإبلاغ والإيصال سواء قد أمر بمادّة الأمر أو بصيغتها أي بمادّة أخرى. وعليه فعلى خلاف ما ذهب إليه الشّيخ الآخوند من كون الأمر بالأمر بشيء مجمل في مفاد الأمر بذلك الشّيء، رأى صاحب الفصول عدم الإجمال وكون الأمر بالأمر أمرًا.

وبرأي شيخنا الأستاذ، الأمر بالأمر يفيد الأمر بذلك الشّيء إلّا أن يكون هناك قرينة صارفة عن هذا الظّهور كما في مورد الصّبيّ والمملوك. أمّا مثلًا في مورد أمر الحاكم أو الوليّ الفقيه وإن كان يحتمل أن لا يكون أمره أمرًا مولويًّا ولكن لا قرينة على ذلك في المقام، فالظّاهر هو كون أمره أمرًا من الشّارع.

 

الأمر بعد الأمر: الأمر بالمتماثلين:

إذا وجدت روايتان تأمران بشيء واحد أو آية ورواية، فهل في المورد ظهور في تعدّد التّكليف بحيث إنّ الشّارع قد جعل وجوبين؟ فهل كلاهما تأسيس أم أحدهما تأسيس والآخر تأكيد وتكرار؟

نسبة هذا البحث لبحث تداخل الأسباب والمسبّبات نسبة الصّغرى للكبرى، فإن كان تأسيس فهو صغراه وإلّا فلا علاقة له.

 

برچسب ها: الأمر بالأمر

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است