المقدمة الموصلة (الدرس ۸۲)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كان الكلام أخيرًا في الوجه الرّابع لإثبات كون الوجوب مختصًّا بالمقدّمة الموصلة، ومفاده أنّ المقدّمة غير الموصلة قابلة للتّحريم بلا إشكال، وإمكان تحريمها ينافي وجوب مطلق المقدّمة، إذ يكون تحريمها على خلاف حكم العقل الّذي لا يقبل التّخصيص. وقد نسب البعض هذا الوجه إلى السّيّد اليزديّ صاحب العروة الوثقى.

أجاب الشّيخ الآخوند عليه بجوابين:

أوّلًا:[1] إنّ عروض الوجوب الغيريّ على المقدّمة مشروط بعدم حرمتها بحيث تكون الحرمة مانعة عن عروض الوجوب، وهذا قيد ملحوظ من أوّل الأمر. ولذلك بقيت المقدّمة غير المنحصرة على حرمتها ولم نقل بوجوبها. إنّ مطلق المقدّمة محقّقة للغرض وحيث أُتي بها سقط الأمر، لكن تارة بالموافقة وأخرى بتحقّق الغرض. كما في فرض كونها محرّمة غير منحصرة، لأنّه وإن كان في مطلق المقدّمة اقتضاء الاتّصاف بالوجوب لكن لا تتّصف به إلّا الخالية عن المانع أي غير المحرّمة.

فإذا تبيّن هذا لم يكن سبيل من هذا الوجه إلى إبطال وجوب مطلق المقدّمة، إذ ليس الوجوب لمطلق المقدّمة مطلقًا سواء كانت محرّمة أم لم تكن، بل هو مقيّد بعدم كونها واجدة للمانع أي عدم كونها محرّمة. وهذا القيد كان قد بيّنه الشّيخ الآخوند في الرّدّ الثّالث من الرّدود الثّلاث الّتي ذكرها قبل بيان استدلال صاحب الفصول على مدّعاه، حيث اعتبر هناك أنّه لا محيص عن أن يكون محقّق الغرض متّصفًا بالوجوب إن كان خاليًا عن المانع وهو الحرمة.[2] والمقام من فرض عدم الخلو عن المانع أي الاتّصاف بالحرمة، إذ إنّ الفرض أنّ المقدّمة محرّمة على نحو غلّب الشّارع المفسدة الّتي فيها على مصلحة التّمكين من ذيها، فحكمها بالحرمة الفعليّة ومعها يحصل الغرض لكن لا يحصل الاتّصاف بالوجوب أي لا يقع الفعل المأتيّ به مصداقًا للواجب المقدّميّ.

ثانيًا:[3] أجاب بجواب هو من عجائب الدّهر؛ محصّله: إنّ أصل هذا التّحريم ممنوع وغير ممكن، لأنّه ينتهي إلى الأمر بتحصيل الحاصل بالأمر النّفسيّ. إذ إنّ وجوب ذي المقدّمة فرع جواز مقدّمة ما، وإلّا للغا وانتفى وجوب ذي المقدّمة، لأنّ معنى عدم جواز مقدّمة ما هو حرمة كلّ أفراد المقدّمة الممكّنة من الاتيان بذي المقدّمة، فما معنى أن يؤمر بذي المقدّمة حينها؟ هل يمكن أن يأمر المولى بإنقاذ النّفس المحترمة ثمّ يحرّم جميع المقدّمات والطّرق المؤدّية إلى الاتيان بذلك؟ هذا خلف كون الإنقاذ مطلوبًا له. إذا كان الوجوب المقدّميّ منصبًّا على خصوص المقدّمة الموصلة دون سواها، لانتهى الأمر إلى كون جواز المقدّمة فرع تحقّق ذي المقدّمة، لأنّه ما لم يؤت بذي المقدّمة لما خرجت المقدّمة عن الحرمة إلى الوجوب. وهذا معناه أنّ وجوب ذي المقدّمة متوقّف على جواز المقدّمة  والأخير متوقّف على تحقّق ذي المقدّمة الّذي يساوي الإيصال، ومع عدم تحقّق ذي المقدّمة فالمقدّمة غير جائزة ولا مشروعة بل محرّمة. على هذا، توقّف وجوب ذي المقدّمة على تحقّق ذي المقدّمة؛ فما معنى إيجاب ما قد حصل وتحقّق؟ وهل هذا إلّا أمر بتحصيل الحاصل وإيصال الواصل؟[4]

وردّ شيخنا الأستاذ هذين الجوابين بدءًا من الثّاني ثمّ الأوّل:

أمّا الرّدّ على الثّاني: فصحيح قوله بتفرّع وجوب ذي المقدّمة على جواز ومشروعيّة مقدّمة ما، وأنّه لا تصحّ مطلوبيّة ذي المقدّمة مجتمعة مع حرمة جميع مقدّماته، إذ هذا خلف مطلوبيّته. لكن كيف صار وجوب المقدّمة منوطًا بالاتيان بذي المقدّمة؟ هذا خلط بين شرط الوجوب وشرط الواجب، إذ تحقّق ذي المقدّمة شرط اتّصاف الفعل المقدّميّ بالوجوب أي بكونه مصداقًا للواجب، مع كون الوجوب المقدّميّ على إطلاقه لم يقيّد بتحقّق ذي المقدّمة، وكذا الوجوب النّفسيّ لم يقيّد بتحقّق متعلّقه. إنّ وجوب ذي المقدّمة ثابت قبل تحقّقه وكذا وجوب المقدّمة، غاية الأمر أنّ المولى قيّد المقدّمة واجبة الامتثال بكونها توأمًا لحصول ذي المقدّمة، بحيث يتوقّف كونها مصداقًا على التصاقها بذي المقدّمة وجودًا وبالحمل الشّائع. ثمّ إنّ المكلّف قبل الاتيان بالمقدّمة وبذيها يكون متمكّنًا من الاتيان بالمقدّمة الموصلة أي بالمقدّمة المحلّلة وليس تمكّنه منوطًا بتحقّق ذي المقدّمة بحيث ما لم يحقّق ذوها لم تتّصف المقدّمة بالوجوب بل ولا بالجواز وشُملت بالحرمة؛ نعم ما أنيط بتحقّق ذي المقدّمة هو اتّصاف المقدّمة الواقعة بأنّها مصداق الواجب. فأين الأمر بتحصيل الحاصل؟

مغالطة الشّيخ الآخوند تنطوي على خلط بين المتوقّف والمتوقّف عليه فجعل وجوب ذي المقدّمة متوقّفًا على وجوب المقدّمة والأخير متوقّفًا على تحقّق ذي المقدّمة. والصّحيح أنّ اتّصاف المقدّمة بكونها مصداقًا للواجب متوقّف على تحقّق ذي المقدّمة. فيما يبقى وجوبا المقدّمة وذيها على إطلاقهما مع قولنا بتبعيّة الغيريّ للنّفسيّ في الإطلاق والاشتراط.

نعم لو كان وجوب ذي المقدّمة مشروطًا بتحقّق المقدّمة لكان جاء هذا المحذور، لكن وجوب ذي المقدّمة مشروط بإمكانيّة مقدّمة ما على نحو تنتهي بتحقّق ذيها. فالكلام كلّه في شرط الواجب وماهيّته لا في شرط الوجوب فإنّه على إطلاقه.

وأمّا الردّ على الأوّل: فإنّ تسليمه بإمكان تحريم المقدّمة معتذرًا بكونه قيَّد من أوّل الأمر وجوب مطلق المقدّمة بعدم كونها محرّمة، فإنّ الحرمة مانعة عن الاتّصاف بالوجوب، هو خروج عمّا تبنّاه وهدم لمسلكه رأسًا. إذ الثّمرة الوحيدة لما ذهب إليه تظهر بحسبه في المقدّمة المحرّمة المنحصرة للواجب النّفسيّ والّتي لم توصل إلى ذي المقدّمة، فهي عنده وقعت واجبة لا محرّمة ولو لم توصل، وعند القائلين بوجوب المقدّمة الموصلة وقعت محرّمة لا واجبة. وذلك في قوله إنّ الدّخول في الأرض المغصوبة لأجل الإنقاذ والإطفاء يقع واجبًا على القول بوجوب مطلق المقدّمة على خلاف تقييدها[5]. ولكن بردّه هذا رجع عن الثّمرة الّتي قرّرها، فالمقدّمة المنحصرة المحرّمة هنا وهي غير الموصلة في الفرض، بقيت على حرمتها وامتنع اتّصافها بالوجوب، وفي الحقيقة قد ارتكب صاحب الكفاية هنا مغالطة قبيحة.[6]

فنقول إذا قبل الشّيخ الآخوند بإمكان تحريم المقدّمة غير الموصلة ثبوتًا، فإنّ البحث كلّه سينتقل إلى مقام الإثبات لنبحث عن وجود دليل حرّم المقدّمة غير الموصلة. وفرض الثّمرة هي المقدّمة المنحصرة المحرّمة غير الموصلة، وهو في الحقيقة فرض لا يحتاج إلى بحث عن دليل يثبت الحرمة بل إطلاق دليل حرمتها يشمل مورد ما لو لم توصل إلى ذيها وهو كافٍ للقول بعدم اتّصاف المقدّمة المحرّمة المنحصرة غير الموصلة بالحرمة، وعليه خلا مبناه من أيّ ثمرة وفائدة ورجع على مستوى النّتيجة إلى القول بوجوب المقدّمة الموصلة وهي الحصّة الّتي تكفي عند العقل لصحّة إيجاب ذي المقدّمة.[7]

بهذا تبيّن أنّ كلّ الوجوه الّتي ردّ الشّيخ الآخوند بها كلام صاحب الفصول غير تامّة.

هذا، وقد انقدح وجه آخر لدى المحقّق النّائينيّ من الرّدّ الثّاني لصاحب الكفاية على الدّليل الثّالث لصاحب الفصول؛ وهنا لا بدّ من تذكير سريع بالوجه الثّالث وبالرّدّ الثّاني ليتّضح الوجه الجديد الّذي قرّبه المحقّق النّائينيّ.

أمّا الوجه الثّالث من الوجوه الّتي استدلّ بها صاحب الفصول على اشتراط الموصليّة فمفاده: أنّ ما طلب لأجل غرض معيّن لا يقع مطلوبًا إذا انفكّ عن ذلك الغرض وقوعًا، أي إنّ المقدّمة المطلوبة لأجل التّوصّل فقط لا تقع مصداقًا للواجب ما لم يترتّب عليها غرضها وهو التّوصّل وترتّب ذيها[8].

وأمّا جواب الشّيخ الآخوند فهو أوّلًا إنّ الغرض هو التّمكّن لا التّوصّل، وثانيًا إنّ ما يكون غاية لا يصحّ أن يكون قيدًا وإلّا لصار تحقّق القيد مقدّمة لتحقّق المقيَّد أي لصار تحقّق ذي المقدّمة وهو الغاية قيدًا لتحقّق المقدّمة، فتطلب المقدّمة ذاها بطلب غيريّ كما يطلبها هو بطلب غيريّ كذلك، وهذا من انقلاب وانعكاس التّفاعل ونتيجته صيرورة ذي المقدّمة مقدّمة لمقدّمته، والحال أنّ وجوب المقدّمة إنّما ينشأ ويترشّح ويتدلّى عن وجوب ذيها. وأضاف بأنّ في المقام خلطًا بين الجهة التّقييديّة والجهة التّعليليّة.[9]

أمّا ما انتهى إليه المحقّق النّائينيّ فهو تتميم لكلام الشّيخ الآخوند بحيث جرّ الإشكال إلى ترتيب محذورين فاسدين هما الدّور والتّسلسل[10]. أمّا الدّور فبيانه: إذا توقّف وجوب المقدّمة على تحقّق ذيها استلزم ذلك توقّف وجوب ذيها على وجوبها مع أنّ وجوبها متوقّف على وجوب ذيها، فتوقّف وجوب ذي المقدّمة على نفسه، وهو محال. وأمّا التّسلسل فبيانه: إذا كان الواجب هو المقدّمة الموصلة، فإنّها تتوقّف على جزءيها أي ذات المقدّمة وترتّب ذي المقدّمة. وننقل الكلام إلى ذات المقدّمة والّتي تقع مقدّمة للمقدّمة الموصلة وهي أيضًا لا بدّ أن تكون موصلة إلى ذيها أي المقدّمة الموصلة الأولى، فصارت مقدّمة المقدّمة ذات جزءين أيضًا أحدهما ذاتها والآخر قيد موصليّتها. وننقل الكلام مجدّدًا إلى ذات المقدّمة والّتي لا بدّ أن تكون بدورها موصلة لوقوعها مقدّمة لمقدّمة المقدّمة وهلّم جرًّا حتّى تترتّب وجوبات لا متناهية على وجوب المقدّمة الموصلة، وهذا محال.[11]

 

 

[1]  أنظر الكفاية،ج1،ص169:"ضرورة أنّه وإن لم يكن الواجب منها حينئذٍ غير الموصلة إلّا أنّه ليس لأجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدّمة بل لأجل المنع عن غيرها المانع عن الاتّصاف بالوجوب ها هنا كما لا يخفى".

[2]  المصدر نفسه،ص165:"ولكن لا محيص عن أن يكون ما يحصل به الغرض من الفعل الاختياريّ للمكلّف متعلّقًا للطّلب في ما لم يكن فيه مانع وهو كونه بالفعل محرّمًا؛ ضرورة أنّه لا يكون بينهما تفاوت أصلًا، فكيف يكون أحدهما متعلّقًا له فعلًا دون الآخر؟".

[3]  المصدر نفسه:"مع أنّ صحّة المنع عنه [عنها:أي المقدّمات] كذلك نظرًا، وجهه أنّه يلزم أن لا يكون ترك الواجب حينئذٍ مخالفة وعصيانًا لعدم التّمكّن شرعًا منه؛ لاختصاص جواز مقدّمته بصورة الاتيان به".

[4]  [بيان آخر: لا نسلّم صحّة المنع عن المقدّمات غير الموصلة لاستلزام ذلك للازم فاسد وهو تحصيل الحاصل؛ وبيانه: إنّ هذا الفرض ينتج كون كلّ المقدّمات غير الموصلة محرّمة وغير جائزة ولا يجب إلّا ما كان مقرونًا منها بالتّوصّل. لكن هذا الفرض الّذي تجب فيه المقدّمة وهو فرض كونها مقرونة بالتّوصّل هو إنّما يحصل بعد تحقّق المقدّمة وكذا ذيها، إذ لا معنى لترتّب ذي المقدّمة إلّا بعد تحقّق المقدّمة وهذا معنى كونها مقدّمة له. ففرض حصول ذي المقدّمة ملازم لحصول المقدّمة، وهنا بحسب صاحب الدّليل تتّصف المقدّمة بالوجوب أي في ظرف ترتّب ذي المقدّمة عليها لكنّه ظرف لتحقّقها كما ترى، فكيف يُدعى بالوجوب المولويّ إلى تحصيل ما هو حاصل من مقدّمة؟ إذا عرفت هذا نقول إنّ اللّازم لهذا هو عدم تعلّق الوجوب بشيء من المقدّمات، أمّا غير الموصلة فلأجل التّحريم وأمّا الموصلة فلأنّ إيجابها من تحصيل الحاصل الفاسد.(المقرّر)].

[5]  أنظر الكفاية،ج1،ص162:"فيقع الدّخول في ملك الغير واجبًا إذا كان مقدّمة لإنقاذ غريق أو إطفاس حريق واجب فعليّ لا حرامًا".

[6]  [إنّ النّفس لا تركن إلى حمل كلام الشّيخ الآخوند على هذا الوجه، كيف وهو في الصّفحة الواحدة حكى تارة مانعيّة الحرمة عن الاتّصاف بالوجوب وأخرى عدم مانعيّتها. وليس ذلك إلّا لتفصيله بين كون ملاك الحرمة هو الأهمّ مرّة وملاك الوجوب هو الأهمّ أخرى. ففي مثال إنقاذ النّفس ينكسر ملاك حرمة الدّخول في أرض الغير أمام غلبة ملاك وجوب إنقاذ النّفس، لكنّه ليس القرار أن يُغلب دائمًا ملاك الحرمة فتنكسر أمام مطلق بعث غيريّ من أي ذي مقدّمة، بلا فرق بين كونها منحصرة أو لا، فالمناط هو على الغلبة. وفي فرض الاستدلال لا بدّ من الذّهاب إلى أنّ الحرمة الّتي وقعت محلًّا لالتفات المولى وعنايته هي ذات ملاك غالب، فنقرن إمكان تحريم المقدّمة غير الموصلة بمناط كونها ملاكها المقدّميّ أضعف من كلّ ما سواه من ملاكات، وإنّما تقوم لها قيامة فتغلب وتكسر في مورد الإيصال. وينتج عن ذلك القول بأنّ الثّمرة على ما هي عليها إلّا في مورد تكون الحرمة أقوى ملاكًا فلا يقوى ملاك التّمكّن على رفعها، وهناك خاصّة تتساوى المباني في النّتيجة، وما لم تكن كذلك بقي التّمكّن رافعًا للحرمة بلا قصد توصّل ولا إيصال بالفعل. على هذا لا ينهدم ما شيّده صاحب الكفاية باِتقان وصناعة عالية.(المقرّر)].

[7]  [بناء على التّعليق السّابق، ما انخرم بردّه هنا لا يساوي ثمرة مبناه، فإنّ مبناه أثمر ارتفاع الحرمة اللّولائيّة إن لم تكن غالبة جمعًا لكلماته.(المقرّر)].

[8] الكفاية،ج1،ص166.

[9]  المصدر نفسه،ص168-169.

[10]  [بيّن شيخنا الأستاذ في درسه الإشكال على نحو يكون الموقوف والموقوف عليه هو الوجوب وهو ما صوّره المحقّق النّائينيّ أوّل الأمر ثمّ عدل عنه لكون الظّاهر أنّ وجود ذي المقدّمة ليس من شروط وجوب المقدّمة بل هو من شروط واجبها. من هنا عدل إلى تصوير الدّور مع كون الموقوف والموقوف عليه هو وجود ذي المقدّمة.(المقرّر)].

أنظر الفوائد،ج1،ص290:"فإنّ اعتبار التّوصّل إن أُخذ قيدًا للوجوب، فيلزم أن يكون وجود ذي المقدّمة من شرائط وجوب المقدّمة لأنّ قيديّة التّوصّل إنّما تحصل بحصول ذي المقدّمة، وهو كما ترى يكون أردأ من طلب الحاصل، إذ يلزم أن يتأخّر الطّلب عن وجود المقدّمة وعن وجود ذيها المتأخّر عن وجودها، ولكنّ الظّاهر أن لا يكون هذا مراد صاحب الفصول، لأنّه يصرّح بأنّ التّوصّل يكون قيدًا للواجب لا للوجوب فلا يرد عليه ما ذكرنا.

نعم يرد عليه: أنّه يلزم حينئذٍ أن يكون وجود ذي المقدّمة من شرائط وجود المقدّمة وإن لم يكن من شرائط وجوبها، إلّا أنّه لا فرق في الاستحالة، ضرورة أنّه لا يعقل أن يكون وجود ذي المقدّمة من شرائط وجود المقدّمة لاستلزامه الدّور، فإنّه يلزم أن يكون وجود كلّ من المقدّمة وذي المقدّمة متوقّفًا على الآخر".

[11] المصدر نفسه:"هذا مضافًا إلى أنّه يلزمه القول بمقدّميّة الذّات أيضًا، فإنّ المقدّمة ح تكون مركّبة من أمرين: أحدهما الذّات والآخر قيديّة التّوصّل، ولو على وجه دخول التّقييد وخروج القيد، فتكون الذّات مقدّمة لحصول المقدّمة المركّبة، كما هو الشّأن في جميع أجزاء المركّب حيث يكون وجود كلّ جزء مقدّمة لوجود المركّب. مثلًا لو كان الوضوء الموصل إلى الصّلاة مقدّمة أو السّير الموصل إلى الحجّ مقدّمة، فذات الوضوء والسّير يكون مقدّمة للوضوء الموصل والسّير الموصل، وإن اعتبر قيد الإيصال فيه أيضًا يلزم التّسلسل. ولا محيص بالآخرة من أن ينتهي إلى ما يكون الذّات مقدّمة".

برچسب ها: المقدمة الموصلة

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است