اقتضاء الامر بالشیء للنهی عن ضده (الدرس ۹۹)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

نشرع بعونه تعالى في مسألة اقتضاء الأمر بالشّيء للنّهي عن ضدّه وهي من المسائل المهمّة والأقوال فيها متعدّدة. ويقع البحث فعلًا في جهتين الأولى ترتبط بالضّدّ الخاصّ والثّانية بالضّدّ العامّ كما أشار الشّيخ الآخوند في الأمر الأوّل، دافعًا من أوّل الكلام توهّم اختصاص البحث بأحدهما دون الآخر. تعرّض الشّيخ الآخوند لبيان المسألة على أمور:

أمّا الأمر الأوّل فقد بيّن فيه الشّيخ الآخوند مفردات الإشكاليّة. فذكر أنّ المراد من الاقتضاء الجائي في عنوانها ما يشمل العينيّة وكذا الجزئيّة واللّزوم، أي إنّنا نبحث في المقام عن أنّ الأمر بالشّيء هل هو بعينه نهي عن الضّدّ أم أنّ النّهي جزء معناه أم أنّه ملازم له، والتّلازم الأخير هذا أعمّ من كونه بمعنى المقدّميّة أو بمعنى الاستلزام كما سيأتي بيانه. على أنّ التّفصيل على هذا النّحو يرد في الجملة لا بالجملة فبعضه يتأتّى في البعض ولا يتأتّى في البعض الآخر، فإنّه مثلًا لا يقال بالعينيّة ولو احتمالًا في الضّدّ الخاصّ. ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ البحث في الاستلزم هو بحث في الاسلتزام العقليّ لا في الدّلالة الالتزاميّة للّفظ وإن كان يمكن أن ينتهي إليه، أي إنّ البحث عقليّ على وزان ما سلكنا في بحث الملازمة في بحث مقدّمة الواجب.[1]

وأمّا الأمر الثّاني،[2] فقد استعجل الشّيخ الآخوند فيه الدّخول في المطلب العمدة للقائلين بالاقتضاء، وهو معالجة القول بمانعيّة فعل الضّدّ لفعل ضدّه وبالتّالي مقدّميّة ترك الضّدّ لفعل ضدّه.

ولنقدّم مثالًا نطرح على أساسه الإشكاليّة: لو فرضنا ثبوت وجوب للصّلاة أوّل الزّوال أي حال السّعة في أدائها وفرضنا ثبوت وجوب إزالة للنّجاسة مع فرض شرط الفوريّة في امتثاله، ولو فوريّة مستفادة من مناسبات الحكم والموضوع لا من حاقّ الأمر. فإذا أراد المكلّف الاشتغال بالصّلاة وترك الإزالة فهل تقع صلاته صحيحة أم لا؟ فهل ضدّ الإزالة أي فعل الصّلاة منهيّ عنه من باب اقتضاء وجوب الشّيء تحريم الضّدّ؟ والحرمة حرمة تكليفيّة غيريّة لا حرمة وضعيّة، فهل تقتضي الحرمة الغيريّة الفساد؟

ومن ثمرات بحث الضّدّ التّصحيح على التّرتّب لكنّه إنّما يُفرض حال عدم كون الصّلاة منهيًّا عنها، أمّا إن نهي عنها فلا يمكن تصحيحها. وبالتّالي، إن لم يؤمر بالصّلاة وسقط أمرها لكن من دون النّهي عنها، أمكن تصحيحها على التّرتّب.

وتوهّموا _كما عبّر الشّيخ الآخوند استباقًا لبيان رأيه في المسألة_ أنّ فعل الإزالة يتوقّف على ترك الضّدّ كمقدّمة، فعدم الضّدّ مقدّمة لفعل ضدّه، فلا بدّ من معالجة المقدّميّة أوّلًا لنعرف هل فعل الصّلاة مانع عن فعل الإزالة وبالتّالي ترك الصّلاة مقدّمة للإزالة؟

إنّ نكتة الالتزام بالمقدّميّة من قِبل القائلين بها هي التّمانع والتّضادّ بين الإزالة والصّلاة، بحيث إنّ عدم المانع جزء من أجزاء العلّة التّامّة لأنّ وجود المعلول متوقّف على وجود المقتضي وعدم المانع. فإذا كان فعل الصّلاة مانعًا عن الإزالة فعدم فعلها هو عدم المانع الّذي به تتمّ أجزاء علّة وجود الإزالة. أي إنّ عدم الصّلاة مقدّمة وجزء علّة فعل الإزالة، فيتّصف هذا العدم بالوجوب الغيريّ المقدّميّ على أساس القول بالملازمة بين وجوب الشّيء ووجوب مقدّمته، فالإزالة واجبة نفسيًّا ومقدّماتها واجبة غيريًّا ومنها عدم الصّلاة. وإذا كان عدم الصّلاة واجبًا، فإنّ فعل الصّلاة محرّم لأنّه كما سيأتي هو ضدّ عام أي نقيض لعدم الصّلاة، ففعل الصّلاة عدم العدم أي ترك التّرك. والأمر بالشّيء يستلزم النّهي عن ضدّه العام أي الأمر بالإزالة يسلتزم النّهي عن عدم عدم الصّلاة ومصداقه فعلها، والضّدّ العامّ هو النّقيض فقد يكون وجوديًّا وقد يكون عدميًّا كما هو واضح.

على هذا ظهر أنّهم رتّبوا النّتيجة على مقدّمات محصّلها: 1- أصل وجود التّضادّ بين الإزالة والصّلاة بحيث لا يجتمعان امتثالًا؛ 2- توقّف الشّيء على عدم مانعه لأنّه من أجزاء علّته، فعدم ضدّ الشّيء جزء علّة وجود ضدّه، أي عدم الصّلاة جزء علّة وجود الإزالة؛ 3- القول بالملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها، وبالتّالي إذا وجب الإزالة وجبت علّتها الّتي تتوقّف عليها ومنها عدم المانع أي عدم الصّلاة. فعدم الصّلاة واجب بوجوب مقدّميٍّ؛ 4- وجوب الشّيء يستدعي حرمة الضّدّ العامّ أي النّقيض، فإذا وجب عدم الصّلاة حرم فعل الصّلاة لأنّه مصداق نقيضه؛ وبالتّالي فوجوب الشّيء يستدعي النّهي عن ضدّه الخاصّ.

جواب الشّيخ الآخوند على هذا الاستدلال يبتني على إنكار المانعيّة وبالتّالي المقدّميّة، فعدم الصّلاة ليس عدم المانع بالنّسبة للإزالة، وبالتّالي ليس عدم الصّلاة بمقدّمة للإزالة ليكون واجبًا بوجوب غيريّ وتصل النّوبة إلى النّهي عن ضدّه العامّ، وذلك لثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل:[3] إنّ عدم الصّلاة يصاحب ويلازم الإزالة، لأنّ وقوع الإزالة لا ينفكّ عن عدم الصّلاة لأجل التّضادّ المفروض. لكنّ الاستلزام أعمّ من المقدّميّة والعلّيّة، أي وإن ثبتت الملازمة وعدم انفكاك وقوع الإزالة عن عدم الصّلاة لكنّ هذا لا يساوي القول بالمقدّميّة وبكون عدم الصّلاة علّة للإزالة من باب المقدّميّة، إذ من المتلازمين معلولا علّة واحدة مع أنّه لا علّيّة بينهما. فالصّحيح أن نقول نعم، إنّ بين عدم الصّلاة والإزالة ملازمةً لكنّها غير علّيّة بل يتلازمان وجودًا ولا ينفكّان دون أن يكون أحدهما علّة للآخر أو دخيلًا في إيجاده. وكيف يمكن أن تُتصوّر علّيّة بين عدم الصّلاة وفعل الإزالة، والحال أنّه من جهة: بين فعل الإزالة وبين عدم الضّدّ أي عدم الصّلاة كمال الملاءمة _أي لا تضادّ ولا تنافر بينهما_، ومن جهة أخرى: عدم الصّلاة في رتبة الصّلاة لانّ النّقيضين في رتبة واحدة. فإذا فُرض عدم الصّلاة وفعل الصّلاة في رتبة واحدة وفُرض فعل الصّلاة في رتبة فعل الإزالة لأنّه يضادّها، إذ كما يقتضي التّناقض وحدة المرتبة فكذلك التّضادّ. فهذا يقتضي أن يكون مساويا فعل الصّلاة في المرتبة متساويين وفي مرتبة واحدة، أي إنّ فعل عدم الصّلاة والإزالة متساويان رتبة، لأنّ مساوي المساوي مساوٍ  ولا يصحّ فرضه غير ذلك وإلّا لاختلّت المساواة من رأس وهذا خلف. فكيف يمكن فرض عدم الصّلاة مقدّمة للإزالة مع أنّ المقدّميّة تقتضي التّقدّم الرّتبيّ في حين أنّنا بيّنّا تساويهما رتبة؟ وهل هذا إلّا من اجتماع النّقيضين بحيث يكون المساوي لا مساويًا؟

إذا عرفت هذا، تبيّن أنّ عدم الضّدّ ليس مقدّمة لفعل ضدّه، فعدم الصّلاة ليس مقدّمة لفعل الإزالة، وبانتفاء المقدّميّة تنتفي المانعيّة من جهة وجود الضّدّ لوجود ضدّه. نعم، الإزالة لا تنفكّ عن ترك الصّلاة بحيث لا يجتمع فعل الإزالة وفعل الصّلاة في التّحقّق، لكن هذا شيء وكون ترك الصّلاة علّة لفعل الإزالة شيء آخر. وتبيّن أنّ نكتة ردّ كلامهم على هذا الوجه الأوّل هو اتّحاد رتبة فعل الصّلاة وتركها.

 

[1]  أنظر الكفاية،ج1،ص182:"فيه أقوال: وتحقيق الحال يستدعي رسم أمور: الأوّل: الاقتضاء في العنوان أعمّ من أن يكون بنحو العينيّة أو الجزئيّة أو اللّزوم _من جهة التّلازم بين طلب أحد الضّدّين وطلب ترك الآخر أو المقدّميّة_ على ما سيظهر. كما أنّ المراد بالضّدّ ها هنا هو مطلق المعاند والمنافي وجوديًّا كان أو عدميًّا".

[2]  المصدر نفسه:"الثّاني: أنّ الجهة المبحوث عنها في المسألة وإن كانت أنّه هل يكون للامر اقتضاء بنحو من الانحاء المذكورة إلّا أنّه لمّا كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضّدّ الخاصّ إنّما ذهبوا إليه لأجل توهّم مقدّميّة ترك الضّدّ، كان المهمّ صرف عنان الكلام في المقام إلى بيان الحال وتحقيق المقال في المقدّميّة وعدمها، فنقول وعلى الله الاتّكال:

إنّ توهّم توقّف الشّيء على ترك ضدّه ليس إلّا من جهة المضادّة والمعاندة بين الوجودين، وقضيّتها الممانعة بينهما ومن الواضحات أنّ عدم المانع من المقدّمات".

[3]  المصدر نفسه:"وهو توهّم فاسد؛ وذلك لأنّ المعاندة والمنافرة بين الشّيئين لا تقتضي إلّا عدم اجتماعهما في التّحقّق وحيث لا منافاة أصلًا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله _بل بينهما كمال الملاءمة_ كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما ه بديله في مرتبة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدّم أحدهما على الآخر كما لا يخفى. فكما أنّ المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدّم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر كذلك في المتضادّين".

برچسب ها: نهی از ضد, ضد عام, ضد خاص

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است