الترتب (۱۹ ربیع الاول ۱۴۴۴)

تحصّل عدم تماميّة مناقشة المحقّق النّائينيّ في تصحيح حمل الموارد المنصوصة كالإتمام محلّ القصر والجهر محلّ الإخفات على التّرتّب. وذكرنا مأخذين لشيخنا الأستاذ في ردّ كلامه حاصلهما: أنّه يكفي في صحّة التّكليف رفع اللّغويّة وهذا يحصل ولو بالعلم بالتّكليف وموضوعه بعد العمل؛ وأنّه يكفي الاحتمال المنجّز في المزاحمة ليكون التّكليف المحتمل بالاحتمال المنجّز والتّكليف المعلوم متزاحمين وليتأتّى الحديث عن التّرتّب كما في موارد العلم الإجماليّ.

وأمّا المأخذ الثّالث فهو: أن يقال بأنّه يكفي الاحتمال في المقام ولو غير المنجّز فيترتّب الحكم على ترك التّكليف المحتمل سواء باحتمال منجّز كالمقرون بعلم إجماليّ أو باحتمال غير منجّز كما في الشّبهات البدويّة بعد الفحص. نعم، غاية الأمر أنّه لا يصدق العصيان في مورد عدم تنجيز الاحتمال لكن يكفي ترك الأمر ولو بلا عصيان ليتحقّق التّرتّب كما ذكر السّيّد الخوئيّ.

التّنبيه الرّابع:

التّرتّب ممكن وواقع، وأساس البحث كان في إمكانه بحيث متى تمّ إثباته كانت إطلاقات أدلّة الأحكام شاملة لمورده كما اعترف بذلك الشّيخ الآخوند. وهنا نريد أن نذكر طرقًا بديلة عن التّرتّب تؤدّي نفس نتيجته، بعضها تقدّم الكلام عليه:

الأوّل: الملاك؛ حيث وُجد الملاك كفى في تصحيح العبادة. ومن ذهب إلى كون التّرتّب غير ذي ثمرة علّل بأنّه يمكن تحصيل نتيجته بالملاك. لكن مشكلة هذا الطّريق أنّه لا كاشف عن الملاك قاعدةً إلّا من خلال الأمر.

الثّاني: تصوير وجود أمرين عرضيّين (لا طوليّين كما في التّرتّب)، كالأمر بصلاة القصر وأمر آخر بالجامع بين القصر والتّمام؛ بحيث من صلّى التّمام عصى الأمر الأوّل لكن امتثل الثّاني ومن صلّى القصر امتثل الأمرين. وهذا معقول بحسب الثّبوت وكان قد أشار إليه السّيّد الشّهيد كما مرّ إلّا أنّه مخالف لظاهر الأدلّة.

الثّالث: حيثيّة الأحكام أي تعلّق الأحكام بالعناوين يكون من حيثيّات لا من كلّ الجهات والخصوصيّات. وأشار إلى كونه تمّ بيانه في الدّورة السّابقة.

الرّابع: بيان المحقّق العراقيّ.

الخامس: الخطابات القانونيّة.

أمّا بيان المحقّق العراقيّ[1] فهو دقيق وبرأي الأستاذ إنّ الخطاب القانونيّ متفرّع على كلامه.

وحاصله: إنّنا في مقام تصحيح الأمر بالمهمّ والأهمّ يمكننا القول بأمرين عرضيّين لا طوليّين مشروطين لنعمل على تحصيل نتيجة التّرتّب بأمرين غير مشروطين مع كون هذا الطّريق موافقًا لظاهر الأدلّة على خلاف الأمر بالشّيء والأمر بالجامع بينه وبين شيء آخر.

بدأ المحقّق العراقيّ بحثه من المتزاحمين المتساويين وذكر ثلاث صور يمكن جعل التّكليف بهما عليها:

الأولى: أن يقيّد الطّلب والوجوب الأوّل بعدم امتثال الثّاني والثّاني بعدم امتثال الأوّل؛ فيقيّد وجوب إنجاء زيد بعدم إنجاء عمرو ووجوب إنجاء عمرو بعدم إنجاء زيد.

الثّانية: أن تقيّد المطلوبيّة لا الطّلب والواجب لا الوجوب؛ كما في تقييد الصّلاة بالطّهارة الّتي هي شرط صحّة الصّلاة ووقوعها على وجه المطلوبيّة وليست شرطًا للأمر بالصّلاة.

الثّالثة: تمييزهما على وجوبين كلّ منهما ناقص في المتزاحمين المتساويين وأحدهما تامّ والآخر ناقص في التّزاحم بين الأهمّ والمهمّ. وهذا يبتني على تقسيم الوجوب إلى نوعين: تامّ وناقص. ومعنى الوجوب النّاقص: هو الوجوب الّذي يدعو إلى سدّ أبواب عدم الواجب من الجهات المختلفة إلّا بعضها؛ فتحقّق الواجب لا يكون إلّا بسدّ جميع أبواب العدم من كلّ الجهات فإن دعا الوجوب إلى سدّها جميعًا كان وجوبًا تامًّا لكن إذا استثنى الوجوب في دعوته جهة من الجهات كان ناقصًا. كما في الأمر بالإزالة حيث يدعو إلى سدّ جميع أبواب عدم الإزالة من أيّ جهة كانت حتّى من جهة فعل الصّلاة لكن في المقابل الأمر بالصّلاة هو أمر وبعث لسدّ جميع أبواب عدم الصّلاة من جهة الاشتغال بمختلف الأعمال والملهيات والواجبات إلّا من جهة الإزالة، بحيث لا يقبل الشّارع بترك الصّلاة أي بعدمها بسبب الإزالة ولو أتى به المكلّف هكذا لم يُعاقب على ترك الصّلاة. هذا الأمر الّذي يكون هذا حاله هو أمر ناقص ووجوب ناقص.

نعم إن لم يؤمر المكلّف بسدّ شيء من أبواب عدم المأمور به لم يكن مأمورًا به أصلًا بل كان كالمستحبّ المطلوب لكن الّذي قد يزاحمه أيّ شيء من مهمّ أو غير مهمّ رأسًا كطلب صلاة اللّيل الّتي لم يُدع إلى سدّ أبواب عدمها لا من جهة نوم ولا جلوس ولا...

هذا البيان مختلف بطبيعة الحال عن التّرتّب، والوجوب هنا ليس مشروطًا بل هو وجوب ناقص من حيث إنّه لا يدعو إلى سدّ جميع أبواب عدم الواجب. وبهذا البيان تحلّ كثير من المشكلات إثباتًا وثبوتًا كما أشار المحقّق العراقيّ كما في الواجبات التّخييريّة إذ لا حاجة للقول بوجوب الجامع بين الإطعام والعتق والصّوم بل كلّ خصلة بنفسها مأمور بها لكن بامر ناقص لا يدعو إلى سدّ العدم من جهة سائر الخصال وإن دعا إلى سدّه من جهات خارجة عنها؛ فالأمر بالإطعام أمر بالاتيان به وتحقيقه وسدّ أبواب عدمه المختلفة إلّا باب عدمه بوجود العتق. وهذا في الحقيقة تحصيص للعدم وقول بأنّ بعض الحصص مدعوّ إلى سدّها وبعضها لا.

والفرق بين الوجوب المشروط والوجوب النّاقص هو أنّ المشروط عند عدم شرطه بلا ملاك لذلك قالوا بأنّه لو أمكنه الاتيان بالضّدّين وفرُض المحال من الجمع بينهما لما وقعها على وجه المطلوبيّة بناء على كون كلّ منهما مشروطًا بعدم الآخر. لكن على الوجوب النّاقص سيقعان على وجه المطلوبيّة. وإذا أمكن الوجوب النّاقص لم تصل النّوبة إلى الوجوب المشروط المودي إلى شرط الواجب أيضًا.

 

[1]  أنظر نهاية الأفكار،ج1،ص367:"وثالثها:رجوعه إلى وجوب كلّ واحد منهما على التّعيين ولكنّه لا بإيجاب تامّ بنحو يقتضي المنع عن جميع أنحاء تروكه حتّى التّرك الملازم مع وجود ضدّه بل بإيجاب ناقص مقتضاه عدم المنع إلّا عن بعض أنحاء تروكه وهو التّرك في حال ترك الآخر الرّاجع إلى إيجاب حفظ الوجود في كلّ منهما من قبل سائر الجهات في ظرف انحفاظ وجوده من قبل بديله وعدم ضدّه من باب الاتّفاق، إذ الشّيء بعد أن كان له أنحاء من العدم بالإضافة إلى فوت كلّ مقدّمة من مقدّماته ووجود كلّ ضدّ من أضداده تبعًا لحدود وجوده الحاصلة بالقياس إلى وجود مقدّماته وعدم أضداده فلا جرم بعد خروج أحد تلك الأعدام من حيّز التّكليف _ إمّا لعدم القدرة أو لغير ذلك كما في المقام من فرض عدم تمكّن المكلّف من الجمع بين الوجودين_ لا يكون قضيّة التّكليف بالإيجاد حينئذٍ إلّا وجوب سدّ بقيّة الأعدام في ظرف انسداد عدمه من باب الاتّفاق من قبل بديله وضدّه، ومرجعه إلى كونه أمرًا بمتمّم الوجود لا بالوجود على الإطلاق بنحو يقتضي سدّ جميع الأعدام حتّى العدم الملازم مع وجود ضدّه ومرجع ذلك بالآخرة إلى تخصيص الواجب في كلّ منهما بما يكون ملازمًا مع عدم الآخر من دون أن يكون ذلك من جهة تقييد في الواجب ولا في الوجوب بل من جهة قصور الوجوب في نفسه حينئذٍ عن الشّمول لغير ذلك، هذا كلّه بحسب مقام التّصوّر".

برچسب ها: الترتب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است