الترتب (۲۲ ربیع الاول ۱۴۴۴)

كان الكلام في تقريب المحقّق العراقيّ في الجمع بين تكليفين متضادّين بما ينفي إشكال الجمع بينهما في الأمر.

ومحصّل الكلام: أنّ الأمر بالمهمّ ليس مشروطًا بالمعنى الاصطلاحيّ النّاشئ عن التّقييد وإن كان مشروطًا من حيث إنّه واقع في التّزاحم أي إنّ مشروطيّته ناشئة عن التّزاحم. فالوجوب المشروط:

-إمّا أن يكون مشروطًا بسبب التّقييد كما ذهب إليه من قال بالتّرتّب بحيث يتقيّد تكليف المكلّف بالمهمّ بعصيان الأهمّ، أي يدعو إلى إيجاده عند عصيان الأهمّ وإلى إفناء المهمّ قبل عصيان الأهمّ لأنّها حصّة فاقدة للشّرط؛ وبالتّالي فالوجوب المشروط يدعو إلى إفناء فاقد الشّرط سواء كان الشّرط عصيان الأهمّ كما في المقام أو الطّهارة في مثل صلّ متطهّرًا.

-وإمّا أن يكون مشروطًا بسبب التّزاحم، فحينها يدعو إلى إفناء فاقد الشّرط عند المزاحمة فقط.

وجوب الأهمّ هو وجوب تامّ بمعنى أنّه يدعو إلى سدّ جميع أبواب عدم الأهمّ فيما وجوب المهمّ وجوب ناقص بمعنى أنّه يدعو إلى سدّ أبواب عدم المهمّ من جميع الجهات إلّا من جهة الأهمّ.

ذكر المحقّق الأصفهانيّ في ذيل بحث التّرتّب تقريرًا لكلام المحقّق العراقيّ أرجع بمفاده بيان الأخير إلى الواجب المعلّق وأشكل عليه بناءً على ذلك بإشكالات ثلاثة:

الأوّل:[1] وهو خلاصة إشكال الشّيخ الآخوند على التّرتّب، إذا قلنا بأنّ الأمر بالمهمّ لا يطارد الأمر بالأهمّ لكن لا يمكننا أن نقول بأنّ الأمر بالأهمّ لا يطارد الأمر بالمهمّ، بحيث وإن كان المهمّ لا يصعد إلى رتبة الأهمّ إلّا أنّ الأهمّ ينزل إلى رتبة المهمّ كما عبّر السّيّد الصّدر.

فالمحقّق العراقيّ حصّص الأعدام ثمّ جعل الأمر بالمهمّ داعيًا إلى إعدام عدم المهمّ كالصّلاة من جميع الجهات إلّا من جهة الأهمّ أي إلّا من جهة العدم المقارن لوجود الأهمّ كالإزالة. لكنّ الأمر بالأهمّ يدعو إلى طرد عدم الإزالة ولو ذاك المقارن لفعل الصّلاة بل وهو يدعو إلى فعل الإزالة حيث يدعو المهمّ إلى الصّلاة وسدّ باب العدم من جهته.

والجواب هنا هو الجواب هناك الّذي يرتضيه المحقّق الأصفهانيّ في الرّدّ على الشّيخ الآخوند. وحاصله أنّ المشروط لا يخرج عن المشروطيّة بتحقّق شرطه وهنا الوجوب النّاقص لا يخرج عن النّاقصيّة في ظرف الدّعوة إلى الفعل وإلّا لصار تامًّا وصار مضادًّا منافيًا.

هنا وجوب فُرض في ذاته النّقصان أي إنّه لا يدعو إلى الصّلاة على حساب الأهمّ بل هو دائمًا يدعو إلى سدّ باب عدم الصّلاة إلّا من جهة الإزالة فلا أمر ولا دعوة بسدّ باب عدم الصّلاة من جهة الإزالة مطلقًا لا قبل العصيان ولا عنده. وفرض التّنافي هو خلف فرض كون الوجوب ناقصًا أي هو انتقال إلى فرض آخر يكون كلاهما تامّين.

وعلى هذا، فالوجوب النّاقص في رتبة الوجوب التّامّ لا في طوله ومتأخّرًا عنه كما على التّرتّب.

الثّاني:[2] إذا كان مقصودك هو الواجب المعلّق فلماذا تعقيد البحث باصطلاحات غريبة.

والجواب هو ما أجاب به الشّيخ الوحيد الخراسانيّ من أنّه لم يرد الواجب المعلّق بل أراد الوجوب النّاقص هذا أوّلًا. ثانيًا: المحقّق العراقيّ لا ينكر الواجب المعلّق فحتّى لو رجع هذا البيان إلى ذاك لكان معقولًا على مبناه.[3]

الثّالث:[4] الوجوب له خصائص، كالمحرّكيّة والباعثيّة وحيث وُجد وُجدت معه خصائصه. وإذا كان الوجوب المهمّ ناقصًا أي ثابتًا مطلقًا حتّى على فرض عدم عصيان الأهمّ لكنّه لا يحرّك حال وجود الأهمّ فكيف يكون وجوبًا؟ وهل هذا إلّا معنى كونه مشروطًا؟ فهو معدوم عند عدم الشّرط أي إنّه لا يدعو إلى سدّ باب عدم الصّلاة من جهة الإزالة.

والجواب: كما جاء في كلام الشّيخ الوحيد، هناك وجوب لكنّه ناقص والوجوب النّاقص يحرّك بمقدار ناقصيّته وهو لأنّه ناقص حال وجود الأهمّ لا يحرّك ولا يدعو إلى سدّ باب عدم المهمّ من جهة الأهمّ.[5]

وهناك إشكال رابع أورده الشّيخ الوحيد مفاده:[6] إن لم يكن الوجوب مشروطًا فهو مطلق، لكنّ جعل الوجوب مطلقًا في المقام لغو. إذ الغرض من الوجوب هو البعث والتّحريك وهو معطّل عند وجود الأهمّ ومتى تعطّل غرض الوجوب تعطّل وجوده وصار لغوًا. فالإطلاق لغو وكما يمتنع أن يجعل المولى حكمًا لغويًّا يمتنع الإطلاق اللّغويّ أيضًا.

وقد ورد إشكال في كلام البعض[7] مفاده أنّ المكلّف في ظرف فعل الأهمّ فلا أمر له بالمهمّ حيث يزيل فلا أمر بالصّلاة ولا يكون مأمورًا بسدّ باب عدم الصّلاة، إذ سيتزاحم الأهمّ والمهمّ. لكنّه لا تزاحم بين الأمر بمقدّمات المهمّ والأهمّ، وبالتالي لا بدّ من أن تكون مقدّمات المهمّ كالصّلاة واجبة على المكلّف عند فعل الأهمّ كالإزالة، وذلك لأنّ وجوب المقدّمة تابع لوجوب ذي المقدّمة في الإطلاق والاشتراط وحيث إنّ وجوب المهمّ مطلق فلا بدّ أن يكون وجوب المقدّمات مطلقًا. والنّتيجة غريبة عجيبة وهي كون المقدّمات واجبة فيما ذو المقدّمة ليس واجبًا.

والجواب: أنّ وجوب المقدّمة كما يتبع وجوب ذي المقدّمة إطلاقًا واشتراطًا فكذلك يتبعه نقصانًا وتمامًا. فكما أنّ وجوب ذي المقدّمة كالصّلاة واجب بوجوب ناقص فلا أمر بسدّ باب عدمه من جهة الأهمّ كالإزالة، فكذلك وجوب مقدّمته ناقص أيضًا ولا يدعو المكلّف إلى سدّ باب عدمها من جهة إزالة الأهمّ؛ فلا وجوب للمقدّمة قبل وجوب ذي المقدّمة.

والإشكال الّذي يتمّ بعد اللّتيّا والّتي برأي شيخنا الأستاذ هو: أنّ المحقّق العراقيّ قال بتقدّم بيانه على التّرتّب. والحال أنّ الوجوب المشروط خلاف الظّاهر وكذا الوجوب النّاقص خلاف الظّاهر ولا مرجّح في المقام؛ وهذا يعني أنّ القول بالتّرتّب هو قول بما يخالف الظّاهر وكذا القول بالوجوب النّاقص.

والمعيّن الّذي جاء به بالمحقّق العراقيّ لا ينفع، فهو يقول  إنّ كون الوجوب مشروطًا حيث يكون الملاك ثابتًا هو من قبيل التّخصيص فيما الوجوب النّاقص هو من قبيل التّخصّص، ومتى دار الأمر بين التّخصّص والتّخصيص تقدّم الأوّل.[8]

والجواب هو أنّه حيث لا أمر لا كاشف عن الملاك لأنّنا لا نستكشف الملاكات إلّا من حيث الأوامر. نعم لو كنّا نحرز الملاك من غير الأمر لتمّ كلامه لكنّ الفرض أنّ الكاشف عن الملاك هو الأمر لا غير. وكما أنّ الوجوب ظاهر في الإطلاق هو ظاهر أيضًا في التّماميّة ورفع اليد عن أيّ منهما هو خلاف الظّاهر.

وفي المحصّلة: كلامه معقول لكنّه لا تقدّم له على التّرتّب.

على أنّه إذا كان للخطاب القانونيّ بيان صحيح فهو بيانه على ما ذكره المحقّق العراقيّ من الوجوب النّاقص والتّامّ.

 

[1]  أنظر نهاية الدّراية،ج1،ص456:"وأمّا الحصّة الملازمة لعدم المهمّ فهي مأمور بطردها لإطلاق عدم الأهمّ لفرض الأمر بطرد عدمه بجميع حصصه ومنها الحصّة الملازمة لعدم المهمّ وهاتان الحصّتان متقابلتان لا يعقل طرد الحصّتين من الطّرفين".

[2]  المصدر نفسه:"ففيه أنّ هذا المعنى لا يتوقّف على هذا التّقريب الغريب ولا على تحليل العدم إلى حصص متعدّدة مع أنّ الواجب المعلّق فيه من المحذور ما تقدّم في محلّه".

[3]  تحقيق الأصول،ج3،ص236:"فبأنّ المحقّق العراقيّ لا يقصد إثبات المطلب عن طريق الواجب المعلّق بل يريد أنّ هنا طلبين بلا اشتراط من طرف المهمّ وأحدهما تامّ والآخر ناقص فلا علاقة للبحث بالواجب المعلّق. وبعبارة أخرى: إنّه لو أنكرنا الواجب المعلّق فما الإيراد على نظريّة المحقّق العراقيّ؟ إنّه يقول بانّ أحد الطّلبين ناقص والآخر تامّ، أمّا في الواجب المعلّق فالطّلب تامّ وليس بناقص وإنّما المتعلّق له هو الحصّة... فكم الفرق؟ هذا أوّلًا. وثانيًا: إنّ المحقّق العراقيّ من القائلين بالواجب المعلّق فالإشكال عليه من هذا الحيث مبنائيّ".

[4]  المصدر نفسه:"وفي مبحث المعلّق من أنّ الوجوب في المعلّق فعليّ لكنّه لا فاعليّة ولا محرّكيّة له فينفكّ الفعليّة عن الفاعليّة وبهما يمتاز المشروط عن المعلّق مخدوش بأنّ الأمر الحقيقيّ ليس إلّا لجعل الدّاعي بحيث يكون باعثًا للمكلّف ومحرّكًا له ففعليّته مساوقة لوجوده وتحقّقه مساوقة لفاعليّته من قبل المولى كما هو معلوم عند أهله ومسطور في محلّه فلا يكاد يجدي هذا التّقريب إلّا على الواجب المشروط وإن سمّي معلّقًا".

[5]  المصدر نفسه:"وأمّا عن الإشكال الثّاني فبأنّ معنى المطاردة هو التّمانع وقد بيّن المحقّق العراقيّ عدم حصوله في مرحلة الاقتضاء وفي مرحلة الامتثال، فهو يقول باقتضاء الأهمّ إعدام المهمّ دون بقيّة أضداد المهمّ، إذ لا نظر للأهمّ إلى الأكل والشّرب والنّوم وأمثالها، وإنّما يدعو إلى نفسه وترك المهمّ والمهمّ يقتضي الاتيان به من ناحية بقيّة الأضداد لا من ناحية وجود الأهمّ فلا تمانع بين الاقتضائين. وكذلك يقول في مرحلة الإطاعة بمعنى أنّ الاهمّ يدعو إلى نفسه ويريد الإطاعة له لكنّ المهمّ لا اقتضاء له للإطاعة مع وجود الأهمّ لانّه مع تأثير الأهمّ في الإطاعة لا يبقى موضوع للأمر بالمهمّ حتّى يمكنه طرد الأهمّ... ولو فرض سقوط الأمر بالأهمّ على أثر التّمرّد والعصيان له فلا فاعليّة له ليكون طاردًا للأمر بالمهمّ لفرض كون الأمر بالأهمّ منطردًا حينئذٍ حسب تعبيره فأين المطاردة؟".

[6]  المصدر نفسه:"هذا وأورد الأستاذ على المحقّق العراقيّ بأنّ العمدة في الفرق بين نظريّته وأنظار المحقّقين الآخرين هو عدم الاشتراط والتّقييد بين الطّلبين، بل إنّ كلًّا منهما بالنّسبة إلى الآخر مطلق، غير أنّ أحد الطّلبين تامّ والآخر ناقص فالإشكال هو: إنّ الإطلاق وعدم التّقييد في الطّلب يرجع إلى المولى، كما أنّ أصل الطّلب يرجع إليه وكما يعتبر في أصل الخطاب والطّلب أن لا يكون لغوًا لفرض كون المولى حكيمًا لا يفعل اللّغو كذلك يعتبر في الإطلاق وجود الأثر وعدم اللّغويّة. لكنّ وجود الأمر بالمهمّ مع امتثال الأمر بالأهمّ لغو، فلا يمكن أن يكون مطلقًا إذ لا أثر لطبه مع امتثال الأمر بالأهمّ، فإمّا أن يكون مهملًا لكن الإهمال أيضًا محال وإمّا أن يكون مشروطًا ومقيّدًا بترك الأهمّ وهذا هو المعقول والمتعيّن فعاد الأمر إلى التّرتّب وانتهى [إلى] الاشتراط الّذي هو مبنى الميرزا".

[7]  الشّيخ الشّهيديّ.

[8]  أنظر نهاية الأفكار،ج1،ص373:"بل ولئن تدبّرت ترى كون مثل هذا التّقريب في طول التّقريب الّذي ذكرناه وعدم وصول النّوبة إلى الأمر التّامّ بمقتضى التّرتّب إلّا: في فرض عدم إمكان تأثير مصلحة المهمّ في الأمر النّاقص في رتبة الأمر بالأهمّ، وذلك من جهة أنّه بعد تأثير المصلحة في الأمر النّاقص وصيرورة أمره في رتبة الأمر بالأهمّ قهرًا يلزمه كون سقوطه أيضًا في رتبة سقوط الأهمّ [أي لا يكون مترتّبًا على سقوط الأهمّ ومتأخّرًا عنه رتبة] وحينئذٍ فإذا سقط الأهمّ بالعصيان يلزمه سقوطه عن المهمّ أيضًا ومع سقوطه لا يبقى مجال للأمر التّامّ بالمهمّ من جهة عدم المقتضي له في هذه الرّتبة، فمن ذلك لا بدّ إمّا من تأثير المصلحة في رتبة سابقة في الأمر النّاقص فقط أو بقائه بلا تأثير في الرّتبة السّابقة وتأثيره في الأمر التّامّ في رتبة متأخّرة عن العصيان، وفي مثله من المعلوم أنّه عند الدّوران يكون المتعيّن هو الأوّل، فإنّ عدم تأثير المصلحة في الأمر النّاقص في رتبة الأهمّ وبقائها إلى المرتبة المتأخّرة ممّا لا وجه يقتضيه بعد قابليّة المحلّ وعدم المانع عن التأثير، بخلافه في تأثيره في الأمر التّامّ فإنّ عدم تأثيره فيه أمّا في مرتبة الأهمّ فمن جهة المحذور العقليّ وأمّا في مرتبة عصيانه فمن جهة عدم المقتضي له مع فرض تأثيره سابقًا في الأمر النّاقص السّاقط في مرتبة سقوط الأهمّ، ففي الحقيقة يكون مرجع الدّوران بينهما من قبيل الدّوران بين التّخصيص والتّخصّص، إذ كان عدم تأثير المصلحة في الأمر النّاقص من باب التّخصيص وفي الأمر التّامّ في الرّتبة المتأخّرة بعد تأثيره أو لا في الأمر النّاقص من باب التّخصّص وفي مثله من المعلوم أنّ المتعيّن هو الثّاني من جهة أولويّة التّخصّص من التّخصيص".

برچسب ها: الترتب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است