تعلق الامر بالطبائع (۲۰ ربیع الثانی ۱۴۴۴)

ما تحصّل من أنحاء العروض هو القول بأنّ للأعراض قسمًا واحدًا وهو ما كان من قبيل التّعلّق بالواقع. نعم، ذلك الواقع هو تارةً عينيّ وأخرى ليس بعينيّ. وصحّحنا ما ذكره السّيّد الصّدر من عدم التّفكيك بين عالم العروض والاتّصاف، لكن لقولنا بأنّ العروض دائمًا يكون في الواقع ولا يقع في الذّهن نتج عندنا أنّ عالم العروض هو الواقع دائمًا وكذا الاتّصاف. وبالتاّلي، لا وجود لكلّ الأقسام الّتي ذُكرت من ذهنيّة وخارجيّة و...وهي لا تعدو كونها شعرًا.[1]

وبتبع ذلك اتّضحت حال الأحكام وكذا حال العلم، فمتعلّق العلم هو الواقع، وما قالوه من أنّ العلم متقوّم بالمعلوم بالذّات هو غير صحيح، بل هو متعلّق بالواقع،[2] وهذا الواقع تارةّ يكون الخارج وأخرى لا. بل حتّى في مورد الجهالات المركّبة يكون متعلّق العلم هو الواقع، فمن اعتقد بشريك الباري يعبد واقع شريك الباري؛ لكن الّذي تخيّله. والواقعية هذه ليست عينيّة، فالواقعيّة لا تنحصر بالعينيّة كمثل شريك الباري وكذا اجتماع النّقيضين، ولهذا العلم لا يتقوّم بالمعلوم بالذّات بل بالمعلوم بالعرض بحسب اصطلاحهم وهو الواقع.

وعليه؛ فالمطلوب في التّكاليف هي الماهيّات أي واقع الماهيّات أي وجودها، وليست صورة الماهيّة بمطلوبة البتّة، بل المطلوب هي عينيّة الماهيّة. الإنسان الّذي يدب على الأرض هو الإنسان لا الصّورة الذّهنيّة للإنسان. ولا يلزم من ذلك تحصيل الحاصل، فليس المطلوب هو الوجود المحقّق بل المطلوب هو الوجود المفروض أي المتصوّر قبل التّحقّق والمدعوّ إلى تحقيقه؛ أي المطلوب هو ما هو بالحمل الشّايع ماهيّة.

وهنا بالمناسبة، أذكر كلام المحقّق الأصفهانيّ في ذيل تعلّق الأمر بالطّبيعة أو الفرد بعد أن قسم الإرادة إلى تكوينيّة وتشريعيّة وأكّد أنّه لا فرق بين الوجود والإيجاد الّذي ذكره الشّيخ الآخوند إلّا بالاعتبار:

"فالتّحقيق حينئذٍ تعلّق الأمر بالفرد بمعنى وجود الطّبيعة، توضيحه أنّ طبيعة الشّوق من الطّبائع الّتي لا تتعلّق إلّا بما له جهة فقدان وجهة وجدان، إذ لو كان موجودًا من كلّ جهة كان طلبه تحصيلًا للحاصل، ولو كان مفقودًا من كلّ جهة لم يكن طرف يتقوّم به الشّوق فإنّه كالعلم لا يتشخّص إلّا بمتعلّقه بخلاف ما لو كان موجودًا من حيث حضوره للنّفس مفقودًا من حيث وجوده الخارجيّ فالعقل يلاحظ الموجود الخارجيّ فإنّ له قوّة ملاحظة الشّيء بالحمل الشّايع كما له ملاحظة الشّيء بالحمل الأوّليّ فيشتاق إليه فالموجود بالفرض والتّقدير مقوّم للشّوق لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقيقيّ، والشّوق يوجب خروجه من حدّ الفرض والتّقدير إلى الفعليّة".[3]

ما جعله المحقّق الأصفهانيّ معنى لتعلّق الأمر بالفرد وهو تعلّق الأمر بوجود الطّبيعة جعله المحقّق النّائينيّ معنى تعلّق الأمر بالطّبيعة عنده. وما جعله المحقّق النّائينيّ معنى تعلّق الأمر بالفرد هو معنى الحصّة التّوأم بمعنى أنّ الشّارع يأمر بالحصّة المتوئمة للتّشخّصات من دون دخول التّشخصّات كقيد في المتعلّق ولا دخول التّوأمة.

بقي لنا نكتتان في بحث الطّبيعة والفرد:

الأولى: كنّا قرّرنا كلام النّائينيّ ومحصّل بيانه لمحلّ النّزاع هو: هل أنّ متعلّق الأمر هي الطّبيعة التّوأم مع الخصوصيّات أم هي الطّبيعة المجرّدة عن الخصوصيّات؟

لكنّ المحقّق الأصفهانيّ تلقّى كلام المحقّق النّائينيّ بشكل غير سليم فأشكل عليه:

"وربّما يقال إنّ النّزاع في إمكان وجود الطّبيعيّ وامتناعه راجع إلى التّشخّصات مأخوذة في مرتبة سابقة على وجود الطّبيعيّ كنفس الطّبيعيّ أو أنّها في مرتبة وجود الطّبيعيّ واردة على الطّبيعيّ، فالثّاني قول بوجود الطّبيعيّ في عرض تشخّصًا والأوّل قول بعدم وجود الطّبيعيّ بل الموجود هي الماهيّة المتشخّصة وهو غير مناسب لكلمات أهل الفنّ أو لقواعده لأنّ المعبّر عنه بالتّشخّصات ليس إلّا لوازم الوجود الّتي هي أفراد لطبايع شقّ لكلّ منها وجود وماهيّة فكيف يعقل أن يكون في رتبة سابقة على وجود الطّبيعة بحيث يكون وجود الطّبيعة وجودها بلوازمها كما لا يعقل أن يكون واردة على نفس الطّبيعة مع أنّها نوعًا من الأعراض الّتي لا حلول لها إلّا في وجود موضوعها لا في ماهيّتها، فالصّحيح في النّزاع وفي معنى الكلّيّ والفرد ما عرفت فافهم واستقم".

فهم المحقّق الأصفهانيّ هو ما لا يصحّ أن ينسبه إلى طفل فكيف ينسبه الى النائينيّ. فهم أنّ مقصود المحقّق النّائينيّ من التّشخصات هي العوارض واللّوازم والمقارنات وأنّه فسّر النّزاع على ذلك بحيث هل إنّ اللّوازم والمقارنات هي في عرض الوجود أم أنّها في عرض الماهيّة، مع أنّ المحقّق النّائينيّ قد صرّح بعدم كون اللّوازم جزءًا من الماهيّة وأنّها ذات ماهيّات ووجودات مستقلّة عن الطّبيعة. بل المقصود من التّشخّص هو التّشخّص بالوجود، أي وجود الماهيّة بحدّها لا بلوازم وجودها. فمراد المحقّق النّائينيّ من تشخّص الماهيّة هي الماهيّة الموجودة في مقابل الماهيّة قبل الوجود، فليس المقصود من تشخّص الماهيّة هو وجودها مع لوازمها ومقارناتها بل وجودها بحدّها. ولا يوجد توهّم لأن تكون اللّوازم مقوّمة للماهيّة.

الثّانية: جاء في كلام الإمام الخمينيّ تخيّل ما هو غير قابل للذّهاب إليه، وهو تعلّق الأمر بالطّبيعة والتّشخصات تفصيلًا أو بالطّبيعة والتّشخّصات إجمالًا مثل الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ.

هذا تمام الكلام في تعلّق الأمر.

 

[1]  وقد أشرنا إلى فساد هذه المقالة؛ فاقتضى التّنويه.[المقرّر].

[2] ويرد عليه: أوّلًا:أنّ المنفيّ غير المثبت ويمكن ثبوتهما معًا، فلا تعارض بين القول بأنّ مقوّم العلم هي الصّورة الذّهنيّة أي المعلوم بالذّات مع كون العلم متعلّقًا بالخارج، وهذا ما أفاده السّيّد الصّدر في عبارة نقلناها عنه في الحبّ حيث يقول:"فحينما نحبّ الإمام عليه السّلام يكون حبّنا عارضًا بالذّات وحقيقة على الصّورة الذّهنيّة وبالعرض على شخص الإمام، باعتبار أنّ تلك الصّورة إنّما يعرض عليها الحبّ بما هي ملحوظة بالنّظر التّصوّريّ الّذي يرى به عين الخارج، فهذا المحبّ [وقل هذا العالم] يرى بالنّظر التّصوّريّ أنّه يحبّ الشّخص الخارجيّ [وقل يعلم بالشّخص الخارجيّ]". وثانيًا: أنّ الفلاسفة في تحقيقهم للوجود العلميّ قرّروا تعلّق العلم بالخارج وليس كون الشّيء الخارجيّ معلومًا بالعرض مصيّرًا لتعلّق العلم به مجازًا حتّى يتأتّى من هذه الجهة إشكال عدم معرفة الواقع والسّفسطة.[المقرّر].

[3]  نهاية الدّراية،ج1،ص483.

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است