الواجب التخییری (۲۷ ربيع الثاني ۱۴۴۴)

البحث هو في الواجب التّخييريّ وحقيقته. هل الواجب هو الفرد المردّد أو الجامع الانتزاعيّ أو الجامع الحقيقيّ أو هو عبارة عن وجوبين مشروطين أو الواجب هو ما يختاره المكلّف في علم الله؟

وجوه واحتمالات وردت في كلمات الشّيخ الآخوند[1] وغيره ونضيف على ما ذكر الوجوب النّاقص الّذي مرّ تنظيره من المحقّق العراقيّ[2] حيث صرّح بأنّه يوجّه به الوجوب التّخييريّ.

ما هي حقيقة الواجب التّخييريّ؟

قالوا لا ثمرة وراء البحث عن حقيقته فهو معلوم بآثاره، إذ لا يجب الجمع بين الواجبات التّخييريّة ولا يجوز ترك الكلّ. فهو غير الواجب التّعيينيّ حيث يكون ترك متعلّقه إلى بدل غير جائز وهنا يجوز تركه إلى بدل وغير...

وانطلاقًا من التزامنا ببيان الثّمرة العمليّة للمباحث أو الإضاءة عليها إذا ما توقّف بيانها على تتميم المبحث، ذكر هنا شيخنا الأستاذ ثمرة وردت في كلام البعض وثنتين له:

الأولى: قيل الواجب التّخييريّ هو واجبان تعيينيّان مشروطان بعدم الاتيان بالآخر، فالإطعام واجب حيث لم يعتق رقبة وكذا العتق حيث لم يُطعم؛ ويكون الشّرط على نحو الشّرط المتأخّر بحيث يكشف من الأوّل عن عدم كونه فعليًّا أصلًا وعدم كون متعلّقه مأمورًا به بالفعل. وهذا منسوب إلى الشّيخ الآخوند.

وفي المقابل: قيل بأنّ الواجب هو الجامع؛ فهنا تكليف واحد وله أفراد متعدّدة هو قابل للانطباق عليها من دون أن يكون أيّ واحد منها مأمورًا به بشخصه. كما لو أمر بعنوان أحدهما أو أحد الخصال. والفرق العمليّ بين القول الأوّل والثّاني يظهر في:

ما لو علم المكلّف بوجوب الصّوم فتجب الكفارة عند المخالفة، وعلم بوجوب الاتيان بصوم ستين يومًا كفّارة ولا يعلم أهو متعيّن أم مخيّر فيه وفي غيره.

فإن قيل بأنّ حقيقة الواجب التّخييريّ واجبان مشروطان يتعيّن عليه صوم ستين يومًا لأنّها لم تثبت عدليّة شيء آخر، أي لم يعلم أنّه يسقط بغيره. فالتّكليف بصوم ستين يومًا معلوم وهو فعليّ، ويشكّ في سقوط التّكليف بعدله كالإطعام، فهذا مجرى لقاعدة الاشتغال.

أمّا لو قيل بكون الواجب التّخييريّ هو الجامع، فحيث يُشكّ في التّعيين والتّخيير أي يُشكّ في وجوب قيد في الجامع، فتجري البراءة عن القيد بعد العلم بوجوب الجامع. وهذا مذكور في كلام المحقّق النّائينيّ.

لكن مع ذلك يمكن القول بجريان البراءة كما قال السّيّد الخوئيّ حتّى بناءً على كون حقيقة التّخيير هي وجوبين مشروطين.

الثّانية: يمكن أن نصوّر الثّمرة على نحو آخر غير ما سلكه المحقّق النّائينيّ _كي لا يتأتّى إشكال السّيّد الخوئيّ_، بأن يقال لا نحتاج إلى إجراء البراءة فاستصحاب بقاء التّكليف جارٍ في المقام، إذ التّكليف بصوم ستين يومًا مشكوك السّقوط حال الاتيان بالإطعام فيُستصحب ويبقى على العهدة، وهذا غير قاعدة الاشتغال. نعم قد يجاب عن هذا الاستصحاب بما لسنا بصدده الآن، لكن المراد هو القول بأنّ في البين كلامًا.

الثّالثة:إذا كان الواجب التّخييريّ عبارة عن واجبين مشروطين، فيجب بحكم العقل أن يكون كلّ واحد منهما مقدورًا لدى المكلّف. فإذا لم يقدر على واحدة من الخصال لم يجب عليه الاتيان بالخصلة المقدور عليها لأنّ عدم قدرته تقلب الواجب التّخييريّ إلى تعيينيّ وهو خلف. وأمّا إذا كان من قبيل التكليف بالجامع، فيجب بحكم العقل أن تكون بعض حصص الجامع مقدورة لدى المكلّف، ما يعني أنّ المكلّف قادر على إيجاد الجامع في حصّة ما، ولا يلزم أن يكون قادرًا على الاتيان بكلّ الحصص على الإطلاق؛ إذ يصحّ التّكليف بالجامع بين المقدور وغير المقدور ولا يراد القول إنّ غير المقدور مكلّف به بل يراد القول إنّ الجامع في هذا المورد قابل للاتيان به بل وليترتّب أيضًا سقوط التّكليف فيما لو أُتي بالجامع في الحصّة غير المقدورة اتّفاقًا بوجود اتّفاقيّ.

فتارة تكفي القدرة على إحدى الخصال وأخرى لا بدّ من القدرة على جميع الخصال وإلّا لا تكليف بشيء منها رأسًا حتّى المقدور عليه. وهذا يعني أنّه إذا كان غير قادر على أحد التّكليفين المشروطين سقط التّكليف بالاثنين لأنّه قد خيّر المولى بينهما ولم يكلّف بأحدهما، فهو كلّف حال الاختيار والتّخيير بينهما والملاك هو اتيان الخصال عن اختيار وتعيين من قبل المكلّف. وهذا معقول جدًّا حيث يريد وضع حسن الإنسان الفاعليّ على المحكّ بحيث يمتحنه في الذّهاب إلى الأحمز والأصعب من الخصال بخياره. فمن أعتق محلّ إطعام عشرة مساكين وهو مخيّر بينهما، كشف فعله عن حسن فاعليّ وعلوّ في همّته في سبيل الدّين. "كلّ شيء في القرآن "أو" فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء"، أي ما كان من قبيل الواجبات التّخييريّة يتقوّم بكونه باختيار العبد وانتخابه، فإن ارتفع الاختيار ارتفع الواجب التّخييريّ ولا موجب للمصير من الواجب التّخييريّ إلى التّعيينيّ بناءً على الوجوبين المشروطين وإلا لوقع الخلف. نعم، ما أفتوا به من أنّه عليه الاتيان بما قدر عليه مبتنٍ على كون حقيقة الواجب التّخييريّ هو الجامع.

بعد أن طرح الآخوند أربعة احتمالات في التّخيير الشّرعيّ الواقع في الشّريعة ذكر أنّ التّحقيق[3] هو أنّ التّخيير المصطلح شرعًا هو ما كان لكلّ فرد من أفراده غرض مختلف عن غيره، أمّا إذا كان للكلّ غرض واحد لم يكن هذا من التّخيير المصطلح. كما يُخيّر المكلّف بين أفراد الصّلاة مع كون الغرض في الكلّ واحدًا حيث أُمر بالجامع بين حصص الصّلاة.

أمّا لماذا التّخيير بينها؟ فلأنّه التّزاحم بين استيفاء الملاكات. ففي المقام ملاكان مختلفان مثلًا وهما ممّا لا يمكن الجمع بينهما في الاستيفاء وإلّا لو كان بالإمكان الجمع في الاستيفاء (لا في الامتثال) لوجب كلّ منهما تعيينًا. وهذا مثل القصر والتّمام حيث لا يمكن استيفاء غرض صلاة القصر حيث أتى المكلف بصلاة التّمام.

 

 

 

[1]  الكفاية،ج1،ص196-197:"إذا تعلّق الأمر بأحد الشّيئين أو الأشياء: ففي وجوب كلّ واحد على التّخيير بمعنى عدم جواز تركه إلّا إلى بدل أو وجوب الواحد لا بعينه أو وجوب كلّ منهما مع السّقوط بفعل أحدهما أو وجوب المعيّن عند الله، أقوال".

[2] نهاية الأفكار،ج1،ص368:"ومن ذلك البيان ظهر الحال في كلّيّة التّخييرات الشّرعيّة أيضًا إذ نقول برجوع الأمر التّخييريّ في جميع الموارد إلى إيجاب كلّ واحد من الفردين أو الأفراد لكن بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضي إلّا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو التّرك في حال ترك الآخر مع كون التّرك في حال وجود الآخر تحت التّرخيص كما صنعه صاحب الحاشية قدس سرّه في تعريف الواجب التّخييريّ حيث عرّفه بأنّه طلب الشّيء مع المنع عن جميع أنحاء تروكه الرّاجع في الحقيقة إلى كون الواجب في كلّ واحد من الفردين التّخييريّين هي الحصّة الملازمة مع عدم الآخر لا مطلق وجودهما على الإطلاق".

[3] الكفاية،ج1،ص197:"والتّحقيق أن يقال: إنّه إن كان الأمر بأحد الشّيئين بملاك أنّه هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ولذا يسقط به الأمر كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما، وكان التّخيير بينهما بحسب الواقع عقليًّا لا شرعيًّا؛ وذلك لوضوح أنّ الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ما لم يكن بينهما جامع في البين؛ لاعتبار نحو من السّنخيّة بين العلّة والمعلول".

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است