الأمر بالأمر (۸ رجب ۱۴۴۴)

هل يدلّ الأمر بالأمر بشيء على الأمر بذلك الشّيء بالنسبة لذاك المأمور النّهائيّ؟ بحيث يكون المولى قد أمر ذاك النّهائيّ بالواسطة كما لو أمره بلا واسطة؟ أم لا دلالة له على كون المأمور النّهائيّ مأمورًا بذاك الأمر على نحو لو اطّلع المأمور عليه قبل أمره به لما كان مكلّفًا بالواجب الجائي في مفاد ذاك الأمر؟ وهذه أولى ثمرات هذا السّؤال.

وهنا ثلاثة للأمر:

التّصوير الأوّل: أن يكون المقصود من هذا الأمر هو أمر الشّخص الأخير، وشأن الواسطة هو شأن الإيصال. وعلى هذا، لا إشكال في كون الأمر بالأمر أمرًا بذلك الأمر. وليس المطلوب من هذه الواسطة إظهار الآمريّة على المأمور النّهائيّ كغرض مولويّ بل المقصود الإبلاغ والإيصال، وذلك كما في أمره تعالى الرّسل بالتّبليغ كقوله تعالى:"يا أيّها النّبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهنّ"، فهنا الأمر بالأمر هو أمر بالإبلاغ من دون إرادة إعمال المولويّة من قبل المبلّغ. وهذا على خلاف موارد أخرى يراد فيها من النّبيّ صلّى الله عليه وآله إعمال مولويّته وبذلك تعلّقت إرادته تعالى كما في أوامر الجهاد والقتال.

التّصوير الثّاني: أن يكون لأمر الواسطة موضوعيّة بحيث يجب على هذه الواسطة أن تأمر وأن تتمتّع بشؤون الآمريّة، وهي ليست واسطة في الإيصال والإبلاغ فقط بل لا بدّ من إظهار المولويّة والآمريّة على نحو يكون تمام الغرض المولويّ متحقّقًا بأمر الآمر، ومثاله الأمر بالمعروف _كما قال السّيّد الخوئيّ_، فالغرض في نفس الأمر بحيث يكون نفس الأمر تكليفًا وله موضوعيّة كالصّوم والصّلاة. وهذا يعني أنّ المأمور سواء اكترث للأمر بالمعروف أم لم يكترث، فإنّه يكون قد تحقق غرض التّكليف بالأمر بالمعروف بنفس الأمر، وبالتّالي، فإنّ غرض الأمر بالمعروف كتكليف لا يتوقّف على انقياد المأمور لأمر الآمر بالمعروف ولا يقع عند عدم الانقياد لغوًا. فالغرض هو الاعتراض على المنكر والأمر بالمعروف ونشره. ومثاله العرفيّ ما لو أراد المولى تعليم العبد الإدارة وإعمال المولويّة وإن كان أحيانًا يأمر على خلاف المصلحة لكن تمام الغرض هو في أصل المأموريّة.

التّصوير الثّالث: أن يكون لأمر الواسطة جزء الغرض فيما الجزء الآخر يتحقّق باتيان المأمور النّهائيّ بالفعل. وبالتالي، لا يتحقق غرض المولى بمجرّد الأمر على هذا الثّاني وكذا لا يتحقّق الغرض بمجرّد الفعل ولو من دون أمر. وليس بعيدًا أنّ تنصب أمير المؤمنين عليه السّلام هو من هذا القبيل أي ليس أنّ الله نصّب عليًّا وفقط بل أمر الله النّبيّ بتنصيبه أميرًا. وبالتّالي التّنصيب من قبله تعالى هو ذو غرض والتّنصيب من قبل النّبيّ صلّى الله عليه وآله ذو غرض آخر وتنصيب الإمام نفسه من عند نفسه ذو غرض مختلف، والغرض الّذي يطلبه المولى تعالى ويجعله إلزاميّ التّحصيل هو الغرض الجائي من تنصيب النّبيّ الإمام عن أمر تعالى.

 وهذا من قبيل الأمر بالوصيّة بحيث ما لم يوص لم تتحقّق الوصيّة.

وبناء على ما تقدّم؛ ما لم يعلم أنّ الأمر بالأمر من أيّ الأقسام هو يقع الإجمال فيه ولا تحسم دلالته.

علّق السّيّد الخوئيّ هنا بأنّ الثّمرة العمليّة الوحيدة لهذا البحث هي في مورد مشروعيّة عبادات الصّبيّ فقط لا غير. فقد ورد في النّصوص "مروا صبيانكم بالصّلاة"، وقد طُرح بحث في الفقه أن هل عبادات الصّبيّ هي تمرينيّة أم هي صحيحة؟ كونها تمرينًا يعني ليست صحيحة والغرض فيها التّمرين، وأمّا كونها صحيحة فهذا يعني صحّتها بأمر استحبابيّ. وتبتني النّتيجة في هذا البحث على هذا المطب الأصوليّ فإن قيل بكون الأمر بالأمر دالًّا على الأمر مباشرةً كانت عبادة الصّبيّ صحيحة وإلّا لكانت تمرينيّة.

هذا، مع العلم أنّنا لا نحتاج إلى هذا المطلب لإثبات مشروعيّة صلاة الصّبيّ، فقد ورد في الرّواية عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه "سئل..متى تجب الصّلاة عليه؟ فقال إذا كان ابن ستّ سنين والصّيام إذا أطاقه".

ثمّ، حتّى لو قلنا بأنّ الأمر بالأمر ليس أمرًا، فإنّها لن تصير عبادات الصّبيّ تمرينيّة، لأنّنا نفهم من الأمر بالأمر في هذا المورد خاصّة كونه يحبّ هذا الفعل وكون هذا التمرين محبوبًا، أي قد قام الدّليل على المحبوبيّة وهو كافٍ لتحقّق القربة الموجبة لصحّة العبادة.

ثم قال السّيّد الخوئيّ كلامًا لا ينسجم مع مبانيه، مفاده أنّ إطلاقات أدلّة الأحكام والعبادات لا تفي بمشروعيّة عبادات الصّبيّ لأنّها مقيّدة بما أفاد رفع القلم عن الصّبيّ، فلا يستفاد منها كون العبادات مستحبّة بالنّسبة إليه.

ويردّ عليه:

أوّلًا: هذا لا ينسجم مع مبناه في استفادة الوجوب من الأمر بحكم العقل كمبنى المحقّق النّائينيّ، رفع القلم عن الصّبي يعني رفع الإلزام عن الصبي وليس معناه أنّ قد رفع الطلب عن الصّبيّ لأنّه لا منّة في رفع الطلب غير الإلزام. فهنا أمر والإطلاق شامل للصّبيان، نعم غاية الأمر ورود نصّ يرخّص للصّبيّ ترك العبادات وعدم الإلزام فتبقى المطلوبيّة غير الإلزاميّة.

ثانيًا: حتّى على مسلك كون مفاد الأمر هو الوجوب، فهنا يجري الجمع الحكميّ فإذا كان هناك دليل يفيد الوجوب بالوضع وهناك دليل فيه ترخيص نجمع بينهما بحمل الأمر على الاستحباب. فنفي المشروعيّة لا يتمّ، وفي ذهني أنّه ذكر في فقهه في بعض الموارد خلاف هذا الكلام على نحو قال بشمول إطلاقات العبادات للصّبيان.

برچسب ها: الأمر بالأمر

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است