الأمر بالأمر (۱۰ رجب ۱۴۴۴)

تعرّضنا لثمرة بحث الأمر بالأمر ومنها مشروعيّة عبادة الصّبيّ وصفوة القول في المقام هي:

إذا صحّحنا عبادات الصّبيّ على أساس الإطلاقات فلا مناص عن القول بالإجزاء بحيث إذا صلّى ثمّ بلغ في الوقت كانت صلاته مجزية ولم يعد نعم غاية الأمر أنّه أدّى الصّلاة في حال كان القلم مرفوعًا عنه أي الإلزام ولكن كان في حقّه أمر. والأمر لا يمتثل مرّتين لأنّ الأمر تسقط فاعليّته عقلًا ولا يمكن تبديل الامتثال بامتثال آخر كما فصّل في محلّه.

أمّا إذا صحّحناها على أساس الخطابات المتوجّهة إلى الأولياء أن مروا صبيانكم، فلا بدّ من التّفصيل بين ما لو كان البلوغ في أثناء العمل أو بعد الفراغ عن العمل:

-فإنّه على الثّاني يكون مجزيًا لأنّه وإن كان باتيانه الصّلاة لم يمتثل خطاب الصّلاة الأصليّ مثل "أقم الصّلاة لدلوك الشّمس" بل ولعلّ الغرض الّذي حصّله من امتثال أمر الوليّ هو غير الغرض الملحوظ في الصّلاة الجائية بأمرها المستقلّ، ولكن مع ذلك إنّ ظهور الأمر بالإلزام بشيء هو في حال ما لو كان المأمور لم يأت بالمتعلّق في رتبة سابقة، فهو على كلّ حال قد أتى بصلاة الظّهر ولو بملاك آخر. وهذا الوجه الّذي قدّمه السّيّد الحائريّ. ولا يقال على هذا لو جاء بالصّلاة قبل الوقت لأجزأت لأنّه يقال إنّما يجري المشروع لا غير المشروع رأسًا كالصّلاة الفاقدة لشرط وجوبها وأمرها وهي الصّلاة قبل الوقت. وبالتّالي حال صلاته لو أتى بها ثانية وهو كان قد صلّى قبل البلوغ في الوقت ثم بلغ في الوقت، حال المكلّف الّذي يمتثل بعد الامتثال لأمر قد فقد فاعليّته بعد سقوطها بالامتثال. وعلى فرض الشّكّ وعدم تتميم هذا الوجه فإنّ الجاري هو الأصل العمليّ المؤمّن الّذي يقتضي عدم وجوب الإعادة، فهنا شكّ في أصل التّكليف.

-وأمّا لو بلغ في أثناء العمل فلا بدّ من استئناف الصّلاة، وهذا سواء قلنا بصحّتها على أساس إطلاقات الأدلّة أو على أساس الأمر بالأمر.

وبالعودة إلى أصل المطلب في الأمر بالأمر فهنا حيثيّات أربع يمكن الكلام عنها:

-الأولى: هل المأمور بالأمر تسقط وظيفتها من دون أن يأمر كما لو طلب ووعظ وأرشد من دون أن يأمر؟ أم أنّه مأمور بعنوان الأمر لتسقط وظيفته. فالمأمور بالأمر بالمعروف مأمور بإعمال الآمريّة وهذه وظيفته لا بالوعظ والإرشاد بلسان الطّلب والتّمنّي وما شاكل، بحيث يكون له ولاية على الأمر والنّهي. الصّحيح أنّه مأمور بالأمر إلّا أن نعلم بسقوط الأمر بغيره كما بالطّلب والتّمنّي.

-الثّانية: هل المأمور الواسطة هو مبلّغ للأمر المولويّ أم أنّ ظهور الأمر بالأمر يقتضي الآمريّة للواسطة لا مجرّد التّبليغ؟

-الثّالثة: هل يجعل المولى بالأمر بالأمر مقام الولاية والآمريّة بنحو يكون الفعل على تقدير أمر الواسطة واجب الامتثال وإلّا فلا يجب. وبالتّالي من خالف أمر الواسطة عوقت بعقابين عقاب يرتبط بالفعل المطلوب وآخر يرتبط بمخالفة أمر الواسطة. وبالتّالي إذا علم المكلّف الأخير بأمر المولى فإنّ التّكليف يكون منجّزًا في حقّه بناء على كون الواسطة مبلّغًا ليس إلّا، ولا يكون في المقام إلّا عقوبة واحدة، وأمّا على أساس جعل الآمريّة له فإنّ التّكليف لا يتنجّز ما لم تأمر الواسطة، وإذا أمر فحال المخالفة تترتّب عقوبتان، وهذا حاله كحال من نذر الاتيان بالواجب المولويّ، فلو خالف عوقب على عدم الاتيان بالنّذر وكذا على عدم الاتيان بالواجب المولويّ.

-الرّابعة: هل الأمر بالأمر يجعل مقام الآمريّة للواسطة بقطع النّظر عن جعل وجوب امتثال لأمره؟ بحيث يعطيه ولاية الأمر بغضّ النّظر عن وجوب الامتثال أي لا يكون مكلّفًا من قبل المولى. وهذا ما نبّه عليه في الفصول من أنّ أمر الصّبيان بالصّلاة هو من هذا القبيل، أي إنّه وإن صار الصّبيّ مطالبًا من قبل وليّه لكنّه لا يصير بالأمر مطالبًا من قبل المولى تعالى، أي لا تكليف إلهيّ بمفاد هذا الأمر. هنا العقل والشّرع يحكم باستحقاق الصّبيّ العقوبة عند مخالفة وليّه لكن لا استحقاق للعقوبة من قبل الشّارع لأنّه لا إلزام من قبله بل الشّارع بصدد رفع التّكليف عنه. ونظيره ما للمالك من حقّ على حيوان عنده يأمره وينهاه فإن لم يطعه جاز له عقابه، لكن مع ذلك الحيوان لا يكون مكلّفًا من قبل الشّارع. وهذا متصوّر على المستوى الثّبوتيّ. وهذه إبداعات صاحب الفصول في باب أفعال الصّبيّ حيث قال بأنّ أمر الصّبيان لا يبعد أن يكون من هذا القبيل. ولعلّ وجوب إطاعة العبد لسيّده من هذا القبيل "لم يعص الله وإنّما عصى سيّده" فلا ملازمة بين العصيانين.

 

 

برچسب ها: الأمر بالأمر, عبادات الصبي

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است