تا الان دو بیان برای تنقیح محل نزاع و مدار مرجعیت عموم و یا استصحاب حکم مخصص بیان کردیم. یکی بیان مرحوم آقای خویی بود که تفصیل بین عام استغراقی و مجموعی بود و دیگری هم بیان مرحوم اصفهانی بود که با ظواهر کلمات مرحوم شیخ و آخوند سازگار بود که تفصیل بین موارد اخذ زمان به نحو مفرد و تقطیع و بین موارد اخذ زمان به نحو طبیعی و ظرف استمرار و حکم واحد بود که البته مرحوم اصفهانی در نهایت با این مبنا مخالفت کردند و فرمودند در هر صورت مرجع عموم عام است چه زمان به نحو تقطیع لحاظ شده باشد یا اینکه طبیعت واحد در نظر گرفته شده باشد.
بیان سوم از مرحوم نایینی است. ایشان تفصیلی را بیان کردهاند و بعد فرمودهاند منظور مرحوم شیخ هم همین است. مرحوم نایینی به حسب نقل فوائد ابتداء پنج مطلب را ذکر کردهاند:
اول) ظهور ادله این است که زمان به نحو ظرف در احکام لحاظ میشود نه به نحو قید مگر اینکه بر اخذ زمان به نحو قید دلیل داشته باشیم.
دوم) جایی که زمان قید حکم است گاهی زمانهای مختلف به نحو استغراقی و انحلال قید است که از آن به عام استغراقی تعبیر میکنیم و گاهی زمانهای مختلف به نحو مجموع قید است که از آن به عام مجموعی تعبیر میکنیم.
سوم) قید بودن زمان و اینکه به نحو استغراقی است یا مجموعی به دلالت دلیل بستگی دارد.
چهارم) در مواردی که زمان قید است گاهی قید متعلق است و گاهی قید حکم است. در قضایا موضوع و محمول وجود دارد که محمول همان حکم است و موضوع همان است که حکم در آن فرض شده است و احکام تکلیفی متعلقی هم دارند که همان فعل مکلف است که حکم به آن نفیا یا اثباتا دعوت میکند.
ایشان فرمودهاند زمان گاهی قید حکم است و گاهی متعلق حکم است. مثلا در وجوب روزه، آنچه واجب است امساک تا غروب است در این صورت زمان قید متعلق حکم است یعنی امساک مستمر تا غروب واجب است و لذا حکم قیدی ندارد. و اگر این طور باشد که امساک واجب است تا غروب که وجوب است که مستمر است نه امساک بنابراین زمان قید حکم است نه قید متعلق.
پنجم) اگر زمان قید متعلق باشد خود دلیل حکم متکفل اثبات آن و نفی قید است. مثلا همان دلیلی که وجوب امساک تا شب را واجب کرده است میتواند تقیید حکم به برخی از زمانها را نفی کند.
اما اگر زمان قید خود حکم باشد در این صورت دلیل خود حکم نمیتواند بیان کننده دوام و عدم دوام باشد چون این از انقسامات ثانویه حکم است یا به تعبیر ایشان دوام و انقطاع فوق حکم است و دلیل حکم فقط نسبت به قیودی که تحت حکم است نظارت دارد.
از نظر ایشان رابطه اطلاق و تقیید ملکه و عدم است و چون دوام و استمرار یا عدم آن فرع ثبوت حکم است، حکم نمیتواند نسبت به آن مقید شود پس نمیتواند اطلاقی هم داشته باشد.
بنابراین با دلیل حکم نمیتوان دوام یا عدم دوام حکم را اثبات کرد اما میتوان عدم تقیید متعلق را اثبات کرد.
در نتیجه جایی که زمان قید حکم باشد، در جایی که حکم نسبت به زمانی مقید شود در غیر آن زمان نمیتوان به اطلاق حکم تمسک کرد چون دلیل حکم نمیتواند بیان کننده دوام و استمرار حکم هم باشد. همان طور که جعل حکم نمیتواند متکفل بیان استمرار حکم باشد دلیل حکم هم نمیتواند متکفل استمرار حکم باشد. مفاد دلیل حکم این است که هر جا حکم باشد مستمر است، و در جایی که حکم تخصیص خورده است، ثبوت حکم نسبت به بعد از آن از اساس مشکوک است و لذا با دلیل حکم نمیتوان حکم را ثابت کرد. و حتی دلیل مستقل دیگری هم نمیتواند بیان کننده ثبوت حکم بعد از تخصیص باشد چون فرضا قضیه حقیقیه است و مفاد آن این است که جایی که ثبوت حکم مفروض است استمرار دارد و در جایی که ثبوت حکم مشکوک است تمسک به آن دلیل ممکن نیست.
اما در جایی که زمان قید متعلق حکم باشد در مواردی که در تخصیص شک داشته باشیم برای اثبات حکم و نفی تقیید و تخصیص به خود دلیل حکم تمسک میکنیم.
ضمائم:
کلام مرحوم نایینی:
- التنبيه الثاني عشر-
المتكفّل لبيان تمييز الموارد الّتي يرجع فيها إلى استصحاب حكم المخصّص عن الموارد التي يرجع فيها إلى عموم العامّ.
و محلّ الكلام إنّما هو فيما إذا ورد عامّ أفراديّ يتضمّن العموم الزماني و خرج بعض أفراد العامّ عن الحكم و شكّ في خروجه عنه في جميع الأزمنة أو في بعضها، كقوله تعالى: «أوفوا بالعقود» فانّ له عموم أفراديّ بالنسبة إلى جميع أفراد العقود، و يتضمّن العموم الزماني أيضا لوجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان، و قد خرج عنه المعاملة الغبنيّة، فانّه لا يجب الوفاء بها، و لكن يشكّ في أنّها خرجت عن العموم مطلقا في جميع الأزمنة، أو في خصوص زمان ظهور الغبن؟ أي تردّد أمر الخيار بين كونه على الفور أو على التراخي.
فيقع الكلام في أنّه هل يجب الرجوع إلى عموم العامّ فيما عدا القدر المتيقّن من زمان الخروج؟ أو أنّه يجب استصحاب حكم المخصّص؟.
و قد حكي عن المحقّق الكركي رحمه اللّه أنّه في المثال يجب الرجوع إلى عموم «أوفوا بالعقود» فيكون الخيار على الفور. و قيل: إنّه يجب الرجوع إلى استصحاب حكم المخصّص فيكون الخيار على التراخي.
و قد اضطربت كلمات بعض الأعلام في ذلك و ذهب يمنة و يسرة و لم يأت بشيء يمكن أن يكون ضابطا للموارد الّتي يرجع فيها إلى العامّ و الموارد الّتي يرجع فيها إلى استصحاب حكم المخصّص، بل حمل كلمات الشيخ- قدّس سرّه- في هذا المقام على ما لا ينبغي الحمل عليه، و فتح عليه باب الإشكال و الإيرادات السبعة أو الثمانية الّتي ذكرها.
و على كلّ حال: تنقيح البحث في ذلك يستدعي رسم أمور:
الأوّل:
لا إشكال في أنّ الأصل في باب الزمان أن يكون ظرفا لوجود الزماني، إلّا أن يقوم دليل بالخصوص على القيديّة مكثّرا للموضوع ليكون وجود الشيء في زمان غير وجوده في زمان آخر، و مع عدم قيام الدليل على ذلك لا يكون الزمان إلّا ظرفا لوجود الشيء، لأنّ نسبة الزمان إلى الزماني كنسبة المكان إلى المكين لا يقتضي أزيد من الظرفيّة، سواء كان الزماني من مقولة الأعيان و الموضوعات الخارجيّة أو كان من مقولة الأفعال و متعلّقات التكاليف أو كان من مقولة الأحكام التكليفيّة و الوضعيّة، فانّ الزمان في جميع ذلك إنّما يكون ظرفا لوجودها و عليه يبتني جريان الاستصحاب، فانّه لو لا كون الزمان ظرفا لوجود المستصحب لم يكد يجري الاستصحاب، لما عرفت: من أنّ حقيقة الاستصحاب إنّما هو جرّ المستصحب في الزمان، فلو كان الزمان قيدا لوجود المستصحب فلا يكاد يمكن جريان الاستصحاب فيه، لأنّ الوجود المقيّد بزمان يباين الوجود في غير ذلك الزمان، فلا يجري فيه الاستصحاب، لأنّه يكون من تسرية حكم من موضوع إلى موضوع آخر.
الأمر الثاني:
إذا علم من دليل الحكم أو من الخارج لحاظ الزمان قيدا في الحكم أو المتعلّق فتارة: يلاحظ الزمان على وجه الارتباطيّة، أي يلاحظ قطعة من الزمان مجتمعة الآنات متّصلة بعضها مع بعض على نحو العامّ المجموعي، فيعتبر وجود الحكم أو المتعلّق في مجموع الآنات بحيث لا يخلو آن منها عن وجود الحكم أو المتعلّق، فلو خلا آن عنهما يرتفع الحكم من أصله و يفوت المتعلّق و لا يمكن بقاء الحكم أو إيجاد المتعلّق في الآن الثاني، كما في باب الصوم، فانّ حقيقة الصوم هو الإمساك من الطلوع إلى الغروب [1] فقد قيّد الإمساك بكونه في مجموع آنات النهار من حيث المجموع، فيتحقّق عصيان الخطاب إذا خلا آن من آنات النهار عن الإمساك، كما يتحقّق عصيان خطاب «أكرم العلماء» عند ترك إكرام فرد من أفراد العلماء إذا كان المطلوب إكرام مجموع العلماء.
و أخرى: يلاحظ الزمان قيدا للحكم أو المتعلّق على وجه الاستقلاليّة، نظير العام الأصولي، فيكون كلّ آن من آنات الزمان يقتضي وجود الحكم أو المتعلّق فيه مستقلا، فيتعدّد الحكم أو المتعلّق بتعدّد الآنات، و يكون لكلّ آن حكم أو متعلّق يخصّه لا ربط له بالحكم أو المتعلّق الموجود في الآنات الآخر، فلو خلا آن عن وجود الحكم أو المتعلّق كان الآن الثاني مستتبعا لوجود الحكم أو المتعلّق فيه، و لا ملازمة بين عصيان الخطاب في آن لعصيانه في الآن الآخر، بل لكلّ آن طاعة و عصيان يخصّه.
و الحاصل: تقسيم العامّ إلى الأصولي و المجموعي لا يختصّ بالعموم الأفرادي، بل يأتي في العموم الزماني أيضا، غايته أنّ الاستقلاليّة و الارتباطيّة في العموم الزماني إنّما يلاحظان بالنسبة إلى أجزاء الزمان و آناته، من غير فرق بين سعة دائرة العموم الزماني و ضيقها، فتارة: لا تكون محدودة بل ما دام العمر، و أخرى:
تكون محدودة بالنسبة أو الشهر أو اليوم أو أقلّ من ذلك، و هذا كلّه واضح لا إشكال فيه.
الأمر الثالث:
اعتبار العموم الزماني بأحد الوجهين يتوقّف على قيام الدليل عليه.
فتارة: يكون دليل الحكم بنفسه متكفّلا لبيان العموم الزماني بالنصوصيّة، كقوله: «أكرم العلماء في كلّ زمان» أو «في كلّ يوم» أو «دائما» أو «مستمرّا» و نحو ذلك من الألفاظ الدالّة على العموم الزماني. و كقوله تعالى:
«نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم» بناء على أن تكون «أنّى» زمانيّة لا مكانيّة.
و أخرى: يستفاد العموم الزماني من دليل لفظي آخر، كقوله: «حلال محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال إلى يوم القيامة، و حرام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حرام إلى يوم القيامة»
و ثالثة: يستفاد من دليل الحكمة و مقدمات الإطلاق، و ذلك إنّما يكون إذا لزم من عدم العموم الزماني في لغويّة الحكم و خلوّ تشريعه عن الفائدة، كما في قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» فانّه لو لم يجب الوفاء بالعقد في كلّ زمان يلزم لغويّة تشريع وجوب الوفاء بالعقود، لأنّه لا فائدة في وجوب الوفاء بها في الجملة و في آن ما. و لقد أجاد المحقّق الكركي رحمه اللّه فيما أفاده من قوله: إنّ العموم الأفرادي في قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» يستتبع العموم الزماني، و إلا لم ينتفع بعمومه الأفرادي.
و بالجملة: كما أنّه قد يستفاد العموم الأفرادي من دليل الحكمة، كقوله تعالى: «أحلّ اللّه البيع» حيث إنّ إطلاقه بقرينة الحكمة يدلّ على حلّيّة كلّ فرد من أفراد البيع- لأنّه لا معنى لحلّيّة فرد مردّد من البيع- كذلك قد يستفاد العموم الزماني من الإطلاق بقرينة الحكمة.
الأمر الرابع:
مصبّ العموم الزماني تارة: يكون متعلّق الحكم، و أخرى:
يكون نفس الحكم، بمعنى أنّه:
تارة: يلاحظ الزمان في ناحية متعلّق التكليف و الفعل الصادر عن المكلّف، كالوفاء و الإكرام و الشرب و نحو ذلك من متعلّقات التكاليف الوجوديّة أو العدميّة، فتكون آنات الزمان قيدا للوفاء و الإكرام و الشرب، أي يكون الوفاء أو الإكرام في كلّ آن معروض الوجوب و شرب الخمر في كلّ آن معروضا للحرمة، سواء كان العموم الزماني على وجه العامّ الأصولي أو العامّ المجموعي.
و أخرى: يلاحظ الزمان في ناحية نفس الحكم الشرعي: من الوجوب أو الحرمة، فيكون الحكم الشرعي ثابتا في كلّ آن من آنات الزمان.
فعلى الأوّل: يكون العموم الزماني تحت دائرة الحكم و يرد الحكم عليه، فانّ الحكم كما يرد على المتعلّق يرد على قيده أيضا، و المفروض: أنّ الزمان في الوجه الأوّل يكون قيدا للمتعلّق فيرد الحكم عليه لا محالة.
و على الثاني: يكون العموم الزماني فوق دائرة الحكم و واردا عليه، و سيأتي لذلك مزيد بيان.
و هذان الوجهان- أي كون العموم الزماني قيدا للحكم أو المتعلّق- و إن كانا يتّحدان بحسب النتيجة، بداهة أنّه لا فرق بين قوله: «الشرب في كلّ آن آن حرام» و بين قوله: «الشرب حرام و الحرمة ثابتة له في كلّ آن آن» فانّ النتيجة في كلّ منهما إنّما هي دوام الحكم و استمراره في جميع الآنات، إلّا أنّهما يختلفان فيما هو المهم بالبحث في المقام، على ما سيأتي توضيحه.
الأمر الخامس:
يختلف العموم الزماني الملحوظ في ناحية المتعلّق مع العموم الزماني الملحوظ في ناحية الحكم من جهتين:
الأولى: إذا كان العموم الزماني قيدا للمتعلّق فيمكن أن يتكفّل اعتباره نفس دليل الحكم، كقوله: «أكرم العلماء في كلّ زمان» أو «دائما» و كقوله:
«نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم» و أمّا إذا كان العموم الزماني قيدا للحكم فلا يمكن أن يتكفّل بيانه نفس دليل الحكم، بل لا بدّ من بيانه بدليل منفصل فانّ استمرار الحكم و دوام وجوده إنّما هو فرع ثبوت الحكم و وجوده، فنسبة الحكم إلى عموم أزمنة وجوده نسبة الحكم و الموضوع و العرض و المعروض، فانّ مركّب العموم الزماني و محلّه و معروضه إنّما يكون هو الحكم، ففي قضيّة قولنا: «الحكم مستمرّ» أو «دائمي» يكون «الحكم» موضوعا و «مستمرّ» أو «دائم» محمولا، فلا يمكن أن يكون الحكم متكفّلا لبيان أزمنة وجوده.
و الحاصل: أنّ دليل الحكم إنّما يتكفّل بيان أصل ثبوت الحكم و وجوده، و أمّا استمراره و دوامه: فلا بدّ و أن يكون بدلالة دليل آخر، و ذلك واضح.
الجهة الثانية: لو كان مصبّ العموم الزماني متعلّق الحكم: فعند الشكّ في التخصيص و خروج بعض الأزمنة عن العموم يصحّ التمسّك بالعموم الزماني الّذي دلّ عليه دليل الحكم، فلو قال: «أكرم العلماء في كلّ يوم» أو «في كلّ زمان» أو «مستمرّا» أو «دائما» أو نحو ذلك من الألفاظ الموضوعة للعموم الزماني ثمّ شكّ في وجوب إكرام العالم في قطعة من الزمان، فالمرجع هو الدليل الاجتهادي الّذي تكفّل العموم الزماني، و لا تصل النبوة إلى استصحاب وجوب الإكرام الثابت قبل القطعة المشكوكة من الزمان، فانّ الشكّ في التخصيص الزماني كالشكّ في التخصيص الأفرادي يرجع فيه إلى أصالة العموم و عدم التخصيص.
و لا مجال للرجوع إلى الاستصحاب، بل لا يجري فيه الاستصحاب، لأنّ المفروض أنّ الدليل الاجتهادي قد تكفّل لحكم كلّ زمان من أزمنة ظرف وجود المتعلّق، فقوله: «أكرم العلماء في كلّ يوم» يكون دليلا على وجوب إكرام كلّ فرد من أفراد العلماء في كلّ يوم من أيّام العمر أو السنة أو الشهر، فكان لكلّ يوم حكم يخصّه لا ربط له باليوم السابق أو اللاحق، فانّه لم يؤخذ العموم الزماني على نحو العامّ المجموعي بحيث يكون مجموع أيام العمر أو السنة موضوعا لإكرام واحد مستمرّ، بل العموم الزماني إنّما أخذ على نحو العامّ الأصولي، من غير فرق بين الألفاظ الدالّة على العموم الزماني، فسواء قال:
«أكرم العلماء في كلّ يوم» أو قال: «أكرم العلماء مستمرّا» يكون كلّ يوم أو كلّ زمان موضوعا مستقلا لوجوب الإكرام، فيتعدّد الحكم و المتعلّق حسب تعدّد الأيّام و الأزمنة.
فلو شكّ في وجوب الإكرام في بعض الأيّام و الأزمنة لا يمكن استصحاب حكم اليوم و الزمان السابق لارتفاع ذلك الحكم بمضيّ اليوم السابق و تصرّم الزمان الماضي، فلا يمكن الحكم ببقائه في اليوم الثاني و الزمان اللاحق إلّا بالرجوع إلى ما يدلّ على العموم الزماني: من الدليل الاجتهادي، و لا يصحّ الرجوع إلى الاستصحاب، لأنّه يلزم تسرية حكم من موضوع إلى موضوع آخر، فاستصحاب الحكم فيما كان المتعلّق مصبّ العموم الزماني ساقط من أصله و لا مجال لجريانه.
بل لو فرض أنّه لم يكن للدليل الاجتهادي عموم بالنسبة إلى جميع الأيّام و الأزمنة كان المرجع في زمان الشكّ هو سائر الأصول العمليّة: من البراءة و الاشتغال، لا استصحاب حكم العامّ، من غير فرق بين الشكّ في أصل التخصيص أو في مقداره، كما إذا علم بخروج بعض الأزمنة و شكّ في خروج الزائد، ففيما عدا القدر المتيقّن من التخصيص يرجع إلى ما دلّ على العموم الزماني لو كان، و إلّا فإلى البراءة و الاشتغال، و لا يجري استصحاب حكم الخاصّ. فلو علم بعدم وجوب إكرام زيد في يوم الجمعة و خروجه عن عموم قوله: «أكرم العلماء في كلّ يوم» و شكّ في وجوب إكرامه يوم السبت، ففي يوم السبت يرجع إلى العموم، لا إلى استصحاب حكم الخاصّ.
و بالجملة: لو كان المتعلّق مصبّ العموم الزماني، فلا مجال لاستصحاب حكم العامّ إذا شكّ في أصل التخصيص، و لا استصحاب حكم الخاصّ إذا شكّ في مقدار التخصيص، بل لا بدّ من الرجوع إلى العام أو إلى سائر الأصول الأخر، هذا إذا كان متعلّق الحكم مصبّ العموم الزماني.
و أمّا إذا كان مصبّ العموم الزماني نفس الحكم: فلا مجال للتمسّك فيه بالعموم إذا شكّ في التخصيص أو في مقداره، بل لا بدّ فيه من الرجوع إلى الاستصحاب، على عكس ما إذا كان مصبّ العموم الزماني متعلّق الحكم.
و السرّ في ذلك: هو أنّ الشكّ في التخصيص أو في مقداره فيما إذا كان الحكم مصبّ العموم الزماني يرجع إلى الشكّ في الحكم، و قد تقدّم أنّ الحكم يكون بمنزلة الموضوع للعموم الزماني إذا كان مصبّ العموم نفس الحكم، و لا يمكن أن يتكفّل العموم الزماني وجود الحكم مع الشكّ فيه، لأنّه يكون من قبيل إثبات الموضوع بالحكم، فالعموم الزماني دائما يكون مشروطا بوجود الحكم، و لا يمكن أن يدلّ قوله: «الحكم مستمرّ في كلّ زمان» على وجود الحكم مع الشكّ فيه، فلو قال: «أكرم العلماء» و علم من دليل الحكمة أو غيرها أنّ وجوب الإكرام مستمرّ و ثابت في كلّ زمان ثمّ شكّ في وجوب إكرام العالم في زمان- لاحتمال التخصيص- فلا يصحّ الرجوع إلى ما دلّ على استمرار وجوب إكرام العلماء، فانّ استمرار الحكم يتوقّف على وجود الحكم، و المفروض:
الشكّ فيه.
و كذا لو علم بعدم وجوب إكرام زيد العالم في يوم الجمعة و شكّ في وجوب إكرامه في يوم السبت، فانّه أيضا لا يجوز التمسّك بقوله: «الحكم مستمرّ في كلّ زمان» بل لا بدّ من الرجوع إلى استصحاب حكم العامّ عند الشكّ في أصل التخصيص و الرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ عند الشكّ في مقداره، بل لو لم نقل بحجّيّة الاستصحاب كان المرجع سائر الأصول العمليّة، لا عموم العامّ.
و الحاصل: أنّ محلّ الكلام إنّما هو فيما إذا كان عامّ أفرادي يستتبع عموم زماني، فالعموم الزماني إنّما يكون في طول العموم الأفرادي و متأخّر عنه رتبة، سواء كان مصبّ العموم الزماني نفس الحكم الشرعيّ أو متعلّقه.
غايته أنّه لو كان مصبّ العموم متعلّق الحكم كان الحكم واردا على العموم الزماني كوروده على المتعلّق، فيكون تحت دائرة الحكم، و لأجل ذلك صحّ أن يكون نفس دليل الحكم متكفّلا لبيان العموم الزماني كتكفّله لبيان العموم الأفرادي، فعند الشكّ في التخصيص أو في مقداره يتمسّك بعموم الدليل.
و أمّا لو كان مصبّ العموم نفس الحكم كان العموم الزماني واردا على الحكم و واقعا فوق دائرة الحكم، و لأجل ذلك لا يصحّ أن يكون دليل الحكم متكفّلا لبيان العموم الزماني، بل لا بدّ من التماس دليل آخر يدلّ على عموم أزمنة وجود الحكم، فعند الشكّ في التخصيص أو في مقداره لا يجوز التمسّك بما دلّ على العموم الزماني، لأنّ الدليل إنّما كان متكفّلا لعموم أزمنة وجود الحكم، فلا يتكفّل أصل وجود الحكم.
و الشكّ في التخصيص الزماني يستتبع الشكّ في وجود الحكم، فلا يصحّ التمسّك بعموم ما دلّ على العموم الزماني ففي مثل قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» لو كان مصبّ العموم الزماني نفس لزوم العقد و وجوب الوفاء به كان مفاده- بضميمة دليل الحكمة الّتي اقتضت العموم الزماني- قضيّتين شرعيّتين:
الأولى وجوب الوفاء بكلّ عقد من أفراد العقود، و هذا هو المدلول المطابقي لقوله تعالى: «أوفوا بالعقود». و الثانية استمرار وجوب الوفاء بكلّ عقد في جميع الأزمنة. و هذه القضيّة الثانية هي الّتي تكفّل لبيانها دليل الحكمة، و واضح: أنّ القضيّة الثانية متفرّعة على القضيّة الأولى محمولا و موضوعا، فهي مشروطة بوجودها.
فلو شكّ في وجوب الوفاء بعقد من العقود في زمان فلا يمكن التمسّك بعموم ما دلّ على استمرار وجوب الوفاء في كلّ زمان، لأنّ المفروض: الشكّ في وجوب الوفاء بالعقد في الزمان الخاصّ، فيشكّ في موضوع ما دلّ على العموم الزماني فلا يصحّ الرجوع إليه، لأنّه لا يمكن إثبات الموضوع بالحكم، بل لا محيص من استصحاب بقاء وجوب الوفاء به الثابت قبل زمان الشكّ.
هذا إذا شكّ في أصل التخصيص. و لو شكّ في مقداره، كالمعاملة الغبنيّة - حيث إنّه علم بخروجها عن عموم وجوب الوفاء بالعقود و لكن تردّد زمان الخروج بين الأقلّ و الأكثر- فالمرجع فيما عدا القدر المتيقّن من زمان الخروج هو استصحاب حكم الخاصّ، و هو عدم وجوب الوفاء بها، فيثبت كون الخيار على التراخي، و لا يصحّ الرجوع إلى عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقد في كلّ زمان لإثبات كون الخيار على الفور.
فظهر ممّا ذكرنا: أنّه في كلّ مورد كان مصبّ العموم الزماني متعلّق الحكم فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه عند الشكّ في التخصيص الزماني أو في مقداره، بل لا بدّ فيه من الرجوع إلى عموم العامّ لو كان، و إلّا فإلى البراءة و الاشتغال، و في كلّ مورد كان مصبّ العموم الزماني نفس الحكم، فلا مجال للتمسّك فيه بالعامّ الزماني عند الشكّ في التخصيص أو في مقداره، بل لا بدّ فيه من الرجوع إلى الاستصحاب لو تمّت أركانه، و إلّا فإلى البراءة و الاشتغال.
و إلى ذلك يرجع ما أفاده الشيخ- قدّس سرّه- بقوله: «ثمّ إذا فرض خروج بعض الأفراد في بعض الأزمنة عن هذا العموم فشكّ فيما بعد ذلك الزمان بالنسبة إلى ذلك الفرد، هل هو ملحق به في الحكم أو ملحق بما قبله؟ الحقّ التفصيل في المقام بأن يقال: إن أخذ فيه عموم الأزمان أفراديّا بأن أخذ كلّ زمان موضوعا مستقلا بحكم مستقلّ لينحلّ العموم إلى أحكام متعدّدة بعدد الأزمان» إلى أن قال: «و إن أخذ لبيان الاستمرار كقوله: أكرم العلماء دائما ثمّ خرج فرد في زمان و شكّ في حكم ذلك الفرد» إلى آخر ما أفاده في المقام.
فانّ ما ذكره من التفصيل يرجع إلى ما ذكرناه. و المراد من قوله في الوجه الأوّل: «إن أخذ فيه عموم الأزمان أفراديّا» هو أخذ الزمان ظرفا لمتعلّق الحكم، بالبيان المتقدّم: من كون مصبّ العموم الزماني فعل المكلّف و ما هو الصادر عنه، و من قوله في الوجه الثاني: «و إن أخذ لبيان الاستمرار كقوله: أكرم العلماء» هو أخذ الزمان ظرفا للحكم، بأن يكون مصبّ العموم الزماني نفس الحكم الشرعي، و يتفرّع على ذلك عدم جريان الاستصحاب في الوجه الأوّل و جريانه في الوجه الثاني.
و قد خفي على بعض الأعلام مراد الشيخ- قدّس سرّه- و محلّ كلامه، و تخيّل أنّ ما ذكره من التفصيل بين الوجهين إنّما هو في مورد كان المتعلّق مصبّ العموم الزماني، فحمل قوله في الوجه الثاني: «و إن أخذ لبيان الاستمرار» على كون الاستمرار في الأزمنة أخذ بنحو العامّ المجموعي، و جعل مورد المنع عن الرجوع إلى العامّ ما إذا كان العموم الزماني ملحوظا في ناحية المتعلّق على جهة الارتباطيّة بنحو العامّ المجموعي، و مورد المنع عن الرجوع إلى الاستصحاب ما إذا كان العموم الزماني ملحوظا في ناحية المتعلّق على جهة الاستقلاليّة بنحو العامّ الأصولي.
ففتح على الشيخ- قدّس سرّه- باب الإيراد، و أشكل عليه بإشكالات كلّها مبنيّة على ما تخيّله: من أنّ محلّ النفي و الإثبات إنّما هو فيما إذا كان المتعلّق مصبّ العموم الزماني و لو كان محلّ النفي و الإثبات ذلك، فالحقّ مع المستشكل، و لكن قد عرفت: أنّ النفي و الإثبات لا يردان على محلّ واحد، بل مورد أحدهما ما إذا كان المتعلّق مصبّ العموم الزماني، و مورد الآخر ما إذا كان مصبّ العموم الزماني نفس الحكم الشرعي.
و عبارة الشيخ- قدّس سرّه- في «الفرائد» و إن كانت مجملة قابلة لأن يتوهّم منها اتّحاد مورد النفي و الإثبات، و لكن عبارته في «المكاسب»- في باب خيار الغبن- تنادي بالتغاير، و أنّ مورد النفي عن التمسّك بالعامّ هو ما إذا كان الحكم الشرعي مصبّ العموم الزماني و مورد إثبات التمسّك به هو ما إذا كان متعلّق الحكم مصبّ العموم الزماني، و على كلا التقديرين: يكون العموم الزماني ملحوظا على وجه الاستقلاليّة بنحو العامّ الأصولي، من غير فرق بين أن يكون بيان العموم الزماني بمثل قوله: «في كلّ زمان» أو «و يستمرّ» أو «دائما» و نحو ذلك من الألفاظ الموضوعة للعموم الزماني، فسواء قال: «الحكم موجود في كلّ زمان» أو قال: «الحكم يستمرّ في جميع الأزمنة» يكون المعنى واحدا، و ليس قوله: «في كلّ زمان» قرينة على لحاظ العموم الزماني بنحو العامّ الأصولي، و قوله: «و يستمرّ» قرينة على لحاظه بنحو العامّ المجموعي، و ذلك واضح.
فتحصّل: أنّه ليس مراد الشيخ من التفصيل بين الوجهين التفصيل بينهما في مورد يكون مصبّ العموم الزماني متعلّق الحكم، بل مصبّ العموم الزماني في أحد الوجهين هو متعلّق الحكم، و في الآخر نفس الحكم، فيستقيم حينئذ التفصيل في التمسّك بالعامّ في أحدهما و التمسّك بالاستصحاب في الآخر و لا يرد عليه شيء من الإشكالات، فتأمّل في أطراف ما ذكرناه جيّدا.
تكملة:
بعد ما تبيّن أنّ مورد التمسّك بالعامّ هو ما إذا كان مصبّ العموم الزماني متعلّق الحكم و مورد التمسّك بالاستصحاب هو ما إذا كان مصبّ العموم الزماني نفس الحكم، فيقع الكلام حينئذ في تشخيص المورد، و قبل ذلك ينبغي تأسيس الأصل عند الشكّ في مصبّ العموم، فنقول:
إنّه تارة: يشكّ في أصل العموم الزماني للحكم أو المتعلّق و عدمه، و فرض حصول الشكّ في العموم الزماني إنّما هو فيما إذا لم يلزم لغويّة تشريع الحكم مع عدم العموم الزماني بأحد الوجهين، و إلّا فلا يمكن حصول الشكّ فيه، كما لا يخفى.
و أخرى: يعلم بالعموم الزماني و يشكّ في مصبّه.
فان كان الشكّ في أصل العموم الزماني فلا إشكال في أنّ الأصل يقتضي عدمه لأنّ أخذ العموم الزماني قيدا للحكم أو للمتعلّق يتوقّف على لحاظه ثبوتا و بيانه إثباتا، فلو قال: «أكرم العلماء» و شكّ في استمرار الوجوب في جميع الأيّام أو شكّ في كون الإكرام في جميع الأيام واجبا، ففي ما عدا اليوم الأوّل لا يجب الإكرام، لأصالة البراءة عنه، و ذلك واضح.
و إن كان الشكّ في مصبّ العموم الزماني بعد العلم به فلا إشكال أيضا في أنّ الأصل اللفظي يقتضي عدم كون المتعلّق مصبّ العموم الزماني، فانّ الشكّ في ذلك يرجع إلى الشكّ في تقييد المتعلّق بقيد زائد، و أصالة الإطلاق تقتضي عدم التقييد، و ليس العموم الزماني من القيود الّتي لا يمكن أخذه في المتعلّق حتّى لا يصحّ التمسّك بالإطلاق، لأنّه قد تقدّم أنّ اعتبار العموم الزماني في ناحية المتعلّق ممّا يمكن أن يتكفّل بيانه نفس دليل الحكم، فيقول: «أكرم العلماء في كلّ يوم» أو «مستمرا» فعند الشكّ في اعتبار العموم الزماني في ناحية المتعلّق يرجع إلى أصالة الإطلاق، و يتعيّن حينئذ أن يكون مصبّه نفس الحكم الشرعي، للعلم باعتبار العموم الزماني، فإذا كان الأصل عدم اعتباره في المتعلق يتعيّن اعتباره في الحكم، لأنّ دليل الحكمة تقتضي ذلك.
و لا يتوهّم: أن إطلاق الحكم يقتضي عدم أخذ العموم الزماني قيدا له، لما عرفت: من أنّ دليل الحكم لا يمكن أن يتكفّل لبيان أزمنة وجوده، بل لا بدّ من أن يكون بيانه بدليل منفصل آخر [1] فإذا لم يقم دليل لفظي على اعتباره في المتعلّق، فدليل الحكمة يقتضي اعتباره في ناحية الحكم، لأنّ دليل الحكمة إنّما يجري لبيان الأحكام و تشخيص مرادات الآمر، و من جملة مقدّمات الحكمة في المقام إطلاق المتعلّق و عدم تقييده بالعموم الزماني، فانّه مع تقييد المتعلّق بذلك لا تصل النوبة إلى التمسّك بمقدّمات الحكمة، لأنّ أخذه في ناحية المتعلّق يغني عن أخذه في ناحية الحكم، كما أنّ أخذه في ناحية الحكم يغني عن أخذ في ناحية المتعلّق، لما تقدّم في بعض الأمور السابقة: من اتّحاد نتيجة أخذ العموم الزماني في ناحية الحكم أو المتعلّق. و إنّما تظهر الثمرة بين الوجهين في جواز التمسّك بالعامّ أو الرجوع إلى الاستصحاب- بالبيان المتقدّم- و إلّا فبحسب النتيجة العمليّة لا فرق بين أخذ الزمان قيدا للحكم أو للمتعلّق، فإذا لم يقيّد المتعلّق بالعموم الزماني كان قيدا للحكم لا محالة، لجريان أصالة الإطلاق في ناحية المتعلّق و عدم جريانها في ناحية الحكم، فتأمّل جيّدا.
فتحصّل: أنّ في كلّ مورد شكّ في مصبّ العموم الزماني بعد العلم به فالأصل يقتضي أن يكون مصبّه نفس الحكم الشرعي لا المتعلّق، و يترتّب عليه ما تقدّم: من عدم جواز الرجوع إلى العموم عند الشكّ في التخصيص أو في مقداره، بل لا بدّ من الرجوع إلى الاستصحاب.
إذا عرفت ذلك، فاعلم: أنّ الأحكام الشرعيّة تنقسم إلى تكليفيّة و وضعيّة، و التكليفيّة تنقسم إلى الأوامر و النواهي.
أمّا الأحكام الوضعيّة: فمصبّ العموم الزماني فيها ينحصر أن يكون نفس الحكم الوضعيّ بناء على المختار من أنّ الأحكام الوضعيّة بنفسها مجعولة ما عدا السببيّة و الجزئيّة و الشرطيّة و المانعيّة، فانّه على هذا ليس في البين متعلّق حتّى يمكن أخذه مصبّا للعموم الزماني، لأنّ المتعلّق عبارة عن الفعل الّذي تعلّق به التكليف أمرا أو نهيا، و أمّا الأحكام الوضعيّة: فليس لها متعلّقات لكي يبحث فيها عن مصبّ العموم الزماني، فينحصر أن يكون مصبّ العموم فيها نفس الحكم الوضعيّ: من الطهارة و النجاسة و الملكيّة و الزوجيّة و الرّقيّة و غير ذلك من الاعتبارات العرفيّة و الأحكام الوضعيّة، فيكون المرجع عند الشكّ في التخصيص الزماني فيها هو الاستصحاب.
و منه يظهر: عدم جواز التمسّك بعموم قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» لإثبات فوريّة الخيار في المعاملات الغبنيّة، بل لا بدّ من استصحاب بقاء الخيار في كلّ زمان شكّ فيه بعد العلم بثبوته عند ظهور الغبن، لأنّ مفاد قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» ليس وجوب الوفاء به تكليفا و حرمة التصرّف فيما انتقل عن المتعاقدين، بل مفاد لزوم العقد و عدم انفساخه بالفسخ، فيكون مدلوله حكما وضعيّا، و مصبّ العموم الزماني فيه نفس لزوم العقد، و في مثله لا مجال للتمسّك بالعموم.
فظهر: أنّه في الأحكام الوضعيّة يكون العموم الزماني فيها قيدا لنفس الحكم بناء على كونها متأصّلة بالجعل، بل و لو قلنا: بكونها منتزعة عن التكليف، كما هو مختار الشيخ- قدّس سرّه- فانّ أقصى ما يلزم منه هو إمكان أن يكون مصبّ العموم الزماني فيها متعلّق التكليف، و لكن مجرّد إمكان ذلك لا يقتضي كونه مصبّ العموم الزماني ما لم يقم دليل على أخذه في ناحية المتعلّق، لما عرفت:
من أنّ الأصل فيما لم يقم دليل على ذلك هو أن يكون مصبّ العموم نفس الحكم الشرعيّ، و من المعلوم: أنّه لم يقم دليل على أخذ العموم الزماني قيدا في ناحية المتعلّق في باب الأحكام الوضعيّة، فدليل الحكمة تقتضي أن يكون مصبّه نفس الحكم الوضعي على المختار أو الحكم التكليفي على مختار الشيخ- قدّس سرّه- ففي باب الوضعيّات لو شكّ في تخصيص العموم الزماني أو في مقداره لا مجال للرجوع إلى العموم، بل لا بدّ من الرجوع إلى استصحاب حكم العام في الأوّل و استصحاب حكم الخاصّ في الثاني.
و أمّا في باب التكاليف: ففي التكاليف التحريميّة يمكن أن يكون مصبّ العموم الزماني فيها متعلّق الحكم، كما يمكن أن يكون نفس الحكم بعد ما كانت التكاليف التحريميّة مستمرّة في الأزمنة و لها عموم زماني، فيمكن أن يكون مصبّ العموم الزماني في مثل قوله: «لا تشرب الخمر» متعلّق النهي فيكون الشرب في كلّ زمان حراما، و يمكن أن يكون مصبّ العموم نفس الحكم فتكون حرمة الشرب مستمرّة في جميع الأزمنة.
فعلى الأوّل: يكون المرجع عند الشكّ في التخصيص أو في مقداره هو العموم، فلو شكّ في حرمة شرب الخمر في زمان المرض أو شكّ في حرمته في زمان تخفيف المرض بعد العلم بعدم الحرمة في زمان اشتداد المرض يرجع إلى عموم قوله: «لا تشرب الخمر» و لا يجري استصحاب الحرمة في الأوّل و استصحاب الترخيص في الثاني.
و على الثاني: لا يكون المرجع عند الشكّ في التخصيص أو في مقداره عموم قوله: «لا تشرب الخمر» بل لا بدّ من استصحاب الحرمة في الأوّل و استصحاب الترخيص في الثاني.
و هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه، إنّما الإشكال فيما هو الصحيح من الوجهين، فقد يقال: إنّ مصبّ العموم الزماني في باب النواهي إنّما يكون متعلّق النهي بتقريب أنّ تعلّق النهي أو النفي بالطبيعة المرسلة بنفسه يقتضي ترك جميع الأفراد العرضيّة و الطوليّة المتدرّجة في الأزمنة، لا ترك خصوص الأفراد العرضيّة، فيكون النهي بمدلوله اللفظي يقتضي العموم الزماني، و قد تقدّم: أنّ دليل الحكم إنّما يمكن أن يتكفّل لبيان العموم الزماني المأخوذ في ناحية المتعلّق و لا يمكن أن يتكفّل لبيان العموم الزماني المأخوذ في ناحية الحكم، فإذا كان قوله: «لا تشرب الخمر» بنفسه يدلّ على العموم الزماني، فلا بدّ و أن يكون مصبّ العموم الزماني شرب الخمر، لا الحرمة.
هذا، و لكن يمكن أن يقال: إنّ النهي أو النفي بنفسه لا يدلّ على أزيد من ترك الأفراد العرضيّة، و أمّا ترك الأفراد الطوليّة: فهو إنّما يستفاد من دليل الحكمة و إطلاق النهي و قد تقدّم: أنّه إذا استفيد العموم الزماني من دليل الحكمة فلا بدّ و أن يكون مصبّه نفس الحكم الشرعي، لا متعلّقه.
و قد اختلفت كلمات شيخنا الأستاذ- مدّ ظلّه- في ذلك، ففي الفقه- عند البحث عن خيار الغبن- رجّح عدم دلالة النهي و النفي على ترك الأفراد الطوليّة و إنّما يستفاد العموم الزماني بالنسبة إلى الأفراد الطوليّة من دليل الحكمة، و في الأصول توقّف في ابتداء الأمر و لم يرجّح أحد الوجهين، و لكن أخيرا مال إلى أنّ النهي إنّما يتعلّق بالقدر المشترك بين الأفراد العرضيّة و الطوليّة المتدرّجة في الزمان، سواء كان للنهي تعلّق بالموضوع الخارجي كالنهي عن شرب الخمر، أو لم يكن له تعلّق بالموضوع الخارجي كالنهي عن الغناء، غايته أنّه في الأول يدوم النهي بدوام وجود الموضوع خارجا، و في الثاني يكون دوامه ببقاء المكلّف على شرائط التكليف، فليس النهي بمدلوله اللفظي يدلّ على العموم الزماني.
و قد حكي عن الأصحاب: أنّ بنائهم على التمسّك بالاستصحاب في موارد الشكّ في التخصيص الزماني أو في مقداره، و كأنّهم جعلوا مصبّ العموم الزماني نفس الحكم لا متعلّقه، فتأمّل في المقام فانّه بعد يحتاج إلى زيادة بيان.
ثمّ لا يخفى عليك: أنّه لو بنينا على أنّ النهي بمدلوله اللفظي يدلّ على العموم الزماني و أنّ مصبّ العموم هو المتعلّق، فالتمسّك به في موارد الشكّ في التخصيص أو في مقداره إنّما يصحّ إذا كان لدليل الحكم إطلاق بالنسبة إلى الحالات و الطواري اللاحقة للمكلّف: من المرض و الصحّة و الاختيار و الاضطرار و نحو ذلك، فلو لم يكن لدليل الحكم إطلاق بالنسبة إلى الطواري لا يصحّ التمسّك بالعموم الزماني إذا شكّ في حرمة المتعلّق عند عروض بعض الطواري، بل لا بدّ من الرجوع إلى الاستصحاب، فانّ العموم الزماني إنّما يكون في طول العموم الأفرادي و الأحوالي، فالعموم الزماني إنّما ينفع إذا كان الشكّ متمحّضا من حيث الزمان، فإذا كان لدليل الحكم إطلاق بالنسبة إلى الأفراد و الأحوال كان المرجع عند الشكّ في التخصيص الزماني هو العموم. و لا يتوهّم:
أنّ العموم الزماني يغني عن الإطلاق الأحوالي، بل نحتاج في رفع الشكّ إلى كلّ منهما، و ذلك واضح. هذا كلّه في التكاليف التحريميّة.
و أمّا التكاليف الوجوبيّة: فما كان منها من الأصول الاعتقاديّة كقوله تعالى: «آمنوا باللَّه و رسوله» فيمكن أيضا أن يكون مصبّ العموم الزماني فيها نفس الوجوب، و يمكن أيضا أن يكون مصبّ العموم متعلّق الحكم، و لا يترتّب على الوجهين ثمرة عمليّة، لأنّه لا يحصل الشكّ في التخصيص الزماني فيها، و على فرض حصوله فلا يجري فيها الاستصحاب، لأنّه لا يعتبر فيها عقد القلب و الاعتقاد، و الاستصحاب لا يوجب ذلك.
و ما كان منها من الفروع الدينيّة: كقوله تعالى: «يا أيّها الّذين آمنوا أقيموا الصلاة» و كقوله تعالى: «كتب عليكم الصيام» و غير ذلك من الأحكام الوجوديّة، فان كان للزمان دخل في ملاك الحكم و المصلحة الّتي اقتضت تشريع الوجوب- كالصوم- فلا إشكال أيضا في صحّة كون العموم الزماني قيدا للحكم، فيكون وجوب الصوم مثلا مستمرّا من الطلوع إلى الغروب، و يمكن كونه قيدا للمتعلّق، فيكون الإمساك من الطلوع إلى الغروب واجبا، فان كان في البين قرينة على كونه قيدا للمتعلّق فهو، و إلّا فلا بدّ و أن يكون قيدا للحكم، كما تقدّم.
و تظهر الثمرة بين الوجهين: في وجوب الإمساك في بعض النهار مع العلم بعدم تعقّبه بالإمساك في بقيّة النهار لاختلال بعض شرائط التكليف، كما لو علمت المرأة أنّها تحيض في آخر النهار، أو علم المكلّف أنّه يسافر قبل الزوال فانّه لو كان الاستمرار قيدا للطلب: فمقتضى القاعدة وجوب الإمساك في جزء من النهار و لو مع العلم بعدم تعقّبه بسائر الأجزاء و مع المخالفة تجب الكفّارة، لأنّ الطلب محفوظ ما دامت الشرائط موجودة، و لا عبرة بفقدانها في آخر النهار بعد ما كان المكلّف واجدا لها في أوّل النهار، فانّ وجوب الإمساك في كلّ جزء من أجزاء النهار تابع لدليل الحكم، فإذا دلّ الدليل على استمرار الحكم في جميع أجزاء النهار، فمعناه «أنّه يجب الإمساك في كلّ جزء من النهار إذا كان المكلّف واجدا للشرائط» فلا يتوقّف وجوب الإمساك في أوّل النهار على وجوبه في آخر النهار، فانّه لا معنى لاشتراط الحكم في أوّل النهار بتعقّبه بالحكم في آخر النهار، هذا إذا كان الاستمرار قيدا للطلب.
و إن كان الاستمرار قيدا للمطلوب- و هو الإمساك- فلازمه أن يكون وجوب الإمساك إلى الغروب فعليّا من أوّل الطلوع، لأنّه مع عدم فعليّته لا يجب الإمساك من أوّل الطلوع، فوجوب الإمساك في أوّل الطلوع لا يمكن إلّا إذا كان التكليف بالإمساك إلى الغروب فعليّا من أوّل الطلوع، و لازم فعليّته- مع كون المطلوب أمرا مستمرّا إلى الغروب- هو أن يكون الشرط في صحّة الإمساك في أوّل الطلوع تعقّبه بالإمساك في بقيّة النهار جامعا لشرائط التكليف، و هذا المعنى من الشرط المتأخّر لا محيص عنه في جميع أجزاء المركّبات الارتباطيّة، كما تقدّم الكلام فيه في الجزء الأول من الكتاب. فلو علم المكلّف بعدم تعقّب الإمساك في أوّل النهار بالإمساك في بقيّة النهار لاختلال شرائط التكليف في أثناء النهار، فمقتضى القاعدة عدم وجوب الإمساك في أوّل النهار و عدم وجوب الكفّارة عليه مع عدم الإمساك قبل اختلال الشرائط، فلا بدّ من قيام دليل على وجوب الإمساك و الكفّارة عند تركه مع العلم بعدم تعقّب الإمساك في أوّل النهار بالإمساك في بقيّة النهار لاختلال شرائط التكليف، فتأمّل جيّدا.
هذا إذا كان للزمان دخل في المصلحة و الملاك. و إن لم يكن للزمان دخل في ذلك، كالصلاة بالنسبة إلى الأزمنة الّتي تكون ظرفا لإيقاعها، فقد يتوهّم:
أنّ العموم الزماني لا يمكن أن يكون قيدا للحكم، فانّ استمرار الحكم في جميع الأزمنة يقتضي اشتغال المكلّف بالصلاة مثلا في كلّ زمان.
و لا يخفى ضعفه، فانّ استمرار الحكم إنّما يعتبر في الأزمنة الّتي تكون ظرفا لإيجاد المتعلّق فيها، فإذا فرض أنّ ظرف إيجاد الصلاة بحسب الجعل الشرعي كان في أوّل زوال الشمس و في العصر و المغرب و الصبح كذلك، فمعنى استمرار الحكم هو بقاء وجوب الصلاة في جميع الأيّام في تلك الأوقات، و عدم اتّصال أزمنة امتثال الصلوات لا يضرّ باتّصال الحكم و استمراره في أزمنة إيجاد المتعلّق، ففي باب الصلاة أيضا يمكن أن يكون مصبّ العموم الزماني نفس الحكم، و يمكن أن يكون المتعلّق.
و تظهر الثمرة بين الوجهين: فيما إذا خرج المقيم عن بلد الإقامة من دون أن يعزم على إنشاء سفر جديد و قلنا: بأنّ الإقامة قاطعة للسفر حكما لا موضوعا، فانّه لو كان العموم الزماني ظرفا للحكم و كان وجوب القصر على المسافر مستمرّا إلى أن ينقطع سفره، فعند الشكّ في وجوب القصر أو التمام في مدّة خروجه عن بلد الإقامة قبل إنشاء سفر جديد يرجع إلى استصحاب وجوب التمام الّذي كان ثابتا في حال الإقامة قبل الخروج عن بلدها. و لو كان العموم الزماني ظرفا للمتعلّق و كان القصر في كلّ صلاة رباعيّة في جميع أزمنة السفر واجبا، ففي المثال يرجع إلى العموم و يجب عليه القصر، فانّ المقدار المتيقّن في تخصيص العموم هو ما دام كونه في بلد الإقامة، فإذا خرج عن بلد الإقامة يجب عليه القصر.
نعم: لو قلنا: بأنّ الإقامة قاطعة للسفر موضوعا- كما هو أقوى الوجهين فيها- فالواجب هو التمام ما لم ينشأ سفرا جديدا، سواء كان الزمان ظرفا للحكم أو للمتعلّق، و ذلك واضح.
و كذا الكلام فيمن رجع عن قصد المعصية في أثناء السفر و لم يكن الباقي قدر المسافة، ففي وجوب القصر أو التمام عليه وجهان: مبنيّان على أنّ أزمنة السفر أخذت ظرفا للحكم أو للمتعلّق، فعلى الأوّل: يجب عليه التمام، لاستصحاب حكم الزمان الّذي كان قاصدا فيه المعصية. و على الثاني: يجب عليه القصر، لعموم ما دلّ على وجوب القصر في كلّ صلاة ما دام في السفر، و القدر المتيقّن خروجه عن العموم هو ما دام كونه قاصدا للمعصية. و المسألة فقهيّة، توضيحها موكول إلى محلّه، فتأمّل في أطراف ما ذكرناه جيّدا لكي لا يشتبه عليك الأمر.
(فوائد الاصول، جلد ۴، صفحه ۵۳۱)
برچسب ها: استصحاب