الواجب النّفسيّ والواجب الغيريّ (الدرس ۶۴)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الدرس ۶۴

قبل الشّروع في تقسيم الواجب إلى نفسيّ وغيريّ لا بدّ من الإشارة إلى تتمّة ترتبط بكلام المحقّق النّائينيّ رحمه الله عند الشّكّ في رجوع القيد إلى الهيئة أو المادّة والّذي صار منشأ لكلام للسّيّد الصّدر.

التزم المحقّق النّائينيّ في نهاية بحث دوران تعلّق القيد بين المادّة والهيئة بتعلّقه بالمادّة وفاقًا للشّيخ رحمه الله، فيتقيّد الواجب لا الوجوب وإن كان قد أشكل أوّلًا على كلام الشّيخ في كيفيّة الإرجاع لكنّه في نهاية المطلب وافقه على مستوى النّتيجة.

ادّعى المحقّق النّائينيّ في المقام ضرورة رجوع القيد إلى المادّة وإن كان في كلامه شيء من الاضطراب. وذلك خلافًا لصاحب الكفاية الّذي قال بالإجمال لأنّ القيد قيد متّصل.

وعلّل النّائينيّ ذلك بأنّ تعلّق القيد بالهيئة مستدعٍ لكلفة ومؤونة زائدة وتكرّر ذلك في كلامه[1]. وهذا المدّعى يشمل فرض القيد والمخصّص المنفصل بحسب ظاهر كلامه، إذ يقول حتّى ولو كان القيد من قبيل الإجماع والدّليل اللّبيّ[2] فإنّه فيه  أيضًا يتعلّق القيد بالمادّة لأنّه تعلّقه بالهيئة سيستدعي كلفة زائدة.

ثمّ ادّعى الميرزا دعوى إضافيّة في المقام مفادها: أنّ مقتضى الوضع النّوعي أو الاستعمال النّوعيّ للقيود[3] هو تعلّقها بالموادّ لا بالهيئات، ففي حال الدّوران يلحق الظّنّ الشّيء بالأعمّ الأغلب، فنقول بتعلّق القيد بالمادّة عند الدّوران الّذي يُفرض فيه القيد من قبيل الحال وهو فرض كلامه، لأجل قرينة كون الاستعمالات النّوعيّة على هذا النّحو.

والكلام نفسه يأتي في القيد المنفصل وإن كان قد أورده المحقّق النّائينيّ في القيد المتّصل لكن بصورة مطلقة، وفصّل السّيد الصّدر في بحث الشّكّ في إرجاع القيد بما يشبه ذلك.

يقول السّيد الصّدر حيث يكون القيد جملة مستقلّة متّصلة بالكلام[4] لا بدّ أن يقال بفصل هذا القيد عن الهيئة وبضرورة لحاظه مستقلًّا عنها بحيث لا يوجب إجمالًا في الكلام، فنعامل القيد الّذي على نحو جملة مستقلّة ولو اتّصل بالكلام معاملة القيد المنفصل.

وبالتّالي فقد بنى السّيّد الشّهيد تفصيله على هذا على أنّه لو جاء القيد على نحو جملة مستقلّة فإنّه يكون من قبيل القيد المنفصل، في حين أنّ قاعدة إن كان في الكلام ما يصلح للقرينيّة فإنّه يوجب الإجمال تجري بلا فرق بين كون هذا القيد قد أورد على نحو الجملة المستقلّة أو غير المستقلّة.

ولعلّ الّذي دفع الأعلام إلى القول بهذه المقالة هو انعقاد ظهور بدويّ للكلام في فرض كون القيد جملة مستقلّة ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظّهور المنعقد حتّى يثبت خلافه.

مع أنّ الملاك في انعقاد الظّهور على مستوى الدّلالة لا بحسب الحجّيّة ليس هو ذاك الظّهور البدويّ بل الظّهور المتحصّل من ضمّ الكلام بعضه إلى بعض وضمّ ما يكون من قبيل الملحق بالكلام، وما قلناه من أنّ وجود ما يصلح للقرينيّة يوجب الإجمال لا فرق فيه بين ما وقع في ضمن الكلام على نحو غير مستقلّ وبين ما كان بصورة مستقلّة وألحق بالكلام بحيث عدّ كلامًا واحدًا. فما دام لم يأت في كلام منفصل عن الكلام الأوّل لا بدّ أن نلتزم بكونه موجبًا للإجمال، وما جاء في كلام السّيّد الصّدر وبدت جذوره في كلام المحقّق النّائينيّ وهو ممّا لا موجب للقول به والرّكون إليه.

أمّا ما ذكره المحقّق النّائينيّ من أنّ القيد لو كان من قبيل الدّليل اللّبيّ بحيث ثبت بالإجماع فإنّه يلحق بالمادّة لا بالهيئة لاستلزامه لكلفة زائدة، فلا معنى محصّل له وأنا لم أفهم ماذا أراد أن يقول المحقّق النّائينيّ:

فإن كان مراده أنّ الدّليل اللّبيّ هو من قبيل القيد المنفصل كالإجماع الّذي لا يُعدّ من قبيل الأحكام القطعيّة الضّروريّة فشأنه شأن الدّليل اللّفظيّ المنفصل لا أرفع درجة مع أنّه لبّيّ والكلام فيه هو الكلام في ذاك بلا فرق، فلم أفهم كيف يكون تعلّقه بالمادّة ضروريًّا هنا لأنّ تعلّقه بالهيئة يستلزم كلفة زائدة.

وإن كان مراده من الدّليل اللّبيّ ما يكون محتفًّا بالكلام كالإجماع المكتنف الكلام، فإنّه يكون مانعًا عن انعقاد الظّهور رأسًا وشأنه شأن القيد المتّصل.

فما معنى أن يجعل له شأنًا خاصًّا ويفرد له فرضًا مستقلًّا؟ الأمر فيه دائر بين كون هذا الدّليل اللّبيّ من قبيل القرينة المتّصلة فيمنع عن انعقاد الظّهور أو من قبيل القرينة المنفصلة فلا تأثير له في إيجاب إجمال في الكام بل شأنه شأن الدّليل اللّفظيّ المنفصل، والدّليل اللّفظيّ المنفصل لا يؤثّر في ظهور الدّليل السّابق. ومقتضى القاعدة فيه رفع اليد عن الظّهور المنعقد للدّليل بالقدر المتيقّن وقد تقدّم أنّ القدر المتيقّن هو رفع اليد عن إطلاق المادّة دون الهيئة.

الواجب النّفسيّ والواجب الغيريّ

من تقسيمات الواجب تقسيمه إلى نفسيّ وغيريّ بحيث يختلف أثر كلّ منهما، فللواجب النّفسيّ طاعة وعصيان مستقلّان فيما ليس الأمر كذلك في مورد الواجب الغيريّ بل هو دخيل في تحقّق الواجب النّفسيّ، بلا فرق بين المقدّمات الوجوديّة للواجب من قبيل نصب السّلّم وبين المقدّمات الشّرعيّة مثل الطّهارة. فمن صلّى بعد الوضوء لم يمتثل امتثالان بل امتثل امتثالًا واحدًا، نعم لكون الوضوء ذا مطلوبيّة نفسيّة فله من هذه الجهة شأن آخر. ولكن لو مثّلنا بتقيّد الصّلاة بالقبلة أي بشرطيّة القبلة، فليس في المقام امتثالان أحدهما هو التّوجّه إلى القبلة والآخر هو أداء الصّلاة ومثلها الطّهارة للصلاة وغيرها من شروط وعدم موانع مأخوذة في الصّلاة وغيرها.

ومن الآثار الّتي ستأتي أنّ الواجب الغيريّ لا يكون منشأً للتقرّب والعباديّة فيتعيّن أن يكون واجبًا توصّليًّا لأنّ حيثيّة الغيريّة الّتي فيه لا اقتضاء فيها للعباديّة ومن هنا جاء الكلام في تصحيح اشتراط قصد القربة في الطّهارات الثّلاث وسيأتي الكلام فيها في تتمّةٍ أشار إليها الشّيخ الآخوند بعد الفراغ عن بيان حقيقة الواجب النّفسيّ والغيريّ وتفاوتهما. هذا وفي المقابل يمكن أن يكون الواجب النّفسي تعبّديًّا وكذا توصّليًّا.

هذا كلّه بلحاظ الأثر ومتى وُجد اختلاف على مستوى الأثر لا نرتاب في نشوء ذلك عن منشأين مختلفين في الماهيّة والحقيقة ولذلك وقع الكلام في بيان حقيقة كلّ منهما. فلا يكفي أن نعرّفهما بالأثر فنقول الواجب النّفسيّ هو ما له إطاعة وعصيان مستقلّان فيما الغيريّ ليس له ذلك فإنّ هذا تعريف باللّازم وإنما اختلف اللّازم لاختلاف الملزوم.

ولذلك تصدّى الشّيخ الآخوند رحمه الله لتعريفهما فذكر ابتداءً تعريفًا من قِبله ثمّ أشكل عليه ثمّ تعرّض لفنقلة ثمّ دفاع عن تعريفه ليصل في الختام إلى تتميمه والاستقرار عليه.

تعريفه: الإيجاب لا بدّ أن يكون متحقّقًا عن داعٍ كما أنّ الواجب لا بدّ أن يكون عن داعٍ، واختلاف الواجبات في دواعيها غير اختلاف الإيجابات في دواعيها.[5]

فإيجاب الشّارع لا يكون إلّا عن داعٍ وهناك داعٍ آخر استدعى وجوب الشّيء الّذي أوجبه الشّارع وهو ملاك الفعل الموجب.

مثلًا يكون وجوب الصّلاة بداعي النّهي عن الفحشاء والمنكر أي ملاك وجوبها ومطلوبيّتها كونها منشأً للانتهاء عن الفحشاء والمنكر مثلًا.

لكن لماذا أوجب الشّارع ذلك؟ إيجاب الشّارع لا بدّ أن يكون لداعٍ، وليس الدّاعي وراء إيجاب الصّلاة هو إيجاب شيء آخر بل لأجل إيجابه بنفسه أوجبه، إيجابه لم يكن بداعي إيجاب شيء آخر.

في المقابل، الوضوء مثلًا إنّما أوجبه الشّارع لأجل الصّلاة أي لأنّه يريد تحقّق ذاك الواجب الآخر، وليس الأمر كذلك في مورد الصّلاة، فهو يوجبها لنفسها لا لأجل واجب آخر. من هنا فالإيجاب لا لداعي شيء آخر يكون في مقام الواجب النّفسيّ فيما يكون الإيجاب بداعي شيء آخر في الواجب الغيريّ.

إيجاب الوضوء لأجل إيجاب الصّلاة أمّا إيجاب الصّلاة لا لأجل إيجاب شيء آخر فهي واجب نفسيّ وإن كان سيترتّب عليها فائدة هي ملاك وجوبها لا ملاك إيجابها.

فليس الملاك في النّفسيّة والغيريّة هو داعي الواجب بل الملاك هو داعي الإيجاب.

بعد ذلك ذكر الشّيخ الآخوند إشكالًا مفاده:[6]

إذا كان الوجوب في الواجب النّفسيّ قد حصل لأجل تلك الفائدة ولو كان الإيجاب هو لا لداعي واجب آخر، لكنّ الإيجاب إذا وقع لوجود تلك الفائدة بحيث لو لم تكن لما كان الشّارع قد أوجبه رأسًا، فهذا يرجع إلى الواجب الغيريّ.

فلو كان إيجاب المولى للصّلاة مثلًا هو لوجود فائدة تترتّب عليها بحيث لولاها لما أوجب الصّلاة، فما الفرق بين إيجاب الصّلاة وإيجاب الوضوء لتقول إنّ الوضوء غيريّ لأنّه مجعول لترتّب صحّة الصّلاة فيما الصّلاة نفسيّة والحال أنّ الدّاعي لإيجاب كليهما هو ترتّب شيء آخر سواء كان فائدة في مثل الصّلاة كالانتهاء عن الفحشاء والمنكر أم ترتّب واجب آخر كما في الوضوء.

هنا يظهر كما لو أنّ الشّيخ الآخوند قد هدم التّعريف ثمّ يقول:

فإن قلت: فرق بين مثل الصّلاة وما يترتّب عليها من فائدة وبين مثل الوضوء، بأنّ ترتّب الصّلاة على الوضوء ترتّب اختياريّ لا قهريّ فيصير الوضوء واجبًا غيريًّا، أمّا ترتّب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر على الصّلاة قهريّ لا اختياريّ وعقلًا لا بدّ أن يتعلّق التّكليف بأمر مقدور ولأنّه كذلك يتعلّق الوجوب الصّلاة لا بالانتهاء عن الفحشاء والمنكر. فيما الواجب الغيريّ هو ما وجب لأجل واجب آخر، كالوضوء هو واجب لواجب آخر هي الصّلاة، فالصّلاة مقدورة وتقع متعلّقًا للوجوب لكن لا يمكنك أن تقول إنّ الصّلاة وجبت لواجب آخر هو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر لأنّ الانتهاء لا يمكن أن يكون واجبًا لكونه غير مقدور للمكلّف.

هذا الإشكال ينسب إلى صاحب المعالم في دفاعه عن تعريف الواجب الغيريّ من أنّه ما وجب لواجب آخر مقابل ما وجب لا لواجب آخر وهو النّفسيّ.

قلت: لا أقبل بهذا الدّفاع، فالانتهاء عن الفحشاء والمنكر وإن كان ترتّبه قهريًّا إلّا أنّه مقدور للمكلّف بالواسطة وما كان مقدورًا بالواسطة فهو مقدور ولا تشترط القدرة المباشرة لصحّة التّكليف بل تكفي ولو بالواسطة.[7]

وعليه فلا مانع من إيجاب تلك الفائدة بالواسطة فعاد الإشكال بلا جواب ولم يتّضح الفرق بين الواجب النّفسيّ والغيريّ لرجوع النّفسيّ إلى الغيريّ، فالوضوء يجب لأجل واجب آخر يترتّب اختيارًا والصّلاة تجب لأجل واجب آخر يترتّب قهرًا بحيث لا يمنع هذا التّرتّب القهريّ عن الإيجاب لكونه ترتّبًا مقدورًا بالواسطة.

ثمّ شرع الشّيخ الآخوند في الدّفاع عن التّعريف بضمّ ضميمة وهي:[8]

الفرق بين الواجب النّفسيّ والواجب الغيريّ هو أنّ الأوّل له حسن ذاتيّ فيما الثّاني حسنه مقدّمي. فهنا بدّل تعبير ما وجب لنفسه وما وجب لغيره بحيث يكون ما وجب لنفسه أي ما هو حسن ذاتًا في حدّ ذاته وما وجب لغيره أي ما كان حسنه بعنوان المقدّميّة لا بعنوان آخر.

فالواجب الّذي يجب لأجل داعٍ يجعله حسنًا ذاتًا هو واجب نفسيّ، يجعل الدّاعي له حسنًا ذاتيًّا؟، فليس ملاك حسنه مقدّميّته للفائدة، نعم كونه مقدّمة للفائدة هو الدّاعي وراء مطلوبيّته لا قيد مطلوبيّته.

المسألة تحتاج إلى دقّة لأنّ حيثيّة الغير دخيلة في كليهما لكن يختلف نحو الدّخالة المفروض.

إذا كان ذاك الغير المطلوب موجبًا لتحقّق  حسن ذاتيّ في هذا الشّيء وموجبًا لمطلوبيّة ذاتيّة لهذا الشّيء ولو لأجل ذاك الغير ولأجل ترتّب تلك الفائدة القهريّة عليه لكن نتيجته أن يصير هذا الشّيء بنفسه وعنوانه حسن، فهذا واجب نفسيّ،

أمّا إذا كان تمام ملاك حسنه هو ترتّب الغير عليه وتمام مطلوبيّته هو كونه دخيلًا في تحقّق الغير وليس له أيّ عنوان حسن ذاتيّ وشخصيّ ولو بداعي ترتّب الغير، فهذا يكون واجبًا غيريًّا.

الصّلاة مثلًا واجب نفسيّ ولو كانت مطلوبة بداعي ترتّب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر لكن تلك المطلوبيّة تعلّقت بها بحدّ نفسها بعلّة ذاك الدّاعي،

أمّا في نصب السّلّم مثلًا فإنّ تمام مطلوبيّته هو عنوان مقدّميّته أي تلك المقدّميّة حيثيّة موجبة لتلك المطلوبيّة فقط لا غير، فحيثيّة المطلوبيّة هي المقدّميّة فقط. فيما الأمر على خلافه في النّفسيّ حيث تكون المقدّميّة حيثيّة تعليليّة لاتّصاف الذّات بالحسن لا حيثيّة تقييديّة يكون مفادها أنّ عنوان المقدّميّة هو المطلوب، الصّلاة بذاتها وبعنوانها مطلوبة أمّا لماذا هي مطلوبة ذاتًا؟ لأنّ ذاك الأثر يترتّب عليها.

مثال آخر:

شرب الماء للعطشان له مطلوبيّة ذاتيّة مع أنّه كان بداعي رفع العطش ولولا ذاك الدّاعي لما كان مطلوبًا، لكن مع وجود ذاك الدّاعي اتّصف شرب الماء بالمطلوبيّة الذّاتيّة حيث يترتّب عليه رفع العطش،

أمّا نصب السّلّم فلا مطلوبيّة ذاتيّة له، لأنّ المطلوب هو الكون على السّطح أي لا مطلوبيّة لنصب السّلّم إلّا من حيث هو مقدّمة.

فالفرق بين الواجب النّفسيّ والواجب الغيريّ هو أنّه في الواجب النّفسيّ عنوانه حسن ولو كان لأجل فائدة إلّا أنّ هذا العنوان بنفسه يتّصف بالحسن بذاك الدّاعي على نحو يكون قيد تّرتّب تلك الفائدة غير ملحوظ فهو حيثيّة تعليليّة لا تقييديّة.

فالصّلاة حسنة لأنّه يترتّب عليها الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، لكن في نصب السّلّم لا أنّه حسن لأنّه يترتّب عليه الكون على السّطح بل هو مطلوب لأجل مقدّميّته فقط لا غير لا بعنوانه، فالمطلوب هو ما يتمكّن به المكلّف من الكون على السّطح وهو عنوان المقدّميّة لكن بالحمل الشّائع لا العنوان بما هو عنوان، أي واقع المقدّمة وهذا الواقع مطلوب من حيث هو مقدّمة وبهذا القيد، فالسّلّم المكسور لا واقع مقدّميّة له حتّى يقع مطلوبًا لأجل الغير.

في مثال الصّلاة المطلوب هي الصّلاة وكذا الانتهاء عن الفحشاء والمنكر لا الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وحده، فقد سرت المطلوبيّة النّفسيّة والذّاتيّة إلى نفس ما به يترتّب الانتهاء عن الفحشاء لذلك تصير الصّلاة حسنة في ذاتها.

ثمّ يقول الشّيخ الآخوند ولعلّ مراد من قالوا إنّ الواجب النّفسيّ هو ما وجب لنفسه فيما الغيريّ ما وجب لغيره هو هذا الّذي ذكرناه أي ما كان وجوبه من باب الحسن الذّاتيّ ولو بداعي ترتّب الغير في مقابل ما وجب لغيره الّذي يكون تمام قوام مطلوبيّته هي مقدّميّته ولا حسن ذاتيّ له أصلًا.

فإذا كان الأمر كذلك لم يرد الإشكال المذكور وتمّ بيان الفرق بينهما.

 

[1]  الفوائد،ج1،ص217-218.

[2]  أنظر الفوائد،ج1،ص218-219:"وإن كان لبّيًّا كما إذا انعقد إجماع على أنّ الحجّ لا يقع بصفة المطلوبيّة إلّا في حال الاستطاعة ...فالظّاهر أيضًا رجوع القيد إلى المادّة فقط".

[3]  أنظر الفوائد،ج1،ص218:"ومعلوم أنّ مقتضى الظّهور النّوعيّ في مثل حجّ مستطيعًا وصلّ متطهّرًا وأمثال ذلك هو رجوع القيد إلى المادّة حيث لا يستفاد منه إلّا ذلك".

[4]  أنظر البحوث،ج2،ص217:"تارة يكون القيد المتّصل بحسب لسان دليله مطلبًا مستقلّا ولازمًا أعمّ للجامع بين تقييد المادّة أو الهيئة من دون أن يكون متّجهًا إلى أحدهما بالخصوص كما إذا قال (تصدّق ولا تجزي الصّدقة قبل القيام) وأخرى يفرض أنّ لسان القيد متّجه إلى أحد الأمرين من الهيئة أو المادّة بالخصوص أو يصلح لذلك ونحن لا نعرف أنّه قيد لأيّهما كما إذا قال (تصدّق قائمًا)".

[5]  أنظر الكفاية،ج1،ص :"وحيث كان طلب شيء وإيجابه لا يكاد يكون بلا داعٍ فإن كان الدّاعي فيه هو التّوصّل به إلى واجب لا يكاد يمكن التّوصّل بدونه إليه لتوقّفه عليه فالواجب غيريّ وإلّا فهو نفسيّ سواء كان الدّاعي محبوبيّة الواجب بنفسه كالمعرفة بالله أو محبوبيّته بما له من فائدة مترتّبة عليه كأُكثر الواجبات من العبادات والتّوصّليّات".

[6]  أنظر الكفاية،ج1،ص :"لكنّه لا يخفى أنّ الدّاعي لو كان محبوبيّته كذلك أي بما له من الفائدة المترتّبة عليه كان الواجب في الحقيقة واجبًا غيريًّا فإنّه لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازمًا لما دعا إلى إيجاب ذي الفائدة".

[7]  أنظر الكفاية،ج1،ص :"فإن قلت: نعم وإن كان وجودها محبوبًا لزومًا إلّا أنّه حيث كانت من الخواصّ المترتّبة على الأفعال الّتي ليست داخلة تحت قدرة المكلّف فلا يكاد يتعلّق بها الإيجاب.

قلت:بل هي داخلة تحت القدرة لدخول أسبابها تحتها والقدرة على السّبب قدرة على المسبّب وهو واضح...".

[8]  أنظر الكفاية،ج1،ص :"فالأولى أن يقال: إنّ الأثر المترتّب عليه وإن كان لازمًا إلّا أنّ ذا الأثر لما كان معنونًا بعنوان حسن يستقلّ العقل بمدح فاعله بل وبذمّ تاركه صار متعلّقًا للإيجاب بما هو كذلك ولا ينافيه كونه مقدّمة لامر مطلوب واقعًا بخلاف الواجب الغيريّ لتمحّض وجوبه في أنّه لكونه مقدّمة لواجب نفسيّ".

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است