وجوب المقدمة (الدرس ۹۴)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وصل بنا الكلام إلى الاستدلال على وجوب المقدّمة، حيث ذكر الشّيخ الآخوند ثلاثة وجوه للاستدلال اثنان منه وهما تامّان عنده، وثالث من غيره لم يقبله.

أمّا الوجه الأوّل: فهو الوجدان؛ والمقصود منه هنا هو الوجدان بمعناه في باب اللّغويّات، فالفهم العرفيّ ينتقل من إيجاب شيء إلى إيجاب مقدّمته تشريعًا لا تكوينًا، بحيث كلّما أراد المولى شيئًا حكم الوجدان بوجوب مقدّمته بجعل مولويّ لتعلّق إرادة مولويّة به أيضًا تبعًا لإرادة ذيه. والملحوظ هنا أنّ الملازمة الّتي بيّنها الشّيخ الآخوند في قالب تلازم إرادتين يريد منها تلازم جعلين، فجعل ذي المقدّمة ملازم لجعل المقدّمة مولويًّا. ومؤيّد هذا الوجدان أنّ الشّارع أحيانًا يبيّن المقدّمة ويصرّح بوجوبها تمامًا كما يفعل مع ذي المقدّمة. كما لو قال المولى:"أدخل السّوق واشترِ اللّحم"؛ فالدّخول إلى السّوق مقدّمة وذو المقدّمة هو شراء اللّحم، وقد صرّح المولى بالمقدّمة مع أنّه على كلّ حال سيُدرك العبد عقلًا ضرورة دخول السّوق كمقدّمة سواء جاءت في خطاب المولى أم لم تجئ، وليس ذلك إلّا بيانًا لمطلوبيّةٍ ووجوب مولويّ تعلّق بالمقدّمة.[1]

وقد ذهب السّيّد الخوئيّ إلى بيان كلام المحقّق النّائينيّ كما لو كان مقصوده عين مقصود الشّيخ الآخوند[2]، إلّا أنّ الصّحيح أنّ المحقّق النّائينيّ أراد شيئًا آخر؛ مفاده: أنّ من أراد شيئًا على مستوى التّكوين فإنّ لازم إرادته التّكوينيّة هذه إرادة تكوينيّة لمقدّمته، ثمّ تقاس الإرادة التشريعيّة على التّكوينيّة[3]، بل إنّ التّشريعيّة نحو من أنحائها، تختلف عن التّكوينيّة بكون الأخيرة إرادة للفعل من النّفس فيما التّشريعيّة إرادة للفعل من الآخر. وبالتّالي، حكمهما واحد من حيث إنّ طلب شيء من النّفس أو من الغير يستدعي طلب مقدّمته من النّفس أو من الغير بلا فرق.

وقيل في الإشكال على هذا الوجه الأوّل: إنّ وجداننا لا يقضي بذلك، فإنّ المولى ربّما لا يلتفت إلى المقدّمة رأسًا _مع أنّ الشّيخ الآخوند صرّح بأنّ المولى يريد المقدّمات لو التفت إليها_، فكيف يصحّ ضرب قاعدة بأنّ من أراد شيئًا أراد مقدّمته؟ بل يمكن أن يريد الشّيء ولا يريد مقدّمته معتمدًا على اللّابدّيّة العقليّة. بل قد يُترقّى في القول بأنّ إرادة المقدّمة لغو بعد ثبوت وجوب عقليّ لاتيانها، فهي على كلّ حال غير منفكّة عن وجود ذي المقدّمة، فما معنى هذه المحرّكيّة؟[4] وبالتّالي، فلا ملازمة وجدانيّة بين جعل وجوب المقدّمة وجعل وجوب ذي المقدّمة.[5]

الوجه الثّاني:[6] دليل وجوب المقدّمة هو وقوع الأوامر الغيريّة في الشّرع والعرف. ولعلّ عمدة ما يقصده الشّيخ الآخوند هو أنّ المولى قد يطلب بعض المقدّمات التّكوينيّة كما في الأمر بالمشي إلى الزّيارة مع أنّها ممّا يدعو إليه العقل لإيقاع المطلوب. ويضاف إلى ذلك الاستشهاد بطلبه للمقدّمات الشّرعيّة كالوضوء والتّيمّم. وهذه الأوامر الغيريّة حاصلة في العرف أيضًا، كما لو طلب المولى العرفيّ من عبده الشّيء ونصّ على مقدّمته أيضًا.

إذا عرفت وقوع مثل ذلك في الشّرع والعرف ولو على نحو الموجبة الجزئيّة، فإنّه لا فرق بين هذه المقدّمات المعيّنة والمقدّمات الأخرى. إذ ملاك الأمر المقدّميّ الّذي وجبت لأجله كما هو متوفّر في المقدّمات المأمور بها صراحة هو متوفّر في غيرها بلا فرق، وإلّا فهل يُلتزم بإيجابها بالوجوب الغيريّ وهي غير حاوية لملاكه؟ بل نقول إنّ وجود الأمر المقدّميّ  في بعض المقدّمات يحكي عن وجود ملاك المقدّميّة، ولا يصحّ القول إنّ فيها ملاكًا غير مقدّميّ فهذا خلف، لأنّ الفرض من أوّل الأمر أنّها مأمور بها من حيث إنّها مقدّمة يتوقّف عليها الواجب. وحيث إنّ الملاك واحد في كلّ المقدّمات فكما أُمر بالبعض يؤمر بالكلّ، أي نستكشف الأمر المولويّ بالكلّ وإلّا لاستلزم ذلك اختلافًا على مستوى الملاك والإرادة مع أنّ الفرض ثبوت ملاك واحد في الكلّ وهو ملاك المقدّميّة. قال الشّيخ الآخوند هذا مؤيّد بل هذا من أوضح البرهان.

لكنّ كلامه غير تامّ؛

 فإن كان مراده الأوامر الواردة في بعض المقدّمات التّكوينيّة كما في الأمر بالمشي إلى زيارة الإمام الحسين عليه السّلام، فلنا أن نقول إنّ هذا الأمر يستفاد منه مطلوبيّة نفسيّة لا غيريّة، بحيث يكون في المورد مستحبّان أحدهما الزّيارة والآخر المشي إليها. مثاله:"ما عبد الله بشيء أفضل من المشي"[7]، فهذه الرّواية تخبر عن كون المشي ممّا تتحقّق به العباديّة والقربيّة، وليس الأمر كذلك في الواجبات الغيريّة كما تقدّم. وبالتّالي، عمد الشّيخ الآخوند إلى جرّ حكم المقدّمات المأمور بها إلى ما لم يصرّح بالأمر بها ليقول إنّ هذه كتلك، لكن هذا فرع أن تكون أوامر تلك المقدّمات المأمور بها صراحة غيريّة، فلعلّه إذا وقع الأمر بالمقدّمات كان ذلك بملاك نفسيّ لا غيريّ، ولا سبيل لإثبات الغيريّة بمناط تعلّق الأوامر بها مع كونها متّصفة بالمقدّميّة، فهذه المقدّمة لا تثبت تلك النّتيجة، إذ احتمال نفسيّتها غير منفيّ في البين. وعلى هذا، فإنّ أوضح البرهان هذا يتوقّف على إثبات كون ملاك الأمر بها غيريًّا لا نفسيًّا ليتمشّى القول بأنّنا نثبت بالملاك الواحد الأوامر المقدّميّة بلا فرق بين ما صُرّح به وما لم يصرَّح به.[8]

وإن كان مراده المقدّمات الشّرعيّة كالوضوء والتّيمّم، فلا دلالة للأمر بها على الغيريّة أصلًا، بل قد يكون الأمر إرشاديًّا لبيان شرط أو جزء ليس إلّا. قد يعمد الشّارع إلى الأمر بالشّرط بدلًا من إيراد دليل بلسان الشّرطيّة، أي بدلًا من أن يقول المولى:"لا صلاة إلّا بطهور" قد يقول: توضّأ للصّلاة أو إذا قمت للصّلاة فتوضّأ، هذا أمر ظاهر في الشّرطيّة لا في المطلوبيّة[9]، ولذلك يقول السّيّد البروجرديّ[10] إنّ الأمر بالمقدّمة كثيرًا ما يكون معبّرًا عن إرادة ذي المقدّمة، كما في أمر المولى بالإفاضة من حيث أفاض النّاس والذّهاب إلى المشعر، ففي الحقيقة المطلوب هو الكون في المشعر لكنّه طلبه عن طريق طلب مقدّمته.[11]

ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الأمر بشيء قائم في ضمن شيء آخر ظاهر في بيان الجزئيّة ولا حكم تكليفيّ مستقل لهذا الجزء، وكذا الأمر بشيء يقع مقيِّدًا لشيء آخر ظاهر في الشّرطيّة، ولا يتمّ الوجوب المولويّ في هذين الموردين. وهذا يرجع في الحقيقة إلى عدم القبول بكبرى أنّ الأمر الصّادر من المولى ظاهر في المولويّة، فقد ينشئ المولى أوامر نفهم منها الجزئيّة مع عدم كون المركّب مأمورًا به رأسًا. ومنه الأمر بالوضوء عند القيام للصّلاة، فإنّ المتفاهم منه هو شرطيّة الوضوء للصّلاة، لا أنّ في المقام أمرًا تعلّق بالوضوء. فالأمر لا يدعو تكليفًا إلى الشّرط، وإنّما وجوب الاتيان به هو من جهة اللّابدّيّة العقليّة حال إيجاب المشروط أي ذي المقدّمة.

ولكن مع ذلك _وبالالتفات إلى ثمرة السّيّد الرّوحاني[12]_ ذهب شيخنا الأستاذ إلى وجوب المقدّمة، لكن بمعنى أنّ الأمر بشيء كما يدعو إلى المتعلّق كذلك يدعو إلى رفع الموانع وعدم الاكتراث بالمزاحمات، فإذا أمر المولى بإنقاذ النّفس فإنّه لا ينبغي أن يحول دون الوصول إلى هذا الواجب إخلال بالمقدّمات، بل لا بدّ أن يُسدّ العدم من جهتها ولو بالدّخول في أرض الغير. وبعد ذلك لا يهمّنا الأمر أهو مولويّ أم لا.

وبالنّظر إلى الثّمرة تلك والّتي كان مفادها أنّنا إن قلنا بوجوب المقدّمة كان دليل وجوب ذي المقدّمة ودليل حرمة المقدّمة متعارضين، وأمّا إن قلنا بعدم وجوبها فإنّهما سيتزاحمان والحاكم قانون التّزاحم من تقديم الأقوى ملاكًا. إلّا أنّنا نقول هنا، لن يختلف الحال بين القول بوجوب المقدّمة وجوبًا مولويًّا وبين القول بوجوبها بهذا المعنى المذكور هنا، فإنّ التّعارض ثابت على الحالين. بيانه: إنّه في فرض القول بوجوب المقدّمة انجرّ التّعارض إلى ذيها من حيث إنّها قد طُلبت أي إنّه لا بدّ منها للتّوصّل إلى ذي المقدّمة وليس من حيث إنّها مأمور بها بأمر مولويّ، فليس التّعارض قد نضح عن مولويّة الأمر بالمقدّمة بل هو مترتّب من حيث إنّها مطلوبة بطلب ما ولو كان عقليًّا لابدّيًّا. وهذه اللّابدّيّة المطلقة تُستقى من طلب المولى لذي المقدّمة طلبًا مطلقًا مفاده أنقذ النّفس المحترمة ولو بدخول أرض الغير. فإنّه على هذا أيضًا سيتعارض الخطابان ولو لم يكن في المقام خطاب غيريّ للمقدّمة واقتصرنا على مطلوبيّتها العقليّة مع الالتفات إلى إطلاق خطاب ذيها الدّاعي إلى رفع المزاحمات والموانع ولو الجائية من تحريمات مولويّة كحرمة التّصرّف في مال الغير. مع الالتفات إلى أنّ التّعارض شأن الدّلالة والخطاب وأنّ المفروض كون المطلوبيّة العقليّة للمقدّمة هي مدلول التزاميّ بيّن بالمعنى الأخصّ لدليل وجوب ذي المقدّمة كما كنّا أشرنا حيث رتّبنا الثّمرة.

يكفي للقول بالتّعارض أن يدلّ دالّ مرتبط بوجوب ذي المقدّمة على مطلوبيّة المقدّمة سواء كانت تلك المطلوبيّة عقليّة أم شرعيّة لا فرق، ويكون في المقابل خطاب ينهى عن المقدّمة. إذ متى دلّ الأوّل على مطلوبيّتها والثّاني على عدمها وقع التّنافي بين دليل وجوب ذي المقدّمة ولو بارتكاب تلك المقدّمة المحرّمة وبين حرمة المقدّمة، فتنبّه ودقّق جيّدًا فإنّه حريّ بذلك.

 

 

[1]  أنظر الكفاية،ج1،ص177:"والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان؛ حيث إنّه أقوى شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شيئًا له مقدّمات، أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها، بحيث ربّما يجعلها في قالب الطّلب مثله، ويقول مولويًّا:"أدخل السّوق واشترِ اللّحم" _مثلًا_؛ بداهة أنّ الطّلب المنشَأ بخطاب:"أُدخل" مثل المنشَأ بخطاب "اشترِ" في كونه بعثًا مولويًّا، وأنّه قد تعلّقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء ترشّحت منها له إرادة أخرى بدخول السّوق بعد الالتفات إليه وأنّه يكون مقدّمة له، كما لا يخفى".

[2]  أنظر المحاضرات،ج2،ص281:"الثّالث:ما جاء به المحقّق صاحب الكفاية وشيخنا الأستاذ (قدّس سرّهما) من أنّ الوجدان أصدق شاهد على ذلك، فإنّ من اشتاق إلى شيء وأراده فبطبيعة الحال إذا رجع إلى وجدانه والتفت إلى ما يتوقّف عليه ذلك الشّيء اشتاق إليه كاشتياقه إلى نفس الوجوب ولا فرق من هذه الجهة بين الإرادة التّكوينيّة والإرادة التّشريعيّة وإن كانتا مختلفتين من حيث المتعلّق".

[3]  أنظر الفوائد،ج1و2،ص284:"وإن أردت توضيح ذلك، فعليك بمقايسة إرادة الآمر بإرادة الفاعل، فهل ترى أنّك لو أردت شيئًا وكان ذلك الشّيء يتوقّف على مقدّمات يمكنك أن لا تريد تلك المقدّمات؟ ل بل لا بدّ من أن تتولّد إرادة المقدّمات من إرادة ذلك الشّيء قهرًا عليك، بحيث لا يمكنك أن لا تريد بعد الالتفات إلى المقدّمات، وإلّا يلزم أن لا تريد ذا المقدّمة، وهذا واضح وجدانًا وإرادة الآمر حالها حال إرادة الفاعل".

[4]  المصدر نفسه:"فالوجدان أصدق شاهد على عدمها [أي الملازمة] بداهة أنّ المولى قد لا يكون ملتفتًا إلى توقّفه على مقدّماته كي يعتبرها على ذمّته. على أنّه لا مقتضي لذلك بعد استقلال العقل بلابدّيّة الاتيان بها حيث إنّه مع هذا لغو صرف.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ الصّحيح في المقام أن يقال: إنّه لا دليل على وجوب المقدّمة وجوبًا مولويًّا شرعيًّا. كيف حيث إنّ العقل بعد أن رأى توقّف الواجب على مقدّمته ورأى أنّ المكلّف لا يستطيع على امتثال الواجب النّفسيّ إلّا بعد الاتيان بها، فبطبيعة الحال يحكم العقل بلزوم الاتيان بالمقدّمة توصّلًا إلى الاتيان بالواجب ومع هذا لو أمر الشّارع بها فلا محالة يكون إرشادًا إلى حكم العقل بذلك لاستحالة كونه مولويًّا".

[5]  [في الحقيقة هذا الإشكال يرجع إلى إشكالات ثلاثة: الأوّل: دعوى الوجدان تقابلها دعوى لوجدان مخالف؛ الثّاني:كثير من المقدّمات قد لا يلتفت إليها الموالي؛ الثّالث: اللّغويّة.

أمّا الأوّل فغاية ما يفيده هو تساقط الوجدانين فنلجأ إلى دليل آخر ولا يثبت هو بنفسه عدم الملازمة. وأمّا الثّاني ففاسد جدًّا، إذ الكلام في التّرتّب القهريّ لوجوب المقدّمة حال وجوب ذيها سواء التفت المولى أم لم يلتفت، بل نقول إنّنا نستكشف إرادته من فرض أنّه لو التفت إلى المقدّمة لأرادها. وأمّا الثّالث فهو فاسد أيضًا لأنّ الكلام كما ذكرنا هو في التّرتّب القهريّ للوجوب احتيج إليه لأجل المحرّكيّة أم لم يُحتج إليه، فلا فرق بناءً على الملازمة فلا تصل النّوبة للسّؤال عن الفائدة والغرض.

على أنّ الإشكال باللّغويّة هو اعتراف بوجود المقتضي وهو أصل الملازمة ودعوى لابتلائها بمانع اللّغويّة، ومتى دُفع هذا المانع:إمّا ببيان أنّ المقام ليس مقام ترتّب اختياريّ ليتأتّى الحديث عن أغراض اختياريّة؛ وإمّا ببيان فائدة ما بل ببيان احتمالها فإنّه يكفي لانتفاء إشكال اللّغويّة، ومنها ما لو أراد المولى إضافة داعويّة مولويّة تكون مؤازرة للدّاعويّة العقليّة لينقدح في نفوس المكلّفين عزم على الطّاعة، وما أكثر العقلاء الّذين لا يتحرّكون عن محرّكيّة عقولهم ويتحرّكون عن أوامر المولى خوف النّار والعذاب الأليم أو طلبًا للنّعيم أي دفعًا للضّرر الأخرويّ أو جلبًا للمصلحة الأخرويّة، وهذه كافية لانتفاء اللّغويّة.

ولو أُريد نقض أصل الملازمة لاحتاج المقام إلى بيان محذور يرجع إلى كشف تهافت الملازمة واستلزامها لاجتماع النّقيضين، كما لو قيل باستلزمها للدّور المحال أو التّسلسل، لكنّ أيًّا من هذين المحذورين غير نافذ ها هنا، فلم يبق إلّا البحث في الموانع ولا يُتصوّر إلّا اللّغويّة وهي مدفوعة ممنوعة.(المقرّر)].

[6]  أنظر الكفاية،ج1،ص177-178:" ويؤيّد الوجدانَ _بل يكون من أوضح البرهان_:وجود الأوامر الغيريّة في الشّرعيّات والعرفيّات؛ لوضوح أنّه لا يكاد يتعلّق بمقدّمة أمر غيريّ إلّا إذا كان فيها مناطه، وإذا كان فيها كان في مثلها، فيصحّ تعلّقه به أيضًا؛ لتحقّق ملاكه ومناطه".

[7]  وسائل الشّيعة،ج11،ص79.

[8]  [كأنّ علاج المسألة هنا وقع بالمثال، مع أنّ الكلام في الأعمّ وكثير من المقدّمات المطلوبة شرعًا لا تشتمل على خصوصيّات المشي بحيث لا يُحتمل طلبها نفسيًّا وكذا لا يُستظهر كون المطلوب بطلبها ذا المقدّمة. فلو سلّمنا أنّ المشي مطلوب نفسيّ، لم يكن ذلك دليلًا على أنّ المقدّمات كلّما طُلبت كان ذلك بملاك نفسيّ.

ولنا طريق إلى إثبات الغيريّة بالرّجوع إلى العرف ومواليه حيث يطلبون مقدّمات لا وجه ولا ملاك لطلبها إلّا مقدّميّتها بحيث لا يحتمل العقلاء أصلًا وجود ملاك غير المقدّميّ فيها.

ومثاله ما تقدّم : أدخل السّوق واشتر اللّحم؛ فهل يمكن أن يشكّ عرفيّ سليم الوجدان في أنّ المراد من دخول السّوق التّوصّل والطّريق إلى شراء اللّحم؟ والحال هذا هل نقول هنا أيضًا بنفسيّة دخول السّوق أم نتوقّف أم نجزم نحن العرفيّين بغيريّتها أم نقول إنّ الدّخول طُلب شكليًّا والمطلوب هو شراء اللّحم دون أيّ نظر إلى مقدّميّة دخول السّوق على مستوى الإرادة المولويّة؟ العرف لا يتردّد في طلبها مقدّميًّا.(المقرّر)].

[9]  [هذا استظهار بعيد، بل هو ظاهر في العكس.(المقرّر)].

[10]  أنظر لمحات الأصول،ص159:"وفيه: أنّ الأمر بالمقدّمة إنّما هو تحريك إلى المطلوب النّفسيّ لا تحريك إلى المقدّمة".

[11]  [ذكر شيخنا الأستاذ أنّه أنّى للشّيخ الآخوند أن يثبت موردًا من الموارد الّتي يكون فيها الأمر بالمقدّمة شرعًا بملاك المقدّميّة؟ وللشّيخ الآخوند في المقابل أن يقول: أنّى لمن يقول بأنّ الأمر بالمقدّمة هو من باب الأمر بذيها وأنّه تعبير عن مطلوبيّة ذيها دون أن تحظى بشيء من المطلوبيّة الغيريّة ولا النّفسيّة المولويّة، أن يثبت مثل ذلك في مورد من الموارد؟ هذا احتمال ليس إلّا، وإن لم يساعد عليه الظّهور العرفيّ ولم تقم عليه الحجّة، فكيف يُصار إلى القول به حيثما طُلبت مقدّمة يعرف العقلاء عدم احتوائها على ملاك نفسيّ في حدّ ذاتها؟ فهذا احتمال وارد لكنّه يُعالج موردًا موردًا ولا تُضرب على أساسه قاعدة.أمّا ما ذهب إليه الشّيخ الآخوند فهو الأصل، الأصل فيما عُلم أنّه ليس بمطلوب نفسيًّا وقد تعلّق به الأمر أن يكون مطلوبًا بملاك غيريّ، لا أن يكون تعليق الأمر به صوريًّا فيما المطلوب الحقيقيّ هو ذو المقدّمة. نعم، لو لم يكن للشّيخ الآخوند سبيل إلى إثبات الغيريّة لكان لا مناص عن القول بالنّفسيّة لكن مثل ذلك يتمّ في مثل المشي إلى الزّيارة أفهل يتمّ في مثل "أُدخل السّوق"؟ ليكون الدّخول إلى السّوق واجبًا نفسيًّا؟ ولعلّ أصل الإشكال يرجع إلى أنّ المعالجة الكلّيّة أسلم وأسدّ لكي لا تُجرّ أحكام بعض الجزئيّات إلى ضرب قاعدة عامّة.(المقرّر)].

[12]  أنظر منتقى الأصول،ج2،ص327:"فقد ذكرنا سابقًا أنّ الثّمرة هي صيرورة المورد من موارد التّعارض بناءً على الوجوب لو كانت المقدّمة محرّمة، بمعنى أنّه يقع التّعارض بين دليل حرمة المقدّمة ودليل وجوب ذي المقدّمة، لأنّ وجوب ذي المقدّمة لمّا كان لازمًا ذاتًا لوجوب المقدّمة المنافي لحرمتها، بحيث لا يمكن التّفكيك بين وجوبيهما، كان دليل الحرمة منافيًا لدليل وجوب ذي المقدّمة لعدم إمكان الالتزام بهما معًا لتنافي مدلوليهما، إذ منافاة الحرمة لوجوب المقدّمة ملازمة لمنافاتها لوجوب ذي المقدّمة بعد فرض عدم إمكان التّفكيك بينهما، فيكون دليل الحرمة معارضًا لدليل الوجوب.

وأمّا بناءً على عدم الوجوب، فيكون المورد من موارد التّزاحم، بمعنى أنّه يقع التّزاحم بين وجوب ذي المقدّمة وحرمة المقدّمة، لعدم إمكان امتثال كلام الحكمين من دون منافاة بينهما في أنفسهما، فلاحظ وتدبّر.

فأثر المبحث، هو: تنقيح صغرى من صغريات باب التّزاحم أو باب التّعارض الّذي يترتّب على كلّ منهما آثار عمليّة فقهيّة مهمّة".

 

برچسب ها: مقدمه واجب

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است