تعلق الامر بالطبائع (۷ ربیع الثانی ۱۴۴۴)

ذكرنا احتمالات لمعنى تعلّق الأمر بالفرد في مقابل تعلّقه بالطّبيعة:

الاحتمال الأوّل: هو أن يكون معنى تعلّق الأمر بالفرد هو تعلّقه بالفرد الموجود الخارجيّ. وقد قرّر المحقّقون من المحقّق الآخوند[1] إلى المحقّق النّائينيّ[2] أنّ ذلك مستلزم لتحصيل الحاصل وهو محال. فليس المقصود هذا الاحتمال، وذلك واضح؛ إذ لكلّ أمر موضوع ومتعلّق ولا أثر للحكم في الموضوع، فيما يتحقّق المتعلّق بواسطة الحكم، بمعنى أنّ الأمر يكون على تقدير حصول الموضوع وتحقّقه، فيما الأمر يدعو إلى تحقيق المتعلّق والاتيان به.

الاحتمال الثّاني: هو أن يكون معنى تعلّق الأمر بالفرد هو تعلّقه بالماهيّة الّتي تكون المشخّصات داخلة في المأمور به ولو لم تدخل في الماهيّة. ذهب المحقّق النّائينيّ إلى معقوليّة هذا الاحتمال ولكن ليس هو المراد من الفرد.[3] فمن قال بتعلّق الأوامر بالأفراد لا يريد تعلّقها بالخصوصيّات ولوازم الوجود بحيث تكون داخلة في المأمور به ليكون الأمر قد تعلّق بها بنحو جمع القيود، ليكون بناءً على ذلك قد وقع التّخيير الشّرعيّ بين الأفراد لا العقليّ. وقد ذكر المحقّق الآخوند أنّ القيود حتّى في القضايا العامّة المحصورة مثل: "أكرم كلّ عالم"، ليست الخصوصيّات بداخلة في المأمور به فلا الإطلاق هو بمعنى جمع القيود ولا العامّ كذلك. والفرق بين المحقّق الآخوند والمحقّق النّائينيّ أنّ الأوّل يرى هذا الاحتمال غير صحيح فيما الثّاني يراه _فضلًا عن كونه غير صحيح_ غير معقول أن يكون مرادًا لمن قال بالفرد.

الاحتمال الثّالث: هو أن يكون معنى تعلّق الأمر بالفرد هو تعلّقه بالماهيّة المقارنة والمتوئمة للتّشخّصات؛ بحيث يكون متعلّق الأمر هي الماهيّة بذاتها عندهم لكنّها مقارنة للمشخّصات على نحو لا تكون المشخّصات قيدًا في المأمور به ولا المقارنة والتّوأمة بالمشخّصات قيدًا في المأمور به. وهذا لا يقتضي أن يكون المأمور به هو الجزئيّ الخارجيّ ولا الماهيّة المقيّدة بالمشخّصات، بل المأمور به هو أمر كلّيّ يقع التّخيير بين أفراده عقليًّا.[4]

مثلًا لو تعلّق الأمر بالصّلاة الفرد، لكان معنى ذلك تعلّقه بالصّلاة التّوأم مع المشخّصات المختلفة أي سواء وقعت في المباح من الأماكن أم في المغصوب.

وتكون الإرادة المتعلّقة بالخصوصيّات إرادة تبعيّة، لكن لا بمعنى التّبعيّة الجائية في مقدّمة الواجب. إذ الإرادة التّبعيّة للمقدّمات هي إرادة مستقلّة تسري إليها من إرادة ذي المقدّمة، فيما إرادة الماهيّة هنا لا تسري إلى خصوصيّاتها؛ لأنّ الخصوصيّات لا هي مقوّمة للماهيّة ولا هي مقيّدة للماهيّة ولا علّة لوجود الماهيّة في الخارج. فما معنى الإرادة التّبعيّة هنا؟ هي بمعنى أنّ يمتنع تعلّق حكم آخر منافٍ لحكم الماهيّة بالخصوصيّات. من هنا تعرف أنّ المشخّصات هنا هي ليست إلّا لوازم وليس حكم اللّازم حكم ملازمه بالضّرورة، بل غاية الأمر أنّه يُمنع تعلّق حكم معاند لملازمه، إذ لا تقتضي الملازمة أن يكون للمتلازمين حكم واحد، بل تقتضي أن لا يكون للمتلازمين حكمان متغايران متنافيان.

هذا، وتعلّق الأمر بالطّبيعة هو بمعنى تعلّقه بذات الماهيّة بلا نظر ولا لحاظ إلى الخصوصيّات الّتي لا يتأتّى الكلام عليها في رتبة الماهيّة بل كلّ الكلام عنها في رتبة الوجود من حيث إنّها من لوازم الوجود.

إذا عرفت معنى التّعلّق بالفرد كان من مقتضيات ذلك أن لا يُنهى عن شيء من تلك الخصوصيّات وقد أمر بالماهيّة المقارنة لها، فهذان ممّا لا يجتمعان. وعلى هذا، فالصّلاة المقرونة بالمكان الغصبيّ مطلوبة كما الصّلاة المقرونة بالمكان المباح، وليست الصّلاة في المكانين بواحدة، فكيف تكون الصّلاة في المكان المغصوب مطلوبة وهي بنفسها مبغوضة للمولى؟ هذا تهافت.

ولو دقّقت لعرفت: أنّه ليس معنى سراية الأمر إلى الخصوصيّات هو سراية الإرادة، لتكون مرادة للمولى لكن مع ذلك لا معنى لأن تكون الخصوصيّات المقارنة للماهيّة المطلوبة مبغوضة للمولى. فالصّلاة في الغصب مطلوبة للمولى، وهذا لا يعني أنّ الغصب مطلوب أيضًا، لكن يعني أنّ الغصب المقارن للصّلاة من حيث هو خصوصيّة لها لا يمكن أن يكون مبغوضًا للمولى.

هذا، وبناءً على تعلّق الأمر بالطّبيعة المطلقة بحيث لم يلحظ معها شيء من الخصوصيّات، فليس شيء من الخصوصيّات بملازم للمأمور به حتّى لا يُتعقّل النّهي عن بعضها، فيجوز النّهي عن الغصب الملازم وجودًا للصّلاة مع الأمر بالصّلاة، لإمكان انفكاك بعض الخصوصيّات الوجوديّة ليحلّ غيرها. نعم، لا يصحّ أن يُنهى عن كلّيّ الخصوصيّات والمشخّصات الّتي لا تنفكّ الصّلاة عن بعضها لأنّ ذلك غير معقول وينجرّ إلى إعدام ما طلب إيجاده؛ لأنّ الماهيّة لا توجد في الخارج إلّا مع شيء من لوازم الوجود. فجاز النّهي عن البعض لا عن الكلّ.

بعبارة أخرى: ليست المشخّصات بداخلة في متعلّق الأمر بناءً على القول بالطّبيعة ولا هي قد لوحظت مع الكلّيّ في رتبة الماهيّة، فحتّى لو كانت الطّبيعة لا تنفكّ عن الكون في مكان، وبالتّالي لا يمكن النّهي عن مطلق المكان، لكن يمكن النّهي عن بعض أفراد الصّلاة الملازمة وجودًا لشيء من المكان. لكن بناءً على القول بالفرد، وحيث إنّ الخصوصيّات قد أُخذت مقارنة ومتوئمة للماهيّة وإن لم تكن قيدًا لها، إلّا أنّه لا يمكن النّهي عن شيء من تلك الخصوصيّات الملحوظة في رتبة الماهيّة ولو قهرًا. فلا يمكن أن يأمر المولى بالصّلاة التّوأم مع المكان المغصوب وأن ينهى عن الغصب الشّامل للغصب الصّلاتيّ. وليس هذا ممّا يرجع إلى الأمر بالماهيّة على نحو جمع القيود والتّخيير الشّرعيّ لأنّ المطلوب هي الماهيّة غاية الأمر أنّها مقارنة لمشخّصاتها في رتبة اللّحاظ.

فاجتماع الأمر والنّهي محال على القول بتعلّق الأمر بالفرد على المعنى المذكور وهو جائز على التّعلّق بالطّبيعة. نعم، المحقّق الآخوند مع كونه قائلًا بتعلّق الأوامر بالطّبائع إلّا أنّه قال بالامتناع وذلك لأنّه قد فسّر الطّبيعة بالمعنى الّذي فسّر به المحقّق النّائينيّ الفرد. وبالتّالي، ما قال الشّيخ الآخوند بأنّه الطّبيعة هو في الحقيقة الفرد على المعنى الّذي ذكره المحقّق النّائينيّ.

وقد أشكل السّيّد الصّدر على بيان المحقّق النّائينيّ لمحلّ النّزاع ويأتي الكلام فيه.

 

 

[1] الكفاية،ج1،ص194:"لا يخفى أنّ كون وجود الطّبيعة أو الفرد متعلّقًا للطّلب إنّما يكون بمعنى أنّ الطّالب يريد صدور الوجود من العبد وجعله بسيطًا الّذي هو مفاد كان التّامّة وإفاضته لا أنّه يريد ما هو صادر وثابت في الخارج كي يلزم طلب الحاصل كما توهّم".

[2] أجود التّقريرات،ج1،ص305:"فنقول: لا ريب في أنّ مراد القائل بتعلّقها بالأفراد ليس هو هو تعلّق الأمر بما فرض وجوده في الخارج؛ فإنّه مسقط له فلا يعقل أن يكون معروضًا له مع أنّه من طلب الحاصل".

[3] المصدر نفسه:"وأمّا ذهب إليه بعض الأساطينمن تفسير تعلّق الأمر بالأفراد بإنكار التّخيير العقليّ بين الأفراد الطّوليّة والعرضيّة وأنّ التّخيير بين الأفراد يكون شرعيًّا دائمًا...فهو وإن كان ممكنًا عقلًا إلّا أنّه بعيد جدًّا لاستبعاد احتياج تعلّق الطّلب بشيء إلى تقدير كلمة "أو" بمقدار أفراده العرضيّة والطّوليّة...".

[4]  المصدر نفسه،ص306.

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است