انحاء العروض و نحو عروض الحکم علی المتعلق (۱۴ ربیع الثاني ۱۴۴۴)

ما زال الكلام في أنحاء العروض المختلفة وبيان نحو عروض الحكم على المتعلّق. أقسام الأعراض بحسب المشهور ثلاثة: الأعراض الذّهنيّة والأعراض الخارجيّة والأعراض المتوسّطة بين الثّنتين.

أقسام العروض الثّلاثة الأولى هي المعقولات الثّانية المنطقيّة مثل "الإنسان نوع"؛ والمعقولات الخارجيّة وهي المعقولات الأولى وهذه من قبيل الإنسان ماشٍ والإنسان ناطق والنّار حارّة، فهذه الآثار جميعها تثبت للوجود الخارجيّ؛ وبالتّالي العروض وكذا الاتّصاف يكونان في الخارج.

وكان الكلام في القسم الثّالث منها أي قسم المعقولات الثّانية الفلسفيّة: وهو ما كان العروض في الذّهن والاتّصاف في الخارج مثل "الإنسان ممكن"، وهذا الحمل والعروض يقع في الذّهن ولكن بلحاظ ذلك الوجود الخارجيّ، فما هو ممكن حقيقة هو الإنسان الموجود في الخارج أي الإنسان بالحمل الشّايع، وهذا على خلاف "الإنسان نوع"، فإنّ النّوع هو المفهوم الذّهنيّ لا الوجود الخارجيّ بل الوجود الخارجيّ شخص وفرد.

لماذا فرّقوا بين العروض والاتّصاف في هذا القسم؟ لأنّهم تخيّلوا أنّهم إذا قالوا إنّ العروض في الخارج، فهو إمّا واجب وإمّا ممكن، وسواء كان واجبًا أو ممكنًا فإنّ وجوبه أو إمكانه له وجود ثم يسأل عن ثبوت الإمكان للإمكان أو عن ثبوت الوجوب للوجوب، أهو ممكن أم واجب؟ وهكذا فيتسلسل. وللفرار من هذا التّسلسل ذهبوا إلى كون العروض ذهنيًّا. وإن شئت فقل: إنّ حمل الإمكان على الإنسان قائم باعتبار الذّهن أي الحمل من حيث هو حمل ليس خارجيًّا، نعم الاتّصاف واقعيّ، لكنّ العروض ذهنيّ. فزيد الخارجيّ ممكن، لكنّ الحمل والعروض في الذّهن، وفي الحقيقة هذا الحمل قائم بالاعتبار. وهذا نظير "الإنسان نوع" حيث يكون الحمل في الذّهن لكن هناك الفرق أنّ الاتّصاف يكون ذهنيًّا أيضًا.

بعض الحكماء أبوا هذا القسم من حيث التفكيك بين وعاء العروض ووعاء الاتّصاف، فالأمور الاعتباريّة غير خارجيّة ولا يمكن تفسير الحقائق على الاعتبار وإمكان الإنسان ليس اعتباريًّا، بل هو ثابت ولو لم يكن أيّ معتبر في العالم. ولذلك قالوا بأنّ هذا العروض يكون في العقل الأوّل. وبالتالي؛ دفعًا للتّسلسل ودفعًا للاعتباريّة قالوا لا هو في الخارج ولا هو في الذّهن، فليكن في العقل الأوّل.

هنا رأى السّيّد الصّدر أنّ هذا التفكيك غلط، فالعروض والاتّصاف يقعان في عالم واحد، فإذا كان العروض في الخارج، فالاتّصاف في الخارج.

واذا كان الموجود الخارجيّ هو المتّصف بالإمكان، فلا بدّ أن يكون العروض في الخارج أيضًا. بل إنّ الاتّصاف في الخارج يستتبع العروض في الخارج، وهذا دليل كون العروض في الخارج في القسم الثّاني أي في الأعراض الخارجيّة. ولا يمكن تصوّر كون الاتّصاف في الخارج والعروض في الذّهن فهما غير قابلين للتّفكيك، ولأنّ زيدًا الخارجيّ يمشي، فالعروض يكون في الخارج أي عروض المشي على زيد في الخارج لا في عالم الذهن والاعتبار. على أنّ العروض هو الحمل الّذي يحصل في الذّهن لكن يحصل من حيثيّة ذهنيّته أو خارجيّته، والاتّصاف يرتبط بوعاء وجود الموضوع. وإشكال عدم إمكان التّفكيك ورد في كلام العلّامة الطّباطبائيّ، وحيث يكون الاتّصاف يكون العروض.

ولحلّ الإشكال قالوا إنّ عالم الواقع أوسع من عالم الوجود، فالواقع غير منحصر في عالم الوجود، وهذا من قبيل كثير من القضايا مثل اجتماع النّقضين واجتماع الضّدّين وشريك الباري محال. وهذا الواقع هو بمعنى أنّه لا يخضع للاعتبار ولا للتّوافق، بحيث إن اعتبر معتبر أم لم يفعل لا ينفع في تبديله شاء من شاء وأبى من أبى ولذلك هو واقع. نعم، واقعيّة كون الواحد نصف الاثنين ليست كواقعيّة زيد أي ليس وجودًا خارجيًّا، وهاتان حقيقتان لا تخضعان لقبول من يقبل ورفضه وهكذا.

وما أصرّ عليه السيد الصّدر هو أنّ مثل عروض الإمكان على الإنسان هو ليس من قبيل الأمور الاعتباريّة كالملكيّة والزّوجيّة، بل هو أمر واقعيّ. نعم؛ هي واقعيّة لا بمعنى العينيّة الخارجيّة، لأنّ الواقع لا ينحصر في العينيّة الخارجيّة. ومن هنا قالوا بعدم انحصار الوجود بالوجود المادّي؛ فالحقائق أعمّ من هذا. وهذا معنى ما يقال من أن لوح الواقع أوسع من لوح الوجود. لكنّ السّيد الصدر عبّر بأنّ وجود بعض الأشياء بالخارج فيما وجود بعض الأشياء بنفسها لا بالخارجيّة، بمعنى الوجود أوسع من الوجود الخارجيّ، فالوجود قسمان وجود بالخارج ووجود بالذّات. ومن قبيل الوجود بالذّات هذا القسم الثّالث.

وما تقدّم من السّيّد الصدر صحيح في القول بكون لوح الواقع أوسع من الوجود أو القول بأنّ الوجود أوسع من الخارج. وهنا استدلّ السّيّد الصّدر باستدلال مفاده: تتساءل ما معنى واقعيّة الإمكان الذي لزيد؟ الاعتبار إمّا اختياريّ كالزّوجيّة والرّقيّة والملكيّة؛ وإمّا ما ينساق إليه الذّهن بحيث يعتبره الذّهن بلا مناص، لكنّه مع ذلك ليس من القضايا الخارجيّة ولا من قبيل القضايا الواقعيّة، ولكن الذّهن عندما يتصوّر اجتماع النّقيضين يحمل عليه الاستحالة. وحمل الإمكان على الإنسان ليس من قبيل ما يُحمل فيزيولوجيًّا بحيث لا مناص عنه بل هو حمل حقيقيّ اختياريّ يرجع إلى نكتة حقيقيّة. وهناك قسم ثالث للاعتبار خارج عن ضرورة الانسباق وليس خاضعًا لاعتبار العقلاء وتوافقهم.

 

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است