جواز التّأخير مع احتمال الفوت (۱۸ جمادي الثانیة ۱۴۴۴)

ما زال الكلام في الواجب غير المحدود بوقت الامتثال سواء كان موقّتًا أو غير موقّت من حيث جواز تأخيره مع احتمال عدم التّمكّن في فرضه أم أنّه يجب عليه البدار.

وهذا البدار هو غير المصطلح، فالمصطلح هو تقديم الفعل الاضطراريّ في أوّل الوقت مع احتمال التّمكّن من الاختياريّ في آخر الوقت، أي كمثل التّمكّن من التّيمّم في أوّل الوقت مع احتمال التّمكّن من الوضوء في آخره. فهنا يتحقّق موضوع الفعل الاضطراريّ. أمّا هنا فالبدار بمعنى المبادرة إلى ما يتمكّن منه الآن وعدم التّمكّن منه احتمالًا إذا تأخّر. المعروف في الكلمات عدم وجوب البدار على تقدير الظّنّ بالسّلامة، أمّا مع عدم ظنّ السّلامة فلا يمكن القول بوجود قول مشهور. لكن ما يلوح من الكلمات هو الجواز ما لم يعلم بطروّ العجز وهم يستندون إلى الاستصحاب، حيث لا فرق بين وجود ظنّ بالسّلامة أو شكّ أو ظنّ بالخلاف. والقول الآخر هو ما صرّح به جماعة وهو انّه لايجوز التّأخير إلّا مع العلم أو الوثوق من التّمكّن إذا أخّر. فهنا ثلاثة أقوال في المسألة.

ويحتمل في المسألة أقوال كقول الحاجبيّ حيث قال بجواز تأخير الموسّع وعدم جواز تأخير غير الموقّت. وكما ترى لا إجماع تعبّديّ في المسألة فلا يحتمل أن يكون بمنالهم ما ليس بأيدينا كيف وقد صرّح كلّ من ذهب إلى قول بمدركه؟! وكذا لا كلام في شهرة فتوائيّة.

وقد ذهب الشّيخ في العدّة إلى نفس ما ذهب إليه الحاجبيّ والعضديّ من التّفصيل بين الواجب الموسّع فيجوز التّأخير والواجب غير الموقّت فلا يجوز.

فما الّذي ينبغي أن يقال؟

البحث في مقامين: تارة الكلام بحسب الدّليل الاجتهاديّ وأخرى بحسب الأصل العمليّ.

أمّا الدّليل الاجتهاديّ الدّالّ على وجوب الواجب الموسّع أو الواجب غير الموقّت، فالبحث يدور في الإطلاق في دليل الواجب ولا كلام لنا الآن في ما لو ورد دليل خاصّ على الفوريّة أو التّراخي.

أمّا الإطلاق اللّفظيّ، فلا ينبغي الشّكّ في أنّه لا يوجد أيّ دلالة على الجواز بمقتضى ذلك. فالإطلاق اللّفظيّ مفاده التّسوية بين الأزمنة إمّا بين الحدّين في الواجبات الموسّعة وإمّا في مساحة طول العمر في الواجبات غير الموقّتة، أي لا فرق بين حصص أوّل الوقت وآخره من جهة صدق المأمور به عليها ولا فرق بين حصص متقدّمة أو متأخّرة من الواجبات غير الموقّتة.

لا فرق بين زمان وزمان في قضاء الصّلاة الفائتة أو صوم شهر رمضان الفائت؛ وهذا المعنى المستفاد من إطلاق دليله. فالدّليل لا يتعرّض لما لو احتمل عدم تمكّنه حال التّأخير، وما في بعض الكلمات من تخيّل دلالة الدّليل على الواجب الموسّع هو إمّا وهم وإمّا هو خلط بين الإطلاق اللفظيّ والمقاميّ. حيث هنا مجال للقول بالإطلاق المقاميّ.

وأمّا الإطلاق المقاميّ، فلم ينبّه المولى في الواجبات وخصوصًا الموسّعة على عدم الجواز عند خوف الفوت، وقاعدة الاشتغال من الأمور المغفولة عادة في هذه المقامات، فإن تمّ، تمّ الإطلاق المقاميّ وإلّا فلا إطلاق مقاميّ كما لا إطلاق لفظيّ. هذا بحسب الدّليل الاجتهاديّ.

وأمّا بحسب الأصل العمليّ، فالمعروف في كلمات بعض المحقّقين أنّه لولا الاستصحاب لكان المقام مجرى لقاعدة الاشتغال. لكن هل يجري الاستصحاب أم لا؟ هذا محلّ كلام.

المكلّف يتمكّن من الأداء في أوّل الوقت والسّؤال هو عن جواز التأخير ولذا قالوا حتّى لو جاز لها التّكليف فإن فاجأها الحيض لاحقًا يجب عليها القضاء بلا كلام. لأنّه لا ملازمة مع جواز التّأخير وعدم وجوب قضاء الفائت.

هل مقتضى الأصل العمليّ على المتمكّن من العمل في أوّل الوقت فيجب البدار أم لا؟ السيد الخوئي وجماعة ذهبوا إلى وجوب الاحتياط والبدار. وهذا ليس ببعيد بغض النّظر عن الاستصحاب. لكن ربّما يقال لا تجري قاعدة الاشتغال لأنّها ليست دليلًا لفظيًّا بل هي حكم عقليّ فبعد أن اشتغلت الذّمّة لا بدّ من إحراز الفراغ، فإذا شكّ المكلّف في الخروج عن العهدة لما قد ثبت لا بدّ من الخروج يقينًا، والحال أنّ ما نحن فيه لا شكّ في السّقوط بل الشّك في التمكّن من الاتيان في المستقبل إن أخّر الاتيان  عن الحال، فهل يحكم العقل هنا بضرورة إحراز التّمكّن في المستقبل حتّى يجاز للمكلّف التّأخير؟ فهنا مسألتان متفاوتتان. فمجرّد أنّ العقل قد حكم في موارد احتمال الخروج عن التّكليف الثّابت على العهدة بوجوب الاحتياط لا يعني أنّه حيث لم يؤت بالفعلل واحتمل المكلّف التّمكّن من الامتثال في المستقبل فيجب عليه الاحتياط، لا ليس الأمر كذلك بحسب حكم العقل. ولذلك إذا قال المولى بأنّه يعتدّ بهذا الاحتمال للتّمكّن من الاتيان في المستقبل ولا يعتدّ باحتمال إتمام الاتيان في الماضي لم يقع التّهافت في اعتباراته، فله أن يفصّل بمثل هذا التّفصيل. نعم المعروف هو عدم الفرق بين الاحتمال السّابق في الاتيان والاحتمال المستقبليّ في التّمكّن من الاتيان فتجري قاعدة الاشتغال في الموردين لعدم الفرق.

إنّما الكلام كلّ الكلام في جريان الاستصحاب لإثبات الجواز بحيث متى جرى لا تجري قاعدة الاشتغال، وذلك لورود دليل الاستصحاب على دليل قاعدة الاشتغال؛ لأنّ دليل الاستصحاب بقوله بجواز الاكتفاء بالاحتمال في الوقت نفسه الّذي يثبت فيه احتمال التّكليف ينفي موضوع حكم العقل حقيقة ووجدانًا. فقاعدة الاشتغال هي حكم العقل في فرض عدم جواز الاكتفاء بالاحتمال، ومتى جاء جواز للاكتفاء بواسطة الاستصحاب انتفى قطعًا موضوع القاعدة وجدانًا ولو كان هناك احتمال لثبوت التّكليف الواقعيّ لكن لا فعليّة له.

هل يجري الاستصحاب كما أجراه المحقّق العراقيّ أم أنّه مثبت أو فيه محذور آخر؟

قال السيد الخوئي بأنّ الاستصحاب لا يجري وفي كلامه نحو اضطراب في تصوير الاستصحاب هل هو استصحاب للحياة أم للتّمكّن في آخر الوقت أو...

قال استصحاب الحياة مثبت، وهذا صحيح. فالحياة تثبت التّمكّن وعند التّمكّن يحرز الامتثال، وهذا لازم عقليّ، إذ لم يقل المولى من كان حيًّا فهو متمكّن ليتحقّق لازم شرعيّ للحياة كلازم بقاء الزّوجيّة.

أو نستصحب التّمكّن من الفعل في آخر الوقت، لكن متى حصل التّمكّن من الفعل آخر الوقت؟ ما تمكّنت منه هو الصّلاة أوّل الوقت بل الاستصحاب قائم على العدم، أي نستصحب العدم الأزليّ لتلك القدرة في الآتي.

هل استصحاب التّمكّن بلحاظ ذات الفعل يجري أم لا يجري؟ ربّما يظنّ بعدم جريانه لأنّه من استصحاب الكليّ من القسم الثّالث فهو من قبيل استصحاب وجود الإنسان في المسجد عند انعدام زيد واحتمال وجود عمرو؛ فهل هو من الكليّ القسم الثّالث أو لا؟ يأتي الكلام فيه إن شاء الله.

برچسب ها: الواجب الموسع

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است