تعارض البينتين (۲۵ ربیع الاول ۱۴۴۴)

ما يتحصّل ممّا تقدّم في معالجة ترجيح المرجّحات هو القول بالتّرجيح بالأكثريّة لا غير وانتفاء أدلّة الأعدليّة إلّا بإلغاء الخصوصيّة وقد تقدّم بطلان ذلك. كذلك لا ينفع ما تعدّى به الشّيخ الأنصاريّ في باب تعارض الأخبار[1] (مورد الشّبهات الحكميّة) ليشمل ذلك هنا مورد تعارض البيّنتين (مورد الشّبهات الموضوعيّة).

ومن هنا وبناءً على أدلّة إعمال التّرجيح يتبيّن: أنّ ما قيل من ترجيح البيّنتين من حيث النّصوصيّة والظّهور بحيث يقدّم النّصّ على الظّاهر غير تامّ. وهو ما ذهب إليه المحقّق الرّشتيّ، من باب الجريان على ما يُصنع في كلام المتكلّم الواحد فيُحمل ظاهره على ما لا يعارض نصّه. واستدلّ على ذلك برواية أبي بصير وذلك بكون ترجيح النّصّ هو نحو استفادة من مرجّح قد ثبت بالرّواية جواز إعماله من حيث عنوان المرجّح، فيُتعدّى عن المنصوص. وقد قال بهذه المقالة صاحب الجواهر أيضًا لكن بطريق آخر. ففي المقام قولان:

الأوّل قول المحقّق الرّشتيّ من تقديم النّصّ على الظّاهر لرواية أبي بصير والتّعدّي عن المنصوص.

الثّاني: قول صاحب الجواهر من أنّ التّعارض إنّما يستحكم حيث لا مرجّح وحيث أمكن التّرجيح بالنّصّ أُخذ به بلا حزازة.

ومن هنا قال في ذيل الكلام على المرجّحات ما يلي:"أمّا الشّهادة بالملك فلا أنّها أولى من الشّهادة باليد لأنّها محتملة للملك وغيره وإن كانت ظاهرة فيه لكن مع عدم معارضة الصّريح فيه، إذ من المعلوم عقلًا ونقلًا عدم معارضة الظّاهر للنّصّ. ولذا لم تعارض اليد الفعليّة الحسّيّة البيّنة على الملك فعلًا، كما هو المعلوم من قوله صلّى الله عليه وآله:"البيّنة على المدّعي"، وغيره فضلًا عن اليد الثّابتة بالبيّنة".[2]

فأرجع "البيّنة على المدّعي" إلى تقديم النّصّ على الظّاهر من حيث إنّ صاحب اليد له ظهور في الملك فيما البيّنة نصّ في الملك، فما دلّ على تقديم البيّنة على اليد دلّ بمفاد بهذه النّكتة. وذلك من باب التّرجيح عند التّعارض على خلاف نكتة المحقّق الرّشتيّ حيث قدّم النّصّ على الظّاهر من باب الجمع العرفيّ.

والجواب على ذلك تقدّم من أنّه لا تعدّي عن المنصوص؛ ومن أنّه لا يصحّ نسبة هذا التّقديم إلى العقل من حيث الجمع العرفيّ؛ ولا إلى النّقل اعتمادًا على رواية أبي بصير. إذ لا شاهد على القول بكون اليد ظاهرة في الملك فيما البيّنة نصّ في ذلك. فاليد تنادي بالملكيّة ومع ذلك جعل المولى البيّنة حجّة مقدّمة على اليد. هذا تمام الكلام في الصّورة الأولى.

أمّا الصّورة الثّانية وهي ما لو كان لأحدهما بيّنة والآخر صاحب يد.

وهنا تفصيل من حيث إنّ صاحب البيّنة:

- تارة يكون خارجًا فهنا البيّنة حجّة ومقدّمة على اليد بلا كلام.

- وأخرى تكون البيّنة في يد صاحب اليد والخارج يدّعي بلا بيّنة.

وهنا يُطرح سؤال هل يلزم أن يقسم ذو اليد بعد أن يقيم البيّنة؟ أم أنّ بيّنته تسقط اليمين؟ أفلا تكون البيّنة لغوًا إن قلنا بوجوب حلفه؟ وإلّا فما هي خاصّيّة البيّنة في يده إلّا إسقاط وجوب اليمين عليه؟

قد يقال بأنّ فائدتها تظهر عند التّعارض أي كون الخارج ذا بيّنة.

وهنا في المقام قال السّيّد الخوئيّ بوجوب أن يحلف ذو اليد، لماذا مع كونه قائلًا بأنّ بيّنة المنكر حجّة؟ الجواب: لو كنّا وإطلاقات أدلّة البيّنة لما كان هناك حاجة إلى اليمين لكن هناك ما يقتضي تقييده وهو إطلاق دليل اليمين على المنكر، بحيث يجب عليه أن يحلف مطلقًا أقام البيّنة أم لا.  وبالتّالي، يُرفع اليد عن إطلاق حجّيّة البيّنة عند التّخاصم. وهذا يقع وفاقًا لجمع من الأعلام وخالف كذلك جمع منهم العلّامة في التّحرير حيث قال بعدم الحاجة إلى اليمين حيث يكون للمدّعى عليه بيّنة من دون بيّنة للمدّعي.

والحقّ هو عدم الحاجة إلى اليمين لبعض الرّوايات النّاصّة على عدم الحاجة إلى اليمين إذا كان للمدّعى عليه بيّنة.

 

[1]  أنظر الرّسائل،ج1،ص299:"لكنّ الإنصاف أنّ ظاهر مساق الرّواية أنّ الغرض من العدالة حصول الوثاقة فيكون العبرة بها".

[2]  أنظر جواهر الكلام،ط.مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلاميّ،ج20،ص492.

برچسب ها: تعارض البينتين

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است