المقدمة الموصلة (الدرس ۸۵)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ذكرنا ما صحّ عندنا من ثمرة المقدّمة الموصلة، أمّا ما جاء في كلام الشّيخ الآخوند وغيره من ثمرات فهي مبتلاة بمحاذير ومتوقّفة على مسائل فيها كلام بحيث إن لم تتمّ لن تتمّ الثّمرة.

نقل الشّيخ الآخوند[1] ثمرة رتّبها صاحب الفصول على قوله بالمقدّمة الموصلة ومفادها تصحيح العبادة الّتي يتوقّف على تركها الموصل فعل الواجب النّفسيّ، بحيث لو فعل العبادة فهو لم يأتِ بالتّرك الموصل الواجب بوجوب غيريّ على نحو يستدعي وجوبه حرمة نقيضه وبالتّالي لم تقع العبادة المأتيّ بها منهيًّا عنها فلا بطلان.[2]

وتقريب القضيّة بالمثال بناءً على المسلكين:

أمّا على القول بوجوب مطلق المقدّمة: فإذا وجبت إزالة النّجاسة في المسجد ووجبت الصّلاة والحال أنّهما ضدّان لا يمكن اجتماعها في مقام الامتثال، وسلكنا مسلك المقدّميّة في مبحث الضّدّ بحيث يقال إنّ ترك الضّدّ مقدّمة لفعل ضدّه الخاصّ، أي إنّ ترك الصّلاة مقدّمة لفعل الإزالة، أي يترشّح وجوب غيريّ مقدّميّ على ترك الصّلاة الواقعة موقع المهمّ من الوجوب النّفسيّ للأهمّ. فإن كنّا ممّن يقول بأنّ الأمر بالشّيء يستلزم النّهي عن ضدّه العامّ أي نقيضه، كان لزامًا علينا هنا أن نقول بالنّهي عن فعل الصّلاة، والنّهي عن العبادة يستلزم البطلان، فالصّلاة المأتيّ بها في المورد باطلة. لكن كما ترى تبتني هذه النّتيجة على عدّة مقدّمات:الأولى: الالتزام بمسلك المقدّميّة في مبحث الضّد؛ الثّانية: الالتزام باقتضاء الأمر بالشّيء للنّهي عن ضدّه العامّ؛ الثّالثة: الالتزام بكون النّهي عن العبادة يستلزم البطلان؛ الرّابعة: الالتزام بكون النّهي الغيريّ الّذي اقتضاه الأمر الغيريّ مستلزمًا للبطلان.

أمّا على القول بوجوب المقدّمة الموصلة: فجريًا على المثال الآنف نقول: ما لم يكن ترك الصّلاة موصلًا لم يكن مصداقًا للواجب المقدّميّ، إذ التّرك للضّدّ الّذي يقع مقدّمة هو خصوص الموصل على قول صاحب الفصول. وعلى هذا، إذا اشتغل المكلّف بالصّلاة فهو ليس بتارك لها لا تركًا مطلقًا ولا تركًا موصلًا، فلم يأتِ بالتّرك الموصل الّذي يكون مطلوبًا بطلب غيريّ لننتقل من مطلوبيّته والأمر به إلى النّهي عن ضدّه العامّ على القول بالاقتضاء، لنتوصّل من خلال النّهي إلى البطلان. فالطّريق مقطوعة قبل ذلك كلّه من حيث إنّه لا مطلوبيّة للتّرك إلّا الموصل رأسًا، وعلى فرض الاشتغال بالفعل فهنا فعل لا ترك، فلم يقع فعل الصّلاة منهيًّا عنه لتتأتّى الأسئلة اللّاحقة الواقعة في طريق الحكم بالبطلان.

وبعبارة أخرى: إنّه إذا وجبت الإزالة وجب ترك ضدّها أي الصّلاة كمقدّمة لها، لكنّنا فصوليّون نقول بالمقدّمة المقيّدة بالانتهاء بترتّب ذيها، فترك الصّلاة المطلوب هو خصوص التّرك الموصل إلى الإزالة لا مطلق التّرك. وبالتّالي ما لم يتّصف التّرك بكونه موصلًا لن يكون واجبًا ومع عدم وجوبه لن يكون ضدّه العامّ محرّمًا.[3] وفي المقام إذا اشتغل المكلّف بالصّلاة فهو على مستوى النّتيجة لم يأتِ بترك الصّلاة الموصل المنتهي بالإزالة أي لم يأتِ بما يتّصف بكونه مصداقًا للواجب ليقتضي ذلك نهيًا عن ضدّه العامّ. فيبقى فعل الصّلاة على إطلاق الصّحّة ولم يشمله شيء من النّهي الغيريّ لنقول باستلزام ذلك للبطلان والفساد.

هذه ثمرة رتّبها صاحب الفصول على مبناه وجعلها فرقًا بينه وبين ما ذهب إليه المشهور من القول بوجوب مطلق المقدّمة. لكنّها ثمرة تتوقّف على مقدّمات إحداها لا يقبل بها الشّيخ الآخوند وهي القول بمقدّميّة ترك الضّدّ لفعل ضدّه حيث منع المقدّميّة ومنع المانعيّة، فعدم الصّلاة مثلًا ليس مقدّمة لفعل الإزالة ولا هو مانع عن الإزالة. وعليه، إن لم نقل بكون ترك الصّلاة مقدّمة لفعل الإزالة لم تصل النّوبة إلى المقدّمات الأخرى الدّخيلة في النّتيجة. لكنّ مقاربة صاحب الكفاية للنّتيجة هي على نحو أنّه إن سلّمنا بمسلك المقدّميّة سلّمنا بالثّمرة كما صرّح بذلك، فلو قلنا بوجوب المقدّمة التّوأم لترتّب الإزالة فإنّه لو أقدم المكلّف على فعل الصّلاة تاركًا للإزالة لكانت صلاته صحيحة على خلاف القول بوجوب مطلق المقدّمة. وهذا خلافًا للشّيخ الأعظم الّذي لم يرتضِ بهذه الثّمرة مطلقًا.

وتدقيقًا في تحليل الثّمرة فإنّها تبتني على مقدّمات ثلاث: مقدّميّة التّرك للفعل؛ استلزام وجوب الشّيء لحرمة الضّدّ العامّ؛ كون النّهي الغيريّ مبطلًا للعبادة، فحرمة الفعل حرمة غيريّة تبعيّة لا نفسيّة لأنّها لازم وجوب ترك الضّدّ الغيريّ ذي الملاك الغيريّ لا النّفسيّ. وبالتّالي إن قلنا بعدم مبطليّة الحرمة الغيريّة للعبادة كما هو الصّحيح اتّسعت دائرة شمول الثّمرة فهي لن تختصّ بمسلك المقدّمة الموصلة بل ستعمّ مسلك المقدّمة المطلقة أيضًا لأنّه حتّى لو نُهي عن فعل الصّلاة فإنّه يؤثّر ذلك النّهي فسادًا. بل ومن هذا الباب نترقّى لنقول إنّه لو كان الأمر بالإزالة مستلزمًا النّهي عن الضّدّ الخاصّ أي الصّلاة لما كان ذلك ملازمًا للبطلان لأنّه لا مبغوضيّة ولا مفسدة في الملاك ترتّبت على أساسها الحرمة، بل القضيّة من باب تقديم الواجب الأهمّ لا غير، بحيث لا تُقاس حرمة الصّلاة لأجل تقديم إزالة النّجاسة بحرمة الصّلاة لأجل الغصبيّة. فمعنى لا تصلّ هنا أي أزل النّجاسة ولا حكاية عن مفسدة في المنهيّ عنه بل المفسدة هي مفسدة ضياع مصلحة الأهمّ. وعليه، إن لم تتمّ هذه المقدّمة ستشمل الثّمرة مسلكي الفصول والكفاية.

ثمّ ذكر الشّيخ الآخوند إيراد الشّيخ الأعظم على هذه الثّمرة.[4] ومفاده أنّ هذه الثّمرة غير تامّة[5] حتّى على القول بالمقدّمة الموصلة، إذ الصّحيح هو الحكم ببطلان المقدّمة سواء قلنا بوجوب مطلق المقدّمة أم بوجوب المقدّمة الموصلة. وعلّل ذلك بأنّ الواجب المقدّميّ لفعل الإزالة مثلًا هو ترك الصّلاة الموصل أي ترك الضّدّ الموصل، مقيّدًا بقيد الإيصال إذ هذا الّذي يقع مصداقًا للواجب فقط على القول بالمقدّمة الموصلة. ونقيض كلّ شيء رفعه، فنقيض ترك الصّلاة الموصل هو ترك ترك الصّلاة الموصل[6]. وهذا النّقيض لا ينحصر في أمر واحد بل له فردان يتحقّق فيهما: الأوّل هو فعل الصّلاة والثّاني هو التّرك المجرّد عن فعل الصّلاة وكذا عن الإزالة؛ كما لو نام مثلًا بحيث لا صلّى ولا أزال. لكنّ التّعدّد مصداقًا لا يغيّر حكم النّقيض وأنّه محكوم بالحرمة حال كون نقيضه محكومًا بالوجوب. وبالتّالي فنقيض ترك الضّدّ الموصل قد يجامع ترك الصّلاة غير الموصل وقد يجامع فعل شيء آخر لا هو صلاة ولا هو إزالة. ولكن ليس فعل الصّلاة أو التّرك المجرّد إلّا فردين للنّقيض الجامع عنوانًا لهما وهو ترك التّرك الموصل. وإلى هذا ترجع عبارة صاحب الكفاية بأنّ فعل الصّلاة لازم لما هو من أفراد النّقيض[7] ثمّ عزف عن تعبير لازم وعبّر بفرد من أفراد النّقيض وهو الصّحيح.[8]  والنّقيض المتعدّد مصداقًا وغير المنحصر في فرد محكوم بالحرمة على نحو تسري حرمته إلى فرديه، فتقع الصّلاة منهيًّا عنها والنّهي عن العبادة يستلزم البطلان، فتقع باطلة لا صحيحة كما قال صاحب الفصول.

وهنا لا بدّ من الالتفات إلى أنّه بناء على مسلك المشهور ترك الضّدّ المقدّميّ هو ترك الصّلاة المطلق وعصيان هذا التّرك له فرد واحد لا غير هو فعل الصّلاة. فيما على مسلك صاحب الفصول العصيان ذو فردين يتحقّق في أحدهما مرّة وفي الآخر أخرى، مرّةً في فعل الصّلاة وأخرى في التّرك المجردّ عن الصّلاة وكذا عن الإزالة ليكون التّرك غير موصل. بحيث متى تحقّق في أحدهما انطبق عليه عنوان النّقيض بحسب الشّيخ الأعظم وأخذ المنطبق عليه حكم النّقيض وهو الحرمة وثبت البطلان في الفعل العباديّ. وبهذا لم يختلف الأمر بين كون العصيان انطباقيًّا ذا أفراد وبين كونه انحصاريًّا فرده واحد عند الشّيخ.

لكن إن أبيتَ آخذًا انحصاريّة فرد النّقيض ملاكًا وبالتّالي عازمًا على القول بالمقدّمة الموصلة على تصحيح العبادة حيث لا انحصار؛ قلنا إنّ هذا يلزم منه القول بصحّة العبادة حتّى على مسلك المشهور وذلك أنّ نقيض ترك الصّلاة _هو ترك ترك الصّلاة إذ نقيض كلّ شيء رفعه_ وليس فعل الصّلاة. إذ التّرك المرفوع تارة هو مجرّد عن قيد الموصليّة وأخرى أُخذ فيه الإيصال. فالنّقيض تارةً هو ترك ترك الصّلاة وأخرى هو ترك ترك الصّلاة الموصل. وليس فعل الصّلاة بعينه على أيّ حال نقيضًا للتّرك بل هو ملازم للنّقيض أي ملازم لترك التّرك لا عينه، فعاد حال فعل الصّلاة على القول بالمقدّمة المطلقة كحال فعل الصّلاة في المقدّمة الموصلة بحيث يشترك كلاهما في أنّهما ليسا النّقيض بعينه وأنّهما ملازمان للنّقيض. وإذا نفعت الملازمة في نقل الحكم من الملازِم إلى ملازمه مرّة نفعت كلّ مرّة حيث لا مانع، بحيث كما تنفع الملازمة الانحصاريّة بمعناها الأتمّ في نقل حكم الحرمة إلى فعل الصّلاة بناء على مسلك المشهور كذلك الملازمة ولو بمستوى أدنى _أي على نحو لا يخلو النّقيض من هذا أو من صاحبه أي بما يرجع إلى مانعة خلو،_ تنفع في نقل حكم الحرمة إلى الفعل أيضًا. فلا حيثيّة افتراق فارقة بين مسلك المشهور ومسلك الفصول. وعلى هذا يكون مراد الشّيخ الأعظم من لازم الفرد هو الفرد غير المنحصر.

لكنّ الشّيخ الآخوند لم يقبل هذا الكلام من الشّيخ الأعظم ودافع عن صاحب الفصول ببيان وجود فرق بين الموردين. وبيانه: إنّ فعل الصّلاة كما ذكر الشّيخ الأعظم ليس النّقيض لترك التّرك الموصل. ولكنّه ليس فردًا ولا مصداقًا لترك التّرك الموصل، بل ولا هو ملازم لا ينفكّ عنه كما لا يخفى، فلم يبق إلّا أنّه يصاحبه ويقارنه بعض الأحيان ويفارقه في أخرى. فترك التّرك الموصل يتقارن خارجًا مع فعل الصّلاة أحيانًا ويتقارن خارجًا مع التّرك المجرّد عن فعلها وكذا عن فعل ضدّها أحيانًا أخرى. وغاية ما يثبت لفعل الصّلاة أنّه مقارن أحيانيّ للنّقيض أي لترك التّرك الموصل.

وسرّ غلط الشّيخ الأعظم يكمن في جعله المقارن مصداقًا بحيث ينطبق عليه النّقيض فيأخذ حكمه، مع أنّه لا انطباق ولا اتّحاد بل تصاحب وتقارن خارجيّ يحصل وينفكّ بلا تلازم أيضًا أصلًا. فأين حيثيّة التّلازم الواحدة بين المقامين ليكون فرق الانحصار والتّعدّد غير فارق؟ هذا بخلاف القول بالمقدّمة الموصلة فإنّ ترك الصّلاة هو الواجب المقدّميّ ونقيضه هو ترك التّرك وهو حرام، وهذا النّقيض يحصل في الفعل على مستوى الخارج والمصداق، فالفعل هنا وإن كان لا يتّحد مفهومًا مع النّقيض لكنّه يتّحد مع مصداقًا.[9]

وبهذا تمّم الشّيخ الآخوند ثمرة صاحب الفصول.

 

[1]  أنظر الكفاية،ج1،ص170:"هي تصحيح العبادة الّتي يتوقّف على تركها فعل الواجب بناء على كون ترك الضّدّ ممّا يتوقّف عليه فعل ضدّه. فإنّ تركها على هذا القول لا يكون مطلقًا واجبًا ليكون فعلها محرّمًا فتكون فاسدة، بل  في ما يترتّب عليه الضّدّ الواجب، ومع الاتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتّب فلا يكون تركها مع ذلك واجبًا، فلا يكون فعلها منهيًّا عنه فلا تكون فاسدة".

[2] [هذا محصّل بيان صاحب الكفاية وفيه اختلاف عمّا أفيد من عبارة صاحب الفصول، حيث يظهر هنا أنّ عدم حرمة العبادة إنّما هو بسبب عصيان الأمر الغيريّ القاضي بترك العبادة الموصل، وكأنّه لو لم يُعص هذا الأمر وجيء بترك العبادة الموصل لترشّح من وجوب هذا التّرك حرمة لضدّه وكان فعل العبادة مشمولًا. فقد أوقف حرمة الضّدّ العامّ على الاتيان بالتّرك الموصل مع أنّه حرام مطلقًا كوجوب التّرك الموصل المطلق غير المقيّد بالاتيان. وهذا ينقدح منه محذور آخر يقضي بعدم حدوث عصيان في المقام طالما عُلّقت الأحكام على إرادة المكلّف. مع أنّ المسألة على خلاف ذلك تمامًا، ونقطة المركز هو قول صاحب الفصول بعدم سراية النّهي إلى فعل الصّلاة. بتقريب: أنّ الأمر تعلّق بترك الصّلاة الموصل فيتعلّق النّهي بترك ترك الصّلاة الموصل والّذي يقع موقع الضّدّ العامّ للتّرك الموصل. لكنّ النّهي لا يسري عن ترك التّرك الموصل وهو جامع عنوانيّ  إلى فرديه وهما فعل الصّلاة والتّرك للصّلاة غير الموصل ومع ترك الإزالة. ويشهد لما نقول ما أشكل به على تقرير المحقّق الخراسانيّ لثمرة صاحب الفصول صاحب تعليقة عناية الأصول العلّامة الفيروزآباديّ حيث قال (ج1،ص387) ما نصّه:"فإنّ ظاهر ذلك بل صريحه أنّ عدم حرمة الصّلاة حينئذٍ إنّما هو من جهة سقوط الأمر الغيريّ المتعلّق بالتّرك الموصل لا من جهة عدم سراية النّهي من ترك التّرك الموصل إلى الفعل نظرًا إلى كون الفعل ممّا يقارنه أحيانًا لا من مصاديقه خارجًا ونظر الفصول في عدم حرمة الفعل في المقام إلى الثّاني لا إلى الأوّل فتأمّل جيّدًا".(المقرّر)].

[3]  [بل ضدّه العامّ محرّم على كلّ حال، لكن لن يقع فعل الصّلاة مصداقًا له.(المقرّر)].

[4]  أنظر الكفاية،ج1،ص170:"وربّما أورد على تفريع هذه الثّمرة بما حاصله: أنّ فعل الضّدّ وإن لم يكن نقيضًا للتّرك الواجب مقدّمةً بناء على المقدّمة الموصلة إلّا أنّه لازم لما هو من أفراد النّقيض حيث إنّ نقيض ذاك التّرك الخاصّ رفعه وهو أعمّ من الفعل والتّرك الآخر المجرّد. وهذا يكفي في إثبات الحرمة وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرّمًا فيما إذا كان التّرك المطلق واجبًا؛ لأنّ الفعل أيضًا ليس نقيضًا للتّرك لأنّه أمر وجوديّ ونقيض التّرك إنّما هو رفعه، ورفع التّرك إنّما يلازم الفعل مصداقًا وليس عينه، فكما أنّ الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل فكذلك تكفي في المقام. غاية الأمر أنّ ما هو النّقيض في مطلق التّرك  إنّما ينحصر مصداقه في الفعل فقط، وأمّا النّقيض للتّرك الخاصّ فله فردان، وذلك لا يوجب فرقًا في ما نحن بصدده كما لا يخفى".

[5]  أنظر مطارح الأنظار،ج1،ص378-379:"وثانيًا أنّ حرمة ترك التّرك المقيّد يكفي في حرمة الفعل، لكونه من لوازم نقيضه. وبيان ذلك: أنّهم قالوا بأنّ الإيجاب يناقض السّلب مع اتّفاقهم على أنّ نقيض الشّيء على وجه السّلب لا على وجه العدول كما قرّر في محلّه. ومن المعلوم أنّ رفع السّلب إنّما هو سلب السّلب لا الإيجاب. وأمّا الإيجاب فهو يلازم ما هو المحكيّ عنه فيما هو النّقيض حقيقة كما يلاحظ ذلك في العدم وعدم العدم، فإنّه ليس هو الوجود، كيف وهو مفهوم عدميّ ولا يمكن أن يكون الوجود عدمًا ولو مفهومًا كما هو ظاهر. فمناقضة الإيجاب للسّلب سواء لوحظ ذلك في الوجود الرّبطيّ النّسبيّ كما في القضايا أو في الوجود المحموليّ كما في المفردات إنّما هو بواسطة ملازمة بين ما هو المحكيّ عنه بتلك الحكايات من الإيجاب وسلب السّلب والوجود وعدم العدم.

وإذ قد تقرّر ذلك نقول: إنّ التّرك الخاصّ نقيضه رفع ذلك التّرك، وهو أعمّ من الفعل والتّرك المجرّد لأنّ نقيض الأخصّ أعمّ مطلقًا كما قرّر في محلّه. فيكون الفعل لازمًا لما هو من أفراد النّقيض. وهذا يكفي في إثبات الحرمة وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرّمًا فيما إذا كان التّرك المطلق واجبًا، لأنّ الفعل على ما عرفت ليس نقيضًا للتّرك، لأنّه أمر وجوديّ، ونقيض التّرك إنّما هو رفعه، ورفع التّرك إنّما يلازم الفعل مصداقًا وليس عينه، كما هو ظاهر عند التّأمّل. فكما أنّ هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل فكذلك تكفي في المقام".

[6]  أنظر نهاية الدّراية،ج1،ص403:"أنّ التّرك الموصل إذا كان واجبًا فنقيضه حرام، وهو ترك التّرك الموصل فإنّ نقيض كلّ شيء رفعه لا الفعل المطلق والتّرك غير الموصل، فإنّ النّقيضين لا يرتفعان مع أنّ الفعل المطلق والتّرك الموصل يرتفعان لإمكان التّرك غير الموصل كما أنّ التّرك الموصل والتّرك غير الموصل يرتفعان لإمكان الفعل المطلق بخلاف التّرك الموصل وترك التّرك الموصل فإنّهما لا يرتفعان".

[7]  أنظر الكفاية،ج1،ص170:"أنّ فعل الضّدّ وإن لم يكن نقيضًا للتّرك الواجب مقدّمةً بناء على المقدّمة الموصلة إلّا أنّه لازم لما هو من أفراد النّقيض حيث إنّ نقيض ذاك التّرك الخاصّ رفعه وهو أعمّ من الفعل والتّرك الآخر المجرّد".

[8]  المصدر نفسه:"وأمّا النّقيض للتّرك الخاصّ فله فردان".

[9]  المصدر نفسه:"قلت وأنت خبير بما بينهما من الفرق: فإنّ الفعل في الأوّل لا يكون إلّا مقارنًا لما هو النّقيض من رفع التّرك المجامع معه، تارة ومع التّرك المجرّد أخرى ولا تكاد تسري حرمة الشّيء إلى ما يلازمه فضلًا عمّا يقارنه أحيانًا. نعم، لا بدّ أن لا يكون الملازم محكومًا فعلًا بحكم آخر على خلاف حكمه لا أن يكون محكومًا بحكمه. وهذا بخلاف الفعل في الثّاني فإنّه بنفسه يعاند التّرك المطلق وينافيه، لا ملازم لمعانده ومنافيه، فلو لم يكن عين ما ينقاضه بحسب الاصطلاح مفهومًا لكنّه متّحد معه عينًا وخارجًا، فإذا كان التّرك واجبًا فلا محالة يكون الفعل منهيًّا عنه قطعًا فتدبّر جيّدًا".

برچسب ها: المقدمة الموصلة

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است