الواجب الموقت (۱۵ جمادي الثانية ۱۴۴۴)

مرّ الكلام في تعريف الواجب الموقّت في كلام الشّيخ الآخوند والتّقسيمات.

ينقسم الواجب الموقّت إلى موسّع ومضيّق،[1] ولا شكّ في معقوليّتهما.[2] [3]وإن كان البعض قد أشكل في معقوليّة المضيّق[4] حيث يكون الزّمان مساويًا لزمان الفعل، وقالوا بأنّه لا يصحّ، لأنّ فعليّة الوجوب بحلول زمانه، فالزّمان الأوّل من زمان الواجب هو زمان فعليّة الوجوب ولمّا يباشر المكلّف في الامتثال بعد ولا تصحّ منه المباشرة، وإلّا حتّى تتأتّى مباشرته من أوّل آن من  الوقت لا بدّ أن يكون الوجوب فعليًّا قبل فعليّته. من هنا، قالوا بلابدّيّة أن يكون الزّمان بالحدّ الأقلّ فيه آن للتّكليف وزمان للامتثال ينطبق على الفعل الواجب.

لكن رفض الشّيخ الآخوند هذا الكلام،[5] [6]إذ لا يلزم أن يكون زمان التّكليف متقدّمًا زمانًا على زمان الفعل والصّحيح أنّه مقدّم رتبة لا غير. فزمان الفعل هو زمان التّكليف، زمان الصّوم هو اليوم ولا إشكال في أن يكون زمان التّكليف هو الفجر أي أول أزمنة الامتثال. وقد صرّح به المحقّق النّائينيّ [7]وغيره وقد أنكر الأخير على هذا الأساس الواجب المعلّق، لانّه لا بدّ أن يكون المكلّف من أوّل أزمنة التّكليف متمكّنًا من الانبعاث لا بعد التّكليف متّصلًا أو منفصلًا، وبالتّالي لا بدّ أن يكون زمان الوجوب والواجب منطبقين، وهذا ما تعرّض له المحقق النّائينيّ بالتّفصيل في الواجب المعلّق.

وأمّا الواجب الموسّع، فهل يعقل أم لا؟ وهذا لا شكّ في إمكانه ووقوعه أيضًا. والشّبهة التي وردت في المطوّلات هي شبهة في مقابل البديهة، وهي الرّاجعة إلى ما قلناه من أنّه ما هذا الواجب الّذي يرخّص في تركه؟[8] وقلنا هنا ترخيص في ترك حصّته الطّوليّة وهذا ليس ترخيصًا في ترك الواجب رأسًا.

ولكن ما يستحقّ الذّكر والتّوقّف عليه هو أنّ الواجب الموسّع لا يعقل حيث يحتمل المكلّف أنّه بالتّأخير لا يتمكّن من الفعل؟ فزمان الفعل أوسع من الفعل نفسه، وإذا كان أوسع فتأخير الفعل في سعة الوقت جائز، لكن ربّما يؤدّي إلى فوات الواجب وهذه عويصة لا بدّ من حلّها. وقد أجبنا عنها بجوابين من أنّه ربّما يكون المكلّف واثقًا من التّمكّن من الفعل مع التّأخير، والثّاني أنّه لا إشكال في التّرخيص في التّرك الاحتماليّ للواجب وكلّ موارد التّرخيصات الظّاهريّة هي من هذا القبيل، أي من قبيل التّرخيص في ترك الواجب الاحتماليّ كقاعدة الفراغ والتّجاوز، ويجوز الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة أو احتمال الموافقة.

فالواجب الموسّع هو أنّه يجيز المولى في التّاخير ولو كان هناك احتمال فوات ولا يتنافى مع حقيقة الوجوب كما قال صاحب الشّبهة. والقول بأنّه لا يجوز للمولى أن يعرّض الواجب للتّفويت غير تامّ بل يعرّض أحيانًا كما يجري في الأحكام الظّاهريّة وهذا ردّ لعدم المعقوليّة وإثبات للإمكان.

لكن هل إطلاق دليل الواجب الموسّع يقتضي جواز في التّأخير مع احتمال الفوات؟ أي يجوز التّأخير ولو لم يثق بالتّمكّن من الفعل؟ قلنا يصحّ ادّعاء إطلاق مقاميّ في المقام يثبت جواز التّأخير حال احتمال الفوات. وإلّا فالإطلاق اللّفظيّ لا يقتضي إلّا أنّه لا يتعيّن أن يكون الفعل في أوّل الوقت، لكن جواز التّرك إلى آخر الوقت مع احتمال الفوات لا يفي به هذا الإطلاق فهو ليس بصدده ولا في مقامه.

الواجب الموسّع هو ما كان بحسب الثّبوت جائز التّأخير، لكن على مستوى الإثبات ما لم يتمّ الإطلاق المقاميّ، لا يجوز تأخيره بسبب جريان قاعدة الاشتغال اليقينيّ إلّا أن يكون له مؤمّن في المقام مثل الوثوق بالتّمكّن وإمّا أصل وإمّا أمارة كالبيّنة.

الإطلاق اللّفظيّ يقول يمكن الاتيان بالصلاة في أوّل الوقت كما في آخر الوقت لكن مع احتمال عدم التمكّن في آخر الوقت هل يفي الإطلاق اللّفظي؟ لا.

وهل هنا أصل يؤمّن حال احتمال الفوات؟

طرح الفقهاء هذا البحث الأصوليّ المهمّ في كتبهم الفقهيّة ووقع فيه الاختلاف بل ووقع التّهافت عند الفقيه الواحد، وذلك في كثير من أبواب الفقه؛ منها البحث في تأخير الصّلاة من قبل المرأة الّتي تحتمل طروّ الحيض في الوقت، فهل يجوز لها التّأخير؟ طرحها السّيّد اليزديّ وقال بعدم الجواز على الأحوط. وهذه عبارته:"إذا علمت أوّل الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة، بل وإن شكّت على الأحوط". وقيد "على الأحوط" فيه احتمالان: الأوّل: فتوى بالاحتياط كالاحتياط في أطراف العلم الإجماليّ؛ والثّاني هو الاحتياط في الفتوى، لأجل الأخذ والرّدذ في جريان استصحاب بقاء الطّهارة مثلًا. مقتضى الصّناعة هو الأوّل أي يجب الاحتياط كما يجب في أطراف العلم الإجماليّ مثلًا وهنا لا يجوز العدول عند الكلّ.

وهنا علّق السّيّد الخوئيّ بأنّه "بل الأقوى"، وعبارته معناها الفتوى بالاحتياط، أي الأقوى وجوب الاحتياط، لكن قلنا لعلّ هذا معنى كلام السّيّد.

وهنا نكتة مفروغة عنها في كلام السّيّد الخوئيّ وهي أنّ المرأة في أوّل المرأة لا يجب عليها المبادرة إذا كانت طاهرة إلّا إذا ذهب من أوّل الوقت مقدار يمكنها الاتيان بالصّلاة ولو مع التّيمّم، أمّا في أوّل الأزمنة بعد الزّوال مع احتمال طروّ الحيض، هل تجب عليها المبادرة أم لا؟ الجواب هو النّفي والكلام يرتبط بوجوب الفحص وعدمه وهو خارج عن محلّ بحثنا. لكن يجب على المرأة الصّلاة إذا مضى زمان تتمكّن فيه من الاتيان بالصّلاة أي حيث تمكّنت من أربع ركعات مع الطّهارة. نعم، في أماكن التّخيير بين القصر والتّمام يكفي تمكّنها من ركعتين. أمّا حيث حاضت بعد الزّوال بدقيقة فلا يجب عليها الصّلاة، لأنّها لم تتمكّن في أيّ حصّة من حصص الواجب من الاتيان بالصّلاة من حيث إنّه واجب ارتباطيّ. نعم، إذا كان وجوب المبادرة من باب الاحتياط من حيث الشّكّ في القدرة فذاك بحث آخر.

ويأتي نظير هذا الكلام في الواجبات غير الموقّتة.

 

 

[1] الكفاية،ج1،ص200:"والموقّت إمّا أن يكون الزّمان المأخوذ فيه بقدره فمضيّق وإمّا أن يكون أوسع منه فموسّع".

[2] المصدر نفسه:"ووقوع الموسّع فضلًا عن إمكانه ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، ولا اعتناء ببعض التّسويلات كما يظهر في المطوّلات".

[3] القوانين،ج1،ص251:"لا خلاف في جواز الأمر بالشّيء في وقت يساويه كصوم رمضان".

[4] الفوائد،ج1،ص236:"نعم ربّما يستشكل في المضيّق بأنّه لا يعقل اتّحاد زمان البعث والانبعاث، بل لا بدّ من تقدّم البعث ولو آنًا ما ولكن سيأتي في مبحث التّرتّب إنشاء الله تعالى ضعف هذا الإشكال، وعدم اختصاصه بالمضيّق فانتظر".

[5] المصدر نفسه،ص343:"بل يظهر من المحقّق الخراسانيّ في الواجب المعلّق أنّه يعتبر سبق زمان التّكليف على زمان الامتثال في جميع الواجبات فراجع".

[6] الكفاية،ج1،ص145:"مع أنّه لا يكاد يتعلّق البعث إلّا بأمر متأخّر عن زمان البعث؛ ضرورة أنّ البعث إنّما يكون لإحداث الدّاعي للمكلّف إلى المكلّف به بأن يتصوّره بما يترتّب عليه من المثوبة وعلى تركه من العقوبة، ولا يكاد يكون هذا إلّا بعد البعث بزمان فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخّر عنه بالزّمان، ولا يتفاوت طوله وقصره في ما هو ملاك الاستحالة والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب".

[7] الفوائد،ج1،،ص341:"ثمّ إنّ المضيّق على قسمين: قسم أخذ فيه الشّيء شرطًا للتّكليف بلحاظ حال الانقضاء، سواء كان ذلك الشّيء من مقولة الزّمان أو من مقولة الزّمانيّ، أي يكون انقضاء ذلك الشّيء وسبقه شرطًا للتّكليف. ولعلّ باب الحدود والدّيّات من هذا القبيل...فإنّ الشّرط لوجوب الحدّ هو انقضاء القتل من القاتل وتحقّقه منه...

وقسم أخذ الشّيء فيه شرطًا بلحاظ حال وجوده، ولا يعتبر فيه الانقضاء فيثبت التّكليف مقارنًا لوجود الشّرط ولا يتوقّف ثبوته على انقضاء الشّرط، بل يتّحد زمان وجود الشّرط وزمان وجود التّكليف وزمان امتثاله ويجتمع الجميع في آن واحد حقيقيّ. وأغلب الواجبات المضيّقة في الشّريعة من هذا القبيل، كما في باب الصّوم حيث إنّ الفجر شرط للتّكليف بالصّوم ومع ذلك يثبت التّكليف مقارنًا لطلوع الفجر، كما أنّ زمان امتثال التّكليف بالصّوم أيضًا يكون من أوّل الطّلوع، لأنّ الصّوم هو الإمساك من أوّل الطّلوع، ففي الآن الأوّل الحقيقيّ من الطّلوع يتحقّق شرط التّكليف ونفس التّكليف وامتثاله، بمعنى أنّ ظرف امتثاله أيضًا يكون في ذلك الآن وإن لم يتحقّق الامتثال خارجًا وكان المكلّف عاصيًا، إلّا أنّ اقتضاء التّكليف بالصّوم للامتثال إنّما يكون من أوّل الفجر، ففي أوّل الطّلوع تجتمع الأمور الثّلاثة: شرط  التّكليف ونفس التّكليف وزمان الامتثال. ولا يتوقّف التّكليف على سبق تحقّق شرطه آنًا ما. كما أنّه لا يتوقّف الامتثال على سبق التّكليف آنًا ما، بل يستحيل ذلك.

أمّا استحالة تقدّم زمان شرط التّكليف على نفس التّكليف فلما عرفت من رجوع كلّ شرط إلى الموضوع. ونسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلّة إلى معلولها أي من سنخ العلّة والمعلول وإن لم يكن من العلّة والمعلول حقيقة إلّا أنّ الإرادة التّشريعيّة تعلّقت بترتّب الأحكام على موضوعاتها نحو تعلّق الإرادة التّكوينيّة بترتّب المعلولات على عللها...

وأمّا استحالة تأخّر زمان الامتثال عن التّكليف فلأنّ التّكليف هو الّذي يقتضي الامتثال ويكون هو المحرّك فيكون نسبة اقتضاء التّكليف للحركة كنسبة اقتضاء حركة اليد لحركة المفتاح وغير ذلك من العلل والمعلولات التّكوينيّة...

وبالجملة:مقتضى البرهان هو أن لا يتخلّف التّكليف عن الشّرط ولا الامتثال عن التّكليف زمانًا بل يتقارنان في الزّمان وإن كان بينهما تقدّم وتأخّر رتبيّ، هذا".

[8] القوانين،ج1،ص251:"أمّا جوازه عقلًا؛ لأنّه لا مانع منه إلّا تخيّله الخصم، من لزوم ترك الواجب وهو باطل جزمًا، لأنّه يلزم لو ترك في جميع الوقت...

وأمّا وقوعه فللأمر بصلاة الظّهر وصلاة الزّلزلة وغيرهما، فلمّا كان تطبيق أوّ لجزء من الفعل بأوّل جزء من الوقت وآخر بآخره غير مراد إجماعًا وغير ممكن عادة في الأغلب وكذا تكريره إلى انقضاء الوقت ولا مرجّح لأحد من الأجزاء على الآخر، فينبغي أن يراد ما ذكرنا جوازه عقلًا هو التّخيير بين الإيقاعات الممكنة في أجزاء ذلك الوقت".

برچسب ها: الواجب الموقت, الواجب المضيق, الواجب الموسع

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است