جواز التّأخير في الواجب الموسّع مع احتمال عدم التّمكّن من الفعل (۱۶ جمادي الثانیة ۱۴۴۴)

البحث في جواز التّأخير في الواجب الموسّع مع احتمال عدم التّمكّن من الفعل وقلنا إنّ لهذا البحث تطبيقات كثيرة في الفقه وهو لا ينحصر بالواجب الموسّع بل ويسري إلى الواجبات غير الموقّتة حيث يتأتّى السّؤال عن أنّه هل يجوز في الواجب الّذي لا يكون الزّمان قيدًا فيه بل يكون ظرفًا، التأخير مع احتمال عدم التّمكّن من الفعل في المستقبل إذ أخّر؟ ومن هنا ذهب بعض الفقهاء مع كونهم ممّن لم يقبل فوريّة وجوب الحجّ إلى القول بأنّه في حال الشّكّ في التّمكّن من الفعل حال التّأخير لا يجوز التّأخير تطبيقًا لقاعدة الاشتغال وحكم العقل فحيث لا يطمئن المكلّف من تمكّنه من الاتيان بالفعل في المستقبل لا يجوز التّأخير ويجوز حيث اطمأنّ بذلك.

إحدى تطبيقات هذا البحث هو جواز تأخير الخروج إلى الحجّ مع فرض تعدّد القوافل المتّجهة إليه، فإذا علم المكلّف بأنّه إن أخّر فلن يتمكّن من الخروج وجبت المبادرة والخروج مع القافلة الأولى بلا تأخير وإذا علم بأنّه إذا أخّر سيتمكّن من الخروج جاز التّأخير ولا إشكال ولا تجب المبادرة لكن إذا شكّ في أنّه إذا أخّر هل سيتمكّن أم لا فهل تجب المبادرة أم لا؟

"(مسألة ٢): لو توقّف إدراك الحجّ‌ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من السفر وتهيئة أسبابه وجبت المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحجّ‌ في تلك السنة، ولو تعدّدت الرفقة وتمكّن من المسير مع كلّ‌ منهم اختار أوثقهم سلامةً‌ وإدراكاً، ولو وجدت واحدة ولم يعلم حصول اخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير و الإدراك للحجّ‌ بالتأخير، فهل يجب الخروج مع الاُولى، أو يجوز التأخير إلى الاُخرى بمجرّد احتمال الإدراك، أو لا يجوز إلّامع الوثوق‌؟ أقوال، أقواها الأخير، وعلى أيّ‌ تقدير إذا لم يخرج مع الاُولى واتّفق عدم التمكّن من المسير، أو عدم إدراك الحجّ‌ بسبب التأخير، استقرّ عليه الحجّ‌ و إن لم يكن آثماً بالتأخير؛ لأنّه كان متمكّناً من الخروج مع الاُولى، إلّاإذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً". [1]

تجب المبادرة إلى الخروج في فرض الشّكّ في التّمكّن من الخروج إن أخّر بحسب السّيّد اليزديّ، وإذا أخّر ولم يتمكّن لاحقًا من الخروج سواء كان التّأخير جائزًا أم لا فإنّ الحجّ مستقرّ عليه. نعم في المسألة خلاف كبير حيث قال البعض إنّه حيث جاز التّأخير فحتّى لو انتفى التّمكّن بسبب لم يكن الحجّ مستقرًّا.

وهنا علّق المحقّق العراقيّ بأنّه "بل الأحوط عدم الجواز"؛ يقول:

"مسألة ٢: «أقواها الأخير. إلخ».

بل الأحوط عدم الجواز، لاحتمال فوت التكليف المنجز به، و هو غير جائز عقلا". [2]

ولا نعلم لماذا علّق بهذه التّعليقة المحقّق العراقيّ مع أنّ السّيّد لم يقل بشيء آخر غير ما قاله، فالسّيّد قال بجريان قاعدة الاشتغال وأفتى بالاحتياط وما قاله المحقّق العراقيّ هو فتوى بالاحتياط أيضًا.

والسّؤال المطروح هو ما الفرق بين هذه والمسألة السّابقة المرتبطة باحتمال المرأة لمفاجأة الحيض حيث قال في الأولى بوجوب الاحتياط وقال هناك بجواز التّأخير؟

"مسألة ٣٦: «على الأحوط. إلخ».

لا بأس بتركه، لاستصحابه". [3]

وقال السّيّد بعدم جواز التّأخير على الأحوط:

أمّا السيد فقال بأنّه لا يجوز على الأحوط "(مسألة ٣٦): إذا علمت أوّل الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة، بل و إن شكّت على الأحوط، و إن لم تبادر وجب عليها القضاء إلّاإذا تبيّن عدم السعة". [4]

ما الفرق؟ من جهة وجوب الخروج مع أول رفقة قال بالوجوب أمّا فيمن تحتمل طروّ الحيض والمفاجأة يقول لا يجب المبادرة.

يبدو أنّ الفرق بين المسألتين هو: أنّه في مسألة احتمال مفاجأة الحيض ذهب إلى جواز التأخير من باب أنّ المكلّف يستصحب الطّهارة إلى ما بعد، فتكون صلاتها إلى آخر الوقت واجب مركّب من الطّهارة من الحيض ومن الاتيان بالصّلاة، أمّا الطّهارة فتحصّلت بالاستصحاب كجزء من الموضوع والجزء الآخر وهو ذات الصّلاة تتحصّل بالوجدان فلا يكون الاستصحاب مثبتًا، ويكون التأخير جائزًا. وإن كان السيد الخوئيّ لم يقبل جريان الاستصحاب لأنّه مثبت لأنّه يثبت التمكن من الحصة المتأخّرة، لكن قبله العراقيّ. لكن في مسألة الخروج مع الرّفقة، فأصل الخروج وجوبه مقدّميّ أي هو عقليّ لا شرعيّ، فهنا جواز التّأخير هو جواز في تأخير مقدّمة الواجب لا الواجب، فهذا جواز عقليّ كما الوجوب. فهذا مثبت في مثبت. لعلّ المحقّق العراقيّ قد فرّق بين الموردين لأنّ استصحاب التّمكّن من المقدّمة لا يثبت جواز تأخير المقدّمة، إذ المقام عقليّ، وإن كان السيد الخوئي لم يفرّق بين المقامين بل قال بالوجوب في كليهما من باب الاشتغال.

السيّد الحكيم في تعليقه على مسألة تأخير الخروج في الحجّ يشير إلى مضمون يجري في الموسّعات وكذا في غير الموقّتات:

"والعمدة في وجهه: أن التأخير مع الوثوق المذكور لا يعد تفريطاً في أداء الواجب. و لا يبعد أن يكون الأمر كذلك أيضاً مع الظن، كما يشهد به بناؤهم على جواز تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم تكن أمارة على الموت، و كذا تأخير قضائها و غيرهما من الموسعات. و الفرق بين ذلك و بين ما نحن فيه، بوجود المقتضي للبقاء هناك و عدم وجوده هنا. مندفع: بأن المقتضي قد يحرز في الفرض، فيكون العدم فيه لوجود المانع. على أن الفرق المذكور غير فارق، لأن الظاهر من ملاحظة كلماتهم في غير المقام جواز التأخير ما لم تظهر أمارات العجز. فان قلت: قد اشتهر أنه مع الشك في القدرة يجب الاحتياط. قلت: يختص ذلك بصورة ما إذا كان الشك في القدرة موجباً للشك في التكليف، و لا يشمل مثل المقام. نعم إذا فرض الشك في حصول التفريط بالتأخير مع الظن، فالمرجع قاعدة الاحتياط، لعدم المؤمن عقلاً، فيلزم دفع الضرر المحتمل".[5]

يقول بناء الفقهاء في الواجبات الموسّعة لا يجب فيها المبادرة حتّى مع احتمال الفوت إذا لم يكن هناك ظنّ في الفوات ويجري في غير الموقّتات من الواجبات بشهادة تمثيله بقضاء الصّلاة. فيكون تعبيره بالموسّع هنا ليس على الاصطلاح بل هو يشمل غير الموقّتات أيضًا.

يقول السيد الخوئيّ في معتمد العروة:

"وقال في «معتمد العروة»: «إذا تعدّدت الرفقة وكانوا موافقين في الخروج زماناً وتمكّن من المسير مع كلّ‌ منهم، اختار بحكم العقل من يثق بوصوله وإدراكه للحجّ‌ معه، وليس له اختيار من لا يثق بوصوله وإدراكه للحجّ‌، وإذا اختلفت الرفقة في الوثوق لا يجب عليه اختيار الأوثق سلامة وإدراكاً؛ لأنّ‌ الميزان هو الوثوق والاطمينان بالوصول والإدراك ولا يحكم العقل بأزيد من ذلك. نعم، الإنسان بحسب جبلّته وطبعه يختار الأوثق والأكثر اطميناناً؛ خصوصاً في الاُمور الخطيرة. وبالجملة: لا دليل شرعاً على لزوم الأخذ بالأوثق سلامة، بل له أن يختار من يثق به ولو كان دون الأوّل في الوثوق... وقد تقدّم عن الشهيد الثاني في «الروضة» وجوب الخروج مع الرفقة الاُولى مطلقاً ولو كانت الرفقة الثانية أوثق إدراكاً؛ لأنّ‌ التأخير تفريط في أداء الواجب فيجب الخروج مع الرفقة الاُولى. وعن السيّد في «المدارك»: جواز التأخير إلى الاُخرى بمجرّد احتمال الإدراك ولو لم يثق به لعدم ما يدلّ‌ على فورية المسير مع الاُولى. وعن الشهيد في «الدروس»: أنّه لا يجوز التأخير إلّامع الوثوق فإذا وثق بالإدراك بالمسير مع اللاحق يجوز له التأخير وإلّا فلا. وهذا هو الصحيح....وهل يكفي الظنّ‌ بالوصول في جواز التأخير إلى القافلة اللاحقة‌؟ الظاهر لا؛ لأنّ‌ الظنّ‌ لعدم حجّيته ليس بمعذّر، وإذا تنجّز عليه الواجب يجب عليه الخروج عن عهدته، فلا بدّ أن يسلك طريقاً يطمئنّ‌ به، أو يثق بإدراكه الواجب، ومجرّد الظنّ‌ بالإدراك لا يجوّز له التأخير إلى القافلة اللاحقة".[6][7]

لا يريد السيد الحكيم أن يقول بأنّ الظّنّ حجّة بل يريد القول بأنّ المسألة تعتمد على بناء الفقهاء لا من باب حجّيّة الظّنّ.

 

 

ولأنّ هذه المسألة لم تنقّح كما ينبغي في الأصول ترى الاضطراب الكبير على مستوى التّطبيق في الفقه وقد تتهافت كلمات الفقيه الواحد فيها.

تطبيق آخر: هل يجب الفور في القضاء ويسمّونه بالمضايقة أم يجوز التّأخير يسمّونه بالمواسعة؟ وقد كتبت رسائل في المواسعة والمضايقة. يقول السّيّد:

"(مسألة ٢٧): لا يجب الفور في القضاء، بل هو موسّع ما دام العمر إذا لم ينجرّ إلى المسامحة في أداء التكليف والتهاون به". [8] وهذا ما قاله السّيّد الخوئيّ.

هناك عبارة عن شيخ جليل غير معروف القدر هو الشّيخ تجليل تبريزيّ، وله كتاب التّعليقة الاستدلاليّة على تحرير الوسيلة وهو دورة ثمينة في الفقه الاستدلاليّ، يقول في التّعليقة على مسألة جواز التّأخير في الخروج مع القافلة الأولى مع احتمال الفوت:

"(مسألة ١١) قوله: بل هو موسّع ما دام العمر.

أقول: لا يخفى أنّ‌ مجرّد الأمر بالقضاء من غير تقييده بالفورية و لا اقترانه بالترخيص يقتضي عدم جواز تأخير امتثاله عقلاً؛ لاقتضائه الامتثال اليقيني، و عدم اليقين بالقدرة عليه مع التأخير؛ لاحتمال فوت المكلّف أو سائر ما يوجب عدم تحقّق الامتثال المستلزم لاستحقاق العقوبة الأُخروية. فلا يجوز تأخيره إلى زمان يستلزم خوف الفوت للموت أو سائر ما يوجب تركه، و لا ينفع استصحاب الحياة؛ لعدم إثباته للآثار العقلية. نعم، مجرّد احتمال الموت في كلّ‌ آنٍ‌ لا يستلزم خوف الفوت عند العقلاء الموجب للاستعجال في أُمورهم إذا لم يقترن بما يوجب احتمال الفوت بما يعتدّ به عند العقلاء". [9]

هناك تطبيقات أخرى مثل في أداء المناسك في الحجّ وبعد التّلبّس بالإحرام، هل يجب مباشرةً المبادرة إلى الطّوافّ أم يجوز التّأخير مع احتمال عدم التّمكّن عند التّأخير بسبب الازدحام مثلًا؟

 

 

 

 

[1] یزدی، محمد کاظم بن عبد العظیم. موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س) - دفتر قم. محشی خمینی‌, روح الله, رهبر انقلاب و بنیان گذار جمهوری اسلامی ایران. ، 1392 ه.ش.، العروة الوثقی (امام)، تهران - ایران، مؤسسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخمینی (قدس سره)، جلد: ۲، صفحه: ۲۳۴

[2] عراقی، ضیاء‌الدین. جامعه مدرسین حوزه علمیه قم. دفتر انتشارات اسلامی. نويسنده محمد کاظم بن عبد العظیم یزدی. ، ، تعلیقة استدلالیة علی العروة الوثقی (آقا ضیاء)، قم - ایران، جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي، صفحه: ۲۱۵

[3] عراقی، ضیاء‌الدین. جامعه مدرسین حوزه علمیه قم. دفتر انتشارات اسلامی. نويسنده محمد کاظم بن عبد العظیم یزدی. ، ، تعلیقة استدلالیة علی العروة الوثقی (آقا ضیاء)، قم - ایران، جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي، صفحه: ۶۱

[4] یزدی، محمد کاظم بن عبد العظیم. موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س) - دفتر قم. محشی خمینی‌, روح الله, رهبر انقلاب و بنیان گذار جمهوری اسلامی ایران. ، 1392 ه.ش.، العروة الوثقی (امام)، تهران - ایران، مؤسسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخمینی (قدس سره)، جلد: ۱، صفحه: ۲۳۲

[5] حکیم، محسن. نويسنده محمد کاظم بن عبد العظیم یزدی. ، 1374 ه.ش.، مستمسک العروة الوثقی، قم - ایران، دار التفسير، جلد: ۱۰، صفحه: ۱۲

[6] احمدی زنجانی، زین العابدین. موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (ره). نويسنده خمینی‌, روح الله, رهبر انقلاب و بنیان گذار جمهوری اسلامی ایران. ، 1387 ه.ش.، بیان تحریر الوسیلة للإمام خمیني کتاب الحج، تهران - ایران، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينی (س)، صفحه: ۱۵

[7] المعتمد في شرح العروة الوثقى ١١:٢٦-١٤.

[8] یزدی، محمد کاظم بن عبد العظیم. مؤسسة السبطین علیهما السلام العالمیة. ، 1388 ه.ش.، العروة الوثقی و التعلیقات علیها، قم - ایران، مؤسسة السبطين عليهما السلام العالمية، جلد: ۸، صفحه: ۸۲

[9] تجلیل تبریزی، ابوطالب. نويسنده خمینی‌, روح الله, رهبر انقلاب و بنیان گذار جمهوری اسلامی ایران. ، 1379 ه.ش.، التعلیقة الاستدلالیة علی تحریر الوسیلة (تجلیل)، تهران - ایران، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينی (س)، صفحه: ۱۸۸

برچسب ها: الواجب الموقت, الواجب الموسع

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است