جواز التّأخير مع احتمال الفوت (۱۷ جمادي الثانیة ۱۴۴۴)

ما زال الكلام في الواجب الموسّع من جهة جواز التّأخير مع احتمال الفوت وقد قلنا بشمول الكلام للواجبات غير الموقّتة وبأنّه قد ترك الشّيخ الآخوند هذه الجهة من البحث على أهمّيّتها.

وقد طرح هذا البحث في الفصول على نحو يشمل الواجبات غير الموقّتة، ومن العجيب ترك الشّيخ الآخوند له في الكفاية مع كلّ هذه الأهميّة في الققه. وقد ذُكر هذا البحث في حاشية المعالم وكذا في القوانين.

وما طرحه صاحب الفصول هو سؤال أوّلًا عن معقوليّة الواجب الموسّع، وبعد أن حكم بكونه ممكنًا بل واقعًا تعرّض لبيان حقيقته؛ فهل معنى السّعة الّتي فيه هو أنّه يجب الفعل في الزّمان الأوّل لكن على تقدير عدمه يجب العزم على الفعل في زمان متأخّر؟ وإلّا لو لم يكن هذا معناه، فكيف يُعقل أن يجتمع الوجوب وهو بمعنى التّحتّم مع التّرخيص لا إلى بدل، فما الفرق بين الواجب والمستحبّ حينها أليس كلاهما يصحّ تركه لا إلى بدل؟ فإذا أريد تصوير الواجب الموسّع فلا بدّ من لحاظ البدليّة والبدل المتصوّر هو العزم على الفعل في الزّمان المتأخّر.فكأنّ الواجب الموسّع المقول اليوم لا يصحّ ولا يعقل.وهذا ينقله عن بعض أهل السّنّة ولا يقبل بذلك. وما قالوه هو حتّى يحصل التّمييز بين الواجب والمستحبّ.

ثمّ يقول هذا غير صحيح، والواجب الموسّع هو ما جاز تركه إلى بدل لكن البدل هو الفعل المتأخّر لا العزم على الفعل المتأخّر، ولذلك يمكن للمكلّف أن يترك الفعل أوّل الوقت من دون أن يعزم على فعله آخر الوقت ويجيء به في الزّمان المتأخّر ويكون ممتثلًا، فملاك الامتثال هو الفعل المتأخّر لا العزم على الفعل متأخّرًا.

ثمّ يقول:"إذا ظنّ المكلّف بنفسه السّلامة فأخّر الواجب الموسّع أو الوجب الّذي وقته العمر (أي غير الموقّت إذ ظرفه العمر) عن أوّل وقته ففاجأه الموت أو مانع غيره لم يعص بتركه بناء على ما يقتضيه أصول المذهب من جواز التّأخير والحال هذه لوضوح قبح العقاب على تقدير التّجويز". (يدّعي ما هو أعلى من الإجماع من تسالم على قواعد أصوليّة مقبولة في المذهب).

"وفصّل الحاجبيّ في ذلك فذهب إلى أنّه يعصي فيما وقته العمر دون الموسّع ووافقه العضديّ في ظاهر كلامه وعلّل العصيان في الأوّل بأنّه لو لم يعص لخرج الواجب عن كونه واجبًا".

وفي الحقيقة هذا الكلام يرجع إلى أصل شبهة تنافي الوجوب مع التّرخيص الّتي طرحت في الواجبات الموسّعة، أي كما تُطرح هناك فهي تُطرح بطريق أولى في الواجبات غير الموقّتة. ومن هنا حكموا بوجوب الفور في الواجبات غير الموقّتة بحيث ما كان واجبًا ولم يكن الوقت إلّا ظرفًا لوقوعه لا يمكن الحكم بجواز تأخيره إذ هذا يتنافى مع حقيقة الوجوب. وكنّا ذكرنا عدم صحّة هذه الشّبهة وأنّ ما ذكروه غير تامّ إذ الفرق بين الواجب والمستحبّ هو ما لا يصحّ التّرخيص في التّرك المطلق له بحيث يُرخّص به حالًا ومستقبلًا، لكن لا يوجد تلازم بين وجوب الشّيء وعدم جواز تأخيره حتّى مع احتمال فواته بسبب التّأخير. ولذلك لو قال المولى هذا واجب يجوز تأخيره حتّى لو احتُمل فواته لما ورد إشكال ولم يتهافت الوجوب. ولعلّ سرّ ذلك هو ادّعاء كون مقتضى التّكليف في الواجب غير الموقّت هو الوجوب ولم يتعرّض الشّارع للكلام عن التأخير وجوازه، أمّا في الواجب الموسّع فدليله بنفسه يتعرّض لجواز التّأخير مع احتمال الفوت ولعلّه يرجع ذلك إلى إطلاق مقاميّ أو لفظيّ بحيث إذا حصل التّأخير وفاته كان التأخير جائزًا ولا إثم. ففي غير الموقّتات الحكم حكم العقل من جهة التأخير فيما الحكم حكم الشّرع من جهة التّأخير في الموسّعات.

هذا النّحو من الإشكالات فيه خلط بين الصّحيح والفاسد. حقيقة الواجب غير الموقّت لا ترتبط بجواز وعدم جواز التّأخير مع احتمال إدراكه وفرق هذا عن المندوب أنّه لو أخّر في المندوب لم يجب عليه الفعل ثانيًا، أمّا في الواجب فلو أخّر وبان التّمكّن ثانيًا وجب عليه الفعل مجدّدًا. فهنا خلط بين حقيقة الوجوب وحقيقة الاستحباب والوظيفة الإثباتيّة المرتبطة بكلّ مقام.

حقيقة الوجوب أنّه لا يجوز تركه سواء جاز تأخيره أم لم يجز وجواز التّأخير وعدم ليس مأخوذًا في حاقّ ماهيّته، وليس المستحبّ كذلك حيث يجوز تأخيره ولا يجب الاتيان به لا أوّلًا ولا لاحقًا هذا على مستوى الثّبوت. لكن على مستوى الإثبات هل يجوز التأخير؟ قد يقال نعم إمّا للإطلاق المقاميّ وإمّا لدليل خاصّ، وإمّا لا يجوز لقاعدة الاشتغال.

وعلى كلّ حال الواجب الموسّع غير ناظر إلى جواز التّأخير من حيث إطلاقه اللّفظيّ فهو يقول إنّ وقت الواجب محدود بالحدّين لكنّه ليس بصدد القول بأنّه يجوز التّأخير إذا شكّ في التّمكّن عند التّأخير. نعم بحسب الإطلاق المقاميّ هناك محلّ للقول بهذا من حيث إنّ أصالة الاشتغال مغفول عنها في المقام فلا يتأتّى الحكم بوجوب البدار، فإذا كان للمولى غرض عدم الفوت في مثل الحال لنبّه عليه لكيلا يقع في التّفويت والتّضييع، أي حتّى لا يقع المكلّف بما وقع به العضدي الّذي تمسّك بالإطلاق اللّفظيّ (اشتباهًا) ليقول بجواز التّأخير فيخلط بين جواز التّأخير الثبوتيّ وجواز التأخير الإثباتيّ. فإن تمّ هذا البيان يتمّ الإطلاق المقاميّ، لكن هذا الإطلاق المقاميّ هو خلاف الأصل، فلا بدّ أن يقال به مع ظنّ السّلامة لكن مع تقطّع نفسه بحيث لا يظنّ السّلامة هل يجوز له التّأخير؟ نقول لا؛ لكون الإطلاق لبّيًّا فيؤخذ بقدره المتيقّن.

الإطلاق المقاميّ لا يختصّ بالموسّع ويشمل غير الموقّت، ولذلك قال صاحب الفصول كلاهما على سنن واحد بحيث إذا ظنّ السّلامة جاز التّأخير لكن حدّه هو القدر المتيقّن، لأنّه بنكتة الغفلة فيشمل موارد الغفلة. ولذا إذا لم أعلم أنّ قصد القربة شرط أم لا، لما تمكّنت من نفيها لأنّها من الانقسامات الثّانويّة والإطلاق المقاميّ ينفي قصد الوجه دون قصد القربة لأنّ قصد الوجه لا يلتفت إليه إلّا الأوحديّ من العلماء.

برچسب ها: الواجب الموسع

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است