دعوی الاملاک (۲۷ ربیع الاول ۱۴۴۴)

وصلنا إلى الصّورة الثّانية من صور دعوى الأملاك حيث يكون لكلّ منهما يد على المال وهنا يمكن تصوّر ثلاثة فروض هي:

  1. ما لو كان لكليهما بيّنة وكذا لكليهما يد على المال.
  2. ما لو كان لأحدهما بيّنة ولكليهما يد على المال.
  3. ما لو لم يكن لأحد منهما بيّنة ولكن لكليهما يد على المال.

في الحالة الأولى من هذه الصّورة، ذهب السّيّد الخوئيّ إلى أنّ كليهما يحلّفان:

-فإن حلفا نصّف المال بينهما؛

-وإن نكلا نصّف المال بينهما أيضًا؛

-وإن حلف أحدهما ونكل الآخر حُكم بالمال للحالف.

ذهب المحقّق في الشّرائع _الّذي جعل هذه الصّورة الثّانية الأولى عنده_ إلى تنصيف المال ولا يمين على أحد منهما. وقد صرّح صاحب الجواهر بعدم اعتبار اليمين هنا وجعل الحكم بالتّنصيف من موازين القضاء بحيث لا تنحصر بالبيّنة واليمين، وهذا القول هو الأشهر بحسبه.

استدلّ السّيّد الخوئيّ برواية إسحاق الّتي كان قد استدلّ بها أيضًا في مورد اليد الواحد. وتقريب استدلاله بترميم من شيخنا الأستاذ هو:

في صدر الرّواية، الفرض يرجع إلى دعوى الاختصام في دابّة في أيديهما بحيث حلف أحدهما ونكل الآخر فحُكم بها للحالف. لكن هذا بنفسه لا ينتج أنّه إذا حلفا معًا ينصّف المال بينهما، فقد لا يُحكم بالتّنصيف ولدينا خيارات أخرى كالقرعة؛ فلم تتعرّض الرّواية لحالة ما لو كانا ذا يد وحلفا.

نعم، لكن في ذيلها، فرض الرّاوي أنّه لو كانت في يد أحدهما أو لا يد لأحدهما (ولم يُفرض أنّ اليد لكليهما) فحكم الإمام بأنّهما إن حلفا فالتّنصيف وإن حلف أحدهما فقط فله المال. لو دقّقنا لوجدنا الإمام عليه السّلام قد حكم بالتّنصيف حيث لا يد لأحدهما فماذا لو كان لكليهما يد؟ هل يُحتمل أن تكون اليد مضعّفة لليمين؟ بحيث يكون اليمين بلا يد مثبتًا للملك فيما يصير اليمين مع اليد غير مثبت له؟ هذا بعيد؛ فإذا تمّ إلغاء الخصوصيّة عرفًا هنا، تمّ استدلال السّيّد الخوئيّ. على أنّه يمكن تصوير الأولويّة هنا من باب أنّ اليمين مع اليد أولى بإثبات الملكيّة من اليمين بلا يد.

أنظر الرّواية:"عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد عن الخشّاب عن غياث بن كلّوب عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السّلام: أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في دابّة في أيديهما، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده فأحلفهما عليّ عليه السّلام فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منها وأقاما البيّنة؟ فقال: أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتهما للحالف فإن حلفا جميعًا جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن كانت في يد أحدهما، وأقاما جميعًا البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الّذي هي في يده".[1]

ثمّ يترقّى السّيّد الخوئيّ ليقول: بل حتّى لو لم تتمّ دلالة رواية إسحاق فإنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالتّنصيف إذا حلفا لأنّ اليد المتعدّدة أمارة الاشتراك في الملك بحيث يكون لكلّ واحد من أصحاب اليد حصّته المشاعة؛ فإن كانا اثنين كان لكلّ واحد منهما نصف مشاع وإن كانا عشرة كان لكلّ واحد منهما عشر مشاع، وتخرج الحصص الأخرى عن يده. وعلى هذا فتصير المسألة على نحو أنّ لأحدها يدًا على النّصف فهو منكر بالنّسبة لها ويدّعي النّصف الآخر بلا يد والأمر في الآخر نفسه، فتكون بيّنة كلّ واحد منهما لما ليس تحت يده مسموعة وهذا يقتضي الحكم بالملكيّة على النّصف المشاع الّذي في يد الآخر له ويخرج الملك الّذي تحت يده عن ملكيّة إذ لا يُسمع قوله فيما تحت يده ولا بيّنة له عليه. لكن الاعتراض هو أنّه لو كان هذا التّصوير صحيحًا لما احتيج إلى يمين المدّعي فإجماع المسلمين قاضٍ بالحكم بالملكيّة للمدّعي صاحب البيّنة بلا يمينه.

ثمّ أشكل السّيّد الخوئيّ بإشكال وردّه، ومفاد إشكاله: إنّ في البين رواية عبد الرّحمن الّتي حكمت بالقرعة وهي مطلقة من جهة وجود يد وعدم وجودها ونصّها هو:"وعن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الوشّاء عن أبان عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: كان عليّ عليه السّلام إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم أقرع بينهم على أيّهما يصير اليمين".[2]

وجوابه: إنّ للرّواية إطلاقًا من جهة المال وغيره فيما رواية إسحاق مختصّة بفرض النّزاع في المال. ومع أنّنا حكمنا بالقرعة في أحد موارد النّزاع في المال لكن لتخصيص أخرج ذلك المورد.

وقد رأى شيخنا الأستاذ هذا الجواب فرارًا من الجواب لأنّ رواية القرعة غير مختصّة بهذه بل هناك روايات أخرى حكمت في مورد المال خاصّة بالقرعة كرواية سماعة. ونصّها:"قال: إنّ رجلين اختصما إلى عليّ عليه السّلام في دابّة فرعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت على مذوده وأقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد فأقرع بينهما سهمين".[3]

وكذلك رواية زرارة في مورد المال حكمت بالقرعة:"عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابنا عن مثنّى الحنّاط عن زراة عن أبي جعفر قال: قلت له رجل شهد له رجلان بانّ له عند رجل خمسين درهمًا وجاء آخران فشهدا بأنّ له عنده مئة درهم كلّهم شهدوا في موقف قال أقرع بينهم ثمّ استحلف الّذين أصابهم القرع بالله أنّهم يحلفون بالحقّ".[4]

 

[1]  وسائل الشّيعة،ج27،ص250.

[2]  المصدر نفسه،ص251.

[3]  المصدر نفسه،ص254.

[4]  المصدر نفسه،ص252.

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است