دعوی الاملاک (۲۹ ربیع الاول ۱۴۴۴)

انتهى البحث إلى أنّ السّيّد الخوئيّ قال بالتّعارض بين روايات القرعة ورواية إسحاق، وبأنّه لا جمع عرفيّ بينهما في المقام، فتصل النّوبة إلى التّرجيح. والمرجّح الّذي أعمله في المقام هو التّرجيح بموافقة السّنّة؛ وهذا المرجّح مقدّم على مخالفة العامّة كما هو معلوم. والمقصود بالسّنّة الّتي رجّح بها هنا هي "البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر". فرواية إسحاق تقضي بالتّنصيف فيما رواية القرعة تقضي بالقرعة بينهما، ورواية إسحاق موافقة للسّنّة، بحيث يحلف كلاهما والحال أنّهما صاحبا يد، واليد المتعدّدة أمارة الاشتراك في الملك، فإذا حلفا نصّف بينهما وهذا موافق للقاعدة. ومعنى الموافقة للقاعدة هو الموافقة للسّنّة لأنّ القاعدة هي السّنّة هنا.

لكنّ هذا الكلام ليس بتامّ بنظر شيخنا الأستاذ، ولو تمّ لقلب كلّ ما مرّ سابقًا رأسًا على عقب؛ فالحقّ عنده هو الرّجوع إلى مخالفة العامّة والقضاء بالقرعة، وذلك أنّ الحكم بالتّنصيف ليس مطابقًا للسّنّة بمفاد أنّ المدّعى عليه يحلف ويثبت المال له. إذ لا إطلاق في كون اليمين على المنكر في كلّ حال، فكلّما حلف قُبل يمينه. كيف ومقامها ليس مقام بيان شروط الحلف واليمين؛ ومتى تصل النّوبة إليه! وأبرز شرط له هو ما أطبق عليه المسلمون من أنّ المنكر يُستحلف إذا لم يكن للمدّعي بيّنة لا مطلقًا سواء كان له بيّنة أم لم يكن. مع أنّ الرّواية  المفروضة سنّة من هذه الجهة لم تبيّن هكذا شرط إجماعيّ، وليس ذلك إلّا لأنّها ليست في مقام بيان الشّروط.

نعم؛ لو كان في البين إطلاق أحواليّ بحيث على كلّ حال لا بدّ أن يحلف ويؤخذ بيمينه لتأتّت هذه الاستفادة، لكنّه لا إطلاق. بل؛ ما الرّواية في مقام بيانه هو تقسيم الحجج، وأنّ حجّة المدّعي هي البيّنة، فيما حجّة المنكر هي اليمين، بلا تعرّض لشروط بيّنة المدّعي ولا لشروط يمين المنكر.

ولا يُتوهّمنّ أصلًا أنّ كلّ شروط البيّنة واليمين هي مخصّصات لدليل حجّيّة البيّنة واليمين، فهذا واضح الفساد.

إذا عرفت هذا: عرفت أنّ الرّواية سنّة في تقسيم الحجج؛ لكنّها ليست كذلك في تحديد الشّروط. وهذا الخلط لمغالطة وقع فيها السّيّد الخوئيّ متخيّلًا _على خلاف الواقع_ أنّ مطلق اليمين في مطلق الموارد مسموعة من المنكر وأنّ أدلّة الشّروط مقيّدة لذلك الإطلاق المنعقد.

فتحصّل: أن لا موضوع للتّرجيح بموافقة السّنّة أي ما قطع بصدوره عن المعصوم، وحينئذٍ تصل النّوبة إلى إعمال مرجّح مخالفة العامّة، لتتقدّم روايات القضاء بالقرعة في المورد؛ فيندفع إشكال إجراء القرعة في الصّورة الأولى.

ثمّ لو سلّمنا بالتّنصيف إذا حلفا؛ نسأل كيف نسلّم بالتّنصيف إذا نكلا؟ مع العلم أنّ هذا الفرض لم يرد في رواية إسحاق.

فإن قيل: هذا حكم بما وافق القاعدة لا لرواية منصوصة فيه.

قلنا: فليكن الحكم وفق القاعدة؛ إلّا أنّ القاعدة تقول بأنّه إذا نكل المنكر لم يُحكم بالمال للمدّعي بل يُنقل اليمين إليه، فإن حلف حُكم له، لأنّ النّكول عند السّيّد الخوئيّ ليس مثبتًا للحقّ. فلا بدّ من القول بعدم الحكم لمدّعيه؛ ويتأتّى سؤال ما العمل إذن؟ هل تُخلع اليد أم نقرع أم غير ذلك؟ نعم إذا حلف أحدهما يقضى به للحالف.

وأمّا الحالة الثّانية من هذه الصّورة وهي ما لو كان لأحدهما بيّنة مع يدهما، فقد حكم السّيّد الخوئيّ بالقضاء لذي البيّنة مع يمينه؛ وهنا إشكالان أحدهما مبنائيّ والآخر بنائيّ.

 

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است