الخطاب القانوني (۲۶ ربیع الاول ۱۴۴۴)

كان الكلام في المقدّمة الخامسة من المقدّمات الّتي قرّر الإمام الخمينيّ على أساسها الخطاب القانونيّ، ومفادها أنّ الذّهاب إلى كون الخطابات الشّرعيّة خطابات شخصيّة جزئيّة كان سببًا لمجموعة من النّتائج.

ومنها عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ حيث خرجت بعض أطرافه عن محلّ الابتلاء، لأنّه يصير التّكليف بها محلّ استهجان عند العقلاء. لكنّه على القول بالخطاب القانونيّ لا الشّخصيّ الانحلاليّ سوف لن يبقى أيّ استهجان في المقام، فالقانون الكلّيّ الواحد يدعو جميع المكلّفين من دون انحلال عليهم فردًا فردًا لتُلحظ جهة كون المطلوب مورد ابتلاء أم لا.

ومنها عدم صحّة تكليف السّاهي والغافل والنّائم و... وذلك لأنّ الخطاب يكون بداعي البعث، وحيث إنّه لا يمكن انبعاث هؤلاء فلا خطاب ولا تكليف في حقّهم. لكن على الخطاب القانونيّ لا حاجة للانبعاث في الموارد الجزئيّة بل يكفي إمكان الانبعاث ولو في الجملة. وبهذا يتصحّح تكليف العصاة والكفّار بلا أيّ حزازة، لكن كيف يصحّ ذلك بناءً على الخطاب الشّخصيّ الانحلاليّ مع أنّ المحقّقين قائلون بتكليفهم، والحال أنّه يعلم المولى عدم انبعاثهم وعدم اهتمامهم بخطاباته. ثمّ ضمّ إلى هذا قوله بأنّ إرادة المولى لا تتعلّق بتحريك العبد وانبعاثه بل تتعلّق بالتّقنين والجعل وإلّا للزم تخلّف المراد عن إرادة المولى.

وأورد عليه شيخنا الأستاذ:

أوّلًا: ليس ملاك عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ عند خروج بعض أطرافه عن موارد الابتلاء هو كون الخطاب شخصيًّا لا قانونيًّا بل الملاك هو عدم وجود أثر عمليّ فعليّ إلزاميّ للعلم في جميع الأطراف، وعلى أساسه يكون الحكم، سواء كان الخطاب شخصيًّا أو كان قانونيًّا بلا فرق. ومن تطبيقات ذلك كون المكلّف به موردًا للابتلاء فيكون ذا أثر وإلّا فلا أثر. فلو قلنا بالخطاب القانونيّ وارتفع بذلك استهجان العقلاء لكن هل يرتفع بذلك عدم الأثر للعلم فيما هو خارج عن محلّ الابتلاء؟

ثانيًا: رتّب على الخطاب القانونيّ صحّة تكليف النّائم و السّاهي والغافل و... ولكن ثمّ ماذا؟ وما هو الأثر العمليّ للقول بخطابهم مع كونهم معذورين؟ لا أثر.

على أنّه لا دخالة لهذا فيما نحن فيه من رفع تزاحم المتضادّين من التّكاليف إلّا من حيث العاجز لكنّه سيخرج المورد عن موارد العجز في المقدّمة السّابعة.

ثالثًا: ذهب إلى عدم تعلّق الإرادة التّشريعيّة بفعل المكلّف وإلّا للزم تخلّف المراد عن الإرادة. والصّحيح أنّه لا تخلّف في الإرادة التّكوينيّة لا في الإرادة التّشريعيّة الّتي تعني إرادة الفعل من الآخر بتحرّكه وانبعاثه بعد أن جُعل في نفسه الدّاعي.

المقدّمة السّادسة:[1] إنّ الخطابات الشّرعيّة غير مقيّدة بالقدرة. وقد ذكرها ليقول إنّ العاجزين مكلّفون مع أنّها لا مدخليّة لها في استنتاج الخطاب القانونيّ في مورد التّرتّب وسيذكر أنّه لا عجز في موارد التّزاحم في المقدّمة السّابعة.

لماذا لا تتقيّد الخطابات بالقدرة؟ لأنّه يلزم من التّقييد أمران فاسدان:

  • أن تجري البراءة عند الشّكّ في القدرة؛ لأنّه متى شكّ في قدرته على الامتثال شكّ في كونه مكلّفًا رأسًا فرجع الشّكّ إلى التّكليف. والشّكّ في التّكليف مجرى للبراءة.
  • إذا أُخذت القدرة في موضوع الحكم لأمكن أن يعجّز المكلّف نفسه؛ إذ لا شيء من التّكاليف يدعو إلى إيجاد موضوعه بل جميع التّكاليف مترتّبة على تقدير وجود الموضوع. والقول بكون عاصيًا في الفرض لا بدّ أن يبتني على الخطاب القانونيّ.

وأورد عليه شيخنا الأستاذ:

أوّلًا: نسلّم أنّ الشّكّ في القدرة يودي إلى الشّكّ في التّكليف لكن ليس كلّ شكّ في التّكليف هو مجرى للبراءة. بل الثّابت أنّ الشّكّ في التّكليف الجائي من الشّكّ في القدرة هو عند العقلاء وبحسب بنائهم وارتكازهم مجرى للاحتياط لا للبراءة وفي ذلك نصّ شرعيّ؛ فيتخصّص دليل البراءة.

ثانيًا: ادّعى أنّ لازم الخطاب الشّخصيّ هو كون تعجيز النّفس جائزًا مع أنّه ليس كذلك. وهنا تفصيل بين التّعجيز قبل الفعليّة وبينه بعدها. فالتّعجيز قبل فعليّة التّكليف جائز بلا كلام ولذلك قالوا إنّ وجوب المقدّمات المفوّتة هو على خلاف القاعدة. وأمّا بعد الفعليّة فقد عجّز نفسه عن الامتثال بعد توجّه التّكليف إليه. فمن استطاع وجب عليه الحجّ بحيث لو أعطى ماله أو مركبه لآخر لم يسقط عنه الحجّ لخروجه عن الاستطاعة لأنّ شرط فعليّة الحجّ في حقّه هو الاستطاعة حدوثًا لا حدوثًا وبقاءً. ولذلك يجب عليه الحجّ ولو متسكّعًا. وبالنّتيجة، القادر الّذي فوّت قدرته بعد الفعليّة فهو معجّز لنفسه عن الامتثال ومعاقب وإن كان لا يخاطب عند عجزه. وهذا يختلف عن القادر الّذي فاتته القدرة اتّفاقًا لا بفعل نفسه فإنّه حينئذٍ ولو كان قد توجّه إليه التّكليف يخرج عن دائرته ولا عقاب. فظهر من ذلك: أنّ في البين خلطًا بين بقاء الموضوع وتعجيز النّفس.

ثالثًا: ليست التّكاليف بمقيّدة بالقدرة بقيد متّصل لكنّها مقيّدة بقيد منفصل. "لا يكلّف الله نفسًا إلّا وسعها".

 

[1]  منهاج الوصول،ج2،ص28:"أنّ الأحكام الشّرعيّة غير مقيّدة بالقدرة لا شرعًا ولا عقلًا: أمّا شرعًا فظاهر؛ فإنّه ليس في الأدلّة ما يوجب التّقييد بالقدرة العقليّة ولو فرض التّقييد الشّرعيّ للزم الالتزام بجواز إيجاد المكلّف العذر لنفسه، ولا أظنّ التزامهم به وللزم جريان البراءة عند الشّكّ في القدرة ولا يلتزمون به وليس ذلك إلّا لعدم تقييد شرعيّ. ومن ذلك يُعلم عدم كشف التّقييد الشّرعيّ عقلًا.

وأمّا التّقييد العقليّ بمعنى تصرّفه في الأدلّة فهو لا يرجع إلى محصّل؛ بل تصرّف العقل في إرادة المولى أو جعله ممّا لا معنى معقول له والتّقييد والتّصرّف لا يمكن إلّا للجاعل لا لغيره.

نعم للعقل الحكم في مقام الإطاعة والعصيان وأنّ مخالفة الحكم في أيّ مورد توجب استحقاق العقوبة، وفي أي مورد لا توجب معذوريّة العبد وليس للعقل إلّا الحكم بأنّ الجاهل والعاجز ونظيرهما معذورون في ترك الواجب أو اتيان الحرام من غير تصرّف في الدّليل".

 

برچسب ها: الخطاب القانوني

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است