هل يبقی الجواز بعد نسخ الوجوب (۲۴ ربیع الثانی ۱۴۴۴)

هل يبقى الجواز بعد نسخ الوجوب وهذا بحث مهمّ من حيث نكتته على نحو تكون قابلة للتّطبيق في موارد التّخصيص في مثل لا حرج ولا ضرر وقد تفطّن السّيّد الصّدر لذلك في مثال عرق الجنب من الحرام وما يمكن أن يرفع النّجاسة هو الغسل فيدعوه وليّه أو غيره إلى ذلك. ومن هنا ذكر السيد الصدر أنّ حديث رفع القلم يعني رفع الإلزام عن الصّبي لا رفع الصّحّة بحيث يتأتّى منه غسل الجنابة لكون التّشريع شاملًا له. وهذه الاستفادة تبتني على هذا البحث الّذي نحن فيه ولا نسخ في حقّ الصّبيّ بل هناك تخصيص بحيث يُنفى الحكم في حقّه، لكن هل هذا الرّفع هو رفع لأصل الحكم رأسًا والمطلوبيّة كاملًا أم أنّه رفع للإلزام لا للتّشريع في حقّه؟

ولكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّ دليل الحكم الّذي يراد رفعه على حالتين: فإن كان جعل الحكم بعنوان جعل الوجوب مثل قوله "الغسل فريضة" فيأتي دليل الرّفع ليقول ليس بفريضة، فهنا لا معنى للقول ببقاء الحكم، لأنّ الرّفع انصبّ على ما جُعل رأسًا، وهو عنوان الوجوب والفرض. وبالتالي، لا يمكن الحكم ببقاء الجواز بمفاد الحكم الاجتهاديّ فلا بدّ من المآل إلى أصل عمليّ يعيّن الوظيفة العمليّة في المورد؛ وإن كان الحكم قد جاء بدليل يدلّ على الطّلب الوجوبيّ، فإنّ دليل الرّفع إذا جاء بلسان لا يجب على الصّبيّ كان للكلام في بقاء الجواز من جهة الدّليل الاجتهاديّ مجال، ولا تصل النّوبة إلى الدّليل الفقهاتيّ. وهذا الكلام شامل للنسخ وكذا للحكومة.

فلو جاء حكم بلسان الطّلب وكان له عموم أزمانيّ ثمّ جاء دليل ناسخ حدّ أزمان الحكم من آخرها بحيث رفع الوجوب لما كان هذ الرّفع رفعًا للتّشريع بل هو رفع للوجوب والفريضة، وهذا لا ينافي ثبوت الجواز بالمعنى الأعمّ فيتأتّى البحث هنا. أمّا لو كان دليل الحكم المنسوخ هو الوجوب والدّليل النّاسخ رافعًا للوجوب فلا مجال لبقاء حكم. فيفرّق مثلًا بين الحكم بوجوب قتل الكافر المنسوخ ما لو كان بلسان "أقتلوهم" وما لو كان بلسان "قتل الكافر فريضة".

وهنا ثلاثة تقريرات تدلّ على بقاء الجواز بحسب الدّليل الاجتهاديّ أي الدّليل النّاسخ أو المنسوخ:

الوجه الأوّل: من حيث الدّلالة الالتزاميّة بحيث إنّ الدّليل الدّال على الوجوب يدلّ على عدم الحرمة أي الجواز بالمعنى الأعمّ بالدّلالة الالتزاميّة. والجواز بالمعنى الأعمّ مجامع للاستحباب والكراهة والإباحة. فالمدلول المطابقي هو الوجوب فيما المدلول الالتزاميّ هو عدم الحرمة أي الجواز بالمعنى الأعمّ، وقد سقط المدلول المطابقيّ عن الحجّيّة بمفاد الدّليل النّاسخ، لكن لا موجب لسقوط المدلول الالتزاميّ عن الحجّيّة كذلك.

وردّ هذا الوجه الشّيخ الآخوند من حيث إنّ الدّلالة الالتزاميّة عنده متفرّعة على الدّلالة المطابقيّة بالوجود وكذا بالحجّيّة. فلا دلالة التزاميّة معتبرة بعد سقوط المدلول المطابقيّ بالنّسخ.[1]

الوجه الثّاني: من حيث الدّلالة التّضمّنيّة؛ وهو ما يرجع إلى قول القدماء بتركّب الوجوب من طلب وإلزام، ومع ورود الدّليل النّاسخ يرتفع الإلزام ويبقى جنس الوجوب أي الطّلب.

والجواب: إنّ التّركّب الثّابت في المقام تحليليّ لا انحلاليّ، فالوجوب أمر بسيط واحد وهو في الواقع لا يتركّب ولا أجزاء له، وبانتفاء الجزء التّحليليّ أي الإلزام _والحال أنّه بسيط_ ينتفي كلّه ولا يبقى منه شيء. وبالتّالي، لا يدلّ الدّليل المنسوخ بدلالة تضمّنيّة على الجواز أي الطّلب، لأنّ الطّلب ليس إلّا المندمج مع الإلزام بلا تفكيك ولا تفريق انحلاليّ بل تفكيكه تحليليّ فقط.

فالصحيح أنّ المسألة تابعة لدليلها ودراسة لسانه، بحيث يأتي التّفصيل الّذي تقدّم؛ فإن كان الحكم بلسان الطّلب يبقى مجال للجواز، وإن الحكم بلسان الوجوب فلا يبقى مجال للجواز. وهذا هو ما بنى عليه الشّيخ الآخوند إذ ذكر أنّ المنسوخ هو الوجوب ويظهر من كلامه أنّ النّاسخ تعلّق بنفي الوجوب الثّابت بالدّليل المنسوخ.

الوجه الثّالث: الوجوب ليس مفاد اللّفظ بل هو مفاد حكم العقل؛ وهذا مسلك المحقّق النّائيني والسّيّد الخوئي ومن تبعهما، بحيث يحكم العقل بالوجوب حيث كان أمر ولم يكن في المقام ترخيص. فكلّما أمر المولى ولم يرخّص في التّرك ثبت الوجوب أي انتزع العقل وجوبًا. وهذا يعني أنّ في البين أمرًا وعدم ترخيص ثمّ أتى التّرخيص بواسطة الدّليل النّاسخ، فارتفع عدم التّرخيص، فلا بدّ من القول بأنّه يبقى الأمر وهو يفيد الجواز بالمعنى الأعمّ.

 

 

[1]  إشكال بنائيّ: لا تبعيّة هنا حتّى على القول بالتّبيعيّة؛ إذ التّبعيّة تتصوّر حيث يكون المدلول الالتزاميّ أعمّ من المدلول المطابقيّ لكنّ الجواز الثّابت بدليل الوجوب بالالتزام هو الجواز الوجوبيّ لا مطلق الجواز حتّى يبقى له معنى واعتبار عند سقوط الوجوب.[المقرّر].

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است