الواجب التخییری (۹ جمادي الاولی ۱۴۴۴)

الكلام في تفسير الوجوب التّخييريّ بالوجوب النّاقص من قبل المحقّق العراقيّ والّذي على أساسه حلّ الإشكالات من مختلف الجهات إلّا من جهة تعدّد العقاب حيث التزم بذلك على بعض الفروض كما تقدّم.

وهو قد حلّ الإشكالات من مختلف الجهات إلّا من جهة العقاب.

هناك عبارة للشّيخ الآخوند في تقريرات درسه وهي كالصّريح في إرادته للوجوب النّاقص:"فانقدح أنّ إيجاب أحد الشّيئين شرعًا أو عقلًا إمّا لأجل القصور في المقتضيين بحيث لم يبلغ اقتضاء كلّ واحد منهما إلى حدّ الإلزام معيّنًا وإن كان تركهما معًا مبغوضًا".

وسواء كان مقصود الآخوند هذا أم لم يكن؛ فقد التزم المحقّق العراقيّ بذلك وحلّ على أساسه موارد متعدّدة منها صحّة الضّدّ العباديّ وتعلّق الأمر بالفرد والوجوب التّخييريّ ومنها أيضًا الواجب الموسّع وكما قلنا لا تماميّة لشيء من الإشكالات على بيانه.

في بحث دوران الأمر بين التّعيين والتّخيير ذكر الوجوب التّخييريّ على تفسيره بالوجوب النّاقص والتزم بالاحتياط. أي حيث لم يعرف المكلّف هل العتق واجب عليه مخيّرًا بينه وبين الإطعام أم على التّعيين؟ يترتّب على ذلك وجوب الاحتياط. وفي الأثناء تعرّض لبيان المحقّق النّائينيّ لوجوب الاحتياط بنكتة أخرى وردّه.

والاحتياط عنده واجب بنكتة العلم الإجماليّ وإلّا لو لم يكن فالحقّ هو القول بالبراءة. يعلم المكلف إجمالًا إمّا بوجوب العتق على كلّ تقدير سواء جاء بالإطعام وإمّا بحرمة ترك الإطعام على تقدير ترك العتق؛ فيجب الاحتياط بمقتضى العلم الإجماليّ.[1]

وقد أجاب شيخنا الأستاذ على ذلك:

أوّلًا: القول بالاحتياط حال وجود علم إجماليّ لا يبتني على مسلكه فقط في تفسير الوجوب التّخييريّ، بل كذا على مسلك غيره كما لو تعلّق الوجوب بالجامع الانتزاعيّ لا بدّ من القول بجريان هذا الكلام نفسه. فكأنّه بصدد القول بأنّه على مسلكه من تحليل الواجب التّخييريّ يجري الاحتياط مع أنّه كذا على مسلك غيره يجري.

ثانيًا: الحقّ أنّه لا علم إجماليّ في البين؛ بل هذا الكلام مغالطة أودت به إلى الاشتباه والخطأ. العلم الإجماليّ يكون حيث يكون هناك دوران بنحو الحصر، ولكن حينما يقول إمّا العتق واجب وإمّا ترك عدله حرام، لا دوران فهنا قسم ثالث وهو أن يكون العتق واجبًا وأن لا يكون ترك الإطعام حرامًا.[2]

(إمّا يجب العتق وإمّا يجب أحدهما)

والحقّ أن يقال إن المورد مجرى للبراءة لأنّ التّعيين يحتاج إلى مؤونة زائدة تمامًا كما قلنا على القول بكون الوجوب التّخييريّ من الواجب المشروط لأنّ الطرف الثاني مشكوك العدلية أي مشكوك التّكليف به، فيرجع في الحقيقة الشّكّ إلى الشّبهة البدويّة وقد أشرنا إلى ذلك في بعض الكلام عن السّيّد الصّدر.

 

وأورد على بيانه بوجوه لا يرد منها شيء؛ ومنها إشكال السّيّد الشّاهروديّ والشّيخ الوحيد حيث قالا بردّه إلى الوجوب المشروط والحال أنّ المحقّق العراقيّ يقول هذا ليس من الوجوب المشروط.

وإشكال آخر للسّيّد الشّاهروديّ وكذا لبعض الأعزّة من كونه خلاف الظّاهر، لأنّ ظاهر الوجوب عند السّيّد هو طلب الفعل لا حرمة التّرك وعند بعض الأعزّة لأنّ الظّاهر هو وحدة التّكليف لا تعدّده. وهذا غير واردين؛ فلزوم الفعل وممنوعيّة التّرك لا فرق بينها على المستوى الثّبوتيّ التّحليليّ؛ فالأمر طلب وليس منعًا لكنّه على مستوى التّحليل هو ليس إلّا ممنوعيّة التّرك وإن كان المعنى الموضوع له الأمر هو الطّلب لا غير. ثمّ لا نسلّم بكون الوجوب النّاقص على خلاف الظّاهر، إذ ما لدينا من ظهور هو كون الوجوب التّخييريّ ممّا لا يجب فيه الجمع بين الخصال ويتخيّر المكلّف في الامتثال بأيّها، أمّا أنّ الوجوب قد تعلّق بواحد أو هناك وجوبات متعدّدة متعلّقة بكلّ خصلة فهذا ممّا لا ظهور فيه والدّليل ساكت عنها.

وإشكال رابع هو أن يكون بامتثاله لأحدهما قد امتثل الآخر. وهذا لم نفهمه، إذ إذا امتثل المكلّف باتيان أحدها لم تكن الخصال الأخرى واجبة لا أنّه قد امتثلها، فهو مردود.[3]

وإشكال خامس[4] من أنّه يجب على المكلّف الاتيان بالمقدّمات مع عدم وجوب ذي المقدّمة. وهذا مردود حيث نقول بأنّه حيث يكون وجوب ذي المقدمة ناقصًا كذا يكون وجوب المقدّمة ناقصًا أي حيث لا أمر بسدّ باب عدم ذي المقدّمة كذا لا أمر بسدّ باب عدم المقدّمة. فضلًا عن أنّ وجوب المقدّمة يختصّ بالمقدّمة الموصلة دون غيرها عندنا.

وإشكال سادس هو لزوم تعدّد العقاب. وقد قلنا بقبول المحقّق العراقيّ لذلك في بعض الصّور.

وبرأينا لا إشكال على الوجوب النّاقص في تحليل الوجوب التّخييريّ لا ثبوتًا ولا إثباتًا إلّا لزوم تعدّد العقاب في بعض الموارد، فإذا قلنا بأنّ للوجوب التّخييريّ عقابًا واحدًا في مختلف الصّور لما تيسّر القبول بتفسيره على الوجوب النّاقص.

 

[1]  صوّر المحقّق العراقيّ علمًا إجماليًّا آخر غير المذكور يدور بين حرمة ترك العتق حال الاتيان بالإطعام والصّيام وبين حرمة ترك الإطعام والصّيام حال ترك العتق، راجع نهاية الأفكار،ج3،ص398.

[2]  هذا الّذي جعله شقًّا ثالثًا هو الشّقّ الأوّل. [المقرّر].

[3]  مرجع هذا الإشكال هو إلى ما يُفهم من بعض عبارات المحقّق العراقيّ من أنّ الوجوب النّاقص يدعو إلى متعلّقه إلّا من جهة الأهمّ فإنّه لا يدعو إلى ما هو على خلاف الأهمّ لتقع المطاردة والمعاندة بل هو موافق لداعويّة الأهمّ. وقد تُفهم هذه الموافقة على نحو يكون المهمّ ساكتًا من جهة الأهمّ وقد تُفهم على نحو يكون المهمّ داعيًا إلى ما يدعو إليه الأهمّ؛ وسواء كان ساكتًا أو داعيًا إلى الأهمّ فإنّ الاتيان بالأهمّ هو امتثال لموافقته إيّاه. [المقرّر].

 

[4] هذا ما يُفهم من عبارة المحقّق العراقيّ أيضًا؛ حيث قال بأنّ مقتضى الأمر بالمهمّ أنّه من قبيل متممّ الوجود الرّاجع إلى إيجاب حفظ المهمّ من قبل مقدّماته وسائر أضداده في ظرف انحفاظه من قبل الضّدّ الأهمّ. ثمّ نظّر للوجوب النّاقص بإيجاب شيء قد تحقّقت بعض مقدّماته من أنّه يدعو إلى حفظها والاتيان بسائر المقدّمات غير تلك المقدّمة الكذائيّة. فهذا ظاهر في أنّ الأمر بالمهمّ يبقى على داعويّته بالنّسبة إلى المقدّمات حال عدم داعويّته من جهة الأهمّ وحال وقوعه. [المقرّر].

برچسب ها: الواجب التخييري

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است