الواجب الكفايي (۷ جمادي الثانیة ۱۴۴۴)

كلامنا في الواجب الكفائيّ وتحليله وبيان حقيقته من حيث بيان كون وجوبه وجوبًا مشروطًا أم لا.

وقد استفدنا من كلام الشّيخ الآخوند[1] أنّه سنخ وجوب مختلف عن سائر الوجوبات العينيّة، أي إنّه متفاوت معها على مستوى الحقيقة والماهيّة. وهو نحو وجوب ذو آثار خاصّة يتميّز بها تمامًا كما ميّز الشّيخ الآخوند الوجوب التّخييريّ عن التّعيينيّ بالآثار من دون الحاجة عنده للتّعرّض للحقيقة بل تكشف عنه تبعاته.

والمتفاهم من الاختلاف هو الاختلاف الماهويّ بحيث ينقسم الواجب على مستوى الحقيقة إلى الواجب العينيّ والواجب الكفائيّ من دون أن يرجع هذا الوجوب الكفائيّ إلى شيء من الأقسام الّتي بيّنت سابقًا في الوجوب العينيّ ككونه مشروطًا بعدم اتيان الآخر بالمأمور به، بل هو واجب نعرفه من خلال آثاره ولا نستطيع أن نعبّر عن حقيقته إلّا بالنّظر إلى آثاره كما في الوجوب التّخييريّ. وهذه الآثار هي أنّه حال ترك الكلّ للامتثال يأثم الكلّ وأنّه حال اتيان البعض به يسقط عن الكلّ وأنّه حال تكرّر الاتيان بالمأمور به من عدّة مكلّفين يتكرّر الامتثال أي يكون كلّ منهم ممتثلًا لا أنّ مجموع امتثالاتهم تقع امتثالًا واحدًا وذلك على نحو توارد العلل المتعدّدة على معلول واحد كما عبّر الشّيخ الآخوند. هذه حصيلة كلام الشّيخ الآخوند الّذي كان مرّ وقبل ذلك كنّا ذكرنا ثمرة بيان حقيقة الواجب الكفائيّ في الجملة.

وهناك احتمالات أخرى في تفسير الواجب الكفائيّ يقع على رأسها تحليل الواجب الكفائيّ على أساس الواجب المشروط بحيث يكون قسمًا منه.

والواجب المشروط قد يكون مشروطًا بأمر وجوديّ وقد يكون مشروطًا بأمر عدميّ، وما نحن بصدده من وجوب كفائيّ يكون مشروطًا بعدم فعل الغير للمأمور به. مثلًا: يجب عليّ تجهيز الميّت إن لم يجهّزه الآخر ومنه وجوب التّفقّه في الدّين ما لم يتفقّه الآخر. ويكون هذا الشّرط شرطَا متأخّرًا.

وبالتّالي؛ هو ليس قسمًا في مقابل أقسام الوجوب بل هو من الواجب المشروط ومن المشروط ما يكون مشروطًا بعدم فعل نفس الشّخص للعدل وأخرى بعدم فعل الآخرين من المكلّفين للمأمور به ويسمّى الأوّل الواجب التّخييريّ فيما يسمّى الثّاني بالواجب الكفائيّ.

فالكلام هنا هو على وزان جعل الواجب التّخييريّ من الواجب المشروط. فرق الوجوب الكفائيّ عن الوجوب التّخييريّ بعد أن أعيدا إلى الوجوب المشروط هو أنّ التّخييريّ مشروط بعدم فعل المكلّف نفسه  للعدل بحيث يكون الإطعام واجبًا ما لم يأت المكلّف نفسه بالعتق؛ وأمّا الكفائيّ فهو على نحو يُشرط الوجوب بعدم اتيان الآخرين بالمأمور به. ويتأتّى أن يفسّر السّيّد الصّدر للواجب الكفائيّ على الواجب المشروط.

وهنا إشكالان على هذا التّصوير:

الإشكال الأوّل:[2]

الواجب المشروط هو وجوب عينيّ مشروط، فالوجوب العينيّ ينقسم إلى قسمين مطلق ومشروط، والمشروط ينقسم إلى قسمين مشروط بعدم فعل الآخر ومشروط بعدم فعل الشّخص نفسه.

إذا كان للوجوب ملاك واحد فلا مجال لتعدّد الخطاب والجعل؛ كما في تجهيز الميّت حيث يكون هناك ملاك واحد، فكيف يكون لكلّ مكلّف خطاب بحيث يتعدّد الخطاب ولو على نحو مشروط والحال أنّ الملاك الواحد لا يتأتّى منه خطابات متعدّدة. وظهور الواجب الكفائيّ هو أنّه خطاب واحد يسقط بفعل أيّ من المكلّفين. وليس هذا الخطاب من قبيل الخطاب بالحجّ الّذي ينحلّ ويتعدّد بتعدّد المكلّفين المستطيعين والمقصود هنا هو مقام الثّبوت لا مقام الإثبات؛ ويكون عصيان وامتثال كلّ مكلّف مستقلًّا.

إذن؛ الوجوب المشروط يستدعي تعدّد الخطاب وظهور الواجب الكفائيّ يقتضي كونه ذا خطاب واحد يسقط بفعل البعض.

أمّا إذا قيل بتعدّد الملاك في الواجب الكفائيّ لأشكل التّحليل في مورد غير قابل للتّكرار مثل دفن الميّت، حيث إنّه واجب كفائيّ لا يقبل التّعدّد وهذا لا يمكن توجيهه بالواجب المشروط وتعدّد الجعل والخطاب. والغرض الواحد يطلب جعلًا واحدًا.

وأجاب السّيّد الصّدر عن هذا الإشكال[3] بأنّا نختار الشّقّ الثّاني وهو أنّ الملاك متعدّد بحيث إنّها ملاكات غير قابلة للجمع، ومثل الدّفن الّذي أشكل فيه التّصوير نقول بكونه ذا ملاكات متعدّدة، كلّ ملاك يتحصّل من مكلّف بعينه بحيث يكون هذا الغرض غير الغرض الّذي قد تأتّى من الآخر وإن كان الدّفن كلّه ذا صورة واحدة. وإن شئت مثّل لذلك بإحضار الماء من العبيد المتعدّدين للمولى على نحو يكون رواء فعل كلّ عبد ملاك أي في مائه الخاصّ ملاك مختلف عن الماء المحضر من الآخر وإن كان للكلّ صورة واحدة غير متعدّدة. وبالعودة إلى مثال الدّفن نقول ليس الغرض هو أيّ مواراة بل مواراة بخصوصيّة ما، ولذا تختلف الملاكات باختلاف الخصوصيّات. ومن هنا؛ لا ينفع أن يواري الحمار الميّت من الإنسان وكذا لا يجزي دفن الجنّ للإنسان كما لا يكفي دفن السّيل، بل يجب في الكلّ إخراج الميّت وإعادة دفنه وهذا مسلّم شرعًا وفقهًا. فيكون كلام السّيّد الصّدر على القاعدة.

وهذا يعني أنّه لا إشكال في توجيه الواجب الكفائيّ بناءً على الواجب المشروط من جهة هذا الإشكال.

والجواب على هذا الجواب بحسب شيخنا الأستاذ: هو أنّ هذا الرّدّ مبنيّ على الإشكال الّذي جيء به من أنّ الغرض الواحد يتطلّب خطابًا واحدًا لكن في الوجوب التّخييريّ كنّا طرحنا كلامًا هو في ردّ إشكال السّيّد الخوئيّ على تصويره على الواجب المشروط القائل بكون التّصوير على خلاف الظّهور وقلنا إنّه لا مخالفة للظّاهر فقد يكون في البين وجوب واحد وقد يكون وجوبان مشروطان. وذاك الإشكال بعينه يجري هنا. فظاهر الخطاب هو أنّ المكلّف متعدّد وهنا تكليف واحد لكن كلّ وجوب يتوجّه إلى كلّ مكلّف هو وجوب مشروط بعدم فعل الآخر ولو كان الملاك واحدًا. نعم، كون الغرض الواحد يستدعي خطابًا واحدًا يتمّ في حال المكلّف الواحد لا المكلّف المتعدّد. ولذا لا يتمّ الإشكال هنا.

وأمّا الإشكال الثّاني فيأتي إن شاء الله تعالى.

 

 

 

[1] الكفاية،ج1،ص200:"والتّحقيق أنّه سنخ من الوجوب وله تعلّق بكلّ واحد بحيث لو أخلّ بامتثاله الكلّ لعوقبوا على مخالفته جميعًا، وإن سقط عنهم او أتى به بعضهم؛ وذلك لأنّه قضيّة ما إذا كان هناك غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الكلّ أو البعض. كما أنّ الظّاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة واستحقاقهم المثوبة وسقوط الغرض بفعل الكلّ كما هو قضيّة توارد العلل المتعدّدة على معلول واحد".

[2] البحوث،ج2،ص425:"الأوّل أنّه إذا افترضنا وحدة الملاك في صدور الفعل من أحد المكلّفين فهو يقتضي وحدة الخطاب أيضًا فلا معنى لتعدّده وإن فرض تعدّده فهذا غير معقول في الواجبات الكفائيّة الّتي لا تقبل التّعدّد كالدّفن مثلًا".

[3]  المصدر نفسه:"وفيه أنّ افتراض تعدّد الملاك ممكن ثبوتًا حتّى في مثل الدّفن فإنّه من حيث صدوره من هذا المكلّف أو ذاك متعدّد، فقد يكون في صدوره من كلّ منهم ملاك مستقلّ غاية الأمر الدّفن على نحو اسم المعنى المصدريّ لا يقبل التّعدّد فكأنّه هناك تمانع في وجود هذه الملاكات المتعدّدة ولذلك كان الوجوب مشروطًا".

برچسب ها: الواجب الكفايي

چاپ

 نقل مطالب فقط با ذکر منبع مجاز است